تصادف اليوم الثلاثاء 25 سبتمبر ان شاهدت حلقة عن الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير. وتذكرت موضوع كتبته قبل عشرة سنوات نشر في جريدة الخرطوم . الذي جعلنا نحب التجاني يوسف بشير هو أستاذنا في مدرسة الأحفاد وصديق التجاني ورفيق دربه الأستاذ الشاعر الرائع والفيلسوف والدرويش المتجرد عبد الله البشير مؤلف نشيد الأحفاد الذي كنا نبدأ به اليوم الدراسي :
فتية للعلم في الأحفاد يحدونا الأمل للعلا للمجد للأخلاق نسعى لا نمل للأخاء الحر نسعى للتفاني في العمل شعل كالشهب نمضي في احتقار للكسل
وهو كذلك مؤلف نشيد النفير الذي كان يردده كل السودان بعد الاستقلال :
بيدينا نبنيك يا بلدنا اقسمنا لازم نبنيك صممنا وحبك يسندنا بأرواحنا والمال نفديك وطن أجدادنا يا بلدنا مسوي أولادنا يا بلدنا فيك أمجادنا يا بلدنا
لم أري شخصا مسكونا بحب التجاني وتقديسه مثل الأستاذ عبد الله البشير والذي علي عكس التجاني تمكن من الذهاب إلي مصر والدراسة في دار العلوم .
أحمد التجاني يوسف بشير الكتيابي من بيت الكتيابي , بيت ديني كبير في ام درمان . ولد سنة 1910 وهو يمثل العقد بعد توفيق صالح جبريل ، وعقدين بعد الأستاذ عبد الله البنا . شعره عميق بنكهة خاصة لا يخلو من المرارة درس القرآن في خلوة عمه محمد القاضي الكتيابي . ثم انضم إلي المعهد العلمي الذي بدا في مسجد أم درمان الكبير وصار جامعة أم درمان الإسلامية . ولأنه صاحب شخصية مميزة وموهبة عظيمة ، قابل الحسد وعدم الفهم . واصطدم بزملاءه وبعض مدرسيه من أصحاب العقول الآسنة وما أكثرهم الآن . وبسبب هذه العقول الآسنة والوشاية طرد التجاني من المعهد العلمي الذي كان يحبه . اشتري التجاني ديوان أمير الشعراء احمد شوقي بمبلغ ضخم 80 فرشا وكان مبلغا ضخما حينها . فالعم سليمان النيجيري صاحب المكتبة الوطنية المواجهة لسينماء الوطنية أم درمان كان يبيع الكتب في كيس يحمله علي ظهره في بداية حياته وكان يدفع ريالا كبيرا (عشرون قرشا) كل شهر للعم سليمان ثمنا للديوان فسخر منه بعض زملاءه قائلين له كان يمكن أن يشتري كتابا دينيا أومصحفا . وزعموا أن التجاني قال أن ديوان احمد شوقي خيرا من المصحف وحرف رد التجاني وشهد البعض ضد التجاني إلا أن زميله الأستاذ عبد الله البشير كان يقول أن التجاني قال أن مقارنة شعر احمد شوقي بأي شعر آخر تماثل مقارنة القرآن بأي كلام عادي . وطرد التجاني من المعهد . وقديما كان لنا نشيد في المدارس الابتدائية من تأليف التجاني يوسف بشير اذكر منه:
يا معهدا زاخرا بالحياة ليهنك ان الحياة العمل فسرسر بنا نحو غاياتنا تجدنا خفافا نعاف الوني
وفي قصيدة أخري يقول :
ودعت غض صباي تحت ظلاله ودفنت بيض سني في محرابه
كما صور لنا الخلوة قائلا :
هب من نومه يدقدق عينيه مشيحا بوجه في الصباح ضمخت ثوبه الدواة وروت رأسه من عبيرها الفياح
حاول التجاني الهجرة إلي مصر طلبا للعلم ولكن أهله أرجعوه من محطة القطار وكان يمني نفسه بالذهاب والدراسة في مصر فقال:
مصر يا مهبط الحضارة والنور ويا مبعث الهدي كل ساع
التجاني كان يجد كثيرا من العنت والمضايقات الشخصية والحسد . ووصف شعره بالغموض كما اضطر للعمل في شركة سنجر التي تبيع ماكينات خياطة الملابس وبدأ يقتنع بمصيره بدون الرضي فقال:
اتنكر عيناك هذا المصير ويجحد حسنك هذا المرد
وكما ذكر مبارك إبراهيم صديق الشاعر ومن المولعين بشعره والذي ساعد في إخراج ديوان الشاعر (إشراقة) في عام 1955 فان عمل التجاني في سنجر كانت فترة الهام بالنسبة للشاعر . اذ كان التجاني يقابل حسان اليهود والأرمن والنصارى كزملاء في عمله . أو عند تحصيل أقصات الشركة ، لأن الأقباط والأجانب كانوا اغلب الزبائن فقال التجاني :
آمنت بالحسن بردا وبالصبابة نارا وبالكنيسة عقدا منضدا من عزارا وبالمسيح ومن طاف حوله واستجارا إيمان من يعبد الحسن في عيون النصارى
كما قال كذلك :
درج الحسن في مواكب عيسي مدرج الحب في مساجد احمد
مات التجاني في السابعة والعشرين . وبالرغم من تعاسته وعدم فهم الآخرين ، وداء الصدر الذي قضي عليه وهو في شرخ الشباب ، وانه من بيئة حي السوق وسط المباني الطينية بعيدا عن الحدائق والقصور اخرج أ جمل الشعر قائلا: وعبدناك يا جمال وصغنا لك أنفاسنا هياما وحب
كما غني للنيل :
أنت يا نيل يا سليل الفراديس نبيل موفق في مسابك
وهي رائعة الفنان عثمان حسين
ويذكر زرياب المغني الأسود والزرياب طائر اسود جميل الصوت . ويحن إلي المربد منتدى الشعراء في جنوب العراق وهو في أم درمان لم يغادرها ويقول :
قم يا طرير الشباب غني لنا غني يا حلو يا مستطاب أنشودة الجن وامسح علي زرياب واطمس علي معبد وامشي علي الأحقاب وقف علي المربد
أغنية سيد خليفة .. كما غني للخرطوم وغني لتوتي وشمبات ولم يمدح أي يشر . ورثي الشيخ أبوالقاسم هاشم رئيس المعهد العلمي الذي طرد منه التجاني. الشيء الذي لا يعرفه الكثيرون ، هو أن التجاني كاتب عميق وناقد أدبي وسياسي . عمل كمصحح وكاتب في مجلة ملتقي النيلين مع العم سليمان داؤود منديل وكتب في مجلة الفجر لصاحبها عرفات. ثم صحفيا في مجلة أم درمان مع مؤرخ السودان الأستاذ محمد عبد الرحيم (جد هاشم بدر الدين) إلا أن المرض اشتد عليه ومات في عمر طرفة ابن العبد صاحب المعلقة والشاعر الانجليزي اللورد بايرون والشابي التونسي الذي يلقي تعظيما عظيما من أهله واسمه يطلق علي الشوارع والمعاهد والأطفال وهنالك فستفال سنوي باسمه أما التجاني فلم يجد سوي الإهمال إلا في المناسبات المختلفة كالمهرجان في بداية الستينات الذي خلقه الأستاذ عبد الله البشير وآخرين وكان تعرض منه دقائق معدودة في الجريدة الأخبارية في السينما . وحديقة تقع إلي الشمال من سوق الخرطوم 2 تعاني الإهمال والجفاف ومهرجان 1946 في القاهرة وصفه الاستاذ الدكتور ابراهيم ناجي انه شكسبير وادي النيل وأشاد به الدكتور مظفر سعيد من جامعة الأزهر . وقال عنه الأستاذ أحمد غلوش انه نابغة الشعراء ونسيناه نحن في السودان كالعادة . وربما لأنه جاهر بالشك وله قصيدة بعنوان "يؤلمنى شكي" . وأحرق أهله كثيرا من قصائده وكتاباته خوفا من أن يوصف بالجنون أو الالحاد وما وصلنا عن طريق ديوانه إشراقة ليس كل قصائده التي ذهبت إلي مصر وبقيت هنالك لسنين واخذ البعض بعض قصائده ونسبوها إلي أنفسهم أعظم قصيدة للتجاني حسب رأي هي" القمر المجنون" وهي تدعو لتعليم المرأة ونهضتها . والقدماء لم يكونوا يعترفون لشاعر إلا بعد أن يأتي بحكمة . هذه القصيدة عميقة مليئة بالحكم الفلسفية . اصنعي أيتها الشمس الأهلة وانفحي من روحك الطاهر فيها وقفي مزهوة منها مدله موقف المطفل من غر بنيها
لسوء الحظ البيت الأخير كتب خطأ في طبعة 1955 وأعيد غلط في طبعة بيروت 1980 وحفظه الناس (من غربتيها ) وضاع المعني الجميل . ونحن حفظنا من الأستاذ عبد الله البشير وسمعنا من آخرين ممن عاصروا الشاعر , من غر بنيها . والمطفل هي المرأة كثيرة الأطفال وغر بمعني صغير وبنيها أبناءها والمرأة عادة تزهو بآخر أطفالها . حتى كلماته أخطأنا فيها ولم نهتم. نحن لم نكن تستحق التجاني .
سأحاول في هذا المقال أن أتجنب الأشياء التي سيذكرها الآخرون، ولن أقيّم شعر توفيق لأنني لست مؤهلآ لهذا.
ولكن سأحاول أن أقدم بعض الصور التي لا تكون معروفة للآخرين.
شعر توفيق عبارة عن باروميتر أو مرآة تاريخية، تسجل كل ما يحدث حوله. ولحسن الحظ يضع التأريخ في أغلب قصائده وربما هذا بسبب عمله الإداري والقضائي. وله مقدرة عجيبة علي تسخير الكلمات وتشكيلها ويكاد يكون كإبن الرومي لو أراد لجعل كل كلامه شعرآ. وهذا شيئ رائع بالنسبة لإنسان لا تعتبر العربية لغة أمه. فوالدته هي شريفة إبنة سليم بن عبد الله، وهي محسية لا تتكلم العربية بطلاقة.
من نوادر توفيق أن أمه كانت في طريقها لزيارته في كسلا في الثلاثينيات ووالدته قد تخطت السبعين عامآ وقتها، وتعطل القطار في احدي المحطات فاتصل توفيق بناظر المحطة لمساعدة والدته فسأل ناظر المحطة محتارآ :"أمك دي أعرفها كيف يا توفيق؟" فقال توفيق بمرحه المعروف : " سهلة جدآ أمي علمية وعجمية" هذا إشارة لقامتها الفارعة وعدم تمكنها من العربية وهي تشبه حفيدتها وهي شاعرة وقد رثت عمها توفيق بقصيدة "قومية" .
أمال علي صالح جبريل.
لقد أعطانا توفيق 383 قصيدة منشورة في ديوانه من أربعة أجزاء (أفق وشفق) الذي حققه الدكتور محمد أبراهيم أبو سليم ومحمد صالح حسن كما أعطانا تأريخآ حافلآ بالنضال والوطنية.
وكما قلت في مقالات سابقة فإن توفيق هو أبو الوطنية السودانية بلا منازع ولم نعطه نحن شيئآ سوي لوحة صدئة في جدار داره يغطي جزء منها الطلاء الأصفر "ساحة الشاعر توفيق صالح جبريل" حتي هذه اللوحة البائسة وجد أصدقاء ومحبي توفيق كثيرآ من العناء قبل تثبيتها. فالسلطة وتوفيق ضدان لا يلتقيان.
قبل أسبوعين نجحت في إقناع لجنة الحي وبعض رجال أم درمان في إطلاق إسم توفيق علي الحديقة أمام داره، وعندما رفعت اللافتة "حديقة الشاعر توفيق صالح جبريل" أتي بعض الجزاريين من الحي وبعض البسطاء وهددوا بالموت وعظائم الأمور واستنكرو إطلاق إسم توفيق علي الحديقة وكانوا يقولون : "كيف تسموا الجنينة دي علي توفيق؟ وتوفيق ده منو؟ ونحن رجال الحي ده كيف تسموا الجنينة بإسم زول تاني؟ من الموكد أن هنالك من دفع بهؤلاء البسطاء.
إن الغلطة في المقام الأول هي غلطتنا نحن المتعلمين فمن العادة أن نهمل عظمائنا. الإذاعة البريطانية قدمت توفيق إلي المستمعين قبل عدة شهور وتحدثت عن عظمته وشعره والمبادرة أتت من أحد العرب وأنجز البرنامج الأستاذ محمد خير البدوي الذي يخصه توفيق بأحدي قصائده.
حتي الدكتور أبو سليم يعترف بأنه لم يتعرف توفيق إلا من خلال القصيدة التي غناها الكابلي "كسلا" وإذا كان هنالك من لا يزال يسأل عن من هو توفيق فتوفيق قد ولد في جزيرة مقاصر إقليم دنقلا في 29 سبتمبر 1897 وجده جبريل من الشلال بمصر وأصله كنزي وانتقل إلي السودان في أيام التركية.
نشأ توفيق في منزل عرف بالسرايا أو قلعة صالح جبريل ولا يزال قائمآ وهو أول منزل في أم درمان يبني بالطوب الأحمر وعلي هذا الطراز، وقد أحضر الطوب من سنار بالمراكب والمنزل يقدر بآلاف الأمتار وأمامه دكاكين كانت مشهورة لإزدحامها بالبضائع وكل الخيرات عرفت بدكاكين صالح جبريل وأمام الدكاكين سبيل صالح جبريل بسقيفة جميلة وماء نمير لعابري السبيل. السقيفة قد إنهارت والجرار تعاني من الجفاف. ولم نستطع كعادتنا أن نحافظ علي ما تركه لنا الرجال. والأغنية يا بدور القلعة وجوهرها تشير للسرايا.
الدهليز الذي إشتهر كمنتدي للأدباء والشعراء منفصل عن السرايا وبابه كان أعرق باب سنط في أم درمان وقد صنعه في أول المهدية "ود السني" وهو من أسرة مدني السني التي تنسب إليها عاصمة الجزيرة "ود مدني" .
باب الدهليز قد صار في خبر كان وكذلك الدهليز وأبدل بباب هزيل من الخشب المهترئ والمنطقة أمام الدهليز حيث كان يجلس أعظم الرجال صارت مبولة،تغطي بالقازورات إننا نتبول علي نصب تذكاري. إذآ ما العجب في أن حالنا هو حالنا؟؟!
السرايا قد قسمت.فالحوش والصالون العتيق يستأجره بعض تجار السوق الذين يحضرون في الليل للنوم. ووسط السرايا وقبلها تستأجره أسرة.وانذوي أهل السرايا في هذا الزمن الجائر في جزء صغير من البيت.
كانت هنالك خلوة ملحقة بالسرايا وفي هذه الخلوة تعلم توفيق وشقيقاه علي وأبراهيم وأختاه كلثوم وفاطمة. ثم تتلمذ علي يد أساتذة خصوصيين وتخرج في كلية غردون في سنة 1916 وعمل بالتدريس في الأبيض إلا أنه إستقال بسرعة قائلآ أنه لا يستحق شرف أن يكون معلمآ.
بالرغم من هذه النشأة المترفة إلا أن توفيق كان متواضعآ وبسيطآ جدآ يحب كل الناس ويؤمن بالعدالة الإجتماعية ويدعو إليها ويدافع عن البسطاء والمسحوقين. وعرضه هذا لأن يكون حادثة شاذة. فهو الإداري الوحيد في السودان الذي عمل في الإدارة لأكثر من ثلاثين عامآ بدون أن يترقي ولم يساوم أبدآ وهو القائل
سألاقي الموت صلبآ كالرماح
تاركآ بعدي شيئآ لن يموت
هو ماذا؟ إنه الحق الصراح
ويقول
نزلاؤنا النبلاء الكرماء من أبناء جنس
الصاعدون إلي العلا النابذون لكل رجس
عمالنا الغبش الخفاف الخشن لم ألجأ لملس
أنتم حياة الشعب حامو وحب الشعب قدسي
ما بعتم يومآ ضمائركم بغال أو ببخس
أو حمتموا حول "السرير" ولا تمسحتم بكرس
وكان ينشر الشعر مهاجمآ الإنجليز حتي حرف التاء.
توفيق كان يصادق كل الناس من كل الأعمار لم يكن كالآخرين من جيله يبني الأسوار أمام من هو أصغر منه سنآ ومكانة. وكلما أتذكره أحس بيده تقبض علي عنقي ويشدني بقوة إلي صدره شاتمآ بمزاح. وعنما تهيئ إبنته مرقده علي المسطبة كان يفسح لي مكانآ عند قدميه ويتبسط معي،
علي عكس أبراهيم بدري الذي لم يحدث أن أكلنا معه أو جلسنا أمامه. كطريقة ذلك الجيل
من أصدقاء توفيق المقربين محمد عثمان يس الذي صادق توفيق وهو في العشرين من عمره وتوفيق قد تخطي الأربعين، ومن وحي تلك الصداقة وليالي الأنس خرجت قصيدة كسلا.
وصادق توفيق صالح عبد القادر وهو أحد المؤسسين لجمعية الإتحاد السرية كما صار الصديق اللصيق لمنير إبن صالح عبد القادر وخصه ببعض قصائده وذكر إبن منير الفرذدق. وعندما قدم لي الفرذدق قبل شهور في أبوظبي لأول مرة قلت له أنت الفرذدق منير صالح عبد القادر وعندما رأيت الدهشة في وجهه قلت له جدك ووالدك من أصدقاء توفيق صالح جبريل.
وعندما يقول توفيق
محمد محمد *** أنت طيري الفرد
إن الأنام رقدوا***فقم معي نغرد
من الصعب نصدق أن الشاعر يخاطب طفلآ عمره ثلاثة سنوات هو محمد سر الختم علي صالح جبريل.
توفيق كان مثالآ للسوداني الهميم لطيفآ سهلآ "حنينآ" وأغلب شعره وأحسنه يدور حول أصدقائه الكثيرين وأبناءهم وأهلهم. تخبرنا إبنته سكينة كيف كان يعتكف لشهور عندما يموت أحد أصدقائه
لا يخرج او يخاطب أحدآ وأجود ما قال كان في رثاء أصدقائه كرثائه لعبيد حاج الأمين بطل 24 الذي سجن ونفي إلي واو
جاهدت لا متبرمآ تخش الردي ** وسهرت تعمل والأنام هجود
وارتك أكناف الخلود مناضلآ ** بيني وبينك يا عبيد بعيد
ويناجي إبنه أبراهيم بدري بعد موت صديقه ومرض توفيق
يا بنت إبراهيم حياك الحيا عند المقيل
عز الوصال وليس بيني وبينك غير ميل
ورثي والدته شريفة بعد أكثر من عشرين سنة من موتها
مضت أمي بآمالي الغوالي وبدد فقدها العطف الأخير
قصيدته مصرع البائس تعبر عن إحساسه بآلام الآخرين ويقول
علي كتفيه أسمال تلاشت ** تلوز بها الخطوب وتستتر
وينهي القصيدة ببيت شعر يعكس تمرده وعدم قبوله الضيم
يموت أخوكم الإنسان جوعآ ** وإملاقآ أما في الناس حر
توفيق كان بسيطآ في طعامه وملبسه وطريقة حياته، أكلته المفضلة "القراصة والتركين" أو القراصة بدمعة الدجاج ولم أري توفيق مرتديآ أي شيئ سوي الجلباب البسيط وإن كان سعيد الذي رافقه وخدمه جزء كبير من حياته ولا يزال يتمتع بصحة جيدة يقول بأن توفيق كان يرتدي البنطلون وصوره الفوتوغرافية في العشرينات تظهره كشاب في منتهي الشياكة بملابسه الأوروبية وهنالك صورة لتوفيق قبل أن يبلغ السابعة من عمره وهذا شيئ نادر في ذلك العصر.
(4)
توفيق كان لا ينام علي أي شئ سوي العنقريب وغرفة نومه لا تزال كما هي تتوستطها المرآة الأثرية التي احضرها والده من مصر والعنقريب وإن كان قد تغير بآخر لا يزال بالقرب من الشباك.
توفيق كان يصلي الفجر حاضرآ كل يوم كما تعود في خلوة أبيه ويقرأ القرآن إلي ميعاد الفطور ولم يتوقف عن قراءة القرآن إلي أن مات ويحتسي الحليب في المساء بإنتظام.
الأصدقاء كانوا يحضرون في الضحي لشرب القهوة والشاي ومناقشته الأدب والشعر وبالسؤال أكد إبنه النتلمان علي توفيق وبناته وأحفاده بأنه كان يكتب الشعر في الصباح عندما يكون المنزل هادئآ وقبل حضور الأصدقاء. بالرغم من مرض النقرس وتردد توفيق علي الأطباء والمستشفيات إلا أنه كان مرحآ ودودآ تجلجل ضحكته في دارنا وعندما يكون مع أبي لا يطلب أبي الأسبرين ولا يشتكي من آلام الشقيقة فرفقة توفيق تذهب الألم. ويصير والدي مرحآ ودودآ مما يشجعني للتواجد في البرندة وسماع كلام توفيق . من بعض نوادر توفيق أن أحدي قريباته كانت تسكن عنده وإسمها الجاز ، وهي إمرأة متعبة كثيرة الطلبات والصياح وتسبب كثيرأ من المشاكل ، وكان توفيق يعتبرها إمرأة شؤم وتوفيق يحب المرح والجمال. ذهبت الجاز شاكية لكبار العائلة لآن توفيق كان يلعنها في بعض الأحيان. وانعقد مجلس حرب وطالبوا توفيق أن يعامل الجاز برقة لأنها إمرأة مسكينة لا ذرية لها وإن الله قد أكرمه بأن جعله مسئولآ عنها وأخذ الرجال عهدآ علي توفيق بأن لا يسب المرأة بعد هذا ولم يتركوه إلا بعد أن أقسم.
وبينما الرجال في طريقهم خارج الصالون، لحق سعيد يتوفيق وهو علي السلالم وأسر له شيئآ فانفجر توفيق قائلآ " إنعل أبو الجاز واليوم الجاب الجاز والبعرف الجاز والبتكلم في الجاز" فصدم الرجال وضحك توفيق موضحآ بأن الثلاجة التي رافقته في كل السودان قد توقفت لإنعدام الجاز. وبعدها لم يسب الجاز.
عندما كان توفيق نائبآ للمأمور في الدامر قدمت له بعض النسوة بتهمة صناعة العرقي فحكم علي بعضهم بالسجن وهؤلاء من لهم سوابق وحكم علي الآخرين بالغرامة أو السجن ومثلت أمامه السيدة زينب فقال لها توفيق "زينب منو؟" "أنا زينب القزوزة جنابك" فقال توفيق "القزوزة عرقيك نضيف وتمام...إفراج !!
كان من عادة الإنجليز أن يحتفلوا بعيد جلوس الملك جورج وينصبون الأعلام والزينة في كل مدينة في السودان، وحدث أن كل الأعلام والزينة قد أحرقت في الليل. وحاول توفيق بصفته ممثل الحكومة في أم روابة أن يعتقل المجرم وفشل توفيق. وسجل بلاغ ضد مجهول لآن توفيق كان هو الذي أحرق الأعلام والزينة في الليل وقد سجل هذا في احد قصائده.
وكان توفيق يتفادي تنفيذ الأموامر الإستعمارية التي تضر بالناس ولقد قال :
ولو كنت مأمور لنفذت أمرهم بأكمله ولكني نصف مأمور
توفيق كان يتأثر بكل شيئ يحيط به وهو علي سرير المرض يقاسي من آلام النقرس الفظيعة
شاهد من شرفة المستشفي الإصلاحات والطرق المرصوفة والإضاءة الحديثة في بداية الستينات فأهدي قصيدة إلي الأستاذ فتح الرحمن البشير ضابط مجلس بلدي أم درمان.
(5)
عندما لم تنتظر النساء من أهل بيته مفعول الدواء وأتو بأحد المشعوذين كتب قصيدة يندد بالمشعوذين ويعتذر للدكتور إسماعيل نابري الذي عالج حفيده ولو لا توفيق لما عرف الناس إن الدكتور نابري كان شاعرآ.
في القصيدة "معرفة بالإكراه" مداعبآ الأستاذ عبد الله رجب صاحب جريدة الصراحة ولم يكن قد قابله
رمت لقياك فحارت قدمي ***أين ألقاك وحالت حجب
إنما موعدنا للملتقي *** أن نعش سبتمبر أو رجب
وإذا متنا وهذا قدر *** سوف يرعاها بنونا النجب
ليس هناك شاعر أشاد بشعر الآخرين كتوفيق ، بل أظنه الشاعر الوحيد الذي عشق شعر الآخرين وتشبب به كأنه حسناء . وأشاد بشعر الأخطل الصغير والشريف الرضي وعندما مات الشابي الشاعر التونسي نعاه توفيق قائلآ
نظم الحياة قصيدة لا تعجبوا *** أن يخلب الألباب شعر الشابي
وفي قصيدة "إلي صديقي الشاعر الملهم" بتأريخ 30/9/62
يا بلبل الوادي ومؤنس روضه ** من ذا الذي شدو لنا ويغرد
وهذا لأن سيارة أجره قد صدمت الشاعر المجذوب وكادت أن تؤدي بحياته. كم من أهل السودان يتذكر هذه الحادثة لو لا قصيدة توفيق.
ولأنه كان يكره الإنجليز فلقد كان له كلب أسماه جون وعندما مات الكلب كانت له قصيدة تداولها الناس في السودان وإسمها "الكلب جون" . ونظم قصائد يحي فيها الندوة الأدبية في مدني والأبيض سنة 1945 وأم درمان سنة 1960 وعن طريق قصائد توفيق نعرف أن الندوات الأدبية كانت شيئآ معهودآ في مدن السودان . أين نحن اليوم من هذا؟ !
وعندما تتحطم سيارة صديقه على عبد اللطيف "الفيات" سنة 1928 يعزيه توفيق بقصيدة. مما يعرفنا بأنه كانت للسودانين سيارات حتي في العشرينات.
وعندما سقط عرش النجاشي في الثلاثينات نظم قصيدة بهذه المناسبة والقصد أن يحس الإنجليز بأن ملكهم سيزول ويقول
سل الطائر المشؤم كيف تبددت *** جيوش النجاشي بل وأين رؤوسه
كأن لم يكن ملك عريض ولم تكن *** تطل من القصر الأشم شموسه
(6)
لا يخفي إرتياحه لسقوط نوري السعيد في العراق سنة 1958 بقصيدة "مصرع طاغية" وكان نوري السعيد قد حاول الهرب متخفيآ في زي إمرأة
ألبست ثوب الحيزبون تخفيآ ** ما أنت في الحرب الذبون بناجي
ويخاطب الإستعمار في نفس القصيدة قائلآ
غيبوا بدولاراتكم عن أرضنا **لا نبتغي منكم بروج العاجي
ما دام هذا النيل يجري مرسلآ**برخائه المتدفق الثجلج
ويخاطب السودان في قصيدة وطني
إنما حبك نجوي لا بكاء ونواح
إنه كاللحن ينساب شجيآ في انشراح
ويؤلف قصيدة يشيد فيها بحسن نجيلة وينّوه بكتابه "ملامح المجتمع السوداني" والقصيدة بعنوان " ملامح من الملامح" . وبينما نحن الآن نلهو بالأغاني الهابطة كان لتوفيق قصيدة طويلة من عيون الشعر يلهو بها في القعدات مع الصحاب إسمها "عبث أم روابة" يذكر فيها أصدقائه الخانجي ، عثمان بشير نصر، حسن خورشيد ، الكوباني ، عالم محمد عالم ، جورج ، وآخرين وكل مقطع من بيتين يدد بعدها الصحاب ، لراحتي والسلام !
عابدين ويحك صاح ** لقد نكأت جراح
ذكرتني عهد راح ** مداره الصباح
لراحتي والسلام
عثمان إذ يتغني ** يخفف الهم عنا
حتي إذا الليل جن ** نال الفتي ما تمني
لراحتي والسلام
هكذا كان أهل السودان يلهون علي هذا المستوي العالي . نحن الآن نعيش زمن الإفلاس الفكري.
رثي توفيق الدكتور أنيس بقصيدته "هجع أنيس" . وأنيس كان سفيرنا في الأمم المتحدة في الخمسينات وعمل كطبيب في جبال النوبة في رشاد وهيبان ولولا قصيدة توفيق لطواه النسيان
كالآخرين الذين خدموا الوطن. كما كانت تربط توفيق صداقات جميلة بمئات البشر بعضهم مسيحين وآخرين غير سودانين مثل القاضي رزق الله في أم درمان ولمنيوس اليوناني وله قصيدة بعنوان إلي " إلي أخي شفيق فهمي" .
وتفاعل مع ثورة أكتوبر بقصيدته "نشيد الزحف المقدس" حتي المناسبات والمفارقات البسيطة يسجلها في شعره ، فعندما فشل في إسترجاع ديوان "لزوم ما لا يلزم" لأبي العلاء المعري لآن المجلّد طالب بمبلغ لم يتوفر عند توفيق وهو 55 قرشآ يقول
جلاد كتب أنت أم جلادي ** فعلام أنفق طارفي وتلادي
قصيدته في رثاء أبراهيم بدري عبرت عن عواطفه وألمه لفقد الصديق الذي كان يسميه بتوأم الروح وامتدت صداقتهم لآكثر من أربعين عامآ ويقول
مات خل الأربعين غدا ** ماضيآ ويلي فقدت غدي
جف زهري قاض رونقه **وخلا من بلبل غرد
ويخاطب إبن صديقه قائلآ
يا كمال البدر سر قدمآ ** إن سر الشيخ في الولد
(7)
في إحدي قصائده يشيد بشعر التجاني عامر والمتنبي والسيد أسعد الأسعد سفير لبنان في السودان في قصيدة "إلي سفير الشعر" ولا يتسع المجال لذكر كل الشعراء الذين أعجب بهم وبشعرهم إلا قصيدته في شعر التجاني يوسف بشير ورثائه تستحق الإهتمام.
في بداية العشرينات أصاب كثير من الشباب إحباط شديد بعد تقديم "سفر الولاء" وإعلان أقطاب السودان ولاءهم للإنجليز ومن المؤكد أن الشباب قد تأثروا بحركة تركيا الفتاة وكمال أتاتورك وسعد زغلول ومصطفي كامل وآخرين من مصر.
وتوفيق هو أول من فكر في تنظيم وطني للشباب وأول من دعي للوطنية وهو مؤسس جمعية الإتحاد السرية ومن المؤسسين عبيد حاج الأمين الذي مات في سجن واو. محي الدين جمال أ[و يوسف ، وسليمان كشة ، أبراهيم بدري وصالح عبد القادر وآخرين منهم خليل فرح الذي شارك بغنائه وبدأت الإجتماعات في منزل عبيد حاج الأمين ثم إنتقلو إلي دار الحكمة وتخص سيدة تعرف ب "فوز" . وأتي أبراهيم بأصدقائه منهم محمد صالح الشنقيطي الذي كان رئيسآ للجمعية التشريعية ثم البرلمان ثم البرلمان و عبد الله خليل الذي صار رئيسآ للوزراء.
وتكون الإتحاد من خلايا ، كل خلية من خمسة أعضاء أحدهم مئول إتصال يتصل بدوره بخمسة آخرين بينهم مسئول إتصال إلي قمة الهرم المكون من 13 عضوآ ومن هذا التنظيم السري كان هناك تنظيم علني هو اللواء الأبيض بزعامة علي عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين ولهم جناح عسكري ممثلآ في الظباط والجنود السودانين منهم ثابت عبد الرحيم وحسن فضل المولي وسليمان محمد وعلي البنا وعبد الفضيل ألماظ الذي إستشهد مع الآخرين في معركة الخرطوم وحكم علي الظباط الآخرين بالإعدام.
