كلب سراماغو...د/لمياء شمت

كلب سراماغو...د/لمياء شمت


10-20-2007, 09:08 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=120&msg=1192910897&rn=0


Post: #1
Title: كلب سراماغو...د/لمياء شمت
Author: فيصل محمد خليل
Date: 10-20-2007, 09:08 PM

سؤال لطالما حاول النقاد أن يبذلوا له بعض التفاسير: لماذا يتجه الأدب، بمثل هذه الكثافة والتعمد الملحوظين ، نحو (أنسنة) كل الموجودات والكائنات ما دون البشر، على إطلاقها، بل وإسباغ أنبل الصفات الإنسانية عليها بلا أدنى تحفظ؟!

يتصدى للاجابة الروائي البرتغالي التسعيني جوزي ساراماغو، الحائز على جائزة نوبل للآداب للعام 1998م كأول كاتب في البرتغالية ينال هذا التقدير العالمي الرفيع، والذي يُعرِّف نفسه بأنه ينتمي لشجرة العائلة الفكرية التي تضم غوغول وفرانز كافكا. ومن أشهر رواياته (دليل الرسم والخط) و(الوضوح) و(الإنجيل يحب يسوع المسيح) التي أقامت الدنيا ولم تقعدها، حتى أن السلطات البرتغالية قررت وقف الجدل بنفي ساراماغو نفسه إلى جزر الكناري! يقول هذا الروائي، بعبارات جريئة وصادمة، إن العثور على خصائص إنسانية في أمم الحيوانات والحشرات ببراءتها الروحية وفطرتها السليمة وغرائزها السوية وحريتها المحببة ، بات أسهل بما لا يقاس من العثور عليها في عالم الانسان! ويضيف أن روح الانسانية قد نزعت من البشر نهائياً، بينما بثت في سائر الموجودات، بما في ذلك حتى .. الحجارة الصماء!

ويمضي ساراماغو يؤكد بحماسة بالغة ولغة مشتعلة لا تعرف المجاملة أن أوقع وأفضل شخصياته الروائية على الإطلاق هي شخصية (الكلب) الذي يمثل عنده الانسانية في أرفع درجاتها، والصفاء الروحي في أنقى ينابيعه، حتى أن (الكلب) ليتفجع من مآل البشر، فيرق، بل ويبكي أحيانا حتى تتخضل فروة وجهه! ويستطرد ساراماغو بان جل ما يتمناه، عندما تذوي كتاباته، وتذهب طي النسيان، أن يبقى (الكلب) شاخصاً في وجدان قرائه كشخصية خيرة عميقة الإنسانية! ويختم الروائي البرتغالي إفادته بأنه، في لحظة الكشف التي تعطي النص عمقه و رؤاه، وجد نفسه يختتم روايته بعواء (كلب)، لتكون تلك الصورة الرامزة إشارة طاوية للسؤال الذي يطرحه في جل رواياته عن ماهية الحياة ومعناها، وليفتح ذلك العواء الحزين باب التأويل على مصراعيه.

من يدري ، فلعل (كلب ساراماغو) المحزون الكظيم يدعو البشرية في أوابد حضيضها أن تبدأ جديا في البحث عما يعوض عن انسانيتها المسفوحة في زمن انتصار القبح والخواء والجدب والعبث. وبما أن العقل البشري يبدو وكأنه يوشك أن ينزل عن سدته، لتفوز بالسلطة وتحكم البشرية أعضاء أخرى، فما ضر هذا (الكلب) أن يتناسى أساه ومكابداته، فلا يجد حرجاً في أن يفخر ويباهي بما خلع عليه الروائي الكبير من صفات، وما أسبغ من مكرمات، من وقف ميراث لا مُطالب به. لكنه لا يفعل، بل يتلفت مشفقاً حسيراً كسيفاً وهو يرى الانسانية في عبثها المتقن تأخذ أنفاسها بعمق قبل أن تقفز في سقوط حر صوب القاع!

Post: #2
Title: Re: كلب سراماغو...د/لمياء شمت
Author: عادل عبدالرحمن
Date: 10-21-2007, 11:09 PM
Parent: #1



كثيراً ما ذهب خوزيه ساراماغو - في أعماله الروائية - الى التشكيك في قناعة البشر بأنهم قد وصلوا الى مرتبة "الإنسانيّة" ، تلك المرتبة التي تفصلهم تماماً ، وتميّزهم عن بقيّة مملكة الحيوان !
ولقد تبدّت وجهة نظره هذي ، ليست في أعماله الأدبيّة وحسب ، بل تعدّتها الى التصريح المباشر بها الى وسائل الإعلام . فلدى زيارته الى الولايات المتحدة الأمريكيّة ، بُعيْد نيله جائزة نوبل في العام 1998 ، أثار حنق وحفيظة الكثير ممن كانوا يقيمون معه اللقاءات والحوارات من محرري أبواب الأدب في كبريات دور الصحافة والإعلام - حين كان يردّد ، بمناسبة ودونما مناسبة مقولة عالِم الطبيعيّات وعلم سلوك الإنسان ، النمساوي / كونراد لورنز :
[ لقد اكتشفتُ أنّ الحلقة بين الحيوان والإنسان المتحضّر ، هي نحن ُ ]
واتهموه بأنّه كان يتعمّد استفزازهم ، استفزاز بني البشر ..

فإلى أيّ مدىً كانت ، وستظل ، تلك المقولة / الإكتشافُ صائبة ً :
من الناحية الطبيعيّة / البيلوجيّة ، ومن الناحية الإجتماعيّة / السلوكيّة ؟!!
المتمعّن ، برويّة ، في التاريخ وحال اليوم سيجد أنّ الإنسان قد كدّ ، كدَح وحقّق الكثير ، والمُدهش مِن الإنجازات .. إلا أنّ تلك " القفزة الشاملة " والنوعيّة نحو عالَم ٍ أكثرَ رحابة ًوإنسانيّة - يكفّ فيه بنو آدم عن قتل بعضهم البعض ، يعمّ فيه التآخي والمحبّة بدل البغضاء والكره ، يذهب فيه الناسُ نحو فكّ شفرة الكون المحيط بنا ، مداواة عِلَلِنا وإقصاء المرض والعاهات عن حياتنا - ما زالت بعيدة المنال ..

وأنّ الذي يؤكّد على حمَق الإنسان - هو أنّ كلّ ذلك من الممكن تحقيقه ، إلا أنّه ما يزال يراوح بين منزلتين ، مغلولٌ بتلك "الحلقة المفقودة" التي تكبّل كاحليه / يبحث عنها ولا يراها ؛

وليتمَلمَل "داروين" في قبره ما شاء له التملمُل : فهو لم يصدّق تلك الحقيقة التي كانت ماثلة أمام عينيه .. فبدّد ما تبقّى له من العمر بحثاً عنها في غياهب الآركيولوجيا ؛

[ ... أنّ الحلقة بين الحيوان والإنسان المتحضّر ، هي نحن ]
أرجو أنْ يكون ذلك صائباً ، وهو صائب ، بدَل أن نكون الحلقة بيننا ، والإنسان المُحتضر .. !