شال النوار ظلل بيتنا ... الغناء في الأزمنة السعيدة

في هذه الأغنية لحن غريب تشعر به وكأنه يتنامى من أعماق بعيدة ، أو كينابيع تتفجر ببطء لتملأ الحواس بشحنة من التقاسيم العذبة ، إنه لحن يلعب بحركة الأعصاب بدوائر من الأنغام تتقطع وتتجمع في مركز متوتر وتعود مرة أخرى لتجديد المتعة . لكن في فرادة اللحن ، وفي فرادة كلمات الأغنية للرائع اسحاق الحلنقي ، وفي فرادة الصوت الدرامي لمحمد الأمين (خصوصا في هذه الأغنية) وأخيرا في فرادة الندرة التي غنى فيها الأستاذ هذه الأغنية ( نادرا ما يغنيها) في كل ذلك غرابة تليق بهذا اللحن المنفرد أصلا .
هذه أغنية عاطفية رومانسية لكن أجواءها تصور تحديدا بدايات الحب العاصف . وبالرغم أن الأغنية لا تحمل فرادتها إلا من مجموع التيمات التي جعلت منها بنية فنية متكاملة إلا أن هناك ما يمكن أن تكون تعبيرا عنه في المجتمع أو انعكاسا لطبيعته المرتبط بجوهر الفن أصلا أي ذلك الزمن السعيد الذي ظهرت فيه هذه الأغنية . إن الأغنية تردنا بقوة إلى زمن مستعاد زمن خارج مجرى الوقت فالأغنية هنا كالصورة تماما تمسك من زمن الفن أعذب تجلياته المسموعة في الأغنيات العظيمة (كهذه الأغنية)إن زمن الفن بهذا المعنى هو الذي يخلق شروط الإبداع . فالأغنية كتعبير فني هي بنت ذلك الزمن الذي سمح للإبداع أن يتنفس . فالإحساس بالحرية والسعادة والقرار في نسيج اجتماعي يصغي للفن وينفعل له وينتج مبدعيه كل تلك المعاني هي خصائص ذلك الزمن الذي طبعت إبداع هذه الأغنية . فذلك الزمن السعيد حين سمح بشروط الإبداع لأبنائه وذهب في مجرى التاريخ ، أصبح خالدا في تلك الأغاني التي نبعت منه . ولهذا سنجد أن الإبداع الكامن في هذه الأغنية ولحنها الغريب الذي يضخ في مشاعرنا رصيدا من الفن والجمال والإنسانية والبراءة ، يضعنا بقوة أمام الذاكرة والحنين لزمن لم تبق منه إلا هذه الأغنية كدليل عليه . بالإضافة إلى الذكريات الصغيرة والمناسبات الخاصة لكل واحد بكل أغنية . وبعبارة أخرى لو أردنا أن نعرف خسارة ذلك الزمن السعيد . سنجد أن الفنان والشاعر (أطال الله بقائهما) لا يمكن في زماننا الأغبر هذا أن يبدعا أغنية كتلك الأغنية (شال النوار) مع أن الفنان هو هو والشاعر هو هو ... وذلك ليس لأن لحظات إبداع العمل الفني هي لحظات غير متجددة ـ وهذا صحيح ـ ولكن لأن الزمن الذي تغيب فيه شروط الإبداع الحقيقي من الحرية والتفاؤل والبراءة والقرار ـ هو الذي يمنع تجديد وإنتاج مثل هذه الأغنيات العظيمة ... إنه زمن الخواء ، والفقر ، والقهر والتشاؤم الذي يخنق الإبداع رغم وجود المبدعين ... إنها الأزمنة السعيدة وحدها تلك التي تخلق الإبداع ... أتمنى من أحد الإخوان أن يحمل أغنية (شال النوار) في هذا البوست ..