ونشيد الحرية لهذه المجموعة كان القصيدة التي نشرت في سنة 1922 بمناسبة حضور اللورد البريطاني الانبي حاكم الشرق الأوسط المهاب والذي رحب به الكبار. وقال توفيق الشاب
أيها القوم لا تجروا الزيولا *** يأنف الحر أن يعيش ذليلا
سمتمونا العذاب ضّيقتم الأرض*** علينا حتي هوينا الرحيلا
جمع الجمع أرهب القوم *** حتي أصبح السيد النبيل ذليلا
ونشرت عدة مقالات في نفس السنة لأبراهيم بدري في جريدة الحضارة تحت عنوان "نفثة مصدور" وسلسلة مقالات أخري "كيف نبني أمة" ولتوفيق قصيدة كذلك إسمها "نفثة مصدور" تشير إلي تلك المقالات.
أين كان توفيق أثناء أحداث 1924 ؟ فالجواب الموثق هو أن توفيق كان بعيدآ عن الخرطوم وأول مكان عمل به كنائب مأمور كان في مدني مع محمد أحمد الخواض وأبراهيم بدري ثم أرسل كل منهم إلي جهة مختلفة وذهب توفيق إلي جبال النوبة وأبراهيم بدري إلي جنوب السودان.
(8) في سنة 1923 كتن توفيق نزيلآ بمستشفي مدني بداء معوي فقال شاكيآ مداعبآ صديقه أبراهيم بسخريته المعهودة وكان له خادمآ إسمه "دين" ودكتور درزي إسمه "نكد" وحصانه أعرج فقال
خادمي دين ودكتوري نكد *** ذهجت روحي من هذا الجسد
فحصاني أعرج محدودب *** كان يمشي خطوة أو يكد
وتنقل توفيق في أغلب مدن غرب شرق شمال ووسط السودان مثل دلامي رشاد هيبان بارا الدامر ويذكر حلايب في شعره وأم روابة كما عمل في سنكات بورتسودان الخرطوم والخرطوم بحري وكسلا التي بها شارع بإسم توفيق صالح جبريل وهنالك شارع بإسم توفيق في الدامر.
هنالك بلاد لم يعرفها أهل السودان إلا عن طريق شعر توفيق مثل دلامي التي أحبها توفيق وخلّدها بشعره.
الصحف اليومية في الخمسينات والستينات كانت مليئة بشعر توفيق. وكان يحدث أن يكون لتوفيق أكثر من قصيدة في أكثر من جريدة في نفس اليوم.
توفيق يعود بإستمرار في شعره لحوادث 24 ورجالها وإلي أن مات كانت حياته تدور حول تلك الأحداث وتلك الأحداث هي التي كانت اللبنة الأولي في بناء القومية السودانية وكما قال المفكر المصري الأستاذ حسين ذو الفقار في كتابه "سيادة السودان" أن الأيام الحاسمة في نوفمبر 1924 ومعركة الحياة والموت في شوارع الخرطوم كانت نقطة إنطلاق للقومية والشخصية السودانية.
من الذي بدأ المبادرة لإطلاق الوطنية السودانية من قمقم القبلية والعصبية ؟! إنه الشاعر توفيق صالح جبريل. لقد حورب توفيق في حياته بواسطة الإنجليز والسادة ورؤساء الطوائف. وحورب بعد موته ويحارب الآن بعد مائة عام من ميلاده. ولقد قال للسيد روبرتسون السكرتير الإداري الذي كانت أسنان الرجال تصطك عندما يقفون أمامه
أأنت موزع الأرزاق فينا ** ومجري الطيبات علي العباد ؟
إذا كنت جبارآ عنيدآ ** ستلقي بأسي جبار عنيد
وربك إذا ذهبت إلي قريب ** بربك إذا ذهبت إلي بعيد
سيجري النيل في واديه زهوآ ** ويحي الشعب في عيش رغيد
بعد أحداث 24 غضب السادة الزعماء الذين أصابهم بعض الخير من جرء الإستقرار والإتجار مع المستعمر وخافوا أن يفقدوا مكاسبهم المادية. وشنو حملة عنصرية لأن قائد اللواء الأبيض كان من والدين ينتميا إلي جنوب السودان وجبال النوبة. وقالت صحيفة الحضارة التي تمثل السادة " أن الأمة تشعر بالإساءة عندما ينبري أقل الرجال شأنآ وأوضعهم مكانة في المجتمع بالتظاهر بأنهم يعبرون عن فكر الأمة" !!! وواصلت "الحضارة" مذكرة الناس بأن الغبار الذي يثيره مثل هؤلاء "يسبب الإزعاج للتجار ودوائر المال" وناشدت الحضارة السودانيين الحقيقين إلي سحق أولاد الشوارع . وفي سلسلة من المقالات هاجمت الحضارة رجال 24 ووصلت الحد عندما قالت " إن أمة يقودها علي عبد اللطيف هي أمة وضيعة" وهنالك قائمة مكونة من 38 رجلآ هم الزعماء الدينين، مفتي السودان ، القضاة ، المفتشين ، العمد ومجموعة ضخمة من التجار الذين خافوا علي مصالحهم أحدهم صالح جبريل. ترتيب بابكر بدري في هذه القائمة هو الخامس والعشرين وهذا تصرف مخجل لرجل عظيم.
محمد صالح الشنقيطي بعد عن الحركة لدخول أبناء "الأمة" ولقد شفع لعلي البنا وغير الحكم إلي عشرة سنوات أما الآخرين من غير أبناء السادة فلقد نفذ فيهم حكم الإعدام.
(9)
شاعرنا توفيق كان يقف مع الحق كل الوقت وهو علي إعتقاد تام بأن إختلاف الرأي لا يفسد الود. فإبنته سكينة متزوجة من الناظر مادبو وشقيقته كلثوم هي والدة الدكتور عقيل أحمد عقيل وصهره كذلك محمد أحمد شرفي ومن أقرب أصدقاءه الكثيرين الذين يصعب حصرهم عبد الله الفاضل المهدي وعبد السلام الخليفة وعبد الرحمن النور الذي رثاه بقصيدة رائعة ومامون حسين شريف زوج إبنة السيد عبد الرحمن ورثاه كذلك بقصيدة عصماء.
من أصدقائه المقربين رئيس القضاء عثمان الطيب وعبد المجيد حامد الأمين ، الدكتور عبد الله الطيب ، المبارك أبراهيم ، حسن الأزهري ، إمام دوليب ، الباقر وقلندر الذين ذكرهم في قصيدة الدامر ، جعفر حامد بشير و ح ح البدوي وأحمد داؤود الذي كان يزوره بإنتظام كعادته مع الجميع.
القصيدة التي لا تزال توغر الصدور ضد توفيق هي " العملاق والقزم" ويقول فيها
القزم والعملاق يعتنقان *** وتباكيا كذبآ بدمع قان
فرسا رهان أطلقا هدفاهما *** تاجان أخذان مؤتلفان
لما بدا للشعب أن يتنحيا *** ضحكا وفي قلبيهما ناران
الشئ الذي كان يهم توفيق هو مصلحة الوطن وعندما إشتدت العداوة بين عبد الله خليل الذي كان رئيسآ للوزارة والسيد ميرغني حمزة ناشدهما توفيق بقصيدة أن يفكرا في مصلحة البلد والقصيدة بعنوان " إلي الأخوين المتنابذين" .
لم أسمع أو أقرأ لشاعر أعجب بشعر الآخرين وأشاد به مثل توفيق ولم يكن يحسد أي شخص لمال أو جاه. وعندما يعجب بقصيدة يشيد بشاعرها ويواصل في نفس البحر وبنفس القافية مثل قصيدته " إيحاء شعر" إلي صديقي الشاعر الوجداني مختار محمد مختار من وحي قصيدته الرائعة " حلفا الذاهبة
دارت عليك رحي الزمن الجافي *** فخلوت من أهل ومن آلاف
فيقول توفيق
شعر كرقراق النمير الصافي *** لم يلقي من قدر ومن إنصاف
وهذه حقيقة فمن سمع بمختار محمد مختار ؟ فقط القلة. ويقول بعد قراءة ديوان " الشاعر الرقيق" يوسف التني
لا أذوق المدام من غير ساق *** إنما الود والأنس في التساقي
شاقني راق لي وهذا كياني *** نفحات من شاعر خلاق
وعندما يرثي التجاني يوسف بشير يشيد بشعره
ليتني نلت من عيون معانيك *** فنونآ كأنها الأحداق
القاف من الحروف المفضلة عند توفيق وله 33 قصيدة تنتهي بالقاف لا يزيد عليها الأحرف ، النون 45 قصيدة والراء 46 قصيدة .
(10)
وعندما يرثي الشاعر الكبير العباسي ،وكأنه يقول بأنه يتطاول عندما يقول شعرآ في العباسي
قصيدته "رثاء"
ذهب الردي بالمستغاث الآسي ** سامي الشعور المبدع العباسي
من لي بمعني سامق متناسق ** مزجي بغير تأنق وجناس
قصيدة توفيق "الخميلة الدارسة" كانت بسبب زيارته لدار صديقه رزق الله ووجد الحديقة المذدهرة والنافورة التي تنثر الماء قد أصبحت في خبر كان بعد موت رزق الله وقال ( إن الحديقة كانت كما قال صديقي العلامة ابراهيم بدري)
أخرج الروض فضة ونضارا ** لم يشكوا أهل الرياض إفتقارا
فيواصل توفيق
إن الديار كأهلها ** حينآ تعيش وتدبرأنا لم أكن أ‘رف أن أبراهيم بدري شاعرآ قبل أن أقرأ ديوان توفيق.
الدهليز والجزء الذي كان يسكنه توفيق منفصلآ عن السرايا وعندما يقول الدكتور إسماعيل نابري في سنة 1953
جلست بدهليز كم مرة ** أتوق إلي نظرة عابرة
فيواصل توفيق
تمر بنا ما مضت فترة ** من الناس قافلة قافلة
وذو خرق بائس مطرق ** وحسناء في حلل رافلة
وقال في العودة إلي الدهليز
دهليز توفيق عاد الأنس يبهجه ** ونضرت جانبيه هذه الطرب
الشعر من بابه كالدر منتظم ** والنثر في ظله فيض من الذهب
شاعرنا توفيق كان يدعو إلي تحرير المرأة وتعليمها وتقول إبنته سكينة وشقيقتها صفية كيف كان يحرص علي تعليمهم وكيف درسن في مدرسة ودنوباوي و الإرسالية الخرطوم بحري والدامر. وكان للفتيات في السرايا جريدة إسمها نداء جبريل وتوفيق كان يحثهم ويشجعهم علي إصدارها بإنتظام والمحررات كن آمال صالح جبريل ، نجوي علي صالح جبريل ، شريفة محمد أحمد شرفي ، كوثر وفاطمة ويساعدهم في الرسم صالح شرفي . ولقد أشاد توفيق بهذه الجريدة في قصيدته "تحية إلي النداء" .
الشخص الذي ندين له بالمحافظة علي شعر توفيق هو إبنه علي الرجل الذي يعمل بصمت كوالده لا يتوقع حتي كلمة شكر وهو الوحيد الذي كان يقرأ خط والده .
كما نشكر الكابلي بشدة لأنه أخذ قصيدة توفيق "كسلا" دون إذنه . وتوفيق كان من المؤكد سيرفض، وعندما علم من إبن أخيه عبد الماجد إبراهيم صالح جبريل بأن الكابلي يغني شعره سأل " ياتو قصيدة" وقال بالحرف الواحد : ( أنا ما حا أخلي الكابلي . الناس حتقول أنا بعت شعري !) . والذي أتي بالكابلي إلي توفيق هو صديقه جعفر حامد بشير والكابلي قد أسدي خدمة كبيرة للشعر بأخذه القصيدة .
(11)
من المؤكد أن أول قصيدة معروفة لتوفيق هي "إستقبال" التي نشرت في عام 1922 ولكن من المؤكد ان له أشعار قبل هذه . وآخر قصيدة حسب الديوان هي "تحية العيدين" بتأريخ 1/5/1966
من الممكن أن هذه القصيدة قد قيلت قبل هذا التأريخ وهي من المؤكد من قصائد توفيق الا ان توفيق مات قبل هذا التأريخ وما أعتقده أنا أن آخر قصيدة هي "سلام علي عهدي الأخضر" وبها يودع الدنيا ويقول
سواسية نحن تحت التراب ** فته كيفما شئت واستكبر
وقومي أضلهم "السامري" ** يطيب لهم إن خبا سامري
إلي الله مرجعنا وهو حسبي ** وحبي وما أنت بالآمري
والقصيدة التي قبلها بشهر، أو أربعة أشهر قبل وفاة توفيق هي "أيا أملآ تألق بعد يأس" يشيد فيها
بشعر شاعر الشباب عبد المجيد حاج الأمين.
توفيق ترك الدنيا في 26 أبريل 1966 .
أغلب شعر توفيق شعر تقليدي وبعض قصائده تبدو وكأنها قيلت في حضرت خفاف بن الندبة أو السليك بن السلكة عندما يقول
خليليّ وقد جد الزمان فجودا ** بجد وجهد كي تذيدا وجودا
هذه القصيدة هي "المنافقون" وقد قيلت لتهنئة المحجوب لإختياره رئيسآ للوزارة وكان المحجوب يهتم بتهاني وتحيات زملاءه الشعراء بطريقة خاصة.
ثم يتجه لنوع من الشعر عرف في الجاهلية بسجع الكهان وهو شعر قصير الفواصل فيقول في دلامي
وبها الجنان تمد للرواد أنواع الثمر
فالتين والزيتون والليمون والموز الأغر
واللفت والجرجير والغثاء فيها الجزر
والبان والرمان والزوان والعود الذكر
وله بعض الشعر الحديث ، قصيدة "إنني وإنهم
ضوء ناري وهي تذروها الرياح
بعد أن سارت رمادآ في البطاح
أي سعد لا يساوي ألمي
إنهم يلقون زيتي في التراب
سرقوا كل نبيذ في الرطاب
كبلوني بحديد موصد
من الأشياء الجميلة التي بدأها توفيق في السودان هي- الشعر البرق- فعندما أستؤصلت زائدة أحد أصدقائه أرسل برقية قائلآ
إن إستأصلوها إنها أجنبية ** وانك فرد لا تريد الزوائد
وبرقية أخري لصديق
وإن تك الحاني من ألحان انها ** تحية محزون تزف لفرحان
وعندما إنقطعت أخبار إبراهيم بدري في نهاية 1949 وأبراهيم مريض في سنجة أرسل برقية إلي حسن نجيلة
نجيلة ان هلالك صار بدرآ ** يضيئ الخافقين فأين بدري
فرد إبراهيم بدري بالبرق بعد يوم واحد قائلآ
تولتني خطوب أزعجتني ** وأسلمني السقام لعيش ضر
يبشرني الطبيب بطول عيش ** فقلت هو الشقاء" وطول عمر
سنة 1955 كانت هناك قصة حب عنيفة بين شاب مسلم إسمه جميل وفتاة مسيحية إسمها أنجيل وبالرغم من الصعاب ومعارضة الأهل تزوجا ورزقا بطفلة إسمها ياسمين وسجل توفيق هذه الحادثة بقصيدة رائعة إسمها "أنجيل جميل" .
لتوفيق قصيدة من بيت واحد إلا أن لها من العمق والمعني ما يزن عشرات الأبيات
ظلموه انه الإشراق ** انه الفجر مطلق دفاق
ومن قصائده الفلسفية قصيدته" إلي أبراهيم بدري" ويقول فيها
شعبت المذاهب واستطار *** الفؤاد سدي إلا أين المصير
إلي الدنيا وما فيها بقاء *** إلي الأخري وما فيها مثير
ولم يذكر لنا الماضون شيئآ *** فقد ذهبوا كما ذهب العبير
من المعروف عن توفيق أنه كان يذهب إلي منزله مباشرة بعد ترك عمله ويكره "الزواعة والتلطع" ولا يغشي المنتديات ومن العادة أن يحضر الناس إليه . حتي المآتم يكتفي بإرسال البرقيات.
كان يقول أنه يكره الطرق التي يسلكها كل الناس والشرب من الحوض المباح ولهذا يقول
انتحي ان جمع الناس فلا ** ارد الحوض صباحآ ما تباها
والذي تبتذل الدهماء من ** مغريات عافها القلب أباها
وقد خلد توفيق الكثيرين بشعره وبكي وأبكي عليهم . ولا يحفظ الناس قصيدة قيلت في رثائه .
توفيق لم يكن الرجل الذي يريد شيئآ . رسالته كانت رسالة عطاء.
سأحاول في هذا المقال أن أتجنب الأشياء التي سيذكرها الآخرون، ولن أقيّم شعر توفيق لأنني لست مؤهلآ لهذا.
ولكن سأحاول أن أقدم بعض الصور التي لا تكون معروفة للآخرين.
شعر توفيق عبارة عن باروميتر أو مرآة تاريخية، تسجل كل ما يحدث حوله. ولحسن الحظ يضع التأريخ في أغلب قصائده وربما هذا بسبب عمله الإداري والقضائي. وله مقدرة عجيبة علي تسخير الكلمات وتشكيلها ويكاد يكون كإبن الرومي لو أراد لجعل كل كلامه شعرآ. وهذا شيئ رائع بالنسبة لإنسان لا تعتبر العربية لغة أمه. فوالدته هي شريفة إبنة سليم بن عبد الله، وهي محسية لا تتكلم العربية بطلاقة.
من نوادر توفيق أن أمه كانت في طريقها لزيارته في كسلا في الثلاثينيات ووالدته قد تخطت السبعين عامآ وقتها، وتعطل القطار في احدي المحطات فاتصل توفيق بناظر المحطة لمساعدة والدته فسأل ناظر المحطة محتارآ :"أمك دي أعرفها كيف يا توفيق؟" فقال توفيق بمرحه المعروف : " سهلة جدآ أمي علمية وعجمية" هذا إشارة لقامتها الفارعة وعدم تمكنها من العربية وهي تشبه حفيدتها وهي شاعرة وقد رثت عمها توفيق بقصيدة "قومية" .
أمال علي صالح جبريل.
لقد أعطانا توفيق 383 قصيدة منشورة في ديوانه من أربعة أجزاء (أفق وشفق) الذي حققه الدكتور محمد أبراهيم أبو سليم ومحمد صالح حسن كما أعطانا تأريخآ حافلآ بالنضال والوطنية.
وكما قلت في مقالات سابقة فإن توفيق هو أبو الوطنية السودانية بلا منازع ولم نعطه نحن شيئآ سوي لوحة صدئة في جدار داره يغطي جزء منها الطلاء الأصفر "ساحة الشاعر توفيق صالح جبريل" حتي هذه اللوحة البائسة وجد أصدقاء ومحبي توفيق كثيرآ من العناء قبل تثبيتها. فالسلطة وتوفيق ضدان لا يلتقيان.
قبل أسبوعين نجحت في إقناع لجنة الحي وبعض رجال أم درمان في إطلاق إسم توفيق علي الحديقة أمام داره، وعندما رفعت اللافتة "حديقة الشاعر توفيق صالح جبريل" أتي بعض الجزاريين من الحي وبعض البسطاء وهددوا بالموت وعظائم الأمور واستنكرو إطلاق إسم توفيق علي الحديقة وكانوا يقولون : "كيف تسموا الجنينة دي علي توفيق؟ وتوفيق ده منو؟ ونحن رجال الحي ده كيف تسموا الجنينة بإسم زول تاني؟ من الموكد أن هنالك من دفع بهؤلاء البسطاء.
إن الغلطة في المقام الأول هي غلطتنا نحن المتعلمين فمن العادة أن نهمل عظمائنا. الإذاعة البريطانية قدمت توفيق إلي المستمعين قبل عدة شهور وتحدثت عن عظمته وشعره والمبادرة أتت من أحد العرب وأنجز البرنامج الأستاذ محمد خير البدوي الذي يخصه توفيق بأحدي قصائده.
حتي الدكتور أبو سليم يعترف بأنه لم يتعرف توفيق إلا من خلال القصيدة التي غناها الكابلي "كسلا" وإذا كان هنالك من لا يزال يسأل عن من هو توفيق فتوفيق قد ولد في جزيرة مقاصر إقليم دنقلا في 29 سبتمبر 1897 وجده جبريل من الشلال بمصر وأصله كنزي وانتقل إلي السودان في أيام التركية.
نشأ توفيق في منزل عرف بالسرايا أو قلعة صالح جبريل ولا يزال قائمآ وهو أول منزل في أم درمان يبني بالطوب الأحمر وعلي هذا الطراز، وقد أحضر الطوب من سنار بالمراكب والمنزل يقدر بآلاف الأمتار وأمامه دكاكين كانت مشهورة لإزدحامها بالبضائع وكل الخيرات عرفت بدكاكين صالح جبريل وأمام الدكاكين سبيل صالح جبريل بسقيفة جميلة وماء نمير لعابري السبيل. السقيفة قد إنهارت والجرار تعاني من الجفاف. ولم نستطع كعادتنا أن نحافظ علي ما تركه لنا الرجال. والأغنية يا بدور القلعة وجوهرها تشير للسرايا.
الدهليز الذي إشتهر كمنتدي للأدباء والشعراء منفصل عن السرايا وبابه كان أعرق باب سنط في أم درمان وقد صنعه في أول المهدية "ود السني" وهو من أسرة مدني السني التي تنسب إليها عاصمة الجزيرة "ود مدني" .
باب الدهليز قد صار في خبر كان وكذلك الدهليز وأبدل بباب هزيل من الخشب المهترئ والمنطقة أمام الدهليز حيث كان يجلس أعظم الرجال صارت مبولة،تغطي بالقازورات إننا نتبول علي نصب تذكاري. إذآ ما العجب في أن حالنا هو حالنا؟؟!
السرايا قد قسمت.فالحوش والصالون العتيق يستأجره بعض تجار السوق الذين يحضرون في الليل للنوم. ووسط السرايا وقبلها تستأجره أسرة.وانذوي أهل السرايا في هذا الزمن الجائر في جزء صغير من البيت.
كانت هنالك خلوة ملحقة بالسرايا وفي هذه الخلوة تعلم توفيق وشقيقاه علي وأبراهيم وأختاه كلثوم وفاطمة. ثم تتلمذ علي يد أساتذة خصوصيين وتخرج في كلية غردون في سنة 1916 وعمل بالتدريس في الأبيض إلا أنه إستقال بسرعة قائلآ أنه لا يستحق شرف أن يكون معلمآ.
بالرغم من هذه النشأة المترفة إلا أن توفيق كان متواضعآ وبسيطآ جدآ يحب كل الناس ويؤمن بالعدالة الإجتماعية ويدعو إليها ويدافع عن البسطاء والمسحوقين. وعرضه هذا لأن يكون حادثة شاذة. فهو الإداري الوحيد في السودان الذي عمل في الإدارة لأكثر من ثلاثين عامآ بدون أن يترقي ولم يساوم أبدآ وهو القائل
سألاقي الموت صلبآ كالرماح
تاركآ بعدي شيئآ لن يموت
هو ماذا؟ إنه الحق الصراح
ويقول
نزلاؤنا النبلاء الكرماء من أبناء جنس
الصاعدون إلي العلا النابذون لكل رجس
عمالنا الغبش الخفاف الخشن لم ألجأ لملس
أنتم حياة الشعب حامو وحب الشعب قدسي
ما بعتم يومآ ضمائركم بغال أو ببخس
أو حمتموا حول "السرير" ولا تمسحتم بكرس
وكان ينشر الشعر مهاجمآ الإنجليز حتي حرف التاء.
توفيق كان يصادق كل الناس من كل الأعمار لم يكن كالآخرين من جيله يبني الأسوار أمام من هو أصغر منه سنآ ومكانة. وكلما أتذكره أحس بيده تقبض علي عنقي ويشدني بقوة إلي صدره شاتمآ بمزاح. وعنما تهيئ إبنته مرقده علي المسطبة كان يفسح لي مكانآ عند قدميه ويتبسط معي،
علي عكس أبراهيم بدري الذي لم يحدث أن أكلنا معه أو جلسنا أمامه. كطريقة ذلك الجيل
من أصدقاء توفيق المقربين محمد عثمان يس الذي صادق توفيق وهو في العشرين من عمره وتوفيق قد تخطي الأربعين، ومن وحي تلك الصداقة وليالي الأنس خرجت قصيدة كسلا.
وصادق توفيق صالح عبد القادر وهو أحد المؤسسين لجمعية الإتحاد السرية كما صار الصديق اللصيق لمنير إبن صالح عبد القادر وخصه ببعض قصائده وذكر إبن منير الفرذدق. وعندما قدم لي الفرذدق قبل شهور في أبوظبي لأول مرة قلت له أنت الفرذدق منير صالح عبد القادر وعندما رأيت الدهشة في وجهه قلت له جدك ووالدك من أصدقاء توفيق صالح جبريل.
وعندما يقول توفيق
محمد محمد *** أنت طيري الفرد
إن الأنام رقدوا***فقم معي نغرد
من الصعب نصدق أن الشاعر يخاطب طفلآ عمره ثلاثة سنوات هو محمد سر الختم علي صالح جبريل.
توفيق كان مثالآ للسوداني الهميم لطيفآ سهلآ "حنينآ" وأغلب شعره وأحسنه يدور حول أصدقائه الكثيرين وأبناءهم وأهلهم. تخبرنا إبنته سكينة كيف كان يعتكف لشهور عندما يموت أحد أصدقائه
لا يخرج او يخاطب أحدآ وأجود ما قال كان في رثاء أصدقائه كرثائه لعبيد حاج الأمين بطل 24 الذي سجن ونفي إلي واو
جاهدت لا متبرمآ تخش الردي ** وسهرت تعمل والأنام هجود
وارتك أكناف الخلود مناضلآ ** بيني وبينك يا عبيد بعيد
ويناجي إبنه أبراهيم بدري بعد موت صديقه ومرض توفيق
يا بنت إبراهيم حياك الحيا عند المقيل
عز الوصال وليس بيني وبينك غير ميل
ورثي والدته شريفة بعد أكثر من عشرين سنة من موتها
مضت أمي بآمالي الغوالي وبدد فقدها العطف الأخير
قصيدته مصرع البائس تعبر عن إحساسه بآلام الآخرين ويقول
علي كتفيه أسمال تلاشت ** تلوز بها الخطوب وتستتر
وينهي القصيدة ببيت شعر يعكس تمرده وعدم قبوله الضيم
يموت أخوكم الإنسان جوعآ ** وإملاقآ أما في الناس حر
توفيق كان بسيطآ في طعامه وملبسه وطريقة حياته، أكلته المفضلة "القراصة والتركين" أو القراصة بدمعة الدجاج ولم أري توفيق مرتديآ أي شيئ سوي الجلباب البسيط وإن كان سعيد الذي رافقه وخدمه جزء كبير من حياته ولا يزال يتمتع بصحة جيدة يقول بأن توفيق كان يرتدي البنطلون وصوره الفوتوغرافية في العشرينات تظهره كشاب في منتهي الشياكة بملابسه الأوروبية وهنالك صورة لتوفيق قبل أن يبلغ السابعة من عمره وهذا شيئ نادر في ذلك العصر.
(4)
توفيق كان لا ينام علي أي شئ سوي العنقريب وغرفة نومه لا تزال كما هي تتوستطها المرآة الأثرية التي احضرها والده من مصر والعنقريب وإن كان قد تغير بآخر لا يزال بالقرب من الشباك.
توفيق كان يصلي الفجر حاضرآ كل يوم كما تعود في خلوة أبيه ويقرأ القرآن إلي ميعاد الفطور ولم يتوقف عن قراءة القرآن إلي أن مات ويحتسي الحليب في المساء بإنتظام.
الأصدقاء كانوا يحضرون في الضحي لشرب القهوة والشاي ومناقشته الأدب والشعر وبالسؤال أكد إبنه النتلمان علي توفيق وبناته وأحفاده بأنه كان يكتب الشعر في الصباح عندما يكون المنزل هادئآ وقبل حضور الأصدقاء. بالرغم من مرض النقرس وتردد توفيق علي الأطباء والمستشفيات إلا أنه كان مرحآ ودودآ تجلجل ضحكته في دارنا وعندما يكون مع أبي لا يطلب أبي الأسبرين ولا يشتكي من آلام الشقيقة فرفقة توفيق تذهب الألم. ويصير والدي مرحآ ودودآ مما يشجعني للتواجد في البرندة وسماع كلام توفيق . من بعض نوادر توفيق أن أحدي قريباته كانت تسكن عنده وإسمها الجاز ، وهي إمرأة متعبة كثيرة الطلبات والصياح وتسبب كثيرأ من المشاكل ، وكان توفيق يعتبرها إمرأة شؤم وتوفيق يحب المرح والجمال. ذهبت الجاز شاكية لكبار العائلة لآن توفيق كان يلعنها في بعض الأحيان. وانعقد مجلس حرب وطالبوا توفيق أن يعامل الجاز برقة لأنها إمرأة مسكينة لا ذرية لها وإن الله قد أكرمه بأن جعله مسئولآ عنها وأخذ الرجال عهدآ علي توفيق بأن لا يسب المرأة بعد هذا ولم يتركوه إلا بعد أن أقسم.
وبينما الرجال في طريقهم خارج الصالون، لحق سعيد يتوفيق وهو علي السلالم وأسر له شيئآ فانفجر توفيق قائلآ " إنعل أبو الجاز واليوم الجاب الجاز والبعرف الجاز والبتكلم في الجاز" فصدم الرجال وضحك توفيق موضحآ بأن الثلاجة التي رافقته في كل السودان قد توقفت لإنعدام الجاز. وبعدها لم يسب الجاز.
عندما كان توفيق نائبآ للمأمور في الدامر قدمت له بعض النسوة بتهمة صناعة العرقي فحكم علي بعضهم بالسجن وهؤلاء من لهم سوابق وحكم علي الآخرين بالغرامة أو السجن ومثلت أمامه السيدة زينب فقال لها توفيق "زينب منو؟" "أنا زينب القزوزة جنابك" فقال توفيق "القزوزة عرقيك نضيف وتمام...إفراج !!
كان من عادة الإنجليز أن يحتفلوا بعيد جلوس الملك جورج وينصبون الأعلام والزينة في كل مدينة في السودان، وحدث أن كل الأعلام والزينة قد أحرقت في الليل. وحاول توفيق بصفته ممثل الحكومة في أم روابة أن يعتقل المجرم وفشل توفيق. وسجل بلاغ ضد مجهول لآن توفيق كان هو الذي أحرق الأعلام والزينة في الليل وقد سجل هذا في احد قصائده.
وكان توفيق يتفادي تنفيذ الأموامر الإستعمارية التي تضر بالناس ولقد قال :
ولو كنت مأمور لنفذت أمرهم بأكمله ولكني نصف مأمور
توفيق كان يتأثر بكل شيئ يحيط به وهو علي سرير المرض يقاسي من آلام النقرس الفظيعة
شاهد من شرفة المستشفي الإصلاحات والطرق المرصوفة والإضاءة الحديثة في بداية الستينات فأهدي قصيدة إلي الأستاذ فتح الرحمن البشير ضابط مجلس بلدي أم درمان.
(5)
عندما لم تنتظر النساء من أهل بيته مفعول الدواء وأتو بأحد المشعوذين كتب قصيدة يندد بالمشعوذين ويعتذر للدكتور إسماعيل نابري الذي عالج حفيده ولو لا توفيق لما عرف الناس إن الدكتور نابري كان شاعرآ.
في القصيدة "معرفة بالإكراه" مداعبآ الأستاذ عبد الله رجب صاحب جريدة الصراحة ولم يكن قد قابله
رمت لقياك فحارت قدمي ***أين ألقاك وحالت حجب
إنما موعدنا للملتقي *** أن نعش سبتمبر أو رجب
وإذا متنا وهذا قدر *** سوف يرعاها بنونا النجب
ليس هناك شاعر أشاد بشعر الآخرين كتوفيق ، بل أظنه الشاعر الوحيد الذي عشق شعر الآخرين وتشبب به كأنه حسناء . وأشاد بشعر الأخطل الصغير والشريف الرضي وعندما مات الشابي الشاعر التونسي نعاه توفيق قائلآ
نظم الحياة قصيدة لا تعجبوا *** أن يخلب الألباب شعر الشابي
وفي قصيدة "إلي صديقي الشاعر الملهم" بتأريخ 30/9/62
يا بلبل الوادي ومؤنس روضه ** من ذا الذي شدو لنا ويغرد
وهذا لأن سيارة أجره قد صدمت الشاعر المجذوب وكادت أن تؤدي بحياته. كم من أهل السودان يتذكر هذه الحادثة لو لا قصيدة توفيق.
ولأنه كان يكره الإنجليز فلقد كان له كلب أسماه جون وعندما مات الكلب كانت له قصيدة تداولها الناس في السودان وإسمها "الكلب جون" . ونظم قصائد يحي فيها الندوة الأدبية في مدني والأبيض سنة 1945 وأم درمان سنة 1960 وعن طريق قصائد توفيق نعرف أن الندوات الأدبية كانت شيئآ معهودآ في مدن السودان . أين نحن اليوم من هذا؟ !
وعندما تتحطم سيارة صديقه على عبد اللطيف "الفيات" سنة 1928 يعزيه توفيق بقصيدة. مما يعرفنا بأنه كانت للسودانين سيارات حتي في العشرينات.
وعندما سقط عرش النجاشي في الثلاثينات نظم قصيدة بهذه المناسبة والقصد أن يحس الإنجليز بأن ملكهم سيزول ويقول
سل الطائر المشؤم كيف تبددت *** جيوش النجاشي بل وأين رؤوسه
كأن لم يكن ملك عريض ولم تكن *** تطل من القصر الأشم شموسه
(6)
لا يخفي إرتياحه لسقوط نوري السعيد في العراق سنة 1958 بقصيدة "مصرع طاغية" وكان نوري السعيد قد حاول الهرب متخفيآ في زي إمرأة
ألبست ثوب الحيزبون تخفيآ ** ما أنت في الحرب الذبون بناجي
ويخاطب الإستعمار في نفس القصيدة قائلآ
غيبوا بدولاراتكم عن أرضنا **لا نبتغي منكم بروج العاجي
ما دام هذا النيل يجري مرسلآ**برخائه المتدفق الثجلج
ويخاطب السودان في قصيدة وطني
إنما حبك نجوي لا بكاء ونواح
إنه كاللحن ينساب شجيآ في انشراح
ويؤلف قصيدة يشيد فيها بحسن نجيلة وينّوه بكتابه "ملامح المجتمع السوداني" والقصيدة بعنوان " ملامح من الملامح" . وبينما نحن الآن نلهو بالأغاني الهابطة كان لتوفيق قصيدة طويلة من عيون الشعر يلهو بها في القعدات مع الصحاب إسمها "عبث أم روابة" يذكر فيها أصدقائه الخانجي ، عثمان بشير نصر، حسن خورشيد ، الكوباني ، عالم محمد عالم ، جورج ، وآخرين وكل مقطع من بيتين يدد بعدها الصحاب ، لراحتي والسلام !
عابدين ويحك صاح ** لقد نكأت جراح
ذكرتني عهد راح ** مداره الصباح
لراحتي والسلام
عثمان إذ يتغني ** يخفف الهم عنا
حتي إذا الليل جن ** نال الفتي ما تمني
لراحتي والسلام
هكذا كان أهل السودان يلهون علي هذا المستوي العالي . نحن الآن نعيش زمن الإفلاس الفكري.
رثي توفيق الدكتور أنيس بقصيدته "هجع أنيس" . وأنيس كان سفيرنا في الأمم المتحدة في الخمسينات وعمل كطبيب في جبال النوبة في رشاد وهيبان ولولا قصيدة توفيق لطواه النسيان
كالآخرين الذين خدموا الوطن. كما كانت تربط توفيق صداقات جميلة بمئات البشر بعضهم مسيحين وآخرين غير سودانين مثل القاضي رزق الله في أم درمان ولمنيوس اليوناني وله قصيدة بعنوان إلي " إلي أخي شفيق فهمي" .
وتفاعل مع ثورة أكتوبر بقصيدته "نشيد الزحف المقدس" حتي المناسبات والمفارقات البسيطة يسجلها في شعره ، فعندما فشل في إسترجاع ديوان "لزوم ما لا يلزم" لأبي العلاء المعري لآن المجلّد طالب بمبلغ لم يتوفر عند توفيق وهو 55 قرشآ يقول
جلاد كتب أنت أم جلادي ** فعلام أنفق طارفي وتلادي
قصيدته في رثاء أبراهيم بدري عبرت عن عواطفه وألمه لفقد الصديق الذي كان يسميه بتوأم الروح وامتدت صداقتهم لآكثر من أربعين عامآ ويقول
مات خل الأربعين غدا ** ماضيآ ويلي فقدت غدي
جف زهري قاض رونقه **وخلا من بلبل غرد
ويخاطب إبن صديقه قائلآ
يا كمال البدر سر قدمآ ** إن سر الشيخ في الولد
(7)
في إحدي قصائده يشيد بشعر التجاني عامر والمتنبي والسيد أسعد الأسعد سفير لبنان في السودان في قصيدة "إلي سفير الشعر" ولا يتسع المجال لذكر كل الشعراء الذين أعجب بهم وبشعرهم إلا قصيدته في شعر التجاني يوسف بشير ورثائه تستحق الإهتمام.
في بداية العشرينات أصاب كثير من الشباب إحباط شديد بعد تقديم "سفر الولاء" وإعلان أقطاب السودان ولاءهم للإنجليز ومن المؤكد أن الشباب قد تأثروا بحركة تركيا الفتاة وكمال أتاتورك وسعد زغلول ومصطفي كامل وآخرين من مصر.
وتوفيق هو أول من فكر في تنظيم وطني للشباب وأول من دعي للوطنية وهو مؤسس جمعية الإتحاد السرية ومن المؤسسين عبيد حاج الأمين الذي مات في سجن واو. محي الدين جمال أ[و يوسف ، وسليمان كشة ، أبراهيم بدري وصالح عبد القادر وآخرين منهم خليل فرح الذي شارك بغنائه وبدأت الإجتماعات في منزل عبيد حاج الأمين ثم إنتقلو إلي دار الحكمة وتخص سيدة تعرف ب "فوز" . وأتي أبراهيم بأصدقائه منهم محمد صالح الشنقيطي الذي كان رئيسآ للجمعية التشريعية ثم البرلمان ثم البرلمان و عبد الله خليل الذي صار رئيسآ للوزراء.
وتكون الإتحاد من خلايا ، كل خلية من خمسة أعضاء أحدهم مئول إتصال يتصل بدوره بخمسة آخرين بينهم مسئول إتصال إلي قمة الهرم المكون من 13 عضوآ ومن هذا التنظيم السري كان هناك تنظيم علني هو اللواء الأبيض بزعامة علي عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين ولهم جناح عسكري ممثلآ في الظباط والجنود السودانين منهم ثابت عبد الرحيم وحسن فضل المولي وسليمان محمد وعلي البنا وعبد الفضيل ألماظ الذي إستشهد مع الآخرين في معركة الخرطوم وحكم علي الظباط الآخرين بالإعدام.
ونشيد الحرية لهذه المجموعة كان القصيدة التي نشرت في سنة 1922 بمناسبة حضور اللورد البريطاني الانبي حاكم الشرق الأوسط المهاب والذي رحب به الكبار. وقال توفيق الشاب
أيها القوم لا تجروا الزيولا *** يأنف الحر أن يعيش ذليلا
سمتمونا العذاب ضّيقتم الأرض*** علينا حتي هوينا الرحيلا
جمع الجمع أرهب القوم *** حتي أصبح السيد النبيل ذليلا
ونشرت عدة مقالات في نفس السنة لأبراهيم بدري في جريدة الحضارة تحت عنوان "نفثة مصدور" وسلسلة مقالات أخري "كيف نبني أمة" ولتوفيق قصيدة كذلك إسمها "نفثة مصدور" تشير إلي تلك المقالات.
أين كان توفيق أثناء أحداث 1924 ؟ فالجواب الموثق هو أن توفيق كان بعيدآ عن الخرطوم وأول مكان عمل به كنائب مأمور كان في مدني مع محمد أحمد الخواض وأبراهيم بدري ثم أرسل كل منهم إلي جهة مختلفة وذهب توفيق إلي جبال النوبة وأبراهيم بدري إلي جنوب السودان.
(8)
في سنة 1923 كتن توفيق نزيلآ بمستشفي مدني بداء معوي فقال شاكيآ مداعبآ صديقه أبراهيم بسخريته المعهودة وكان له خادمآ إسمه "دين" ودكتور درزي إسمه "نكد" وحصانه أعرج فقال
خادمي دين ودكتوري نكد *** ذهجت روحي من هذا الجسد
فحصاني أعرج محدودب *** كان يمشي خطوة أو يكد
وتنقل توفيق في أغلب مدن غرب شرق شمال ووسط السودان مثل دلامي رشاد هيبان بارا الدامر ويذكر حلايب في شعره وأم روابة كما عمل في سنكات بورتسودان الخرطوم والخرطوم بحري وكسلا التي بها شارع بإسم توفيق صالح جبريل وهنالك شارع بإسم توفيق في الدامر.
هنالك بلاد لم يعرفها أهل السودان إلا عن طريق شعر توفيق مثل دلامي التي أحبها توفيق وخلّدها بشعره.
الصحف اليومية في الخمسينات والستينات كانت مليئة بشعر توفيق. وكان يحدث أن يكون لتوفيق أكثر من قصيدة في أكثر من جريدة في نفس اليوم.
توفيق يعود بإستمرار في شعره لحوادث 24 ورجالها وإلي أن مات كانت حياته تدور حول تلك الأحداث وتلك الأحداث هي التي كانت اللبنة الأولي في بناء القومية السودانية وكما قال المفكر المصري الأستاذ حسين ذو الفقار في كتابه "سيادة السودان" أن الأيام الحاسمة في نوفمبر 1924 ومعركة الحياة والموت في شوارع الخرطوم كانت نقطة إنطلاق للقومية والشخصية السودانية.
من الذي بدأ المبادرة لإطلاق الوطنية السودانية من قمقم القبلية والعصبية ؟! إنه الشاعر توفيق صالح جبريل. لقد حورب توفيق في حياته بواسطة الإنجليز والسادة ورؤساء الطوائف. وحورب بعد موته ويحارب الآن بعد مائة عام من ميلاده. ولقد قال للسيد روبرتسون السكرتير الإداري الذي كانت أسنان الرجال تصطك عندما يقفون أمامه
أأنت موزع الأرزاق فينا ** ومجري الطيبات علي العباد ؟
إذا كنت جبارآ عنيدآ ** ستلقي بأسي جبار عنيد
وربك إذا ذهبت إلي قريب ** بربك إذا ذهبت إلي بعيد
سيجري النيل في واديه زهوآ ** ويحي الشعب في عيش رغيد
بعد أحداث 24 غضب السادة الزعماء الذين أصابهم بعض الخير من جرء الإستقرار والإتجار مع المستعمر وخافوا أن يفقدوا مكاسبهم المادية. وشنو حملة عنصرية لأن قائد اللواء الأبيض كان من والدين ينتميا إلي جنوب السودان وجبال النوبة. وقالت صحيفة الحضارة التي تمثل السادة " أن الأمة تشعر بالإساءة عندما ينبري أقل الرجال شأنآ وأوضعهم مكانة في المجتمع بالتظاهر بأنهم يعبرون عن فكر الأمة" !!! وواصلت "الحضارة" مذكرة الناس بأن الغبار الذي يثيره مثل هؤلاء "يسبب الإزعاج للتجار ودوائر المال" وناشدت الحضارة السودانيين الحقيقين إلي سحق أولاد الشوارع . وفي سلسلة من المقالات هاجمت الحضارة رجال 24 ووصلت الحد عندما قالت " إن أمة يقودها علي عبد اللطيف هي أمة وضيعة" وهنالك قائمة مكونة من 38 رجلآ هم الزعماء الدينين، مفتي السودان ، القضاة ، المفتشين ، العمد ومجموعة ضخمة من التجار الذين خافوا علي مصالحهم أحدهم صالح جبريل. ترتيب بابكر بدري في هذه القائمة هو الخامس والعشرين وهذا تصرف مخجل لرجل عظيم.
محمد صالح الشنقيطي بعد عن الحركة لدخول أبناء "الأمة" ولقد شفع لعلي البنا وغير الحكم إلي عشرة سنوات أما الآخرين من غير أبناء السادة فلقد نفذ فيهم حكم الإعدام.
(9)
شاعرنا توفيق كان يقف مع الحق كل الوقت وهو علي إعتقاد تام بأن إختلاف الرأي لا يفسد الود. فإبنته سكينة متزوجة من الناظر مادبو وشقيقته كلثوم هي والدة الدكتور عقيل أحمد عقيل وصهره كذلك محمد أحمد شرفي ومن أقرب أصدقاءه الكثيرين الذين يصعب حصرهم عبد الله الفاضل المهدي وعبد السلام الخليفة وعبد الرحمن النور الذي رثاه بقصيدة رائعة ومامون حسين شريف زوج إبنة السيد عبد الرحمن ورثاه كذلك بقصيدة عصماء.
من أصدقائه المقربين رئيس القضاء عثمان الطيب وعبد المجيد حامد الأمين ، الدكتور عبد الله الطيب ، المبارك أبراهيم ، حسن الأزهري ، إمام دوليب ، الباقر وقلندر الذين ذكرهم في قصيدة الدامر ، جعفر حامد بشير و ح ح البدوي وأحمد داؤود الذي كان يزوره بإنتظام كعادته مع الجميع.
القصيدة التي لا تزال توغر الصدور ضد توفيق هي " العملاق والقزم" ويقول فيها
القزم والعملاق يعتنقان *** وتباكيا كذبآ بدمع قان
فرسا رهان أطلقا هدفاهما *** تاجان أخذان مؤتلفان
لما بدا للشعب أن يتنحيا *** ضحكا وفي قلبيهما ناران
الشئ الذي كان يهم توفيق هو مصلحة الوطن وعندما إشتدت العداوة بين عبد الله خليل الذي كان رئيسآ للوزارة والسيد ميرغني حمزة ناشدهما توفيق بقصيدة أن يفكرا في مصلحة البلد والقصيدة بعنوان " إلي الأخوين المتنابذين" .
لم أسمع أو أقرأ لشاعر أعجب بشعر الآخرين وأشاد به مثل توفيق ولم يكن يحسد أي شخص لمال أو جاه. وعندما يعجب بقصيدة يشيد بشاعرها ويواصل في نفس البحر وبنفس القافية مثل قصيدته " إيحاء شعر" إلي صديقي الشاعر الوجداني مختار محمد مختار من وحي قصيدته الرائعة " حلفا الذاهبة
دارت عليك رحي الزمن الجافي *** فخلوت من أهل ومن آلاف
فيقول توفيق
شعر كرقراق النمير الصافي *** لم يلقي من قدر ومن إنصاف
وهذه حقيقة فمن سمع بمختار محمد مختار ؟ فقط القلة. ويقول بعد قراءة ديوان " الشاعر الرقيق" يوسف التني
لا أذوق المدام من غير ساق *** إنما الود والأنس في التساقي
شاقني راق لي وهذا كياني *** نفحات من شاعر خلاق
وعندما يرثي التجاني يوسف بشير يشيد بشعره
ليتني نلت من عيون معانيك *** فنونآ كأنها الأحداق
القاف من الحروف المفضلة عند توفيق وله 33 قصيدة تنتهي بالقاف لا يزيد عليها الأحرف ، النون 45 قصيدة والراء 46 قصيدة .
(10)
وعندما يرثي الشاعر الكبير العباسي ،وكأنه يقول بأنه يتطاول عندما يقول شعرآ في العباسي
قصيدته "رثاء"
ذهب الردي بالمستغاث الآسي ** سامي الشعور المبدع العباسي
من لي بمعني سامق متناسق ** مزجي بغير تأنق وجناس
قصيدة توفيق "الخميلة الدارسة" كانت بسبب زيارته لدار صديقه رزق الله ووجد الحديقة المذدهرة والنافورة التي تنثر الماء قد أصبحت في خبر كان بعد موت رزق الله وقال ( إن الحديقة كانت كما قال صديقي العلامة ابراهيم بدري)
أخرج الروض فضة ونضارا ** لم يشكوا أهل الرياض إفتقارا
فيواصل توفيق
إن الديار كأهلها ** حينآ تعيش وتدبرأنا لم أكن أ‘رف أن أبراهيم بدري شاعرآ قبل أن أقرأ ديوان توفيق.
الدهليز والجزء الذي كان يسكنه توفيق منفصلآ عن السرايا وعندما يقول الدكتور إسماعيل نابري في سنة 1953
جلست بدهليز كم مرة ** أتوق إلي نظرة عابرة
فيواصل توفيق
تمر بنا ما مضت فترة ** من الناس قافلة قافلة
وذو خرق بائس مطرق ** وحسناء في حلل رافلة
وقال في العودة إلي الدهليز
دهليز توفيق عاد الأنس يبهجه ** ونضرت جانبيه هذه الطرب
الشعر من بابه كالدر منتظم ** والنثر في ظله فيض من الذهب
شاعرنا توفيق كان يدعو إلي تحرير المرأة وتعليمها وتقول إبنته سكينة وشقيقتها صفية كيف كان يحرص علي تعليمهم وكيف درسن في مدرسة ودنوباوي و الإرسالية الخرطوم بحري والدامر. وكان للفتيات في السرايا جريدة إسمها نداء جبريل وتوفيق كان يحثهم ويشجعهم علي إصدارها بإنتظام والمحررات كن آمال صالح جبريل ، نجوي علي صالح جبريل ، شريفة محمد أحمد شرفي ، كوثر وفاطمة ويساعدهم في الرسم صالح شرفي . ولقد أشاد توفيق بهذه الجريدة في قصيدته "تحية إلي النداء" .
الشخص الذي ندين له بالمحافظة علي شعر توفيق هو إبنه علي الرجل الذي يعمل بصمت كوالده لا يتوقع حتي كلمة شكر وهو الوحيد الذي كان يقرأ خط والده .
كما نشكر الكابلي بشدة لأنه أخذ قصيدة توفيق "كسلا" دون إذنه . وتوفيق كان من المؤكد سيرفض، وعندما علم من إبن أخيه عبد الماجد إبراهيم صالح جبريل بأن الكابلي يغني شعره سأل " ياتو قصيدة" وقال بالحرف الواحد : ( أنا ما حا أخلي الكابلي . الناس حتقول أنا بعت شعري !) . والذي أتي بالكابلي إلي توفيق هو صديقه جعفر حامد بشير والكابلي قد أسدي خدمة كبيرة للشعر بأخذه القصيدة .
(11)
من المؤكد أن أول قصيدة معروفة لتوفيق هي "إستقبال" التي نشرت في عام 1922 ولكن من المؤكد ان له أشعار قبل هذه . وآخر قصيدة حسب الديوان هي "تحية العيدين" بتأريخ 1/5/1966
من الممكن أن هذه القصيدة قد قيلت قبل هذا التأريخ وهي من المؤكد من قصائد توفيق الا ان توفيق مات قبل هذا التأريخ وما أعتقده أنا أن آخر قصيدة هي "سلام علي عهدي الأخضر" وبها يودع الدنيا ويقول
سواسية نحن تحت التراب ** فته كيفما شئت واستكبر
وقومي أضلهم "السامري" ** يطيب لهم إن خبا سامري
إلي الله مرجعنا وهو حسبي ** وحبي وما أنت بالآمري
والقصيدة التي قبلها بشهر، أو أربعة أشهر قبل وفاة توفيق هي "أيا أملآ تألق بعد يأس" يشيد فيها
بشعر شاعر الشباب عبد المجيد حاج الأمين.
توفيق ترك الدنيا في 26 أبريل 1966 .
أغلب شعر توفيق شعر تقليدي وبعض قصائده تبدو وكأنها قيلت في حضرت خفاف بن الندبة أو السليك بن السلكة عندما يقول
خليليّ وقد جد الزمان فجودا ** بجد وجهد كي تذيدا وجودا
هذه القصيدة هي "المنافقون" وقد قيلت لتهنئة المحجوب لإختياره رئيسآ للوزارة وكان المحجوب يهتم بتهاني وتحيات زملاءه الشعراء بطريقة خاصة.
ثم يتجه لنوع من الشعر عرف في الجاهلية بسجع الكهان وهو شعر قصير الفواصل فيقول في دلامي
وبها الجنان تمد للرواد أنواع الثمر
فالتين والزيتون والليمون والموز الأغر
واللفت والجرجير والغثاء فيها الجزر
والبان والرمان والزوان والعود الذكر
وله بعض الشعر الحديث ، قصيدة "إنني وإنهم
ضوء ناري وهي تذروها الرياح
بعد أن سارت رمادآ في البطاح
أي سعد لا يساوي ألمي
إنهم يلقون زيتي في التراب
سرقوا كل نبيذ في الرطاب
كبلوني بحديد موصد
من الأشياء الجميلة التي بدأها توفيق في السودان هي- الشعر البرق- فعندما أستؤصلت زائدة أحد أصدقائه أرسل برقية قائلآ
إن إستأصلوها إنها أجنبية ** وانك فرد لا تريد الزوائد
وبرقية أخري لصديق
وإن تك الحاني من ألحان انها ** تحية محزون تزف لفرحان
وعندما إنقطعت أخبار إبراهيم بدري في نهاية 1949 وأبراهيم مريض في سنجة أرسل برقية إلي حسن نجيلة
نجيلة ان هلالك صار بدرآ ** يضيئ الخافقين فأين بدري
فرد إبراهيم بدري بالبرق بعد يوم واحد قائلآ
تولتني خطوب أزعجتني ** وأسلمني السقام لعيش ضر
يبشرني الطبيب بطول عيش ** فقلت هو الشقاء" وطول عمر
سنة 1955 كانت هناك قصة حب عنيفة بين شاب مسلم إسمه جميل وفتاة مسيحية إسمها أنجيل وبالرغم من الصعاب ومعارضة الأهل تزوجا ورزقا بطفلة إسمها ياسمين وسجل توفيق هذه الحادثة بقصيدة رائعة إسمها "أنجيل جميل" .
لتوفيق قصيدة من بيت واحد إلا أن لها من العمق والمعني ما يزن عشرات الأبيات
ظلموه انه الإشراق ** انه الفجر مطلق دفاق
ومن قصائده الفلسفية قصيدته" إلي أبراهيم بدري" ويقول فيها
تشعبت المذاهب واستطار *** الفؤاد سدي إلا أين المصير
إلي الدنيا وما فيها بقاء *** إلي الأخري وما فيها مثير
ولم يذكر لنا الماضون شيئآ *** فقد ذهبوا كما ذهب العبير
من المعروف عن توفيق أنه كان يذهب إلي منزله مباشرة بعد ترك عمله ويكره "الزواعة والتلطع" ولا يغشي المنتديات ومن العادة أن يحضر الناس إليه . حتي المآتم يكتفي بإرسال البرقيات.
كان يقول أنه يكره الطرق التي يسلكها كل الناس والشرب من الحوض المباح ولهذا يقول
انتحي ان جمع الناس فلا ** ارد الحوض صباحآ ما تباها
والذي تبتذل الدهماء من ** مغريات عافها القلب أباها
وقد خلد توفيق الكثيرين بشعره وبكي وأبكي عليهم . ولا يحفظ الناس قصيدة قيلت في رثائه .
توفيق لم يكن الرجل الذي يريد شيئآ . رسالته كانت رسالة عطاء.
الجمعه 18/9/1964.. يوم طلوعنا من جنه امدرمان . التى لا نزال نحملها بين ضلوعنا فى كل لحظه وخلجه . ونتذكر كل شبر فيها . وعندما تطرق الاخ الفنان عبد الله الشقلينى المعروف ببكاسو وشقيقه السفير الشاعر جمال محمد ابراهيم لبانت وسبب الاسم اردت ان اشارك وقلت بالرغم من ان الاثنين من اولاد بانت .
اسم بانت يا جماعه ناتج من انه لما قسموا الاراضى فى بانت ما كان فيها غير سنمكه , وتهيب الناس البناء , ولبعدها كانوا يقولون ما ببنى هناك الا راجل بسبب الرباطين والحراميه . واول من بداء البناء هو عدلان بيه . وبداء البناء فى الخريف وهذا شئ غير مصدق وقتها . واللذين تبعوه كانوا يرددون ما الرجال بانت . هذا الموضوع سمعته من عده اشخاص . احدهم الاخ امير زاهر الساداتى الذى يتواجد الآن فى امريكا وباربيدوس . واسرة زاهر الساداتى لا تحتاج لتعريف فهى ليس من اميز الاسر , بل الاسره السودانيه المميزه .
يوم الجمعه18 فبراير 1977 ذهبت الى اثينا برفقه المهندس النرويجى جونسون الذى توفى الاسبوع الماضى . للكشف على سفينه لحمل المواشى . والتلكس فى الفندق الفاخر فى ميدان امونيا فى وسط اثينا كان معطلاً فاضطررنا للذهاب الى مكتب البريد . وتصادف وجود طالب اسمه الرجوبه يجلس مقطباً فى انتظار محادثه للسودان . فسلمت عليه واعطيته كرتى واسم الفندق وطلبت منه ان يتصل بى اذا احتاج لاى مساعده . وفى يوم السبت اتصل بى الرشيد عبد الحليم حامد ومعه ابن عمه مأمون .
لاحظت ان الاثنين كانا ينظرا ببعض الشك عندما حضرا لزيارتى فى الفندق بعد ان اعطاهم الرجوبه الاسم والتلفون . وبينما انا مشغول مع المهندس سمعت الرشيد يهمس لمأمون ( الزول ده شكلو ما سودانى ) . فسألتهم انتو من امدرمان ؟ وين فى امدرمان ؟ فقال الرشيد نحنا من بانت , انت بتعرف بانت ؟ فأجرت بنعم فسأل الرشيد متحدياً , بتعرف منو فى بانت ؟ . واول اسم خطر فى بالى كان كركور وعباس حمد . لانهم كانوا اصدقاء تؤام الروح بله . وكانوا ثالوثاً اتعب الناظر ابراهيم ادريس فى مدارس الاحفاد .
وبعدها استرخى الاثنان وبداء الضحك والونسه . والرشيد هو ابن اخت عباس ركس الذى ارتبط اسمه فى بدايه الستينات بسيد بركيه ومن اول السودانيين اللذين عملوا تجاره على مستوى عالمى .
عمنا حمد كان يعمل فى سودان كلب لفتره لا تقل عن اربعين سنه وعباس تعرف بالانجليز وسواقه العربات وهو صغير وعرف بركس . ولهذا كما اظن صار الكثير يسمون كل عباس بركس . واسم ركس هذا كلف عباس فتره سجن طويله فى السعوديه فلقد كتب له احد الاخوان خطاب باسم ركس ووقع الخطاب فى يد الرقابه السعوديه وحسبوا انه عميل للسى آى ايه .
شقيق عباس الاكبر هو برعى الذى يعرفه الكثير من اولاد امدرمان , وكان من السباحين فى البحر ويقال برعى بقبض التمساح . ومات ابنه غرقاًَ فى السبعينات .
فى 30 |6| 1977 حضر الرشيد ليعيش فى السويد ويدرس الفندقه التى كان يعشقها . وانتهى به الامر كمواطن سويدى ومدير لفندق قصر الصداقه . وتبعه شقيقه مرتضى وابن خالته ابو عبيده الذى اتصل بى قبل اسبوع من هامبورج حيث يسكن ولكى يبلغنى تحيات عباس ركس .
عندما تذكر بانت اول ما يخطر ببالى منزل عزيزه عوض التى لا يمكن تجاهلها . وبسبب احد فتياتها الجميلات , زينب اخذ اللواء ....... علقه بالبسطونه من كابتن فريق المورده .
واذكر طبعا عبد القادر حسن عباس ( تورو ) ومحمد عثمان الدنقلاوى الفتوه الذى يعمل معه . وابراهيم ابو دقن الذى يسوق سياره التاكس ملك تورو . ولفتره كان عنده احسن بنقو فى امدرمان . واذكر محمد المعروف بدمترى البازار ووالده يونانى والبازار هو الذى اكتشف ابراهيم عبد الجليل وكان لفتره متزوجاً بالشاعره والملحنه والمغنيه فاطمه خميس .
اهاااا الرجل الجميل الكاتب عثمان حامد ( مريم عسل الجنوب ) المجموعه القصصيه التى هى ديوان شعر .
المايسترو جراح القلب العالمى ابراهيم مصطفى الذى مات محترقاً مع زوجته بعد انفجار انبوب الغاز . وهو اخ زوجه توأم الروح بله ووالدتها شقيقه عبد المجيد امام واحمد اسكوب رحمه الله عليه وطه امام عبد الله .
واذكر كذلك دقو الذى كنا نذهب الى منزله لحفلات صاخبه ومنزله الثالث على الجهه اليسرى بعد عبور كبرى الاربعين فى طريق الخرطوم مواجهاً للخور .
قبل فترة تكلمت بالتلفون مع الاخ عز الدين عجاج وتذكرنا بانت وحفلات امدرمان وآخر حفله مع عجاج كانت زواج امين مبارك مرغنى الذى تزوج حفيده السراج ونجم الحفل كان سينه وصديقه الحميم عبد الرحيم عثمان صالح خال العريس , وبصفتى وزير العريس وجدت النهزره من سينه ( تعال يا ود امشى جيب .... قول لعجاج يعزف .... )
كان هنالك مطار قديم فى بانت تنزل فيه الطائرات الصغيره . وعرفت المحطه بمحطه الطيارات . وبجانب مدرسه المؤتمر الثانويه كانت هنالك مدرسه اوسطى ذات شهره كبيره هى على عبد اللطيف . صاحبها ناظر اسطورى هو ابراهيم سوميت . كان مرهوباً ومدرسته منظبطه لدرجه ان المشاغبين من اولاد العباسيه والمورده كانوا يرسلون لها . وكانت لها فصول مسائيه خاصه لتدريس اللغه الانجليزيه وفى هذه الفصول تعلم شاعر الحقيبه سيد عبد العزيز وآخرين ثم التحق بالمدرسه الصناعيه وصار ميكانيكياً .
ابراهيم سويمت عين فى اول حياته موظفاً واختلف مع المسؤول البريطانى فى كسلا . وارسل الى الخرطوم . وفى مواجهه مع مدير مديريه الخرطوم المرهوب ركل ابراهيم سوميت الطربيزه فى وجه المدير . فحكم عليه بعدم مغادره امدرمان وان يستلم نص ماهيه حسب القانون . وتنازل عن نصف الماهيه واسس المدرسه التى حملت اسم عدو الانجليز .
وهنالك طبعاً سينما بانت . التى كان يمتلكها نفس الخواجه الذى يمتلك سينما العرضه . ويعرضون فلماً جديداً كل يوم والدخول بقرشين . وبرمبل والوطنيه كانوا بثلاثه قروش ونصف . وعندما حضرنا من الهجره وانا فى الحاديه عشر الى سينما العرضه اكتشفنا ان الفلم الذى يحمل اسم سيف الانتصار هو نفس الفلم الذى شاهدناه قبل مده تحت اسم السيف القاطع . فأخدناها جريه الى بانت . ولا ازال اذكر الالم والتعب والمشى من اول امدرمان الى آخرها رجوعاً .
بانت ارتبطت بسبعه بيوت . وهى منطه لهو غير برئ كانت على يمين شارع الاربعين قبل اللفه الى الكوبرى . لاحظت وجود منطقه فى الشارقه كان يطلق عليها سبعه بيوت . شاهدت عدة حفلات وحرارات فى منطقه سبعه بيوت .
وبما ان لكل منطقه فتوه فمن اشد فتوات بانت فى نهايه الخمسينات وبدايه الستينات كان مكنن . والكنه هى الصاموله التى تمسك عمود العجله من الداخل ومكنن كان مربط . الا انه خسر معركه فى سنه 1960 مع فيصل روى الذى كان فتوه قديس او سينما برمبل . وصرع روى مكنن بلكمه واحده . وتدخل الكبار وصالحوا بينهم , وكنت اشاهد روى ومكنن سوياً . وبالرغم من هذا لم اتعظ وانا فى الخامسه عشر وقبل ان يشتد عودى قمت باستفزاز روى عده مرات وتحرشت به بالرغم من انه كان يبدى كثيراً من الود نحوى ويختارنى كزميل فى الوست ولكن يبدو اننى وقتها قد شميت صناحى ,,, وتلك كانت اول علقه معتبره آخدها .
العم سليمان محمد سليمان كان مثالا للسوداني الذي يقدم لاسرته وبلده كل شئ بدون ان يتوقع كلمة شكر . كما كا النساء والرجال قديما في الوطن .
انهم بشر يحسون بان عندهم رسالة لا بد ان يؤدوها ويملاهم الاحساس بانهم يجب ان يقدموا اكثر واكثر.
لاخوننا الصغار ولابنائنا اقدم احد رجال امدرمان العظام،دكان العم سليمان محمد سليمان كان يقع بالقرب من القصيريةالصغيرة وفي مواجهة البنك العثماني في سوق الشوام في امدرمان.
والقصيرية الكبيرة توجد في المحطة الوسطي. والقصيرية عبارة عن ممر مسقوف بسقف عال يمرر الهواء .
سوق الشوام قديما كان متخصصا في الاقمشة. ثم امتلا بالخياطين, وصناعة الجاهز والمشغول. ومن ذلك السوق كان يلبس اغلب اهل الريف السوداني .
والد العم سليمان ولد في مدينة امدرمان في بداية العهد المهدي اما والدته فكانت من كوم امو في القطر المصري واسمها مليحة.
العم سليمان نشأ وترعرع في حي العرب الذي قدم للسودان خيرة رجاله. وسكن شارع الشنقيطي وكانت له صلات واسعة بكل اهل السودان, واحد رجالات امدرمان المشهورون عندما كانت الدنيا بخير .
وفي اثناء الحرب العالمية الثانية كان العم سليمان مسئولا عن تقسيم التموين وهذه مسئولية ضخمة كان يختار لها الحادب من اهل البلد وفقط من حسن عملهم وكانوا من اهل الثقة ويقبلهم الاخرون .
وفى هذه الفتره نشط ما عرف بتجار البرشوت . يعملون بالتهريب وبيع السكر والشاى والجاز والكبريت والاقمشه التى كانت شحيحه . والبعض قد صاروا اغنياء من هذه التجاره ولهذا كان وضعها فى يد رجل امين مهمه وطنيه .
فالعم سليمان بالرغم من انه من خلفاء السيد علي المرغني الا انه كانت تربطه صله جميلة وصداقة مع محمد صالح الشنقيطي قطب حزب الامة . والاثنان شاركا فى تأسيس مدرسة حي العرب ومدرسة صديق عيسي فيما بعد . كان العم سليمان هو الدينمو الذي جمع التبرعات وان كان اسم الشينقيطي هو الواجهة التي اسعملت لمقا بلة الحكام ورجال الدولة .
الشنقيطي كان مشغولا , وتحمل العم سليمان عبئ انشاء المدرسه . ولكم وددت لو ان اسمه قد اطلق علي احدي تلك المدارس فليس هنالك فصلا واحدا يحمل اسم العم سليمان .
من ابناء العم سلميان الدكتور محمد سليمان المحاضر في معهد المعلمين العالي والمدير الحالي للمعهد الافريقي التابع للامم المتحدة في لندن . وهو المناضل والوزير المقترح لوزارة التربية في حكومة هاشم
العطا . والدكتور محمد سليمان هو مؤلف الكتاب السياسى الرائع صراع الهويه والموارد . ومترجم ديوان الفيلسوف المسرحى برخت من الالمانيه للعربيه . .
ووالد عبدالمنعم سليمان الان بالامارات وهو احد الضباط الذين تقاعدوا من الجيش السوداني بعد العزو الليبي وفي زمن نميري يوسف سليمان الذي كان امينا لصندوق نادي المريخ في ايام حاج التوم مزمل مهدي .
منزل العم سليمان كان احد المنازل المفتوحة قديما في امدرمان . .ويمتلئ بالناس في شهر رمضان حيث يحضر الجميع الصواني لياكل الجميع ويستمر المنزل مفتوحا حتي بعد صلاة التراويح. والعم سليمان
نجده في كل المناسبات يتصدر المحافل في كل فرح وكره .
دكان العم سليمان كان يمتلئ بالناس اغلبهم ليس من الزبائن خاصة عندما كان امين صندوق جريدة صوت السودان فتجد عنده الاستاذ محمد احمد السلمابي وبقية المحررين والموظفين. للسلفية في اغلب الاحيان كما كان يقصده اهل الحي للاستدانة او المساعدة زوجة العم سليمان هي اخت مزمل غندور مما جعله صهرا لغنادير امدرمان، كما تزوجت ابنته الكبري وصارت والدة كثير من ال ابوجبل في بيت المال، منهم
المناضل جعفر ابوجبل الذي ترك بصماته واثاره كاحد فرسان امدرمان، ومات هذا الفارس عندما دهسه لوري تراب بدون فرامل .
جعفر ابوجبل كان ملازما وصديقا بالمناضل خليل الذي قضي عليه داء الصدر واقترن اسمه بالنضال ضد
الاستعمار وكان جعفر ابوجبل يشاركه الغرفة بالرغم من الداء الي ان استشهد رحمة الله عليه .
لاحياء اسم خليل اطلق المناضل ابراهيم زكريا الاسم علي ابنه الوحيد من زوجته فاطمة النعيم. وتوفي خليل في مدينة ميلاده براغ قبل سنة في حادث مؤلم. ابراهيم زكريا رفيق الشفيع وقاسم امين . و كان سكرتيرا لاتحاد النقابات العالمي، رحمة الله عليهم .
حسن ابو جبل كان سكرتيراً للحزب الاتحادى الديمقراطى فى بدايه ايامه . وكان من اللذين اثروا الحياة السياسيه والاجتماعيه فى السودان .
العم سليمان كان زميلا وصديقا لتجار امدرمان، ود بكار الذي اشتهر بالعقارات والامين عبدالرحمن تاجر الذهب والدرديري وحاج الشيخ ابو ومحمد يوسف ومحمد احمد البرير واخرين .
العم سليمان اول من بداء تجارة الصادر مع مصر بطريقة منظمة. وهذه التجارة لم تتوقف حتي في
زمن الخليفة التعايشي. واليوم خاصه بعد انهيار المعسكر الاشتراكي فان السودان هو اكبر سوق للبضائع المصرية.
عن طريق صهره ابراهيم غندور كان العم سليمان ياتي بالعسل من امادي في جنوب الاستوائية , والجلود
من فشودة . بعد تصدير البضائع الي الجنوب. يصدر هذه البضائع لمصر لكي يستورد الاحذية المصرية
والاقمشة. قديما كما اذكر في طفولتي ان الاعيان والكبار كانوا يلبسون قماشا اسمه "الالاجه" وهو قماش بخطوط عريضة ساتانية لامعة وهو هزاز ويعتبر من اغلي الاقمشة ةاظن ان المتر كان يساوي 45 قرشا ويليه قماش كان يسمي بنك مصر . كما كان يستورد العمم والشالات والملايات وشـئ مهم بالنســــبة لنا نحن الصـغار "البساطين" التي كانت مكملة للعيد ولا يمكن ان نتبختر في العيد بدونها . وان كان يمكن شراؤها كذلك من العم نعيم شندي والحاج نقدالله ومخازن العامل لصاحبها العم الطيب الفكي والد اخوننا مرغني ، صـــلاح ومحجوب واخرين ، وشقيق العم الطيب الفكي وشريكه العم هاشم الفكي والد محي الدين شقيق زوجة احمد عوض الكريم مدير بلدية ابوظبي .
ومن ابناء العم سليمان الدكتور فتحي سليمان اخصائي العظام بالمانيا الذي اردت ان يكون مسك ختام هذا الحديث .
العم سليمان كان سودانيا وامدرمانيا عظيما جزاه الله خيرا لكل الذي قدمه لنا ولاتزال ذكراه عاطرة في
الأخ موسس أكول سفير السودان في أستكهولوم قامة عالية من قامات السودان وليس فقط لان طوله يفوق المترين ولكن لأنه سوداني نفتخر به وقد لا يعرفه الكثيرون فهو إعلامي ومذيع بالعربية والانجليزية له مواضيع أدبية رائعة احدها قطعة أدبية في رثاء الكاتب العالمي نجيب محفوظ ما دفعني لهذه الكتابة هو أن س.أونلاين قد نشرت موضوعا لطالب سوداني في أستكهولوم ذكر أن سفارة السودان رفضت تجديد جوازه لأنه قد بقي علي صلاحية الجواز تسعة أشهر . وهذا هو القانون وفي الأول الجوازات لا صلة لها بعمل السيد السفير والجوازات لا تصدرها وزارة الخارجية بل تصدرها وزارة الداخلية وتسمح للخارجية بتجديدها في ظروف معينة . القنصل في سفارة السودان هو ابننا محمد حسين إدريس الذي في الحقيقة إنسان مواصل ومعقول يتواصل مع كل الناس . واذكره مسافرا مئات الكيلومترات ليحضر جنازة صديقنا العزيز ارصد حمد الملك الذي يعرف بأنه شيوعي .
وفي ندوة الأستاذ شاعر الشعب محجوب شريف في جامعة أوبسالا كان السيد السفير موسس أكول حاضرا ومشاركا برفقة ابننا محمد حسين إدريس القنصل وموسس محب للشعر والأدب ومسكون بحب شعراء الحقيبة أمثال العبادى و ود الرضي ولا يضيع أي فرصة للحديث عن الشاعر مصطفي سند ويحفظ ديوانه ويحمله معه دائما .
في الحفل الذي أقيم في جامعة لند انهي السيد السفير الحفل بقراءة قصيدة للشاعر مصطفي سند طالبا من الجميع أن يدعو لسند بالشفاء .
في حفل عشاء في منزلي بحضور الدكتور عبد الملك محمد هاشم الهدية والدكتور الشفيع خضر ومريم احدي فراشات محجوب شريف ومسئول الامم المتحدة نجيب خليفة محجوب وأستانلي صديقي الجامايكي و (أبو ماو)الاخ كونت بيدرسون المناضل الجنوب أفريقي رئيس مؤتمر القرن الأفريقي السنوي والأخ القنصل محمد حسين والجنتل مان الأخ رعد العراقي الذي يسوق سيارة السفير الدكتور ضياء عدوى والأخت ثرية الشيخ ومجدي الجزولي وآخربن . قال السيد السفير انه في السويد في المقام الأول من اجل السودانيين وهذا عكس ما كنا نسمعه من السفراء الآخرون احدهم الأمين عبد اللطيف (مدينة ود مدني) والذي كان يقول : أنا ما جيت هنا للسودانيين أنا جيت هنا للسويديين . الابن الطالب بدأ ممتعضا لان شخص عير سوداني يتحدث بلهجة عراقية كان في الاستقبال. الأخ رعد أجبرته الظروف والسياسات الخاطئة لان يهاجر من بلده ويعمل كسائق وتجربتي معه عندما قضي الليل في منزلي انه شخص مهذب متزن والسفير والقنصل يتعاملون معه باحترام وندية كعادة السودانيين (أكرموا عزيز قوم ذل ) .
سفارة السودان في إستكهولوم تعاني نقصا حادا في الموظفين وفي المرة الوحيدة التي ذهبت للسفارة لعمل توكيل شاهدت أخت افريقية تعمل في الاستقبال وتقدم الشاي وتقوم بالنظافة وهذا في الفترة التي كانت السفيرة وقتها زينب محمود وهي احدي أميرات أم درمان وزوجها السفير عمر هو سفير بالترقي وليس بالتعيين ولهذا قبلت الدعوة لتناول طعام الغداء في منزلهم . إلا أنني رفضت دعوة السيد الدكتور السفير محمد علي التوم في أوسلو لقضاء الليل في منزله قبل ثلاثة أسابيع عندما قدمت محاضرة للجالية السودانية تحت اسم الهوية . وكنت أقول للسيد السفير والذي يشهد الله أنني أكن له كل الحب وهو متزوج من بنت أختي وحفيدة البشير الريح انا ما بخت كراعي في بيت سفير الإنقاذ المعين . وبالرغم من إصرار زوجته نفيسة رفضت . عندما فكرت في الرد علي هذا الموضوع كانت زوجتي تقول لي : إنت عايز تدافع عن السفير لأنه جنوبي وهذه تهمة لا أنكرها لان الهجوم كان علي السفير لأنه جنوبي ولا لزوم له .
قبل بضعة أسابيع اتصل بي الأخ مسئول الأمم المتحدة المقيم الآن في كوبن هايجن نجيب خليفة محجوب وزوجته عديلة بدري لان جواز ابنهم اشرف يحتاج لتجديد وطلب مني نجيب ان اتصل بالأخ موسس أكول فرفضت وقلت له أن كوبن هايجن تابعة للسفارة في أوسلو وسافر اشرف الي الدكتور محمد علي التوم السفير وزوجته نفيسة والتي هي بمثابة بنت خالته ولم يجدد الجواز لأنه كان قد تبقي علي الجواز أكثر من ستة أشهر . أنا كاتب هذا الكلام جوازي السوداني غير مجدد.
الأخ الحبيب واقرب البشر إلي قلبي الآن في السودان معتصم قرشي كان في زيارتي قبل أسبوعين وحضر لكي نبكي سويا علي شقيقنا احمد عبد الله (بله) وقد يذكر البعض الأخ معتصم لان البي بي سي قد أظهرته في التلفزيون قديما بعد أن حكم عليه بالسجن سبعة سنوات لان بعض ضعاف النفوس تحول الى شاهد ملك قد وشي بي العميد ود الريح وأكثر من خمسين شخصا وذكر أنهم كانوا يجتمعون في مكتب معتصم قرشي صاحب مؤسسة المختار التجارية وانه كان يسمح لهم باستعمال تلفونه العالمي عندما لم تكن الاتصالات الدولية متوفرة حينها .
وحورب معتصم في رزقه لأنه رجل أمين ويفوقني في قول الحق والشجاعة الأدبية والشجاعة المحسوسة وأردوا إخراجه من السوق بالرغم من انه يمثل كبري الشركات الألمانية ولم ينقذه إلا تولي الأخ الدكتور لام أكول وزارة الموصلات قديما ومعتصم يقول علي رؤوس الإشهاد أن أي ورقة تدخل مكتب لام أكول تخرج في نفس اليوم وليس هناك تأخير أو سماسرة أو لي ذراع . وان بعض صغار رجال الدوله كانوا يساومونهم . وأن لام أكول يقابل الزائر بكل أدب ويقوم له بكل أدب ويستمع وعلي عكس المسئولين السودانيين يقف مودعا ويفتح الباب لضيفه في مكتبه . الدكتور محمد جميل الاخصائي في المانيا وهو من أهل الجزيرة الشبارقة رجل سوداني اصيل وحبوب حضر لزيارتي عندما حضر محجوب شريف دائم الحديث عن أدب ورقة ومعقولية صديقه لام أكول الأخ موسس أكول لا يؤلمه أن البعض يريد أن يضعه في ظل شقيقه لام أكول بل يسعد بهذا وموسس لم يتحصل علي منصبه لأنه شقيق لام أكول كما يظن البعض بل لأنه فخر للسودان في طرحه ومظهره وأخلاقه .
الشباب من الدبلوماسيين يعانون كثيرا فى السفارات السودانيه . فمهماتهم ومشغولياتهم كثيره فى الدول الاوربيه . ومرتباتهم ضعيفه والحياه غاليه . وعلاج وتعليم اطفالهم ووضوع زوجاتهم تعنى لهم مشاكل ماديه قد لا يواجهها طالب اللجوء .
مصطفى بشير فارس أهملناه كعادتنا...... ----------------------------------------------
السبت,آب 11, 2007
شوقي بدري:
قبل ما يقارب عقداً من الزمان كتبت هذا الموضوع . وهذه السنه يكون قد مر ربع قرن على رحيل مصطفى , نتذكره ونحيى ذكراه العطره .
الفنان مصطفى بشير:
عالم وفنان كبير اكرمه الفرنجه ولم يعرفه اهل بلده. كان رساماً ومثالاً ذا قامه عاليه .
قبل بضع سنوات إجتمعنا في جامعة أُبسالا بمناسبة مؤتمر منظمة حقوق الإنسان السودانيه, وفي نهاية المؤتمر أتى طبيب مصاب بالنرجسيه وشتم المؤتمر لأنه لم يُفتي في الأمر وقال ( كلكم جيتو قبل كم سنه, أنا لي تسعه سنين في السويد. وأنا الخلقت إسم للسودان في البلد دي ) فقلت له ( إنت ليك تسعه سنين وأنا لي ثلاثين سنه لكن الراجل الخلق إسم للسودان في السويد هو الفنان مصطفى بشير لمن إنت كنت حايم بالردى ) .
من العظيم جداً أن يفوز الإنسان بجائزة نوبل ولكن من المُشرف أن يكون الإنسان مدعواً إلي الحفل ومأدبة العشاء وكثير من الشخصيات العالميه يحلمون أن يكونوا من المدعوين في يوم من الأيام. وهذه هي المناسبه الوحيده التي لا تجدي فيها المحسوبيه أو الثروه.
مصطفى كان يُدعى إلي حفله نوبل وكان يعرف كبار الفنانين , العلماء , الكتاب السياسيين كما كان يعرف رئيــــس الـــــــــوزراء الســــويــــدي الشخصيـــه العالميــه بالمــــاPalme وزوجته اليزابيث وكثيرمن الشخصيات العالميه.
لقد كان منظر مصطفى في حفلة نوبل يثير فضول الصحفيين والتلفزيون العالمي فلم يكن هنالك أفارقه في تلك الأيام من ضمن المدعوين. ومصطفى لم يكن يفوت الفرصه لكي يتحدث عن السودان. مصطفى لم يكن مقفولاً في الرسم والنحت بل كان عالـِماً مُطلعاً يقرأ في الطب والفلك والموسيقى وعِلم الإجتماع والسياسه والأدب. فوالده عثمان بشير نصر من أبكار الخريجين وأحد الذين أسسوا نادي الخريجين وكان أديباً ورفيقاً ونديماً للشاعر توفيق صالح جبريل ولقد قال توفيق في قصيدته ذكريات قديمه.
عثمان إذ يتغني يخفف الهم عنا حتى إذا الليل جُن نال الفتى ما تمنى عم مصطفى هو اللواء حسن بشير نصر وجده البك بشير نصر الذي حاز علي اللقب في التركيه كما كان وزيراً للسلطان علي دينار ولهذا كان ميلاد مصطفي في حلفاية الملوك وسط أهله الشايقيه في سنه 1938 ودرس في بربر والخرطوم وتخرج من كليه الفنون الجميله. وعمل بالمدارس الثانويه كمدرس. ووضع منهج التربيه الفنيه للمدارس الثانويه. وأُرسل إلي لندن لمواصلة تعليمه العالي في سنه 1962 وقام بعمل عدة معارض كما كان نشيطاً إجتماعياً بين السودانيين والأنجليز وهاجر للسويد في سنه 1964 . من أوائل السودانيين الذين حضروا للسويد , إذا استثنينا أعمامنا البحارة الذين حضروا في الأربعينات.
التحق مصطفى باكاديمية الفنون الملكيه في السويد وتخرج بدرجة الشرف. كما فاز بجائزه أكاديمية الفنون كأحسن فنان.
وفاز بجائزة الملك للفنون وتسلم الجائزه من يد الملك العجوز قوستاف الذي كان يحب الفنون ويعجب بانتاج مصطفى كما قابل حفيدة الملك ملكة الدنمارك الحاليه وهى كذلك رسامه. عين مصطفى محاضراً في أكاديمية الفنون الملكيه في استوكهولم بعد أن انتزع إعجاب السويديين واعترافهم بعبقريته إلا أن هذا نصف الكسب فقط لأنه كان محبوباً محترماً من الجميع. فمصطفى شئ خاص جداً . سهلاً كريماً من النوع الذي يأخذ طريقه إلي قلبك ليستقر.
عندما حضرت لاستوكهولم بحثاً عن العمل في اجازه الجامعه من شرق أوروبا في الستينات كنت أنام عنده في غرفته الصغيره ولا أزال أذكر العنوان ( تل الطلاب ـ جيروم رقم 27 ) . أول درس في الفن الحديث أخذته من مصطفى فهو مدرس رائع وكان يقول لي ( فكر في أن هنالك مغني يغني ويعزف , بعض الناس يطرب كثيراً والبعض يطرب قليلاً وهنالك من لا تطربه الأغنيه وهذا لا يعني أن المغني سئ ولكن هنالك إختلاف الذوق . والرسم والنحت هو نوع من الطرب فكما يطربك المغني أو العازف عن طريق الأذن فالفن يطربك عن طريق العين. وهذا الطرب يمكن أن تجده في كل شئ جميل حولك . المباني المقاعد الطاولات اللوحات المجسمات ......الخ وبالممارسه سيتطور حسك الفني واستيعابك وفهمك .)
فى كل مره أذهب إلي المؤتمرات والمعارض الفنيه أتذكر درس مصطفى وكلماته ( يغني المغني وكل علي هواه ).
في نهاية الستينات كان مصطفى معروفاً علي نطاق القطر فلقد كانت صورته معلقه في كل محطات القطارات والبصات وملصقات الشوارع بشعره الكث وإبتسامته العزبه . فبعض الشركات المنتجه في السويد كانت تسوق منتجاتها عن طريق مصطفى السوداني.
رداً علي إستفسار البعض قلت بأنه ليس لدينا سفير أو سفاره في استوكهولم فرد على أروبى بسويديه سليمه ( أنت كذاب ) وعندما رأى الغضب والحيره في عينى رد ضاحكاً ( كيف تقول هذا وعندكم مصطفى في استوكهولم وهو صديقى الحميم ) وتعرفت بالبريطانى جون وهو حامل شهادة في الجيلوجيا وأول بريطاني أقابله يتحدث الألمانيه والسويديه بطريقه متقنه.
في أقل من سنه بعد هذا الحادث طرق بابى جون وشاركنى السكن في غرفتى الصغيره في جامعه لوند في جنوب السويد لأنه قد طرد من عمله كمدير للمركز الانجليزى الذى يشمل مطعماً , مرقصاً ومقهى ولم يكن يملك مليماً عندما طرق بابى.
وبعد أيام قال لي جون ( أنا كنت متأكداً من أنك الشخص الوحيد الذي سيرحب بى وأسكن عنده بدون إحراج . لقد علمنى مصطفى بأن منازل السودانيه مفتوحه لأى ضيف في أى وقت . لقد صرفنا فلوس جائزه مصطفى في عدة أسابيع , كما لم يكن مصطفى مهتماً بالمال ). تزوج مصطفى بنيكول ألفين وهى إبنة عالم الفيزياء السويدى المستر Alfen والحائز علــــي جائزه نوبل وله ولد واحد إسمه وليد كما كانت الصحف واعلام السويدي يظهر مصطفى مع العلماء والوزراء ورئيس الوزراء وزوجته.
في السبعينات كان مصطفى يحذرنا بشده وينصحنا بالابتعاد عن الكيماويات وعدم الجلوس قريباً من التلفاز لأن كل هذا يسبب السرطان وفي بدايه الثمانينات يصاب مصطفى بالسرطان. وفى سنه 1982 ينتقل مصطفى إلى جوار ربه بهدوء . فلقد كان دائماً معقولاً بسيطاً لا يسبب أى مضايقه لأحد وكنت أحسده على هذا. وعندما عرض عليه أحد الأصدقاء أن يتصل بأهله لكى يحضروا لزيارته في مرضه قال ( ليه أسمح لنفسى أن أتعبهم وأتلتلهم. يعنى أموت وأتعب الناس؟ ).
أذكر أن مصطفى في السبعينات قد ساعد أحد أصدقائه من أصحاب المطاعم بالديكور وبعض الأشياء الفنيه فعرض على مصطفى ان يأكل في مطعمه مجاناً فى أى وقت فقال مصطفى ( شكراً ولكن لا يمكن أن أسمح لنفسى بهذا ).
مصطفى لم يحضر لزيارتى في مالمو سوى مرة واحده. ولكن لا تزال إبنتى الكبرى وأمها يذكرونه جيداً بالرقم من أنهم قد نسيوا الكثيرين .
أقام مصطفى معارض كثيره فى أوروبا وأمريكا وبالرغم من النجاح كان ودوداً متواضعاً وعندما يلفت نظر الأخوه الجدد الى الخطأ كان يعمل هذا بطريقه هادئه ولطيفه ولهذا مات دون أن يترك أعداءاً .
نيكول زوجه مصطفى كانت مصره على أن يدفن زوجها في السويد ليكون قريباً من إبنه وليد ولكن بعض أن شرح إخوته وأصدقائه ظروف السودان وأهله الذين دُفنوا هنالك لمئات السنين. رجع مصطفى لكى يرقد بجوار جدوده في حلفايه الملوك . رحمه الله عليــــــه.
بينما التوانسه يشيدون بشاعرهم الشابى ويقيمون المهرجانات السنويه بإسمه لا نهتم نحن بعبقرى السودان التجانى يوسف بشير ولقد نسب البعض بعض قصائده وكتاباته الى نفسهم . ولقد نوهت عده مرات فى الصحف لغلط مطبعى فى ديوانه اشراقه الذى طبع فى سنه 1950 وسنه1970وطبعات أحدث وأجمل قصيده للتجانى هى القمر المجنون لانها مليئه بالحكمه والعرب لم يكن يعترفون بالشاعر الا بعد ان يأتى بحكمه ويقول الديوان أصنعى أيتها الشمس الأهله وأنفخى من روحك الطاهر فيها وقفى مزهوه منها مدله موقف المطفل من غربتيها والصحيح كما حفظناه سماعياً في امدرمان موقف المطفل من غر بنيها . والمطفل هى المرأه كثيره الاطفال وغر بنيها بمعنى أصغر ابنائها . متى سنطلق إسم التجانى علي معهد أو شارع ومتى سنطلق اسم عبد العزيز داؤد الكاشف أو كل المبدعين على شوارعنا .
كرومه الذى لحن ما يزيد عن ثمانين في المئه من اغانى الحقيبه مات معدماً شبه مشرد قتلته قرحه إنفجرت ولم يجد العلاج , وحتى اسمه كرومه وجد التلاعب وسموه عبد الكريم ووالدته سمته كرومر تيمناً باللورد كرومر الذى ساعد فى إعطاء شهادات الحريه لكل الرقيق السودانيين الذين طلبوها .
في بدايه الخمسينات تعرض فريق الترسانه المصرى للهبوط وكانت أمامهم اربعه مباريات اذا خسروا اى منها سيهبطوا فحضروا للسودان وأخذوا معجزه الكره السودانيه عبد الخير ووالدته عجوبه كانت بائعه فى سوق الشجره وأخذوا معه ود الجراح الذى كان يلعب فى الوطن وميدان فريق الوطن هو الفراغ الذى شغله نادى العمال فى الملازمين وأخذوا كلول وحمدتو وإنتصرت الترسانه فى كل المباريات .
وفى نهايه الثمانينات مات عبد الخير فى غرفه آيله للسقوط فى حى حفره كلودو وهذا الحى لا يعرفه حتى أهل امدرمان كانت تتوسطه حفره كبيره شمال غرب الشهداء سكنه مجموعه من السرماطيه أو صانعى مراكيب كلودو . وخرجت زوجته فى وسط الليل تبحث عن من يدفنه .حمدتو رجع الى القاهره وتكرمت عليه الترسانه بتوظيفه كحراس على بوابه النادى .
العالم السفلي .... المختلسين و محمد افندي الصراف!! ________________________________
مدوّنة " مكتوب ".
الإثنين,آب 13, 2007
كتبها شوقي بدري:
بعد حرب السته ايام و الاعتراف بالمانيا الشرقيه و الانفتاح علي المعسكر الاشتراكي اتتنا في براغ مجموعات كبيره من ( الافنديه ) لدراسات عليا . من وزارة الماليه و التجاره و التعاون و الاطباء و الفنيين و التلفزيون و .....الخ .
و ارتبطت بصداقه رائعه مع الرجل العظيم ابراهيم صالح رحمة الله عليه و ابراهيم عبيد الله رحمة الله عليه و هو عم خالد الحاج ، و ابراهيم عبيد الله كان من الاخوان المسلمين و لكن الزمان لا يجود بامثاله كثيرا، و عبدالوهاب عثمان الذي كان وزيرا للماليه .
اما الاغلبيه فلقد كانوا افنديه بحق و حقيقه . يحبون المال و ينافقون . و قبل ان تنتهي القعده يكون هنالك من بلغ ممثل الدوله الرسمي الملحق الثقافي الاستاذ احمد اسماعيل النضيف . من الشخصيات التي تطرقوا لها باستمرار كانت شخصية محمد افندي الصراف مما جعلني اتوق لمشاهدته في اول اجازه .
محمد افندي كان رجلا لا يخطئ و لا يتزحزح قيد انمله من اللوائح و قوانين الخدمه المدنيه . لم يترقي و لم يحبه اي انسان و سبب مشاكل اكثر مما افاد . دخل مره حاملا تلغراف و القي به علي تربيزة ابراهيم صالح قائلا ( نقليه ، مأموريه ، مهمه ، فهمناها . بس تلغراف كسلا ده ، محمد افندي يقوم حالا . محمد افندي هو ....... في لوائح و قوانين . انا عندي حق في فتره اتجهز . ما بسافر ساكت . ).
و بعد ترجي و تحنيس و تدخل الوكيل بان الفتره يمكن ان تضاف الي اجازته و ان الناس في كسلا لم تصرف مواهيها و هم في انتظار الصراف و .....الخ ، و اخيرا سافر محمد افندي لكي يرجع مباشرة . المشكله ان منزل الصراف كان قد اعطي لموظف اخر له اسره كبيره . و بما ان محمد افندي اعزب . ففكر الناس بطيبة السودانيين بانه يمكن ان يسكن في منزل صغير او في الميز .
محمد افندي كان يقول اللوائح و قوانين الخدمه المدنيه التي وضعها الانجليز بعد تجارب طويله ، تقول ان الصراف يجب ان يستلم مفتاحين ، مفتاح البيت في الاول و بعدين مفتاح الخزنه . و الصراف ما بسكن مع الموظفين التانين عشان ما يكون في احتكاك و مداخلات . و سلفني و شوف لي حاجه مرتي حتلدي و امي عيانه و.......الخ . و لو في اختلاسات او اي كلام ما مظبوط الصراف لازم يتدخل . و بعد اخلاء المنزل ، و اهل كسلا لم يصرفوا مرتباتهم و التجار منتظرين ديونهم من الموظفين و الحاله وقفت. يصر محمد افندي علي جرد الخزينه جنيه ورا جنيه . و عادة في الخزن الكبيره تحسب بعض الرزم بالجنيه ثم تحسب الخزينه بالرزم . و لكن كانت لمحمد افندي تجربه سابقه مع ابراهيم ذكي الذي كان مع ودالبدوي اكبر مختلسين في السودان .
و بعد الجرد سال محمد افندي عن المفتاح الاسبير . و عندما قالوا له ان المفتاح الاسبير عند الايطال الذين احتلوا كسلا في الحرب العالميه التانيه و اخذوا المفتاح معهم عندما تراجعوا الي اثيوبيا .قال لهم محمد افندي ( اذا كدا تجيبوا موسليني يمسك ليكم خزنتكم دي . انا ما مسؤول منها ) . و توجه مباشرة الي البوسته ليرسل تلغراف الي مصباح وكيل وزارة الماليه يحل نفسه من المسؤليه و يعرفهم ان المفتاح الاسبير لخزينة كسلا غير موجود . و رجع محمد افندي الي الخرطوم . اذكر ان ابراهيم و عبيد الله و عبدالوهاب عثمان كانا يقولان ان وزارة الماليه كانت في حالة هلع و خوف . و ابراهيم صالح رحمة الله عليه قال انه طلب فايل محمد افندي و لم يجد فيه اي شئ خطأ الا انه لم يرق .
في بداية الستينات ذهب الجنود السودانيون الي الكويت عندما حاول عبدالكريم قاسم ضمها للعراق .فوقف جمال عبدالناصر مع الملكيه في الكويت . و اطاح بها في اليمن .
و كالعاده كان سلوك الضباط السودانيين علي اروع ما يكون . و حفظوا مال و شرف الكويتيين . و في ليبيا في الحرب العالميه الثانيه كان السودانيون يقابلون بالزغاريد و التصفيق لانهم لم يحافظوا علي شرف و امن الليبيين فقط بل منعوا القوات الاخري من مجرد التفكير في التعدي علي الليبيين و هكذا كانوا في لبنان كذلك .
في سنة 1979 قضيت ليله في مطار بيروت لان الاوامر قد صدرت تحرم دخول اي انسان خلاف اللبنانيين و السوريين . و بعد كل نصف ساعه كان يأتيني جندي سوري لكي يوقظني قائلا ( حضرتك مسافر ؟) هذا بالرغم من حقيبتي التي بجانبي و معطفي الذي اتوسده . و اخيرا استيقظ الرباطابي داخلي و قلت لاحد الجنود عندما سالني ( حضرتك مسافر ؟ ) و قلت ( انا مش مسافر . الحقيقه انا صاحب المطار و حارسو خايف يسرقوهو .!!) و انتهي الامر بمشاده تدخل بعدها ضابط لبناني طيب خاطري و اشاد باخلاق السودانيين و ادائهم لانهم كانوا يحرسون المطار .
و عندما عادت القوات من الكويت . كان في وداعهم احد ال الصباح و اعطي قائد الفرقه الذي لا استحضر اسمه الان شنطه مليئه بالسبائك الذهبيه و هذا علي باب الطائرة . و هذا الضابط الذي استدعته الكويت فيما بعد و عمل في الكويت لسنين طويله لم يكن في امكانه ان يرفض الهديه. و يقال انه لم يفتح الحقيبه الا في الطائره .
و السودان الذي كان يحكمه الظبط و الربط وقتها لم يكن في امكان الضابط ان يتفادي فيه الجمارك . و عندما اتت الجمارك بالحقيبه المليئه بقضبان الذهب الي وزارة الماليه و صديقنا محمد افندي لان الخزينه الوحيده المضمونه كانت في وزارة الماليه . الا ان محمد افندي كالعاده رفض قائلا ( انا صراف و لا مجلي بساده ) ، مجلي بساده كان اكبر صائغ في امدرمان مثل اولاد ملا .
محمد افندي كان يقول ( وروني بس وين في اللوائح بتاعتكم انو خزينة الماليه بتمسك ذهب ؟ يمكن بكره تجو تقولوا نشرته لي حته و لا شلته سبيكه ، تدخلوا الذهب دا انا بره ) .
الاختلاس لم يكن معروفا في السودان . و المختلس كان ينظر اليه حتي بواسطة اهله كانسان سيئ خائن للامانه و ينبذ و يتفادي الناس حتي الكلام معه . و عندما كان مرتب رئيس الوزراء 150 جنيه بدون اي مخصصات تذكر. كان مرتب محافظ الجزيره هو 485 جنيه و بدلات و سيارات و منزل ضخم و خدم و حشم و سائقين . و كذلك مرتب مدير السكه حديد . و اقل منهم قليلا محافظ البحر الاحمر و قاضي القضاة و قضاة المديريه و كل الوظائف التي تستلزم الامانه .
عندي نسخه من خطاب اعطاني لها الاخ كمال حسون المتزوج من بنت خالته كريمة الزعيم الازهري . و الخطاب معنون الي محمد البشير اكبر تجار ملكال يطلب فيه سلفيه 500 جنيه يقوم بتسديدها شهريا . حتي يوسع منزله . و لقد شارك عشره من تجار ملكال بدفع 50 جنيه من كل واحد منهم حاج الماحي و الجاك و نميري و اخرين .
اكبر اختلاس حدث في السودان كان اختلاس ودالبدوي و هو شقيق الدكتور علي البدوي مؤلف مسرحية دهبايه و يسكنون بالقرب من مدرسة امدرمان الاميريه . و المبلغ كان عشره الف جنيه في الوقت الذي كانت ميزانية حكومة السودان حوالي 4 مليون جنيه .
و امدرمان هيصت لفتره طويله جدا . و الفت الاغاني التي كانت تمجد ود البدوي و رددها الناس في القعدات حتي في الستينات و تقول: يا ابو البدوي زورنا مره يا البدوي عيرنا نظره و صارت كالمثل و لا يزال الناس في امدرمان الي اليوم يقولون للصديق او الحبيب الذي انقطع ( يا ابو البدوي زورنا مره) .
و تلك الحفلات لفتت نظر ظابط البوليس ابارو . و انتهي الامر بود البدوي الي السجن و اظنها خمس سنوات لان القتل كان وقتها 14 سنه سجن يقضي المسجون ثلاث ارباع المده و لهذا يقال سنة الحكومه تسعه شهور .
و تغيرت الاغاني الي يا ابو البدوي غادي غادي يا ابو البدوي السجن بعادي يا ابو البدوي البيره مره يا ابو البدوي السجن امره
و اختفي ابو البدوي من الحياه الاجتماعيه بتاتا حتي بعد خروجه من السجن.
الا ان ابراهيم ذكي كان من النوع الذي لا يخجل. واصل مجونه و عربدته حتي في السجن . و عندما طلع من السجن كان اسوأ . و عرفت من بعض الاخوه انهم شاهدوه في بداية التسعينات يمشي بصعوبه متوكئا علي عكازين بالقرب من بوابة عبدالقيوم و منزلهم في المورده و يواجه لكوندة المورده الجديده علي يمين الشارع بعد ان يتخطي الانسان كبري سوق المورده في الطريق نحو السوق الكبير . عندما كانت حديقة المورده عباره عن نجيل محاط بسور من اشجار التمرهندي كانت مكان للدافوري بواسطة الكبار خاصه في يوم الجمعه عندما يغيب الحراس ود موسي الذي صار يحرس الحديقه المواجهه لدار حزب الامه الاخير في شارع المورده قبل ان تختفي الحديقه . و هذا المنزل كان مسكن لال ابو العلا و مدرسة الرشاد الاوليه و مسكن لرودلف سلاطين في ا يام المهديه .
ابراهيم ذكي كان يشتري جزمه باتا جلد سمك تساوي 35 قرش و هذه ثروه وقتها . و بعد الدافوري يترك الجزمه لاي شخص . و يشتري جردل طلس يساوي 40 قرش و اربعه ارطال سكر و ثلج و ليمون . و يترك الجردل لاحد الاصدقاء .
المؤلم ان ابراهيم ذكي لم يكن بارا باهله و لم يكن يهتم بشقيقه عوض صديقنا . و عندما ذهب الي السجن عاني ابنه محسن و اشقائه . و كان عنما يحضر مخمورا في الليل يقول عندما يفتح الباب (يا برص يا عمي ) لان والده كان اعمي و والدته مبرصه .
و عندما سأله القاضي ( وديت القروش وين ؟ ) كان رده انه قد صرفها علي الزنا . و اظن ان امدرمان تعاطفت بعض الشئ مع ود البدوي . و لكن الناس لم يتعاطفوا ابدا مع ابراهيم ذكي الا انه اضحك الناس . فخبير البصمات لم يستطع ان يتعرف علي البصمات التي كان ابراهيم ذكي يضعها امام استلام الفلوس فلقد كان ابراهيم يستعمل ...... . و افلح في ان يسلم الخزينه بالرزمه ، الا ان محمد افندي اصر علي طريقة جنيه في جنيه و كان من الممكن ان ينجو ابراهيم ذكي لان الرزم كانت بعض الجنيهات تحت و فوق و الوسط ورق جرائد . و عندما داهموا منزله وجدوا مقص و بعض ورق الجرائد مقصوص في حجم الجنيه .
طبعا كان هنالك كثير من الاختلاسات الصغيره . صديقي( ...) الذي عمل في المجلس البلدي امدرمان كان يجمع باقي الايام التي تتراكم للعمال الموسميين و يستخرج بها اذن لشخص معين يقتسم معه المبلغ . و في احد المرات اراد ان يستفرد بالمبلغ فاحضر اخونا (...) و الذي يسكن السرداريه بالقرب من المجلس البلدي و كان يعتبر عوير الحي . و بعد استخراج السيركي اخذه لعبدالعظيم الصراف ثم ناداه باسم صاحب السيركي فقال الاخر ( انته جنيت و لا شنو يا ود(....) انا اسمي( ....)) و ناداه باسم والدته التي كانت مشهوره جدا في شارع السيد الفيل . و لو لم يكن عبدالعظيم مشغولا لانتهي الامر بكارثه .
عبدالعظيم الانيق ، الرجل الجنتلمان كان صراف امدرمان و يصرف لكل ارباب المعاشات و الموظفين و العمال. ويعرف كل الناس لانه وقتها لم تكن هنالك بطاقات . و يستقبل فلوس العوائد من المحصلين امثال الوالد فنان الحقيبه عمر البنا الذي كان يطوف امدرمان علي حماره.
المسكوت عنه....لماذا يتجنب العرب الفن السوداني? _______________________________________________
مدوّنة " مكتوب ".
الإثنين,آب 13, 2007
كتبها شوقي بدري:
في ابريل 1993 حضرت الي القاهره للزواج . و اخذني الصديق الاخ اسامه ناصر و زوجته مهوش في جوله بالسياره في القاهره مع زوجتي و شقيقتها و قال ( حسمعك شريط لنجاة الصغيره ، طبعا بتحبها ) فقلت ( لا ) و واصل ( طيب اسمعك الست . مافيش حد في الدنيا ما بحبش الست ) فقلت له ( انا ، ما بحبها ) .
ان الامر ليس فقط عدم حب ، بل عدم احترام كذلك من جانبي . فعندما اتت للغناء في المسرح القومي في امدرمان سنه 1967 استورد السودان اجهزه و مكرفونات خاصه للمناسبه . و عندما طلب المسرح القومي من الست الحضور لنصف ساعه لتجربة الاجهزه ، لم تحضر و قال -مدير اعمالها ( الست مش فاضيه للحاجات ديه ، ده شغلكو انتو ) .
ام كلثوم كاغلب العرب يتغيرون عندما تصيبهم نعمه او شهره و نسيت انها فلاحه بنت فلاحين من طماي . و عندما اراد احد اقرباء الملك فاروق ان يتزوجها ، رفض البلاط لانها من اصل وضيع . و لقد اظهرت الصحف المصريه صورة شخص تحت عنوان ( سوداني يصر ان يسجد لام كلثوم ) . و الشخص في الصوره لم يكن يبدو كسوداني بل مصري .
عبدالحليم حافظ الذي مات بالبلهارسيا، عندما حضر للسودان في نفس الايام مع فرقه اضواء المدينه بعد مؤتمر الخرطوم الذي مد في عمر جمال عبدالناصر ،( شخط ) في وجه المعجبين في الخرطوم الذين تجمعوا امام القراند هوتيل و هم يصرخون ( نار يا حبيبي نار ) و كلهم من بقايا المصريين او شباب الخرطوم الذي تأثروا بفلم الوساده الخاليه رواية احسان عبدالقدوس ابن فاطمه اليوسف صاحبة مجلة روزاليوسف . لقد صرخ فيهم ( روحوا في ستين الف داهيه و سيبوني في حالي ).
هذا امام الصحفيين ، منهم عبدالرحمن مختار و لقد تطرق لهذه الحادثه في كتابه خريف الفرح . و استفذ لدرجه انه قال للشباب "::".
المسكوت عنه....لماذا يتجنب العرب الفن السوداني? _______________________________________________
مدوّنة " مكتوب ".
الإثنين,آب 13, 2007
كتبها شوقي بدري:
في ابريل 1993 حضرت الي القاهره للزواج . و اخذني الصديق الاخ اسامه ناصر و زوجته مهوش في جوله بالسياره في القاهره مع زوجتي و شقيقتها و قال ( حسمعك شريط لنجاة الصغيره ، طبعا بتحبها ) فقلت ( لا ) و واصل ( طيب اسمعك الست . مافيش حد في الدنيا ما بحبش الست ) فقلت له ( انا ، ما بحبها ) .
ان الامر ليس فقط عدم حب ، بل عدم احترام كذلك من جانبي . فعندما اتت للغناء في المسرح القومي في امدرمان سنه 1967 استورد السودان اجهزه و مكرفونات خاصه للمناسبه . و عندما طلب المسرح القومي من الست الحضور لنصف ساعه لتجربة الاجهزه ، لم تحضر و قال -مدير اعمالها ( الست مش فاضيه للحاجات ديه ، ده شغلكو انتو ) .
ام كلثوم كاغلب العرب يتغيرون عندما تصيبهم نعمه او شهره و نسيت انها فلاحه بنت فلاحين من طماي . و عندما اراد احد اقرباء الملك فاروق ان يتزوجها ، رفض البلاط لانها من اصل وضيع . و لقد اظهرت الصحف المصريه صورة شخص تحت عنوان ( سوداني يصر ان يسجد لام كلثوم ) . و الشخص في الصوره لم يكن يبدو كسوداني بل مصري .
عبدالحليم حافظ الذي مات بالبلهارسيا، عندما حضر للسودان في نفس الايام مع فرقه اضواء المدينه بعد مؤتمر الخرطوم الذي مد في عمر جمال عبدالناصر ،( شخط ) في وجه المعجبين في الخرطوم الذين تجمعوا امام القراند هوتيل و هم يصرخون ( نار يا حبيبي نار ) و كلهم من بقايا المصريين او شباب الخرطوم الذي تأثروا بفلم الوساده الخاليه رواية احسان عبدالقدوس ابن فاطمه اليوسف صاحبة مجلة روزاليوسف . لقد صرخ فيهم ( روحوا في ستين الف داهيه و سيبوني في حالي ).
هذا امام الصحفيين ، منهم عبدالرحمن مختار و لقد تطرق لهذه الحادثه في كتابه خريف الفرح . و استفذ لدرجه انه قال للشباب ( انسوه و احرقوا اسطواناته ) .
الناس يوردون كل الاسباب لعدم انتشار الموسيقي السودانيه في العالم العربي و يتفادون ذكر الحقيقه . السبب سيداتي سادتي ان الانسان لا يستمع لموسيقي شخص يحتقره . فلهذا نحن الشماليون لا نستمع الي موسيقي الجنوبين و لا نعرف فنانينهم . و لا نعرف اي شئ عن الغناء او الفنانين التشاديين . و العرب يحتقرونا ، و نحن نلهث جريا وراء حبهم .
من المؤكد ان بعض السودانيين يحبون الاغاني المصريه و العربيه عن حق . و لكن هنالك الكثيرون الذين يتظاهرون بحب ام كلثوم كنوع من الرقي و التطور و استيعاب الثقافه . و لقد كان و لا يزال هنالك الاف مؤلفه من السودانيين يتحدثون باللهجه المصريه و هم لم يضعوا قدمهم في مصر .و بعض الاخوه يعود من السعوديه او الخليج بعد سته اشهر و يتحدث عن السياره و الهاتف و ابقي قرشه كوكاكولا .
بالنسبه لي ليس هنالك ما يعادل روعة عشه موسي و هي تغني ( عني مالو) او اغنية الحمام الزاجل بواسطة مني الخير او الاستماع الي سميره دنيا و عابده الشيخ و سميه حسن .
في 1987 و في داخل مطار كوبنهاجن قابلت المغني الامريكي بيري وايت و فرقته و زوجته و هي تحمل طفل رضيع و سيده امريكيه سوداء اخري و كان بيري وايت يرتدي بالطو ضخم و شبشب منزلي و ذهب ليغير بعض العمله لشكل قطع معدنيه من فئه خمسه كرونات لاستخراج عربات لحمل الامتعه و هو يضحك و يمازح عازفيه قائلا ( صاحب المطار قد اصاب ثروه منا بسبب عرباته ) و دفع لي باحدي العربات و سألني( ماذا يعمل الاخ في اسكندنافيه ) ، و واصل ( اها ، سمعت ان النساء الاسكندنافيات رائعات ) فنهرته زوجته متظاهره بالغضب .
بيري وايت من اشهر المغنين في العالم ، ليس هناك محطه في العالم في المكسيك او نيوزيلندا او شيلي او جنوب افريقيا لا تذيع اسطواناته . اين عبدالحليم حافظ من هذا .
في الثمنينات و في مطار جنيف تحدثت مع اثنين من الجمايكيين و سألوني من اين انت يا اخ و عندما قلت السودان . صرخ الاثنان ( يا جيمي ..يا جيمي ) و كان ذلك جيمي كليف الذي خلق لنفسه اسم في الموسيقي و الغناء سبق بوب مارلي كمغني عالمي . و جيمي كليف كان يسكن في الخرطوم لفترات و يشاهد ماشيا في شوارع الخرطوم . و لقد احضره شخص لابن اختي دكتور المهدي مالك في المستشفي في الخرطوم لانه اصيب بجفاف فلقد كان صائما و اكثر من الحركه و المشي .
في بداية التسعينات شاهدت مغربي وسيم انيق الثياب في مطار بلغراد . و كانت مسؤولة الطيران تقول له بالانجليزيه و اليوغسلافيه بانهم لن يدفعوا اجر الهوتيل و انه ملزم بدفع الهوتيل و هو يهز اكتافه و يقول بالفرنسيه ( لا افهم ) و عندما عرضت مساعدتي ، فرح قائلا ( ساعدني يا اخي، انا لا افهم الانجليزيه ) . و عندما تأكد لي عدم احقيته و انه لا يملك ثمن الفندق لليله واحده اقترحت ان يكون ضيفي في فندق سلافيا .
و عندما رجعت بعد تغيير بعض الفلوس ، وجدته يقف مع فتاة يوغسلافيه كانت ترمقه من البعد باعجاب . و فجأه صار المغربي بلبلا يتحدث الانجليزيه . و الفتاة التي كانت عائده من اقامتها في استراليا تدعوه للسكن معها .
و عندما استغربت من معرفته المفاجئه للانجليزيه صرخ في وجهي بانه لا شئ يجمعه مع السود من امثالي و ان لا اتدخل في اموره . و بعد ان شتمته ، سالت الفتاة اليوغسلافيه عن المشكله فقلت لها ان صديقي يقول انه سيذهب معك و .....ثم يسرق نقودك ، و لكن لا يريد ان يقتسم معي .و انتهي الامر بان الفتاة شتمته و ذهبت لحالها و صار يترجاني لاخذه معي .
في نفس اليوم تعرفت في الفندق بامريكي اسود لا يقل طوله عن مترين و عشره سنتيمتر مما جعل الناس في شوارع بلغراد يتطلعون اليه و قضينا يومين رائعين ، العيب الوحيد ان صديقي الجديد كان يقول دائما عندما ندخل اي مطعم او ملهي Man , i hat to break them 100 dollar bills وبعد سنتين من هذا التاريخ و انا اتنزه في الشارع مع زوجتي السودانيه اسمع شخص يصرخ باعلي صوته Hi , shoug , come and say hallo to Little Richard و كان ذلك هو صديقي من بلغراد و هو الحارس الشخصي للمغني العالمي و النجم السينمائي من الخمسينات ليتل ريتشارد و يسكن في بفرليهيل هوليود. و يذكر عادة باغنيه توتي فروتي التي احبها كل العالم و مكياجه الثقيل حتي عندما يكون ماشيا في الشارع .
عندما اراد ليتل ريتشارد ان يصافح زوجتي ، هربت مزعوره بسبب مكياجه في وسط النهار . و لم يغضب بل قال ( لماذا خافت الاخت الصغيره ) و عندما قلت لزوجتي بانه مغني عالمي قالت ( و انا العرفني شنو ! ) .
البلاترز من اكبر الفرق الغنائيه في العالم خاصه في نهاية الخمسينات و بداية الستينات و هم خمسه من الامريكان السود . و لا يزال النساء الكبار في السن يذبن عندما يسمعن اغنية I am the Grate pretender كانوا يحضرون عدة مرات في السنه لاسكندنافيه . و ربطتنا معهم صداقه لدرجة ان مور كان يفاجئني بالحضور لمكتبنا في وسط البلد حتي قبل ان يبدأ عرضهم في قاعة الكرونبرنس . و منه تعلمت ان ارفع امشاط قدمي اليسري قبل تسديد ضربة البدايه القويه في لعبة البلياردو . و لقد قابلهم حسين ودالحاوي في منتصف التسعينات في جزيرة مايوركا في البحر المتوسط .
انا لا يمكن ان احب ثقافة شخص يحتقر ثقافتي بل يحتقرني انا كأنسان و بينما الاخرون ينادوني باخي سمعت ضابط الجوازات المصري يقول لزميله في سنه 1995 مايو ( البرابره دول تخليهم ملطوعين ) بالرغم من انني و سيف نحمل جوازات اوربيه .
يمكن ان تخدع نفسك و تتظاهر لكن الاكل و الذوق يعتمدون علي النشأة الي حد كبير . فشركة وينفيلد انترناشونال و مقرها الطابق67 في نيويورك مبني امباير ستيت بلدنق اقاموا لي حفل في ديسمبر 1978 و كانت الفاتحه حاويه ضخمه في داخل كتله من الثلج و كضيف شرف اعطوني قطعه من البسكويت عليها بعض الكافيار الروسي الاسود . و انا لا ازال اقلبها في يدي هجم المدعوون علي الكافيار فتشجعت و وضعت المصيبه في فمي ، و لكن لم استطع ان ابلعها فهرعت الي الحمام و اصابني الحنين الي طعمية ام مستوره في امدرمان التي قال عنها صديقي عثمان ناصر بلال المكنيكي ( طعمية زي الدبرياش ) طارة الكلتش . "ال ام كلثوم ال" .
الكل يذكر قصيدة محجوب شريف عن الحرامي الذي أتوا به مضروبا في السجن في السودان وصار صديقا لمحجوب شريف وعلم محجوب لعب السيجة . في الطريق إلي إستوكهولم من جنوب السويد وعند التوقف في مدينة قرينا بالقرب من البحيرة العملاقة في وسط السويد دخل محجوب شريف في سجن القلعة الأثرية والسجن عمره أكثر من 500 سنة وتعليق محجوب شريف أنه أنظف وأجمل من سجون السودان الحالية والصورة التي أخذها مجدي الجزولي تظهر محجوب خلف القضبان .
قبل شهر والشمس ساطعة وفي وسط النهار ذهبنا إلي معرض دائم للفنون في وسط مالمو يفصله عن المسرح منتزه جميل مليء بالمجسمات في شكل العاب وبينما كنا نصطف خارج المعرض أعطينا فتاتين سويديتين الكميرا لتصويرنا . ومجموعتنا تتكون من أميرة الجزولي ، محجوب شريف، وفراشات محجوب شريف مريم مي والأخ فريد العراقي ومجدي الجزولي وفجأة سمعنا صوت زجاج يتحطم . وفي داخل السيارة علي بعد أمتار كان هنالك شاب سويدي قوي يبحث داخل السيارة فهرعت نحو السيارة . واضعا في اعتباري أن القانون لا يسمح بالقبض أو ضرب اللص حتى إذا وجدته في داخل منزلك وحدث أن أطلق اللص وذهب صاحب المنزل إلي السجن . إلا أن القانون قد تغيير أخيرا وصار مسموحا بالقبض علي اللص بدون الإضرار به مثل خنقه أو لي ساعده . وبعد وصولي للسيارة اخرج اللص سكينا بجانب المفك الكبير الذي كان يحمله وعندما تقدمت نحوه متجنبا ضربه أو ركله . قام بطعني في يدي اليسرى بالسكين وهو يتراجع كل الوقت عندما أتقدم نحوه ملوحا بالسكين أمام وجهي وعندما اقترب الآخرون أحس بأنه محاصر فبدا في الجري بعد أن لوح بالسكين أمام وجه مجدي الجزولي . وانطلق جاريا نحو مركز شيرتون التجاري .
وبعد دقائق حضرت سيارة شرطة تقودها فتاة بصحبة زميل شرطي ثم سيارة أخري تقودها فتاة مع زميل آخر . وهذا هو ما متعود في السويد شرطي وشرطية سوا وبدا التحقيق والاستفسار والكل يسترق النظرات لمحجوب شريف بعمامته والجلابية والمركوب . ومحجوب يواجه الجميع بابتسامته الساحرة .
وبالرغم من أنني هونت الأمر وأكدت أن اللص لم يكن يريد أن يلحق بي ضرر كبير بل كان يحاول أن يخلص نفسه وكان خائفا ومنزعجا لدرجة انه ترك دراجته وطاقية صوفية وهرب . إلا أن الشرطية كانت تحسب أن الأمر خطير لان حمل سكين لوحده يكفي لتصنيف الشاب بأنه خطر . وأنهم سيرفعون بصماته من السيارة وسيأخذون عينات من شعره الموجود في الطاقية لتحديد الحامض النووي أو" الدي ان ايه" . لآن أي لص يشهر سكينه يجب أن يلقي عليه القبض وبسرعة .
اللص كان شابا في العشرينات ويبدو وسيما وقويا وملابسه جيدة ولا يبدو عليه انه مدمن مخدرات إلا إذا كان حديث الإدمان فعيونه زرقاء صافية .
ولما يقارب من ساعتين كنا نقف ونتحدث وكان الأمر دعابة لطيفة. ومحجوب يقول اهو حرامي ذي ده أنا ما ممكن أتعاطف معاه في مجتمع ذي ده ما ناقصو حاجة . شاب طويل وعريض ونضيف الجابرو شنو ؟
الحرامية بتاعننا ديلك ما لاقيين ياكلوا ده الناقصو شنو ؟.
ثم أتت عربة بوليس ثالثة تقودها شرطية طويلة أصدرت تعليمات جديدة وحيتنا وابتسمت لمحجوب شريف ويبدو إنها رئيسة وذهبت . لتترك الشرطية الأولي لتقوم برفع البصمات وهذه عملية لم يشاهدها محجوب شريف من قبل وكان الموضوع عبارة عن حفلة بالنسبة له .
وبعد يومين أتت خطابات للجميع عارضين علينا المساعدة للاتصال بأطباء نفسيين إذا كنا قد تعرضنا لصدمات نفسية . وفي مكالمة تلفونية شرحت لهم أننا لا نحتاج أي مساعدة وأن الأمر كان بالنسبة لنا عبارة عن تجربة ممتعة . وكدت أن أقول لهم أن ما شاهده محجوب شريف وعاشه قد يحير حتى أطباءهم النفسيين .
كنت احسب كل الوقت أنني إنسان أحب الزواعة إلا أن اكتشفت أن محجوب شريف لا يضيع أي فرصة للزواعة . ويسلم علي المارة وسائقي البصات والبوليس والكثيرين قد اعتادوا علي رؤيته بالجلابية والشال علي رأسه.
أما أصحاب الكلاب فكان محجوب يتصيدهم خاصة الكلاب الصغيرة (نرانزسستر) وكان يقول لهم : يا سلام هذه قطة رائعة فيبدأ النقاش والشرح إلي أن يكتشف الفرد أن محجوب يمزح .
في مشاويرنا الطويلة كنت التقي بمعارفي من غجر ويوغسلاف وألبان وبعد الأحضان والقبلات كنت أقول له هذا صديقي فلان رجل كسر منزلي وهذا مهرب وهذا متخصص فى نهب البنوك ... وكان محجوب يستغرب فصديقي جوكي مثلا صربي يشعر طويل ووجه يشابه وجه فتاة جميلة جدا وكان قد شفي من عملية معقدة بعد أن سقط من سقف احد البيوت فكسر يده وتعرض لعدة عمليات في يده وكنت أقول لمحجوب حتى الحرامي في السويد يعالجوه أما روكي الغجري الذي قابلناه وهو يركب موتر فلقد قلت لمحجوب عنه أن كل أسرته تعمل بالتهريب والسرقة وان له أخ يعمل في مطعم السفينة التي تذهب إلي ألمانيا . فقال والده يوسف المعروف يي ببيك أنهم تبرئوا منه لان الغجري لا يعمل . وببيك هو شيخ الغجر في مالمو ورئيس محكمة الغجر ولان اغلب الغجر أتوا من تشكوسلوفاكيا فان اللغة الشيكية تربطني بهم ثم أن أغلبهم أتوا في السبعينات وكنا نلتقي في المراقص والدسكوهات عندما كانوا شبابا.
محجوب كان يبدي اهتماما ويتسائل لماذا يحتاج المرء أن يسرق إذا كان المجتمع يوفر للفرد السكن والدخل والضمان الاجتماعي والعلاج والتعليم . وكنا نعزي الأمر للمخدرات أو الطمع البشري و الحرمان كذلك لأنه حتى في السويد هنالك محرومون والبعض الذين اقل حظا وكل شيء نسبي .
تذكرت هذا الأمر بعد أن نشر خالد الحاج في سودانيات صورة تجمعني معه وحسن الجزولي وأنا أضع يدي علي ركبة خالد الحاج فيبدو القطع الصغير عبارة عن رأس السكين التي غرزها اللص في يدي . هذه اضافه صغيره ليس هنالك جزء فى جسمى لم يتعرض لطعن قطع او ضرب حتى الوجه . واول مره اتعرض للطعن كان فى امدرمان الهجره وعمرى احدى عشر سنه .
محجوب يتأمل السجن وأظنه يقارن بينه وسجن شالا ... وشتان...
عند حضور محجوب شريف أخذناه في جولة بدأت بزيارة سجن تيقلشو خارج مالمو علي البحر في منطقة جميلة . يأتي المسجون عادة بسيارته ويرجع لمنزله وأهله في نهاية الأسبوع . ليس هنالك أسوار ولا قضبان ولا مشاكل. الأكل بوفي تأكل ذي ما عايز وقدر ما تقدر . كل المناشط موجودة .
ثم أخذناه إلي سجن في وسط البلد عبارة عن هوتيل صغير يحضر المسجون في المساء الساعة التاسعة أو العاشرة ويخرج في الصباح لمزاولة عمله . وطبعا هذا لأصحاب الجنح والعقوبات الصغيرة حتى لا يتأثر الفرد وأسرته والمجتمع . ومحجوب شريف يهز رأسه ويقارن.
سمعت يا حسين قالوا كنت عيان سلامتك وشكرا لأنك طريتني وشكرا مرة أخري للشرف الكبير الذي وصفتني به كصديق للخال محجوب عثمان . والسؤال يا أبوعلي إنت ليه ما صاحب محجوب عثمان؟ إنت مفروض تكون أقرب لأنه المربع بتاع ود درو مكي فريق اسحف فريق المغاربة فريق السيد المكي وهذه منطقتك أنت والأستاذ محجوب أم أن هنالك حواجز واختلافات منعت إمكانية وصفك بصديق للخال محجوب عثمان .أو لماذا أنت لست في معسكر المناضلة نازك محجوب عثمان رحمة الله عليها؟ والتي أفنت حياتها في الدفاع عن قضايا حقوق الانسان. في يوم العيد قبل أسبوعين وقف كل السودانيين من ألمانيا والسويد وهولندا وبلجيكا وفرنسا وانجلترا والدنمارك حدادا علي وفاتها في يوم رد الجميل. وفي أكتوبر 21 كان محجوب شريف يقول لي أكتوبر السنة الفاتت كان مميز لأني قضيته مع الأستاذة نازك محجوب عثمان في لندن. الصادقون والشرفاء يكرمون بدون حشد للأتباع مدفوعي الاجر أو المحفزين أو المكرهين ولهذا يندفع الناس لمحجوب شريف لأنه صادق وشريف. سمعت أن الأخت نفيسة الشيخ من نساء أم درمان تنادي محجوبا بالعمدة البلا أطيان . لأن السرادق تنصب أمام داره بالشهور ويتقاطر الناس له ويخدمونه خفافا حفاة ولهذا أيضا كرموا نازك ويكرمون الخال محجوب عثمان.
أنا شاكر أنك تذكرتني بدون سابق معرفة. والشيء بالشيء يذكر . أنا سمعتك مرتين في برنامجك التلفزيوني تكذب وتضلل المشاهدين. مرة ذكرت انك كنت تجلس في قهوة شديد. يا حسين يا أخوي قهوة شديد دي أنا بعرفها جوه وبره ما كان بتقدر تجيها المرة التاني سمعتك بتقول انه أوروبا زراعتها معطوبة ولهذا هي تطمع في السودان ، أوروبا الأنا بعرفها يا حسين وحمتها زقاق زقاق كلامك ده ما بينطبق عليها . وحا نرجع للموضوع ده .
البعض وجد في كلامك بعض الاستخفاف فإذا كان الاستخفاف بي أنا شوقي ود أمينة فما في عوجه وأنت ود أم درمان وقريب اخوي الهادي ووالد الابنة ملاذ التي أعجب كثيرا بكتاباتها وأتنبأ لها بمستقبل باهر في الكتابة . لكن الخال محجوب عثمان ده خط احمر.
سنة 1998 دخل الباقر احمد عبد الله مكتب جريدة الخرطوم في القاهرة وتفاجأ بوجودي جالسا مع احمد عبد المكرم والأستاذة رجاء العباسي ومحمد الحسن سكرتير التحرير وآخرين فقال لي مباشرة بعد التحية : والله ما حاتطلع مننا يا تدفع لينا دعم يا تدينا إعلانات فقلت له والله ما أديك "...." فقال لي : أنا عارف ليه لأنه محجوب عثمان صاحبك فقلت له لا الكلام ده ما صاح وعندما رأيت الدهشة في وجهه قلت له أنا ماممكن أقول محجوب عثمان صاحبي لكن أنا اطمع في أن أكون صاحبه لان العين لا تعلو علي الحاجب. فقال مباشرة أنا ما عندي حاجة ضد الشيوعيين لكن الراجل ده أنا بكرهه الزول ده قال انه أنا قلت للسعوديين ما تسمحوا للأيام إذا طلعت تجيكم لأنها حا تجيكم حمراء والكلام ده أنا ما قلته . فقلت له: الكلام ده يا الباقر كان ما قلته بيشبهك . بعدين أنت منو عشان تكره محجوب عثمان؟ ، في الفترة الأنا وأنت كنا حايمين بالأردية محجوب عثمان كان رئيس تحرير .
يا حسين رؤساء التحرير زمان أكثر الناس مصداقية واعلي الناس خلقا وبي عيوني الحايكلهم الدود ديل أنا شفت رؤساء تحرير زي بشير محمد سعيد ، أحمد يوسف هاشم أبو الصحف وعبد الله رجب والتجاني الطيب أمد الله في عمره لا يعرفون الكذب لان رسالتهم رسالة سامية وشريفة . في حوالي يوم عشرة ابريل 1978 اتصل بي الباقر وأنا في السويد وهو في لندن وطلبت منه أن يستلم مفتاح البيت من الشركة في لندن وان يقابلني وتقابلنا وذهبنا في نفس الليلة للسهر في ملهي الكيو كلب وكان هنالك جامايكي غريب الأطوار يرقص لوحده فقال الباقر العب ده شكلو زي أحمد الميرغني وبليد زيه . وفي يوم السبت الذي يلي ذلك ذهبنا لزيارة الأخ الشريف الهندي رحمة الله عليه الذي كان مريضا في المستشفي وكان معنا الضابط الخواض ويوسف محمد دفع الله شبيكة ابن أخت الشريف وعشرات الناس وكان الباقر يتحدث عن خيانة آل الميرغني لأنه كان يسكن في شقة الشريف الهندي ويشاركه السكن عوض عبد الرازق سكرتير الحزب الشيوعي الأول وآخرين .
وفي نهاية التسعينات كان للباقر مواضيع يهاجم فيها الشيوعيين ويطاعنهم في مقالات بعنوان "أحمد الميرغني المفتري عليه" . في اجتماع بادنجتون في لندن في بداية ربيع 1982 تطرق الباقر في خطابه للشريف الهندي وبكي بدموع حقيقية وأشاد بدور الحزب الشيوعي السوداني. وشكره خالد الكد رحمة الله عليه علي ثناءه فقلت أنا : أن هذه الروح الجميلة تماثل الروح بعد أكتوبر ولكن بعد أكتوبر بأيام غدر بالحزب الشيوعي وحظر من العمل . نظام نميري يلفظ أنفاسه فلنتذكر هذا الكلام فيما بعد ، بعد سقوط نظام نميري. وأذكر أن الدكتور عز الدين علي عامر قال لي : ما هو العمل السياسي كده أنت عايز الناس ديل يدونا صك ؟ فقلت : لا ما عايز صك بس عايزين الناس تتذكر بعدين لان الناس دي لما تصل للحكم اول حاجة تفكر في ضرب الحزب الشيوعي السوداني وقوى اليسار . يا حسين يا أخوي أي نوع من رؤساء التحرير أنت ؟ الصحافة هي ليست السلطة الرابعة كما يقولون بل السلطة الأولي . أين كنت يا حسين عندما شنقوا اركن أنجلو وجرجس ومجدي؟ لماذا لم تتحرك ؟ هذه الجريمة لا يقرها شرع ولا قانون. أين كنت عندما فتحوا بيوت الأشباح وفرضوا أطول نظام حظر تجول في العالم . أين كنت عندما أذلوا الرجال والنساء واجبروا كل مواطن أن يحمل وثيقة زواجه في جيبه؟ . أين كنت عندما كانوا يصطادون الشباب كالأرانب في الأسواق ويشحنونهم للحرب في الجنوب ؟ . أين كنت عندما قال إبراهيم السنوسي أنهم قضوا علي الجريمة في كردفان عندما فتح السجون وأرسل المجرمين للحرب والجهاد في الجنوب ؟ . أين كنت حينما طردوا 70000 من المتعلمين من وظائفهم ؟ .
رؤساء التحرير يا حسين كانوا يحسون بألم الشعب وكانوا مرآته وزول أم در كان بيحس وبيعف وبيقدم.
العراق , البطل المظلوم ( توجد صور ) ....... --------------------------------------- كتبها شوقي بدري.
الجمعة,آب 10, 2007
مدوّنة " مكتوب ".
سمعت كثيراً عن البطل إيشو حنا شاتو من اشقائه وآخرين قبل ما يقارب العقدين من الزمن .
وعرفت انه قد تحصل على نوط الشجاعه ثلاثه مرات خلال الحرب العراقيه الايرانيه . وإشتهر بأنه يقود مجموعات قتال خلف الخطوط الايرانيه . وعندما كان يختار القوه المنطلقه كان يقول لمن تربطهم به صله او من يتوددون اليه , ويسألونه لماذا تختارنى انا صديقك . كان يقول لانك صديقى اريد ان اجعل منك رجلاً و أعطيك فرصه لتخدم وطنك او ان تتعلم التخلص من الخوف .
من تحصلوا على نوط الشجاعه فى بدايه الحرب كانو يتسلمونه من صدام حسين شخصياً ويذودون بهويه مكتوب فيها صديق الرئيس القائد صدام حسين . وكانوا يذودون بسيارات خاصه . ولكن عندما منح ايشو الوسام الاول كان الاستيراد متوقفاً فعوض بسبعه الف دينار عن السياره . وكان فى الامكان ان يشترى الانسان داراً معقوله بخمسه عشر الف دينار وقتها . وذهب المال عندما اشتد غلاء الحرب وتضاعف التضخم المالى عدة مرات .
وما فهمت من حديثى مع إيشو هو ان الفوضى وعدم الانضباط واختلاط الامور قد بدأ مع الحرب الايرانيه . واختلط الحابل بالنابل . فأى شعب يدخل فى حرب طويله يتفسخ ويتلوث بمدخلات خارجيه او داخليه . ويتحول الملل والزهج الى رزيله وجرائم واشياء يمكن التغلب عليها ببساطه فى الاحوال العاديه .
عندما وضح ان الحرب الايرانيه العراقيه على وشك ان تبلغ نهايتها وإنه لن يكن هنالك منتصر . وصدام حسين قد اقتنع بأنه قد جُر الى حرب دفع الشعب العراقى اغلى الثمن فيها بالرغم من ان خسائر الايرانيين كانت اكبر الا ان مخزونهم من الاجسام البشريه كان ولا يزال اكبر . وفى يوم 24 يونيو 1988 والحرس الجمهورى يحاول ان يسترجع اكبر قدر من الاراضى المحتله حتى يكون الموقف العراقى جيداً فى مفاوضات السلام , اُصيب إيشو رئيس العرفاء الذى كان مشهوداً له بالقوه والشجاعه . الايرانيين كانوا قد حزقوا لعبه الحرب وكانوا يغطون الارض متراً متراً بالمدفعيه الثقيله . وسقطت قذيفه وسط مجموعه إيشو وأطارت رأس الرائد وحولت البعض الى اشلاء . ووجد إيشو نفسه منبطحاً أرضاَ وشظيه قد فتحت بطنه وبدأ فى جمع محتويات البطن التى كانت تقبل التراب وبعد جهد جمع المصارين والكبد والطحال وجزء من الحجاب الحاجز وبعد ساعتين أً سعف فأخذوه الى المستشفى حيث أزالوا طحاله وبعض الاجزاء الاخرى .
الصوره التى أعطانى لها إيشو عن الحاله فى المستشفيات تشابه الوضع الذى ذكره السويسرى دونانت مؤسس الصليب الاحمر وأول بشر يتلقى جائزه نوبل للسلام التى رفضها ذاعماً انه لا يستحقها وانه لم يقدم شيئاً . دونانت الثرى صاحب البنك حضر معركه سولفرينو فى شمال ايطاليا فى 1856 عندما حارب نابليون الثالث الامبراطوريه النمساويه . وتلك اول معركه عالميه اشترك فيها جنسيات كثيره حتى الافارقه والمغاربه والجزائريين . دونالت كان يقول فى كتابه ذكرى سولفرينو ان الجرحى كانوا يموتون جوعاً وعطشاً لانه لم يكن هنالك ما يكفى من الايادى لاطعامهم او لاعطائهم شربه ماء او من يضع الضمادات على جروحهم . وهكذا كانت الحال فى مستشفيات العراق فى آخر ايام الحرب الايرانيه . دونانت اهمل بنكه وعمله وتفرغ للعمل التطوعى ومات فى احد بيوت العجزه للفقراء .
ام هانى شقيقه إيشو كانت تقول انها كانت تذهب للعنايه بإيشو وتقول ( كنت أسبحو بنفسى ) بمعنى انها كان تقوم بعمليه الاستحمام . كما كانوا يشترون الدواء من جيبهم الخاص لعدم توفره خاصه الاكسجين السائل للتعقيم . وعندما انعدم فى الصيدليات الخاصه . ذهب إيشو للمستشفى لكى يتحصل عليه وعرف انه متواجد فى مستشفى واحد . وعندما ذهب الى ذلك المستشفى شخط فيه عقيد طبيب واصفاً الامر بأنه ( كلاوات ) وانه خائن ومنهزم من المعركه . وشرح لى ان كلاوات تعنى تظاهر او تحايل . فثار إيشو وانتزع ضماداته واظهر جرحه وقال انه لا يمارس اى كلاوات وانه كان يدافع عن الوطن والنساء والاطفال بينما الضابط الطبيب يجلس بعيداً عن المعركه وانه قد تحصل على ثلاثه من انواط الشجاعه ليس لانه يمارس الكلاوات . وخرج غاضباً فتبعه ثلاثه من الممرضين وأصروا على إرجاعه وطيبوا خاطره وأعطوه الاكسجين السائل . وعاد لكى يكتشف ان مرتبه لم يصرف لسته شهور واسرته كانت تعانى فى فتره غيابه وتأخر المرتب . واستغرق الامر جهداً ووقتاً قبل ان يتحصل على حقه . وأُرجع الى الخدمه بأسرع فرصه وبعض اللذين كانت اصابتهم أقل أعفوا من الخدمه . ولكن إيشو مسيحى لا تتوفر له الواسطه او الاقرباء فى الجيش . بعد سته اشهر ظهر ان هنالك شظيه من الجهه اليسرى على بعد سنتمترين من القلب سببت آلاماً ومشاكل وقاموا باخراجها . كما ظهرت بعض الشظايا الصغيره التى لم يسمح الوقت والامكانات بازالتها ولا تزال تجد مسكناً فى جسم إيشو .
السيده ام هانى كانت تقول ( قشمروهو , قالولو انت بطل انت شجاع انت مو عارف شنو . وبعدين تركوهو ونسوهو . ) القشمره تعنى باللهجه العراقيه الغش .
الصدمه التى المت بالعراق بعد الغزو الامريكى الاول جعلت الفوضى تأخذ بتلابيب العراق وإنعدم الاحترام للسلطه . وعندما طُلب من إيشو إبراز هويته قدم الهويه التى تقول صديق الرئيس وتشير لحمله نوط الشجاعه . فثار المسؤول وإتهم إيشو بأنه يحاول إخافته او تهديده . وقديماً كانت الهويه مجال احترام ويقال ان من يحمل نوط الشجاعه يمكن ان يقتل بدون ان يقدم الى محاكمه . إيشو حكى لى كذلك عن الفظاعات التى إرتكبها الشيعه فى إنتفاضتهم . فلقد شاهد اسرة مسئول بعثى فى البصره وقد أوثقت واحاطوهم باطارات ثم احرقوهم وحولوهم الى فحم .
من الاشياء التى كان تهمنى جداً موضوع الاسرى الكويتيين ويقول إيشو بكل شجاعه انهم لم يكونوا محاربين او جنوداً بل مدنيين جمعوا من الشارع وكرئيس عرفاء كان مسئولاً مباشرةً من حراسه 1183 سجين كويتى وعندما سألته هل كانوا جنوداً كان رده انهم اشخاص جمعوا من الشارع , اعتقلوا لاسباب مختلفه . مثل ان شخصاً بلغ عنهم , او تواجدوا فى المكان الخطاء او كانوا فى مبنى انطلقت منه رصاصات نحو الجنود العراقيين او لاى سبب .
إيشو كان يحكى عن المعامله السيئه التى تعرض لها الاسرى الكويتيين ويقول ان وضعهم فى المعسكر كان احسن من وضعهم الاول عندما كانوا فى قبضه الأمن ثم المخابرات . والسجن كان فى معسكرات الجيش الشعبى فى البصره . وإيشو لا يعرف عن اى معسكرات اخرى ولكن لا ينفى وجود سجون اخرى لان السؤال عن اى مساجين آخرين او سجون يعرضه للعقاب . وكان الجنود العراقيون يستفزونهم ويسيئونهم ويستغلونهم . ويبيعون لهم السجائر بخمسه مرات اثمانها . ويجبرونهم على دفع مبالغ معتبره للشاى او اى خدمه . وعندما سألت كيف توفرت لهم الدينارات العراقيه كان الرد بما إن العمله الكويتيه قد ماتت فقد صار الدينار العراقى العمله فى الكويت . ولم يتوفر المال للجميع ولكن كما قال إيشو كان عند البعض وآيد دنانير والبقيه لم يكن لهم الا قليلاً . وإيشو كان يمنع جنوده من استغلالهم . وعندما تأتى ( الارزاق ) الاكل كان يعطى المساجين حصتهم كامله على عكس الآخرين . وحكى لى عن ضابط إبتذ خمسه عشر الف دينار من الاسرى واشترى بها منزلاً . وعندما كان الجنود يصلون كان بعض الاسرى يسأل إيشو لماذا لا يصلى وعندما عرفوا انه مسيحى قالوا لهذا نفهم انك رجل امين وانسانى .
عندما بدأ القصف الامريكى فى 1901 اصيب الاسرى بالهلع لانهم لم يكونوا عسكريين وكانوا يصرخون ويهزونه القضبان والابواب . وفى الصباح وجدوا صاروخاً قد وجد طريقه داخل المبنى ولكنه لم ينفجر وإلا لكان كل الاسرى والحراس قد ماتوا . والمجموعه المسئوله عن الحراسه كانت فوج الدفاع والواجبات رقم 49 . وتقرر بعدها اطلاق سراح الاسرى ونقلهم الى الحدود الكويتيه وكان إيشو فى وداعهم وذكر لى انهم قدموا له 150 ديناراً رفض ان يأخذها الا انهم اكدوا له انهم قد جمعوها من الجميع وانها ليست من شخص واحد وانها امانه لكى يشترى هديه لابنائه وتركوا له نمر تلفوناتهم وعناوينهم . وقبل بالمبلغ عندما تأكد انهم عائدين وان المبلغ قد جمع من الجميع فى شكل هديه .
كان هناك معسكر آخر صغير وهو كذلك فى البصره ويسمى معسكر السعد ضم كميه قليله من الاسرى .
احدهم قاضى محكمه والعدد كان حوالى عشرين . عندما ايستلم إيشو من رئيس العرفاء اخبره بأن احد الاسرى ضابط كبير كويتى وانه لا ينام داخل السجن, وربما بسبب اتفاق خاص مع رئيس العرفاء , فرفض إيشو لان هذا يتعارض مع اللوائح . وعندما اتت الارزاق وكانت شئ وآيد كما قال إيشو اراد إيشو ان يقدم حصه الاسرى ولكن عرف ان الجنود يعطونهم ربع الكميه ويأخذون الباقى لاكله او لبيعه فيما بعد للاسرى او اتلافه فرفض إيشو هذا الامر كما طالب باعطاء الاسرى الشاى وما يطلبون . واعطائهم وقت كافى للذهاب لبيت الراحه لان العدد قليل .
اما فى المعسكر الاول فلقد كانت المده محدوده , والاسير لا يعطى اى مهله بل دقائق معدودات . والاسرى يخرجون على دفعات مكونه من عشره افراد . وفى المساء لا تفتح الابواب للذهاب الى الحمام او اى شئ آخر . ونسبه لتعاطف إيشو مع الاسرى فى معسكر السعد ارجع الى المعسكر القديم بعد يوم واحد .
وعند السؤال هل أُرجع الاسرى الكويتيين الى الكويت ؟ كان رد إيشو انه لا يعرف ولكن أتت الشاحنات وأخذتهم والعدد 1183 .
من الاشياء التى يذكرها البطل إيشو إنه فى اثناء احد المعارك مع الباشمرقه فى كردستان ان ظهر اثنين من المدنيين على دراجه ناريه وهما غير مسلحين فطلب منه الآمر ان يرميهم فرفض إيشو . فطلب الآمر من الجنود ان يرموهم فانطلقت كميه من الطلقات ولكن لم تصب الاكراد , ور بما لان الجنود لم يريدوا فتلهم , وسقط احد الرجلين الا ان زميله عاد والتقطه وانطلقوا لحالهم . وبعدها بايام وفى منزل القائد وهو يتناول الطعام مع إيشو لانه كان مقرباً له سأله عن ما حدث وهل رفض ان يطيع الامر فقال إيشو سيدى .... فقاطعه القائد قائلاً انا الآن فى منزلى وانت ضيفى نادينى ( بأبو ......... فلان ) كما تعودنا . وعندما شرح له إيشو بأنه مسيحى ولا يريد ان يقتل ابرياء اخرج القائد تقرير الآمر ومزقه .
إيشو يعيش الآن فى سوريا وهو لا يستطيع ان يعمل ولكن اسرته تساعده خاصه ابنه طونى الذى يعمل كجندى فى الفيلق الاجنبى الفرنسى ويقيم فى مارسيل . فوالده قد أفنى حياته محارباً ولم يخرج من الدنيا الا بإعاقه ووطنه لا يهتم به . طونى يحارب لدوله اجنبيه تعطيه مرتباً مجزياً وجنسيه وكثيراً من الاحترام.
والآن بعد ان ضمن النظام العراقى الحالى خمسه وعشرين فى المائه من واردات البترول لشمال العراق . ومن المفروض ان تذهب خمسه فى المائه للمسيحيين اللذين تعرضوا لمذابح مثل مذبحه صوريا الشهيره كما هجروا قصراً الى وسط وجنوب العراق . وبما ان الاكراد قد وعوا الدرس فلقد شجعوا رجوع المسيحيين كطبقه وسطى منتجه وخلاقه . وقد بنيت 250 قريه جديده للمسيحيين ووزعت المساكن . ولم يجد البطل إيشو حظاً بل لقد سخر منه ووصف بانه منبت ولا صله له بمسقط رأسه قريه بيدار , التى كان فيها منزل جده ووالده . ولان ابنه شقيقته المهندسه لينا تدير شركه الاخ دلشاد وهو من اسره البرزانى وشقيقه مرافق دائم للزعيم البرزانى . وكان يتواجد فى حفله زواج هانى يونان ابن اخت إيشو فلقد قام بالاتصال تلفونياً بالمسؤول وتغيرت المعامله , ووجد البطل بعض العدل اخيراً . ولاول مره يبدو وكأن البطل إيشو حنا شاتو سيمتلك مسكناً فى مسقط رأسه قريه بيدار . والغريب ان إيشو يجد المساعده من اعداء الامس . ودلشاد قد اكرمنى وضع الفيلا التى خلف شركته تحت تصرفى وصديقى فريد وتستخدم الفيلا كمضيف للزوار . كما كان رجال حمايته يأتون باسلحتهم لاحتفال الزواج ويتقدمون زفه العرس التى كانت لعشرات الكيلو مترات مما يجعل نقاط التفتيش تكتفى برفع اليد تحيةً .
هنالك الكثير من الغلطات والتشابه بين ما حدث فى السودان والعراق . فالبلدين بإمكانيات هائله ورجال شجعان ومتعلمين الا انهم قاموا بتحطيم نفسهم مع سبق الاصرار والترصد .
http://aafat.org/upload/uploading/DSCF1181.JPG من اليسار إيشو وشقيقته انجيلا التى تعيش فى سويسرا . شريك دلشاد التركى . دلشاد من اسره البرزانى . موظف دلشاد اليزيدى . اليزيديون اقليه واجهت وتواجه كثيراً من الظلم صباح اليوم 11 مارس توقف قلب ايشو حنا شاتو . ذهب الى عالم خير من عالمنا هذا . فعالمنا هذا لم ينصفه . وبينما كان يمنى النفس ان يجد مسكناً يأويه هو واسرته فى مسقط رأسه كما وعدوه اخيراً . غادر الدنيا وليس بينه وبين امتلاك مسكن الا بضع أسابيع . ألمنى ذهاب ايشو . أحببته لانه كان رجلاً شجاعاً متصالحاً مع نفسه لا يطلب الكثير . أعطى وطنه كل شئ . وسرق منه من سيطروا على الوطن حياته كما سرقوا حياة الآخرين . فرضوا عليه حرباً أهلكت الزرع والضرع . وقضت على البلاد والعباد . لم يستفد منها الطرفان شيئاً . تركوه يعانى من اعاقه وضنوا عليه حتى بالدواء والعلاج والاهتمام . قبل اسبوعين ونحن فى قريه فشخابور طلبت منك ان تتبعنى الى شط نهر خابور لكى اعاين القريه السوريه . واعتذرت بأنك تعب . وكنت تقول لى انا الآن لا استطيع ان امشى . والآن عندما اغمض عينى اتخيل المقبره المسيحيه وتمثال مارىجرجس على حصانه ورمحه الذى يطعن التنين . ربما لم ترد انت ان تقترب من المقبره . وربما كنت تحس ان الوقت قد ازف . هنالك سترقد يا إيشو . وسأحضر للتحيه مع فريد وشقيقتك فريال وابنائها واهلك الكرام . لك السلام يا عظيم ونم بكل اطمئنان .
عزيزى إيشو ... ستجد مكاناً يعرف قدرك ويقيم قلبك الكبير . ولتذهب مطمئناً فهنالك الكثيرون اللذين عرفوا قدرك فى هذه الدنيا . واحبوك . إذهب لحيث لا يوجد ظلم , انا حزين لذهابك .. وعائلتك اكثر حزناً . فلترقد فى سلام .
كتبها شوقي بدري.
Post: #16 Title: Re: حـكاوي وروايـات شـوقـي بـدري " شـاهـد عـلي التاريـخ ". Author: عبد الحميد البرنس Date: 11-03-2007, 04:19 AM Parent: #15
قصيده للابن احمد عثمان ابنعوف/شوقى بدرى Jun 10, 2007, 19:44
سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com
قصيده الابن ابنعوف عجبتنى واردت ان تشاركونى الاستمتاع بها كما ارجو ان يتكرم الابن ابنعوف بمواصله النشر . لكى يتواصل الابداع .
قصوين غُناكم ؟؟ وين ؟
خلّهم فى وحلهم خلى الميادين تدّهم خلى الغباء يركن يوصّل حدهم ماكلهم عارفين عطية الجبهه ليهم صفعه أُخرى .... و بيتفهم نوع النضال الفيهو مرمطو إسمهم متأكدين إنو البقيف فى خندقهم ضد كل وطنى غيور جسور بقى منهم متحمسين لى حاره بى إسم التراب معروف مداها وإحتمالا مادين اياديهم الى تلك القذاره "همتك يامُحمد أحمد همتك" إيدك مع إيد قتلتك تبنى وتهد ترسم ملامح للبلد لوحات عميقة من الدماء ناس معتمين جدران خراب وبلاد صقيعه من الدمار "يامحمد أحمد همتك" إيدك مع إيد قتلتك تسكت تهد يامحمد احمد همتك نفضح نضال الواهمين نفسح مجال لى ناس حقيقه وناس رُجال حارين كما هُم ماختو إيد فى إيد عدوهم لسه ماملوا النضال واقفين ألف أحمر عديل يامحمد أحمد خلّهم العرفة قسمه الحكمة ترزح تحت ظلم الأنظمة يامحمد احمد مابتقصر لما ن يفرتك شملهم لما ينكشف الخداع الدنيا كيف بتلمهم؟ بس خلّهم معروف نضالهم بالهزال موعود زمانهم بى زوال تشهد لهم كل المنابر فى المنافى إنو غيرهم أصلو مافى وإنو سر اللعبة يكمن فى التمترس خلف ماضى خلف فكره إتناثرت بين المواقف "وينكم إنتو" " الكنتو إنتو" وين غناكم .... وين زغاريد عزه وين النيل ووينن ملايين القصايد؟؟ لما نفس الشعب هداها المشانق لما كنت محمد أحمد جد حقيقه بهرب السجان وبمرق وبتمرق الناس الشوارع ترجع الغنيات تعبّر عن مواجدنا وتدافع تنتصر لى كل من جاع أو تشرد وتنتقم من كلّ من صافح وأيّد لما كنت محمد أحمد جد حقيقه لما تقضى الليل مُطارد بين ندوه وإجتماع سرى ومؤكد بين مكتب أمن بيت أشباح مُهدد يامحمد أحمد همتك الليل طويل الموقف أصبح جد هزيل الناس تمش من غير دليل إيدك على إيدى أحسن من تكون فى أيدى من سفكو الدماء يامحمد احمد ماكنت قايل إنو فى يوم تبقى ديل وتبقى واحد بس عميل...
الاخ حسين ذكر في برنامجه التلفزيوني انه كان يجلس في قهوة شديد . انا اعرف انه لم يكن في استطاعته ان يجلس في قهوة شديد . وليحكم القارئي كنت اجلس بانتظام في مقاهي ام درمان .
ولقد تعلمت الكثير عن مجتمع قاع المدينة والتراث والحكاوي والقصص. أكثر مقهي كنت أجلس فيه كان "مهدي حامد" الذي كان في الجانب الشمالي من ميدان البوستة في أم درمان . ولمهدي حامد مطعم في زقاق الأسكلة كذلك . وكنت أتواجد كثيرا في النهار لان أصدقائي الملاكمين عبد الرحمن ككس والطيب عجوبة يعملان كعجلاتية في الميدان . ويجتمع كثيرا من الملاكمين وحملة الأثقال والرياضيين في هذه المنطقة .
وكثيرا ما كان بعض معارفي يتوقف وبعد العزومة والليمون بكوز الغلاية ، يطلبون مني كلمة . كوز الغلاية هو كوز من الألمونيوم يتحول لونه للأسود لأنه يستعمل في غرف الماء الحار وقسم القهوجي كان يصنع ليمونا خاصا مركزا بالليمون وكثيرا من السكر و قطع كبيرة من الثلج فقط للزبائن وثمنه قرشان بدل قرش .
والكلمة تبدأ بمحاضرة بمناشدتي الابتعاد عن القهاوي لأنها ما محل أولاد ناس . وفي أحد المرات ذهبت مباشرة وجلست علي الجنزير الذي كان بمثابة سياج حول التمثال الذي عرف بتمثال الحرية ويمثل إمرأة سودانية وقام الناس بتحطيمه بعد ثورة أكتوبر. وقلت لصديقي أنت طبعا زي كل الناس حاتقول لي ما تقعد في القهاوي لأنها ما حقت أولاد ناس أنت قبل شوية كنت قاعد معاي وضربت كوز الليمون واتلمظت وداير تديني محاضرة ؟ لو تاني أنت او أي زول تاني ردد لي الكلام ده أنا ما حا أخليه .
قهوة شديد كنت اذهب لها كثيرا في المساء وهذه القهوة اشتهرت بتواجد اعتي أشداء أم درمان فيها ولقد أغلقت عدة مرات بسبب شجارات دموية . فالمقاهي عدة أنواع المقاهي الصغيرة التي في شكل دكان لتذويد الناس بالشاي والجبنة والينسون والجنزبيل والقرفة والمبردات للعاملين في السوق كما في سوق الشوام زقاق الصابرين ، سوق العناقريب ، القصيرية، الملجة وسوق الجلود ، سوق المراكيب وسوق الصياغ وسوق العدة والطواقي. وهذه المقاهي تغلق في المساء . وعادة يذهب الجرسونات بالصينية إلي الدكاكين ثم يجمعون الجبنة والكبابي بعد الفطور أو الغداء أو يرسل التجار صبيانهم لإحضار الشاي والجبنة. وهذه قهاوي مشروب .
وهنالك قهاوي مشروب وملعوب وعلي رأسها كانت قهوة شديد وقهوة ود الأغا وقهوة مكي وقهوة السماني في الملجة المواجهة لمطعم صبير ومهدي حامد وقهاوي حريق خلف مكتب البريد الحالي .
قهوة شديد أغلقت في فترة بواسطة سلطات الصحة لأنه ليس لها منفذ لتمرير الهواء لأنها تفتح في اتجاه واحد . إلا أنها فتحت بعد أن تفتق ذهن أصحابها عن حل جميل فاشتروا مخزن الدكان الذي يفتح علي المحطة الوسطي وأزالوا العرش وعرفت تلك الغرفة باسم (عرشو سما) ولم يكن يجلس فيها إلا المعلمين والمميزين وكبار الركيبين ويسعدني أن أقول أنني كنت اجلس في هذه الغرفة بانتظام .
للقهوة عادة معلم واحد أو اثنين . فإدارة القهوة والتوفيق بين الناس فن وهنالك معلم ملعوب وعادة هو رجل شجاع قوي باطش. ولكنه يفشل إذا كان يستخدم قوته وبطشه في كل مناسبة . وفي الستينات حدثت دربكة ومعارك ومشاكل كبيرة لم يستطع المعلم شديد حصرها وتكون مجلس حرب لان مشاكل شديد انتقلت إلي مقهي العربي المجاور في نفس زقاق جامع أم درمان العتيق . ولم يكن في الإمكان إعطاء المنصب إلي عم الشيخ بالرغم من انه قد افني حياته في المقاهي كركيب وله لحية بيضاء ووجه صبوح يحترمه الناس ولمنهم لا يخافونه .
ولم يكن في المكان إعطاء المنصب لود النوبة فلثد كان كثير العراك شاهدته في أكثر من معركة دموية وكان من المرشحين ود فؤاد وهو شقيق لاعب الهلال ود فؤاد وكان قويا ضخما يميل لونه إلي البياض ، وكان هنالك صديقي المعلم قدورة الذي اشتهر بالأناقة والشياكة إلا انه لم يكن يتمتع بالقوة الجسدية .
ورسي العطاء علي صديقي عبد الفتاح وهو طويل يميل لونه للسواد بضحكة مميزة لا يستعمل قبضته إلا نادرا . وكان يقول لي : والله يا شوقي ناس أم درمان ناس أولاد ناس . أنا من مدني وناس أم درمان قبلوني وحسسوني أني واحد منهم . وهذه روح أم درمان . وعندما تركت أم درمان كان عبد الفتاح لا يزال متربعا علي عرش قهوة شديد .
في وحول قهوة شديد حدثت جرائم وأحداث غريبة ، في الفضاء الذي تواجد شرق القهوة كان هنالك مصنع الأرمني نظريت أميريان وكان المصنع الوحيد لصناعة الليمونادا بعد توقف مصنع الشنقيطي، وهذا الفضاء فيما بعد صار يشمل إستديو دينو للتصوير و مكتبة الثقافة لصاحبها الأديب عثمان بدري ومحلات جلي للأدوات الكهربائية ومحلات جبورة للملبوسات الجاهزة وأماكن أخري . ولكن عندما كان هذا الفضاء فارغا أو مباني تحت التشييد تعرض بعض المارة لحوادث نهب واغتصاب كذلك . وكانت أصابع الاتهام تشير إلي رواد قهوة شديد .
أذكر حادث اغتصاب شاب بواسطة اثنين من رواد المقهى احدهم كان يقف متربصا في زقاق الجامع مررت به أنا وعبد الفتاح وحذره عبد الفتاح قائلا يا "فلان" ما تكون واقف هنا عايز مشاكل . وتحسس زراعه ليتأكد أنه لم يكن يحمل سكينا . وفي نفس الليلة قبض علي اثنين من رواد المقهي وحكم عليهم بخمسة سنوات سجن بتهمة الاغتصاب ، وهذا الشخص كان من فتوات أم درمان وكان حارس مرمي لأحد فرق الليق . الملاكم برناوي صديق محمد ألفي واجه نفس الحكم ونفس التهمة واختفي من أم درمان. المقهي فقد اثنين من رواده احدهم الرجل الجنتل مان والملاكم محمد ألفي الذي كان يدربنا الملاكمة في نادي المريخ ثم انغمس في الشرب وحسم معركة مع صديقه سالم في هذا الزقاق بدأت باليد وانتهت بأن طعن ألفي صديقه سالم أحدي عشر طعنة . وكان السبب صراع حول مبارك شيتة الذي كان يشبه الشيتة إلا أن له صفات خاصة . وعندما شنق في سنة 1964 مشي للمحكمة بثبات فزغردت شقيقته حواء جاه الرسول (حواء الطقطاقة) وشنق اثنين من رواد المقهي هما كرنقو و ود أم شطور لقتلهم رجل بوليس كان يضايقهم ، وذكر لي الدكتور محمد محجوب عثمان أنه عندما كان يؤدي حكم بالتأبيدة في سجون عبود لاشتراكه في محاولة انقلاب علي حامد وعبد البديع أن كرنقو كان ثابتا ومشي بابتسامة إلي المشنقة .
هذا قليل من كثير يمكن أن أحكيه عن قهوة شديد وسنعود لها وللمقاهي الأخري.
ونواصل.
التحية
شوقي
Post: #19 Title: Re: حـكاوي وروايـات شـوقـي بـدري " شـاهـد عـلي التاريـخ ". Author: عبد الحميد البرنس Date: 11-05-2007, 06:12 AM Parent: #18
كثر الكلام اخيراً عن الاخ رياك . المشكله ان رياك غير معروف لكثير من اهل الشمال كانسان . بل ينظرون اليه كرجل دوله . وقد يظن البعض انه قد ركب الموجه , وارتبط بالحركه الاسلاميه كنوع من الانتهازيه .
رياك بالنسبه لى زميل وصديق طفوله ودراسه . شخص احببته واحترمته كثيراً , لم نلتقى منذ المدرسه الوسطى وقد لا نلتقى . وطريقنا وتفكيرنا السياسى مختلف . الا ان هذه شهادتى فيه .
قبل اسبوع قضيت ما لا يقل على الثلاثه ساعات فى حديث ممتع مع الاخ جوكس او جعفر عبد الرحمن . وهو من اولاد بور . ولقد كان قدوه لى وللكثيرين . وكان رئيس منزل سوباط واحد كباتن كره القدم . وهو الآن مقيم فى اليابان . ولم نلتقى منذ الاجازه المدرسيه بعد ان نهينا الدراسه الوسطى وأتى زائراً لاستاذنا الجيلانى ابو القاسم فى بيت المال . وصحبنى الى المنزل لفطور يوم الجمعه . وقابل الوالد ابراهيم بدرى الذى قضى جل عمره فى الجنوب .
فى تلك المحادثه تذكرنا اصدقائنا وزملائنا فى مدرسه ملكال الاميريه وعلى رأس هؤلاء كان رياك قاى , الذى كان يصغرنا فى العمر وعندما كنا فى السنه الرابعه كان هو والسفير على حمد ابراهيم والدكتور عبد السلام عكاشه وآخرين ( ورانا )
رياك كان رقيقاً مهذباً نحيف الجسم متوسط القامه على عكس النوير . واغلب طلبه المدرسه كانوا اكبر من العمر العادى بثلاثه او اربعه سنوات . نسبه لان سن الالتحاق بالمدارس كانت متأخره فى الجنوب . والمدرسه كانت معطله فى فترة انتفاضه الجنوبيين فى 55 . ورياك من فنقاك مركز شرق النوير وهذه منطقه العم بوث ديو الذى هو كذلك من النوير وإن كان الكثيرين يعتقدون انه من الدينكا .
النوير يمثلون وحده متكامله لا تفصل بينهم اى قبائل اخرى . القسم الاكبر يتواجد فى منطقه اللاو وهنالك نوير بنتيو ثم نوير الناصر ويشاركهم فى مركز الناصر الانواك . والنوير شجعان وفخورون بنفسهم . ويتفوقون على الرباطاب فى الردود اللاذعة وطوله اللسان . يتمتعون بسرعه البديهه والذكاء الفطرى ويصعب خداعهم واذكر قديماً حتى فى امدرمان عندما يشترى الانسان عربه او اى شئ يقولون يعنى اجيب ليك نويراوى يفتشها ليك . لان النوير يفحصون اى شئ حتى اذا كانت هنالك غرزه ناقصه فى عراقى .
ولقد انتفض النوير بقياده البطل جركويك , الذى اخرج رمحه مخترقاً صدر المفتش الانجليزى انتقاماً لشرف اخته . وعندما لم يستطع الانجليز القضاء عليهم . قام الانجليز بقتل الابقار بالطائرات فأتى جركويك ماشياً عابراً السوباط وسلم نفسه ومشى بثبات للمشنقه . والنوير هم اللذين انتزعوا جزيره الزراف من الدينكا بالرغم من ان للدينكا هرم مقدس فى الجزيره . ويمتاز النوير بالامانه والصدق. ولكل منطقه كجور يلبس جلد النمر يعتبر السلطه الدينيه الاعلى واذكر انه فى فنقاك كان الكجور هو الكوت . الذى دخل فى مواجهه مع العم بوث ديو . واشهر كجور كان داك ديو . الذى تسبب فى كثير من الحروب بين الدينكا والنوير . وقام الانجليز باعتقاله وتحفظ عليه فى ملكال . الا انه هرب فى 1955 ايام الاضطرابات وتطلب الامر جهداً كبيراً للقبض عليه .
اول مره اصطدم برياك كان بسبب جزمه الباتا . نسبه لان ارض اعالى النيل ارض طينيه لزجه فيصير من المحال ان يمشى الانسان باى حذاء سوى حذاء الباتا او الكبك . والا انخلع الحذاء . وعندما فقدت احد فردتى الحذاء الباتا جلد السمك الحمراء , ذهبت ابحث امام الداخليات الاخرى الى ان عثرت على حذاء يشبه حذائى نمره سبعه . الا ان رياك اصر ان الفرده تخصه . وكل الاحذيه كانت مغطاة بالوحل . وحاولت ان احسم الموضوع بانتزاع الحذاء مستعيناً بسمعتى السيئه كشخص يحب الشجار والمعارك . الا ان رياك لم يتراجع وقال لى هازئاً بانه لا يمكن اخافته . وعندما تدخل ابراهيم الحاج ابراهيم لصالحى وهو من سكان فنقاك ووالده تاجر هنالك ويتحدث النويراويه كلغه امه . لم يتراجع رياك وفهمت من حديثه مع ابراهيم باللغه النويراويه التى تشابه لغه الشلك التى كنا نفهمها فى ذلك الوقت . ان ابراهيم من المفروض ان يقف مع رياك لانه ابن بلدته ولكن ابراهيم فضل ان يقف معى لاننى شمالى . واقترح رياك ان نذهب الى حوض لغسل الاحذيه .
بعد غسل الاحذيه وضح ان الفرده تخص رياك لانه كان يخلف الرباط . وكان الامر واضحاً كالشمس . الا ان رياك قال لى ببساطه . انت ممكن تشيل الجذمتين . انا نويراوى بقدر امشى حفيان , انت ود امدرمان ما بتقدر تمشى فى الطين . هكذا هو رياك شجاع رائع وكريم .
هذا الموضوع ذكرته من قبل فى جريده الخرطوم فى التسعينات كما ذكرته وكتبته فى اكثر من مكان . وصرت احب واحترم رياك . وعندما كان التلاميذ يذهبون الى وسط البلد فى يوم الجمعه كنت ارافق رياك . واذكر اننا فى احد المرات ذهبنا جنوباً الى مدرسه جونقلى حيث كان ابناء عمه يدرسون ويسكنون فى الداخليه . كان معنا الاخ محمد خضر ( ترفس ) . وعندما وصلنا متعبين وعطشانين قدموا لنا مشروباً لم استثغه . وبما ان ترفس كان يدوس اى حاجه فلقد قدمت له مشروبى الساخن . فقضى عليه وعلى مشروب رياك كذلك . وبعد ايام اتانى رياك فى السفره وبرقته المعهوده وادبه , و ارانى خطاباً من ابن عمه يعتذر فيه لانهم قد اضافوا الملح بدل السكر للشاى باللبن . وبالرغم من اننى كنت اعتبر الموضوع شيئاً ظريفاً الا ان رياك لم يكن يكف عن الاعتذار .
رياك لم يركب الموجه . لقد كان هنالك مدرسان فى مدرسه ملكال شاركا فى تحديد الاتجاه السياسى للطلبه . احدهم كان استاذ الدين الاسلامى واللغه العربيه الاستاذ سيد طه الذى كان شيوعياً . واذكر اننى عندما قضيت ليله كضيف على الاستاذ الشاعر محمد المكى ابراهيم عندما كان دبلوماسياً فى استوكهولم فى 1973 تطرقنا لروايتى الحنق . ومشكله الجنوب . ووقتها كان السفير فى استوكهولم الاخ فرانسيس دينق . وذكر محمد المكى ان الطلاب اللذين اتوا من ملكال وعلى رأسهم الاخ ابو ذر انهم كانوا واعيين سياسياً . وعندما ارادوا ستقطاب ابو ذر للجبهه الديمقراطيه اكتشفوا انه منظم وجاهز فى الحزب الشيوعى
الاستاذ الآخر كان محمود برات مدرس اللغه الانجليزيه وكان رحمه الله عليه من الاخوان المسلمين . وهو اول من جاهر الترابى بالعداء وشكك فى مصداقيه الترابى وقال انه كذاب وتارك للصلاة . فاشاع الترابى بأنه مجنون ولصقت به هذه التهمه الى ان مات . وهو حامل لشهاده عليا فى علم النفس من الجامعه الامريكيه فى بيروت , وكان قريباً من استاذه الدكتور مالك بدرى ولمحمود برات بعض المؤلفات منها جنوح الاحداث . وهو قريب وصديق للنور على والد زوجه عصام ابن الترابى . وشقيق محمود برات هو عبد الله برات احد الدعاة الاسلاميين . ولهذا كان يجمع حوله كميه من الطلبه حول برش الصلاة . وبرات عاش وسط النوير لان اخوه كان تاجراً . وكانت تربطه علاقه وطيده برياك . من اللذين التصقوا كذلك بمحمود برات الاخ شيك بيج . وهو شقيق منوا بيج الذى لم يكن مسلماً . وهم ابناء خال مولانا ابل الير الذى هو مسيحى . لانه فى طفولته كان عليلاً فاخذته والدته للقسيس لعلاجه ثم صار مسيحياً .
بعض الطلاب كان متديناً مثل شقيقى فقوق نقور الذى كان المؤذن والامام الا انه لم ينضم لتنظيم الاخوان المسلمين . الاخ شيك بيج كان فى الطائره التى سقطت مع الزبير والآخرين الا انه خرج عائماً . ولقد ضمتنا امدرمان العباسيه فى فترة المرحله الثانويه وبدايه الشباب . وشيك بيج لا يزال مرتبطا بامدرمان حتى بعد ان تزوج احدى بنات تجار بور .
الاخ رياك الذى عرفته كان رائعاً متصالحا مع نفسه ومجتمعه لم يكن هنالك من لم يحبه ويحترمه فى مدرسه ملكال التى ضمت كل قبائل السودان من حلفا الى كاجو كاجو . وكان هنالك عشرات اللهجات التى تستخدم فى المدرسه . زميل الطفوله والدراسه رياك رجل عظيم
أخي الحبيب الأستاذ/ شوقي بدري لك وافر الشكر والامتنان وانت تعود بنا إلى تلك الأيام الحلوة في ملكال الأميرية.. لقد استمتعت حقا بحديثك العذب والذكريات العطرة على مدار تلك الساعات الثلاث على الهاتف .. يديك العافية. تحياتي للأســرة الكريمة.
أخي الأستاذ الفاضل/بكري الصائغ شـــكرا جزيلا على إيراد روائع الأخ شوقي .. تسلم يا الحبيب
كثر الحديث لدرجه الهوس عن اطفال دارفور الذين تعرضوا للخطف بواسطه المجرمين الصليبيين . الغريبه ان الاطفال ليسوا من دارفور . وحتى اذا كانوا من دارفور فهم الآن فى أبشى . وأبشى منذ ان كنا اطفال نعرف انها تابعه للسودان الفرنسى . او تشاد الحاليه . وكانت تجينا منها فتايل الريحه الكبيره ابو مرايه ( فلير دمور ) . والساعات ام وقه . لانها كانت تباع بالميزان . ولا سلطه للسودان على أبشى او انجمينا .
بدأ الزعيق والصياح والكلام عن العبوديه والرق . وحدد السعر باربعه الف جنيه استرلينى للرأس . ويمكن تشترى ثلاثه وتدفع لاثنين . او كوار وششنه من نص الدسته ولى فوق .
انا متأكد ان من يكتبون وكل المسئولين فى دوله الانقاذ يعرفون ان هذا كلام فارغ . الا انها معركه لصرف النظر عن ما يحدث فى السودان . فالانقاذ تواجه الآن الضغوط داخلياً وخارجياً . وهذه عمليه ضحك على دقون المساكين والشعب السودانى الغير متعلم .
هل هنالك من يظن ان هؤلاء الاولاد سيباعون فى حراج او دلاله فى الشانسليزيه راح نبيع راح نكسب ويدقوا عليهم جرس . ثم يقومون بعمليه قرطسه ويسلمون كل مشترى البضاعه .
اوروبا وفرنسا اليوم لا تدخل نمله بدون ان تسجل . وهؤلاء الاطفال اذا دخلوا فرنسا فليس للشركه المنظمه لهذه العمليه اى سلطه عليهم . واذا حدثت عمليه تبنى فهنالك عمليه اختياريه تمحيصيه يتنافس عليها آلاف الناس لتبنى طفل واحد ويختارون الاصلح . وحتى بعد عمليه التبنى تخضع الاسره لتمحيص وفحص قبل وبعد عمليه التبنى . وستكشف حياتهم وحساباتهم المصرفيه وسجلهم الاجرامى اذا وجد . وميولهم وهواياتهم ونوع تعليمهم وانتماءاتهم السياسيه . ومصادر دخلهم وديونهم وكميه الضرائب التى دفعوها . حتى مخالفات المرور وغرامات الوقوف بالسياره ( باركينق تيكيت ) وعددها . يعنى ما حيوزعوهم تبش وعنكوليب .
انا شخصياً كنت اقول ولا ازال اقول ان الطفل يجب ان ينشأ فى بيئته وسط اناس يشبهونه حتى لا يحس بانه مختلف . هذا اذا كان الحال جيداً والظروف ممكنه . ولكن هؤلاء الاطفال اللذين شاهدناهم حتى بعد انقاذهم المزعوم . كان يغطيهم الذباب والقذارة فى مبانى متهالكه والظروف غير صحيه .
عمليه تبنى طفل عمليه معقده وشاقه فى اوربا . قبل بضع سنوات اوقفت احدى جاراتنا زوجتى وهى فى حاله فرح وحكت لها انهم قد نجحوا اخيرا بعد طيل عناء وعشرات الآلاف من الدولارات صدق لهم بتبنى طفل اسود بعد معاناه وسنين طويله وانهم فى انتظاره . فقال لها زوجتى مازحه فى طريقه اسرع . كان بس تقطعى الشارع ده تجينى بديك اثنين مجاناً .
اذكر ان اسره انجليزيه فى السبعينات قد تسببت فى ضجه اعلاميه . لان المسئولين فى المكتب الاجتماعى قرروا انها اسره غير صالحه لتبنى اى طفل . والاسره كانت مشهود لها بالاتزان فهم لا يدخنون ولا يشربون والزوج والزوجه كانا متزوجان لفترة تزيد عن 15 سنه ولم يحدث ان دخلا فى اى مهاتره او مشاجره مع بعضهم البعض او مع جيرانهم او فى مكان عملهم . وشهد الجميع بانهم حاله فريده من الانضباط والمسئوليه واللطف والظرف . لدرجه ان المكتب الاجتماعى قد وضع فى رعايتهم بعض الاطفال اللذين تعرضوا لهزات نتيجه لتمزق اسرهم او لمشاكل شرب ادمان او عنف .
رد المكتب الاجتماعى الذى وافقت عليه الدوله فيما بعد . ان تلك الاسره المثاليه كانت جيده ومفيده . لرعايه اطفال مروا بعواصف حتى تعطيهم هذه الاسره بعض الشعور بالامن والاستقرار الى ان يجدوا اسره عاديه تقوم بتبنيهم . وان الاسره التى رفض طلبها لا تمثل الواقع الانسانى . وليسوا بصالحين كأباء لاطفال صغار لانهم سيعطوهم فكره خاطئه عن العالم .
هذه الاسره المثاليه تذكرنى بسائق السياره الحذر الذى يبالغ فى حذره وانضباطه ويتردد ويبطئ . وقد يصير اكثر خطراً فى حوادث السير من السائق المتسرع .
من القوانين التى توضع فى اوربا للتبنى وهذا اهم شئ هو العمر . فلا يسمح لاسره فى بدايه العشرينات بأن تتبنى والسبب معروف . كما لا يسمح لاسره متقدمه فى السن ان تتبنى . فهذا يحرم الاطفال من والدين نشطين يمارسون الرياضه من سباحه وركوب خيل وكره قدم ووو الخ . والقانون كان ولا يزال ان لا يزيد مجموع عمر الزوجين عن الثمانين سنه . واذا زاد العمر وصار مثلاً سبعه وثلاثين زائداً خمسه واربعين سنه والمجموع يساوى 82 ان يتبنى الزوجين طفلاً لا يقل عمره عن سنتين . واذا كان المجموع 87 سنه فيتبنوا طفلاً عمره سبعه سنوات .
فى اوربا اليوم وخاصه اسكندنافيا يمكن انتزاع الاطفال من الابوين الحقيقيين فى اى وقت . ويكفى ان الابوين يمارسان التهديد او الصراخ فى الاطفال . وحسب الدستور السويدى وقانون رعايه الاسره . لا يسمح بضرب , صراخ , اهانه تخويف او تجاهل الاطفال . ارجو ملاحظه تجاهل فاذا كان الطفل يتحدث معك وانت تتجاهله فهذه جريمه . واعرف كثير من الاسر اللذين فقدوا ابناءهم . لانهم تركوهم بدون رعايه لوحدهم او لانهم تعرضوا للضرب او العقاب .
لقد شاهدت آلاف الاطفال اللذين أتوا من كوريا فى الخمسينات والستينات بعد الحرب الكوريه . وجميعهم كانوا من الاناث . وكثير منهن قد صرن صحفيات ومسئولات فى المجتمع السويدى . والآن يسيطر مجموعه من الفتيات السود على تلفزيون الدوله فى استوكهولم من ما يطلق عليهن تحبباً المافيا السوداء وهن مجموعه من الفتيات السود , احداهن فتاة رائعه الجمال بملامح اثيوبيه تحيل نشرة الاخبار الى سمفونيه جميله . هؤلاء الفتيات بعضهن من اللذين اتين من اثيوبيا فى السبعينات من خلال سياسه التبنى .
اخراج الاطفال من بيئتهم شئ غير صحى . ولكن اذا كان بامكانى اليوم ان اخرج كل الاطفال من المجارى فى الخرطوم . وان ارى كل شماسى يقتات من الزباله _(الكوشه ) . ويتعرض للاغتصاب والضرب والاهانه والاحساب بالذل والحرمان . لما ترددت فى اخراجهم وايجاد مأوى لهم فى اى بقعه من الارض تعطيهم شعوراً بالكرامه . فالتعليم مثل الهواء مهم للجميع . اذا كان المجتمع يجعلنى احس باننى نفايات فأى ولاء يمكن ان احس به نحو ذلك المجتمع .
لماذا نذهب بعيداً . كيف يمتلئ مركز المايقوما باطفال مجهولين الابوين , وكيف ينازع اطفالنا القطط والكلاب السكن فى المجارى . ويصرف مال الدوله فى السيارات الفاخره لرجال الدوله والفلل الرئاسيه , ولا اقول اليخت بل اليخوت الرئاسيه . بدل التباكى على اطفال تشاد بدون وجه حق ووصفهم بانهم سودانيين وانهم سيتعرضون للاغتصاب والاستغلال الجنسى فلنوجه الاتهاب لانفسنا ولحكوماتنا القديمه والجديده .
فى كتاب السيف والنار لرودولف سلاطين ذكر ان الطفل كبسون من الفرتيت انقذ من قافله رقيق تخص التجار الشماليين . وارسل الى انجلترا . حيث تعلم ودرس وارسل خطاباً الى سلاطين يشكره ويشكر من انقذه فلقد ذهب الى عالم رحيم حيث دخل المدرسه وتعلم ووجد كل رعايه واهتمام .
السؤال الاهم ... من الذى خلق المشكله ؟ . هل كان الفرنسيون جزء من الجنجويد او اللذين حملوا السلاح او اللذين اشتروا طائرات الانتنوف وقصفوا بها القرى وحرقوا المعسكرات ونهبوا واغتصبوا ؟ . هل اشتركت هذه المنظمه الفرنسيه فى الاغتصاب والحرق ؟ .
هل نسيت حكومتنا ان كل الدول الصناعيه ملزمه حسب قرار الامم المتحده بدفع واحد فى المئه من دخلها كمساعده لافريقيا والعالم الثالث . هل نعرف ان بعض الدول من السويد تدفع اكثر من واحد فى المئه . هل نسينا الدنماركيين اللذين كانوا يجوبون السودان ويحفرون الآبار ويبنون الحفائر ويعيشون فى اماكن يكره اهل الخرطوم الذهاب اليها . هل نسينا ان الدنماركيين قد صنعوا سفن حديثه واعطوها هديه لحكومه السودان لكى يقوم السودان بنقل منتجاته . لقد بيعت هذه السفن وكثير من المشئات الى رجال الانقاذ بالرغم من انها اتت كمساعدات .
لقد حاولت المنظمه الفرنسيه ان تقم بعمل قد لا يكون صحيحاً . ولكن القصد كان ولا يزال نبيلاً . فلقد تعب العالم من رؤيتنا نعارض مساعده اهلنا , وعندما يريد الآخرين مساعدتنا نقف فى طريقهم . او ننهب او نسرق او نختلس المال ومدخلات الاغاثه . فارادوا ان يقوموا بعمل يحسبونه بدايه لعمل كبير وجيد . فعندما نصرخ ونتشنج ونقول ان المانحين لم يوفوا بوعودهم بخصوص دارفور واعادة التوطين . تدفع حكومه الانقاذ عشرات الملايين عياناً بياناً امام نظر العالم لحماس . وحال الفلسطينيين فى غزه هو ما نحلم به نحن بعد مائه سنه . ونعقد الصفقات ونشترى السلاح من روسيا بمئات الملايين من الدولارات ان لم يكن ملياردات . لقد حاول البعض من اللذين ألمهم ما شاهدوا فى التلفزيون ان لا يجلسوا مكتوفى الايدى . وألمهم عدم اهتمامنا وخيبتنا . فلماذا نأتى بالفلسطينيين عندما يعانى اطفالنا من الجوع والتشرد حتى فى داخل الخرطوم .؟.
لقد انشا الدكتور الاكساندر معسكراً للمجزمين فى بلده لورانقو فى الاستوائيه , حيث كان المبنى الوحيد الذى من طابقين . وشمل المعسكر اثنى عشر الف نزيل لهم مزارعهم ومساكنهم ومدارسهم . كان ناجحاً لدرجه ان البعض من من لم يكونوا مصابين بالجزام حاولوا ان يزوروا اصابات جزام حتى يعيشوا فى المعسكر . لقد عاش كثير من الاوربيين وسط المجزمين لعشرات السنين . وقام نظام عبود بطرد الاجانب وانهارت المعسكرات وامتلأت البلاد بالمجزمين . من منا على استعداد لان يقضى اربعين سنه وسط المجزمين ؟ . هنالك مثل سودانى يقول ... ناس لا ترحم ولا تخلى رحمه الله تنزل .
بالرغم من ان روايه الحنق قد رفض اعاده طبعها لصالح مركز عبد الكريم مرغنى . لانها كما قالوا تجاوزت الخطوط الحمراء . والمجموعه القصصيه المشبك منع نشرها من قبل لان الاهداء كان لجوزيف قرنق , الشفيع وعبد الخالق محجوب . وحكاوى امدرمان منع بيعه لانه يتعرض للناس ......... الخ .
الا ان الحديث فى التلفون مع الاخ المبدع التجانى رئيس لجنه المصنفات له حلاوه امدرمان وحميه العباسيه . ولقد قراء على التجانى مشكوراً هذه القصائد ووعد بإرسالها لكى اقدمها لكم . ولشهور لم تصلنى القصائد والتجانى يقول انه ليس عندهم كمبيوتر فى المكتب او انترنت ويقول ضاحكاً نحنا لسه ما وصلنا التكنلوجيا دى . وفى سبتمبر كانت الكهرباء مقطوعه من المكتب بسبب الامطار . الى ان تكرم الابن يحى ميرغنى بالذهاب لمكتب الاخ التجانى مرات عديده , والقصائد كانت ضائعه عند شخص واخيرا استلمتها .
التجانى يقول لى كثيراً ( يا شوقى بتقدروا على الغربه دى كيفن , انا لمن اقضى ايام ذى ايام سويسرا دى بكون عاوز ارجع بأسرع طريقه , انتو كيف قدرتوا قضيتوا عشرات السنين ؟ . ) وانا لا املك الاجابه ..
ولكن الجميل ان القصائد امامكم الآن ... رمضان كريم .
شوقى ...
مقاطع للوطن من جنيف
تهفو إليك النفس يا وطني الحبيب
هذي بها ذات تباعد بيننا
لا زاد فيها لا قريب..
ولقد حسبتها بضع أيام من العمر
ستمضي..
لكنها وا حسرتي..
دهر من الساعات والقلق الرهيب!!
يا وحشة الليل البهيم هنا
لا لذة في العيش
لا شيئاً يطيب
***
الطائر النجس الذي قد ضمني
يومين يمخر في السحاب
ويحيط جمع الناس في البلد العجاب
تكسو ملامح رهطتهم شيئاً
يشابه اكتئاب
وأنا الذي قد كنت أحسب سفرتي
أمراً جميلاً مستطاب
بلد الفرنجة قد أتيتك مرغماً
أنا قد خبرتك مرةً
حين اطلعت على الكتاب..
ما كنت أحسن ما قرأت
سوى نذراً قليلاً من ضلالات كذاب
فالناس في الطرقات تجري
لست أدري.. ما اعتراهم؟! ما المصاب؟!
ما بالوهم يتعجلون تبلداً في هذه الدنيا الخراب؟!
***
هم يأكلون طعامهم متسابقين على الطريق
لا يحفلون بأي شيء..
وحين يلقون التحايا والسلام،
يغمي عليَّ..
وحينما أصحو أفيق،
الحافلات المسرعات تبجحاً لا تلقي بالاً للأنام
فالكل محكوم بما كتبوه في أمر النظام..
***
ما باله الآذان في تلك البقاع
قد غاب عن ذاك الفضاء؟!
هذي الحضارة عندكم؟!
هذا مآب الارتقاء؟!
أفرغتم الإنسان من حسناته
قد صار مسخاً من شقاء
أنا افتقدتك يا جميل الحسن
قد صار مسخاً من شقاء
أنا افتقدتك يا جميل الحسن
يا حلو السجايا والعطايا
أنا افتقدت دقائق الأشياء يا وطني
وطعم الكبرياء..
أنا افتقدت الناس في الطرقات
في الأمصار في بيت العزاء
قد جئتني في غرفتي الثكلى تؤانسني
فاغزلها مقاطع من قصيدة
تأتي عليّ حروفها السوداء أجهش باكيا
وأعيني أعبرها المسافات البعيدة
لو التقيك بغربة النفس الوحيدة
وطني عشقتك منذ عرفتك يافعا
في شرخ أيام السعيدة
يا مأمناً للجار أهديك التحية والسلام
ومفردات الشكر أزجيها إليك معزوفة صدق الشاعر احترام
طيور السلام
طيور السلم قد نادى المنادي فعم البشر أرجاء البلاد
فغني لحنك الصداح غني يردد رجعه خفق الفؤاد
وغني يا طيور السلم غني لأرض فجرت خيراً وفيرا
كنوزاً مترعات بالعطايا نقي جنانها ثمراً نضيرا
وتسقيها روافد من مياه وتهطل سحبها عذباَ نميرا
وذاك النيل بالخيرات يحنو ويغدق من مكارمه الكثيرا
وتلك سفينة السودان سارت ترتد المجد في البحر الخضم
وتمضي أينما حلت حثيثاً تروم مرافئ العز الأثيم
وتضع للحياة غداً جديداً ملامحه تجسد كل حلم
قوام عطائها ألق مضيئ محي ظلمات ليل مدلهم
طيور السلم فلتمضي جنوباً محملة بحبي للكرام
وطوفي عبر دار الغرب طوفي وعودي بالمحبة والوئام
ورفي فوق أرض الشرق رفي بأجنحة تصفق للسلام
هناك شمالنا يلقاك حباً تمازجه البشاشة في الكلام
وعن أنسابنا أنبيك أمراً أفارقة تمازجهم عروبة
وعن أحسابنا أهديك عقداً نضيراً من هدندوة ونوبة
ودينكا ثم برقو تم داجو تؤكد مجد سنار وسوبه
ونعلم من كتاب الله علماً يحيل حياة أمتنا عذوبة
*******
هذا الموضوع بشكله الحالى نشر فى عدة مواقع الكترونيه وموجود الآن فى مكتبه شوقى بدرى فى سودانيز اون لاين .
الاخ العزيز التجانى اخطأ بتقبل هذا المنصب ولا بد انه كان يعرف ان الحريات التى تكلم عنها محدوده جداً وان وجوده كان كنوع من الديكور . وحتى عندما سألته عن السبب فى رفض نشر روايه الحنق التى نشرت قبل ما يقارب من الاربعه عقود فى القاهره وبموافقه السفاره السودانيه ومدام ايمان فى الرقابه الناصريه , واخذ الموضوع شهرين من العناء والمتابعه , نشرت .
وعندما قال الاخ التجانى , فى جمل وعبارات الناس ديل ما وافقوا عليها . قلت له طيب يحذفوا العبارات دي والجمل دى وينشروا الروايه . وعندما قال لى التجانى ان احد السخفاء قد هاجمه فى سويسرا قائلاً ( حسى شوف شكلك يا عب وشكل القاعه دى بتشبهك . انت جاى تسوى شنو هنا ؟ ) تألمت وقلت له ان الروايه التى هى اول روايه سياسيه فى السودان تتطرق لمشكله الشوفونيه الاثنيكيه . ولانها تحارب مثل هذا الكلام فيجب نشرها . الا اننى احسست بأن الاخ التجانى مكبل اليدين . وفضلت ان اكون على صله جيده معه . فتربطنى معه العباسيه وصداقه خاله ابدربين احد مشاهير المورده . وزمالته لتؤام الروح رحمه الله عليه بله فى لجنه نادى العباسيه الثقافى .
عندما استلم صديقى وزميلى من تشسلوفاكيا عبد الوهاب عثمان وزاره الماليه نشرت موضوع فى الصحف بعنوان رساله الى صديق . وقلت له انه رجل شريف وامين وان الانقاذ ستلوث سمعته وستستغله ثم يلفظونه . ولن يجد سوى غضب الناس . وانه لن يستطيع ان يغير اى شئ مهما حاول فلا يستقيم الظل والعود اعوج . الاخ يحى مرغنى ( الناشر ) الذى حفى فى الجرى للحصول على اذن بالنشر هو الذى ارسل لى القصيدتين لانه رجل نبيل . ولقد لامنى كثيرون وعلى رأسهم محجوب شريف قائلاً كيف التجانى يرفض ينشر ليك وانت تنشر ليه ؟ يا التجانى يا اخوى قبولك لهذا المنصب كان خطأ لان التاريخ لا يرحم وهذه الحمله التى تواجهها الآن قد لا تكون مشروعه الا انها نتاج لخطأ قبول المنصب . انت شاعر وكاتب . وهذه لجنه مراقبه وتكميم افواه لا محل فيها لشاعر او كاتب . ده شغل امن يا التجانى .
عندما سألتك عن صديقى ابدربين قلت لى انه قد كبر وصار يلبس نظارات . هكذا هى الدنيا لا تدوم . ولا يبقى الا العمل . ويذهب الجاه والمنصب والمال .
الاخت الطبيبه ام راشد معنا الآن فى السويد قالت لى قبل يومين جعفر نميرى يكون قاعد فى شارع ود البصير وذى كأنه ما مجمع وما عارف الحاصل شنو ومافى زول مهتمى بيه .
سمعتك فى الفيديو تدافع عن منع الديوان الذى اسئ فيه للنميرى . ولك الحق لان اللغه سيئه . ولكن كتبى التى منعتها لا تحوى اى كلمات فاحشه او بذيئه موجهه نحو شخص او مجموعه . الحنق ركز على الرق ومخلفاته واسباب حرب الجنوب فى الخمسينات . وهذه اشياء يكره الشماليون التطرق لها .
تذكر انك كنت تقول لى فى التلفون مازحاً مورده عباسيه مريسه قويه . لك التحيه فنحن اولاد العباسيه تربطنا العباسيه وروعه امدرمان .
لاحظت ان كثير من اعلامى ورجال الانقاذ بدأوا فى الابتعاد عن السفينه الغارقه . والبعض يسجل بطولات ومعارضه . واظن اننا سنرى الترابى مرةً اخرى فى البرلمان القادم . بل لقد ذهب لزياره مقر الحزب الشيوعى السودانى ولقد رحب به زميل دراسته نقد . انا اجد هذا الامر مسيئاً لكل الشعب السودانى .
هذا الموضوع نشر قديماً هل السودانى اضينة ؟ المثل السودانى يقول : (الاضينة دقّوا واتعضر ليه) . ويقولون ( دقّوا فى زفة واتعضر ليه فى غرفة) . هذا هو حالنا نحن السودانيون . ولهذا يقال عنّا طيبون أو مغفلون بعبارة أخرى . الرائع على المك بالرغم من شفافيته وحسن خلقه كان ينادى فى بداية الانقاذ بنبذ أسلوب (عفى الله عمّا سلف).
وقال طيب الله ثراه : ( أول ما الانقاذ دى تنتهى أمشى نادى الأساتذة ألاقى فتح الرحمن البشير بيعيد فى كلامه , عفى الله عمّا سلف ، أروح خانقو ليك بعمته القصيرة دى لمن أفطسوا . بعد داك أشيل مفك وأسوق العربية أمشى شارع مامون البرير أقلع اليافطة وأركب بدلها يافطة شارع عبدالعزيز دواؤد). أبن أمدرمان وحى الركابية البروفيسور على المك الكاتب المحقق والسودانى الأصيل لم يكن يقصد قتل فتح الرحمن البشير , ولكنه كان يشير الى فتح الرحمن البشير كرمز (لباركوها يا جماعة) . وما خلآص ما فى مشكلة . ولم يكن عنده شيىء ضد مامون البرير رحمة الله عليه . وآل البرير كذلك , بالرغم من انضمام كثيرين منهم الى الانقاذ , هم أمدرمانيون سودانيون أصيلون. علىّ كان يقصد ارجاع الحق الى أهله . فأغلب الذين قدموا للسودان لم يكرموا , والذين أجرموا فى حق السودان ومارسوا البلطجة نحو السودانيين ونزعوا حقوقهم , ودبروا الانقلابات مثل الدكتاتور جمال عبدالناصر يعظمون فى السودان ويطلق اسمهم على حى كامل , ولا يزال بعض المهووسين يعتبرون ناصر نبيا .
ان لفتح الرحمن البشير مصلحة فى أن يستمر الوئام , وأن لا يحاسب أهل النظام . وفتح الرحمن البشير رحمة الله عليه بدأ حياته كأحد أبكار الاداريين الوطنيين كضابط لبلدية أمدرمان , وأولهم مكاوى سليمان أكرت , ومحمد صالح عبداللطيف وقيع الله , ومامون . ثم صار فتح الرحمن من أغنياء السودان وصاحب مصانع للنسيج , ورئيسا لاتحاد أصحاب العمل . والأنظمة الشمولية عادة تعطى المستثمرين مناخ أفضل لقمع العمال ومنع المظاهرات والاضرابات , وتحريم نشاط النقابات العمالية .
عندما انهار نظام عبود , طالب الكثير من أعضاء الحزب الوطنى الاتحادى وعلى رأسهم الكاتب الرائع والسودانى العظيم وفخرنا محمد توفيق , وأعضاء الحزب الشيوعى وجبهة الهيئات واتحادات العمال والقضاة بمحاكمتهم . حتى لا تتكرر المأساة. وكانوا يقولون اذا لم يحاكموا الآن فلن يقف مسلسل الانقلابات . وتصدى لهم رجال حزب الأمة وخاصة الترابى وبعض رجال اليمين , والاخوان المسلمون , ووصف الترابى من يطالبون بالمحاكمة بأنهم غير شرفاء . والترابى كان يعرف وقتها انه لن يصل الى الحكم الا عن طريق الانقلابات , فأراد أن يؤمّن موقفه . والرجل انتهازى بارع وكذّاب أشر . حتى شهادة الدكتوراة التى يدعيها لا وجود لها . وهذا الكلام أكده لى عدة أشخاص آخرهم كان بيتر نجوت كوك الذى درس فى نفس الكلية فى آلسربون فى فرنسا . والترابى لم ينفذ سوى الجزء الأول من الشهادة , ولم يكمل الجزء الآخر . ونفس الشىء كان يحدث فى تشيكوسلوفاكيا بالنسبة لتخصص الأطباء , فالتخصص كان من جزئين , وبعض الذين رجعوا الى السودان بعد الجزء الأول وفتحوا عيادات ( بيفط) كبيرة تشير لهم كأخصائيين. أحدهم كانت له عيادة ضخمة فى الستينات فى الركن الشمالى الغربى بمستشفى التجانى الماحى أجبر على انزالها والرجوع الى براغ لاكمال الدراسة . والترابى لا يزال يكذب . وبالرغم من كل الألم والمصائب التى أنزلها بالبلاد لا يزال يحاور ويناور وأفلت من العقاب بعد انهيار مايو .
من السخف والغباء والهبل أن يذهب بعض ممثلى اليسار لزيارة الترابى بعد الافراج عنه . وهذا التصرف الغريب قام به كمال الجزولى وفاروق كدوده . واذا كان الحزب الشيوعى قد وافق على هذا السخف فنحن نرفضه .
من أكثر الذين أساءوا للسودان هو الترابى . واذا لم يحاكم بسبب تقدمه فى السن فيجب أن يحاسب وأن يقدم شركاؤه فى الجريمة للمحاكمة ولن نتنازل عن حقوقنا . فهنالك الحق العام والحق الخاص . فلماذا قتل مجدى بسبب حيازة النقد الأجنبى؟ وأعدم الطيار جرجس؟ وطالب جنوبى كان فى طريقه للدراسة ؟ . ووقتها الترابى على رأس النظام , يحل ويربط . وأى شريعة اسلامية أو شيطانية تبيح شنق البشر لحيازة المال؟ ولقد عظم تعالى المال فقال : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) . وقدم المال على البنين ولكن لم ينفذ حكم الاعدام فى تاجر العملة مريود الذى كان مسجونا فى كوبر . وكان يقول للمساجين السياسيين ساخرا (انه لن يشنق لأنه من حوش ود بانّقا ) .
فى سنة 1902 كونت أول مصلحة سودانية . ومنذ بداية الاستعمار الى بداية الاستقلال أحيل سبعة وثلاثين ألفا الى الاستيداع . والانقاذ طردت تعسفيا سبعين ألفا من خيرة متعلمى أهل السودان وشردت فى بعض الأحيان الزوج والزوجة من الخدمة ومنعوهم من مغادرة البلاد . ونهبوا الدولة وباعوا خيرة المؤسسات الى أنفسهم (بتراب الفلوس) وتعمدوا اهانة البشر وتحقير الكبار.
لقد مات أستاذنا محمد توفيق وموت مجدى يحز فى نفسه . فلقد ذهب الرجل صاحب التاريخ الناصع مستجديا الابقاء على حياة ( ابنه) مجدى الا أن الانقاذ والترابى ضنّوا عليه بذلك . من سيدفع فاتورة اصطياد الشباب كالأرانب فى الأسواق والأحياء والقذف بهم الى محرقة الحرب فى الجنوب ؟ . من المسئول عن قتل اثنين مليون شخص فى الجنوب؟ وهل سنرى مقدمى ومخرجى برامج ساحات الفداء الذى لا يزال مستمرا بالرغم من السلام الذى وقع, فى جهاز التلفزيون؟ . وهل سيواصل المطبّلون عملهم فى الاعلام؟.
من أبغض الأسماء فى السودان قديما هو ود الكتيابى صول البوليس السرى الذى ترقى الى ضابط بعد القبض على مجموعة كبج وبقية الشيوعيين . وعندما صار ضابط بوليس أقامت له السفارة الأمريكية حفلا حضره أبّارو الذى كان على رأس البوليس. وعندما أعتقل خالد أبو جبل رحمة الله عليه فى منزلهم فى بيت المال خرج ود الكتيابى وقبّل حائط قصر الشريفة المواجه لمنزل آل أبو جبل شاكرا الشريفة لأنها أجابت دعوته للايقاع بأبى جبل . وعندما برأت المحكمة أبوجبل لعدم توفر الأدلة لآن المنشورات قد تخص أى انسان والمنزل كحيشان أمدرمان يسكن فيه مجموعة كبيرة من البشر والضيوف , غيّر ود الكتيابى تكتيكه .
عندما أعتقل الدكتور صلاح عبدالله وهو طالب اعدادية أنكر حيازة المنشورات , فقام ود الكتيابى بأشنع عمل لم يكن يصدّق وقتها فى أمدرمان , اذ هدد باعتقال شقيقة صلاح فأعترف صلاح مباشرة مما جعل الجميع يحتقرون ود الكتيابى لدرجة أن اللواء حمد النيل ضيف الله ابن الموردة والذى كان جزءا من العسكر لم تعجبه تلك الفعلة الشنيعة . فقال لفرح وهو شاويش فى الجيش : (أدّب لى صول البوليس دا ) فترصد فرح لود الكتيابى فى زقاقات سينما الوطنية وأعتدى عليه بالضرب وطعنه بمطواة فى مؤخرته .
فى سنة 1964 أعتقلت فى السوق بسبب مشاجرة . وبعد فتح البلاغ فى (تمنة) السوق تصادف دخول ود الكتيابى وأنا خارج فسألنى : (بتعمل هنا شنو ؟) . وتذكرت قصة صلاح عبدالله فى الركابية . واعتقال حمد على حمد فى فريق حمد أمدرمان وهو سائق لورى تراب , وابن خالته أبّشر الذى كان خياطا فى قراش المنزل جنوب ميدان الربيع . والسبب الحقيقى كان نشاطات الشقيق عبدالرحيم على حمد كعضو فى الحزب الشيوعى السودانى , وود الكتيابى كان يعرف أن اعتقال طالب صغير فى السن لن يضر بالأسرة , ولكن اعتقال كبار الأسرة كان سيكون له أثر أكبر . والنتيجة أننى (شخطت) فى وجه ود الكتيابى قائلا : ( وانت دخلك شنو ؟). فطالب بادخالى الحراسة وقال أننى شتمت الحكومة . والتفت الى رجل البوليس الذى فتح البلاغ قائلا: (الود دا مش نبّذ الحكومة ؟ فرد رجل البوليس بكل شجاعة : لا ما نبذ الحكومة ولا عمل أى حاجة . أولاد ظهران الدلاّل فتحوا فيه بلاغ ونحنا سجلنا البلاغ وما فى حاجة ).
هذا الرجل السيىء اختفى بعد أكتوبر , ثم ذهب الى أحمد سليمان مستعينا بالصلات الأسرية وعلاقة أمدرمان , والخالة زينب التيجانى والدة أحمد سليمان , وكبار أهل أمدرمان قائلا : ( أنا بوليس بعمل البقولوا لى وبعمل شغلى , هسى لو عاوزنى أقبّض ليكم الاخوان المسلمين بقبّضهم ليكم) . فتركوه لحاله وعاش سعيدا فى أمدرمان متهنّيا وكافأه أحمد الميرغنى بأن قربه اليه وأعطوه منصبا كبيرا . ولهذا نحن أمة من (الأضينات) أو الأغبياء . فى علاقتنا مع العرب والأجانب نقدم لهم الكثير ونفتح لهم صدورنا وجيوبنا وبيوتنا ولايعاملوننا
هم بالمثل , ونقول خادعين لأنفسنا , نحن أصيلون , نحن سودانيون , نحن كرماء ونسينا أن نقول نحن أغبياء , نحن مغفلون . وبما أن الجبهة لا تسمح بالديمقراطية ولا تؤمن بالحوار , فلهذا فلن نسمح لهم باستغلال الديمقراطية والحرية والحوار . وحوارهم حتى فى الجامعات كان بالسكاكين والسيخ . وكيف أتى هتلر الى السسلطة ؟ هل كسب السلطة فى كرتلّة ؟ . لقد أتى عن طريق الانتخاب والديمقراطية ...... لقد كانت روزا لكسمبيرغ وقيادة اليسار والشيوعية فى ألمانيا يقولون أنهم لن ينزلوا الى مستوى النازيين ولن يعمدوا الى الارهاب والعنف . ولن يحرموا الآخرين من النقاش والحوار والديمقراطية والنتيجة أن روم الشاذ جنسيا والذى كان يشبه مدرعة ووجهه ملىء بالندبات والجروح يعتدى على الاشتراكيين بالضرب ويفرق اجتماعاتهم . والنتيجة تسعة وخمسون مليون من البشر قتلوا أو ماتو فى الحرب العالمية الثانية , منهم ثمانية مليون ألمانى .
الديمقراطية سلاح ذو حدين . أنا أفضل المعقولية والموضوعية . فأمريكا سيدة الديمقراطية كما تظن لم تشمل ديمقراطيتها ملايين العبيد الذين كانوا يباعون ويقتلون أسوأ من الحيوانات , وكان اصطياد الهنود الحمر وقتلهم وتقديم شعر رأسهم كايصال يعوض ماليا , ويكفى أن آدمز نائب الرئيس جورج واشنطن والذى صار رئيسا فيما بعد , وصار ابنه كذلك رئيسا قد قال : ( عندما تصل أية دولة الى قمة عظمتها وقوتها تفقد المعقولية وتصير خطرا على البشرية ) , وهذا هو حال أمريكا الآن . فالديمقراطية والحرية فى أمريكا هى ملك للمليونيرات والأغنياء . والهند التى تتشدق بأنها أكبر ديمقراطية فى العالم يولد عشرات الملايين فيها فى الشارع ويعيشون فى الشارع ويتزوجون فى العراء ويعيشون فى العراء ويموتون فى العراء , وتلتقط جثثهم شاحنات خاصة فى المدن الهندية الكبيرة فقط لأن هياكلهم العظمية تباع وتصدر . وهناك عشرات الملايين من المنبوذين . ما فائدة الديمقراطية لهم ؟ .
لقد عارضنا الشيوعية فى شرق أوروبا . ومع احترامنا للشيوعيين السودانيين الذين هم أنبل وأشرف السودانيين , كنا نقول ولا نزال نقول أن أى نظام يقصى الآخر ولا يؤمن بتداول السلطة ووجود معارضة نظام سيىء . والانقاذ لا تؤمن بتداول السلطة وستغيّر جلدها عشرات المرات حتى تحتفظ بالسلطة والثروة . وكل من يدافع عن هذا النظام الشرير أو يطبّل له شخص يرتكب جرم فى حق الشعب السودانى والبشرية . سنرفضه ولن نسمح له بأن يستغفلنا ويستغلنا. وباسم الشهداء والذين تعرضوا للاعتقال والاهانة والضرب والتعذيب لن نوافق على أن نستغل , وسنتخلص من ختم المغفل من على ظهرنا .
السودانيون والحكومات السودانية يتعاملون مع الآخرين بأريحية وبساطة . يسىء الآخرون قراءتها . ولقد قال مامون عوض أبوزيد عضو مجلس قيادة الثورة والمخطط الأول لانقلاب مايو لأنه كان على رأس المخابرات العسكرية , وهو ود سوق ومدردح وأهله جزاون فى أمدرمان : ( أى عربى اجى هنى مهما كان الناس تقوم وتقعد وتهتم بيهو اذا كان بيسوا ولا ما بسوا , الناس ديل بفتكروا انو احنا عندنا مركب نقص , وما بفهموا انو دى طبيعتنا نحنا السودانيين . لازم نعامل الناس ديل زى ما بعاملونا ) . وأطالب بمعاملة أهل الانقاذ كما يعاملونا . ونحن لا نخاف ولا نختشى , ولأننا أقوياء ولسنا ضعفاء لا نتنازل عن حقنا . واذا كان العسكر قد قدموا للمحاكمة فى 1964 لتوقف المسلسل .
وصور تنازل عبود من السلطة تظهره وهو مبتسم محاط برجال الأحزاب ومبارك زروق يمسك بورقة خلف ظهره وهو والجميع فى حالة استرخاء ودردشة مع الرجل الذى أعدم أبناء الشعب السودانى وباع حلفا وقبل باتفاقية مجحفة جدا فى حق السودان بل كافؤه بأن قبلوا طلباته بأن يواصل ابنه دراسته و الذى كان يسكن فى منزل السفير السودانى فى لندن , وأن يعطوه مهلة لاخلاء منزل الحكومة . بل كافأؤه بأن اشتروا له منزلا فى الامتداد من مال الشعب السودانى . وهذا هو المنزل الذى طرق بابه عوض دكام بالخطأ وهو يبحث عن منزل آخر , وعندما فوجئى بعبود يفتح الباب ضرب صدره مندهشا وهو يقول ( سجمى هو انت لسه حى ؟ ) .
عندما فشل جمال عبد الناصر فى السيطرة على السودان بواسطة مناديبه ورشاوى صلاح سالم كانت محاولة انقلاب كبيدة الأولى وعدة محاولات أخرى اشترك نميرى فى أحداها . وفى سنة 1959 كانت المحاولة الأولى ضد عبود بواسطة القوميين العرب والمخابرات المصرية اشترك فيها محمود حسيب وهو قومى عربى , بالرغم من أنه من النوبة الميرى , وكانت محاولة شنان . ثم الانقلاب داخل الانقلاب بواسطة شنان ومحى الدين محمد عبدالله من القوميين العرب للتخلص من أحمد عبدالوهاب رجل حزب الأمة والذى كان يقف ضد سيطرة عبدالناصر واتفاقية مياه النيل والسد العالى . وقبل السودان بثلاثة عشر مليون تعويضا لمائة وخمسين ميل غطتها بحيرة ناصر فى السودان وغرقت حلفا والقرى المحيطة بها . وميرغنى حمزة كان قد رفض خمسة وثلاثين مليون دولار . وقبل السودان بخمسة عشر مليار متر مكعب من الماء من أصل خمسة وسبعين الى ثمانين مليار متر معكب . وميرغنى حمزة طالب بالثلث . ولأن مصر تعارض وجود طاقة تخزينية عند السودان , فان الثلث من نصيب السودان الهزيل يذهب الى مصر , وقالوا انه دين . ويبدوا أن مصر ستسدده لنا ( عرقسوس) . وكان ناصر قد مارس البلطجة من قبل عن طريق احتلال جزء من حلايب . فكافأناه نحن السودانيون على كل هذا بالوقوف معهم ومناصرة جمال عبدالناصر واعادة الحياة له بمؤتمر الخرطوم . وذهاب المحجوب الى السعودية لمصالحة ناصر مع الملك فيصل وكان مؤتمر اللاءات الثلاث . وأجبر المحجوب السعودية على دفع خمسين مليون جنيه لجمال وخمسين مليون من الكويت وخمسين مليونا من ليبيا ودول أخرى . ووقتها كانت ميزانية السودان لا تتعدى اثنا عشر مليون جنيه . , اعاد كل هذا الحياة لناصر الذى كان منهارا , وكان يقول للمحجوب سأكرمك .
وسمح للجيش المصرى بالتواجد فى السودان , وأعطوا سلاح الطيران المصرى قاعدة جبل اولياء , وسمح للكلية الحربية المصرية بالتواجد فى السودان . وأطلقت يد المخابرات المصرية فى السودان . وطبخوا انقلاب مايو , وشاركهم جزء كبير من الشيوعيين فى تلك المؤامرة . وفى ليلة الانقلاب الأولى لبس النميرى وجماعته الجلاليب واستلقوا للسمر فى الرئاسة , فقد كان الجيش المصرى وسلاح الطيران المصرى يحميهم . اذا لم يكن هذا هو التغفيل , فما هو اذن ؟ .
وعندما صار مولانا بابكر عوض الله نائبا لرئيس الوزراء بعد أن كان رئيسا للوزراء -وهو لا يزال على قيد الحياة - لماذا قبل برتبة أقل ؟ فقال من أجل العزيزة مصر . وحتى لو جعلونى قنصلا فى الاسكندرية لقبلت . علاقات الدول لا تختلف كثيرا عن علاقات الأشخاص . فالشخص الذى يحس بأنك متسامح ويمكن أن يهينك ويهضم حقك ويسرقك ويستخف بك , وأنك تفضل أن تكون فاضلا ومهذبا سيواصل . وتجربتى فى كل بقاع العالم أن كل الناس , اذا كانوا وزراء , رجال أعمال , رجال جمارك , موظفى مطارات , مديرى بنوك , قتلة ولصوص ونشالين , أو رهبانا أو قسسة , اذا أحسوا بأنهم يمكن أن يتجاهلوك , أو يتخلصوا منك حتى لا تضيع وقتهم بالرغم من حقك سيقومون بذلك . ولكن اذا أحسوا بأن الصفعة ستقابل بعشرات الصفعات , وأن الاساءة سترد بما هو أسوأ منها , وأن السخرية ستواجه بمخزون من ( الرباطابية) , فلن يجرأ أحد أن يتطاول عليك . ولهذا نرفض اعطاء أى سدنة أو مطبّلين لنظام الانقاذ فرصة استغلالنا والركوب على ظهرنا , ولتذهب الديمقراطية للجحيم اذا كانت ستمكن الآخرين من رقابنا ( وما تقول لى حرية ولا سنالكو) . ما بتعزمنا حرّارتك ما بتشم حرّارتنا . يكفى هذا القيىء الذى نراه . شاهدت فى برنامج ( فى الواجهة) الاعلامى الكبير دقش يطبّل للنظام , ويقول ان الاعلام الغربى هو سبب البلاء . وحتى بشهادة صحّاف السودان وزير الخارجية مصطفى اسماعيل فان الآلاف قد قتلوا فى دارفور . وكأنما الاعلام الغربى هو الذى نهب وحرق وشرد واغتصب .
وقبل مدة كان اسماعيل حاج موسى أحد سدنة مايو والذى يستفيد الآن من تقاسم الفريسة بواسطة الانقاذ وقوى الشعب العاملة , يردد الكذبة الكبيرة ويبرىء حكومة الجبهة من جرائم دارفور . وبجانبه كان ابن ابى روف القاضى عمر شمّينة . الذى كان يردد نفس الكذب . عمر شمّينة خبير فى استغلال القضاء . ففى سنة 1961 أتانا مدرس صغير السن اسمه صلاح هاشم بملامح مصرية . والعادة أن المدرس يحاول أن يفرض شخصيته بالارهاب , وكثيرا ما يصفع طالب فى أول الأيام بطريقة تخيف الآخرين . وبدون سبب وقع اختياره علىّ الا أنه انطرح أرضا . والموضوع كان فعل ورد فعل . اعترفت بجرمى وبالغ العميد يوسف بدرى فى عقابى . وربما لأننى ابن أخيه . واستدعى الأمر علاجى بالمستشفى لمدة اسبوعين , وصنّف تحت الأذى الجسيم . وجلدت بواسطة الصول العملاق بخيت الذى كان على رأس القوة السودانية فى موكب احتفالات انتصار الحلفاء أمام الملكة البريطانية ، وهو رجل عملاق لا يقل وزنه عن مائة وثلاثين كيلو , فأردت أن أضح حدا للعقاب الجسمانى . ففتحت بلاغا ضد العميد يوسف بدرى . وفى يوم المحكمة كان القاضى هو عمر شمّينة , فعنّفنى قائلا : ( بأنه ليس هنالك قضية , ويحق ليوسف بدرى كمربى أن يجلدنى , كما يحق للوالد أن يعاقب أبناءه , فسألته هل يحق للوالد أن يسبب ضررا جسديا لأبنائه أو أن يقتلهم؟ , وهل يسمح القانون بذلك ؟ وأين المتهم ؟ فاكتفى بأن طردنى قائلا : ( حتى لو كان القانون معاك ما حننادى العميد ) .
وخرجت ممتلئا غيظا حاسّا بعجزى , وها هو نفس القاضى يغير القانون ويضيع حقوق أهل دارفور كما أضاع حقى من قبل ( والما بسوى الشوية ما بسوى الكتير) . كل هؤلاء الناس يجب أن يحاسبوا فيما بعد . ولهذا لن نسمح اليوم لسدنة هذا النظام ومطبّليه والمدافعين عنه باستغلال منابرنا واستغفالنا والضحك على ذقوننا . ******
هل السوداني اضينه _(2): _____________________
بعد نشر موضوع هل السودانى اضينه , كانت هنالك مداخله من الابن الطاهر بدر من السعوديه . المرحومه حفصه التى دهسها شاب سعودى مستهتر . فقال والده مباشرةً عندما عرف ان الضحيه سودانيه ( ليس هنالك مشكله فالسودانيون طيبون وعاده يعفون) وعندما لم يتنازل ابن المرحومه حفصه وجد اللوم.
فى مارس 1985 اشتقت الى صديقى الامريكى هيرمان هندرسون ( جمال ) ويحمل ابنى اسمه الآن . فسافرت اليه فى كلفورنيا . التقى طريقنا فى 1970 . كانت تجمعنا مناصره الفهود السود وحركه الزنوج العالميه . وصار من اقرب الناس الي . وعندما ودعنى فى مطار سانفرانسسكو حاول ان يعطينى اوراقاً لاحتفظ بها . وعندما علمت انها عباره عن اوراق تأمين وحقه فى مكافأه لانه قد اكمل عشره سنوات فى خدمه حكومه العم سام , وانا المستفيد , رفضت تقبل الاوراق قائلاً اننا فى السودان لا نقبل بهذا لانها نعتبرها فلوس دم . وسينظر الى الناس فى السودان بنظره سيئه . لم يصدق وكان يقول لى . ان هذا الشيئ غير مقبول انتم فى غايه الطيبه والسذاجه . هل تريد ان يذهب المال للعم سام . ولكنى لم اقبل .
الأخ الابن الطاهر بدر
لك التحية ,,,
بمناسبة مداخلتك . قبل سنين كان لجارنا المواجه سياة فارهة وسيارة سجيمانة بتاعة ثلتمية , أربعمية دولار . نقرتها زوجتى وهى راجعة خلف من القراش لأنه يضعها خارج قراشه و (الدرايف ووى) . فأرغى وأزبد . لأن منظر عشرات الأفارقة داخلين ومارقين ومبطحين فى الجنينة عراريق وجلاليب وبعضهم شورتات ما عاجبه . فقدم لنا فاتورة بستمية دولار . دفعناها.
ومرة أخرى نقرت الزوجة التصادم . فقفز الأنبوب الذى يضخ الماء على الفوانيس من مكانه . فثار وشتم وهدد . ثم قدم فاتورة بخمسمية دولارلنفس العربية . ثم كان هنالك حادث ثالث لم يثر بسببه جلرنا الذى لا يبتسم أبدا . والمجنى عليه كانت سيارتنا . ولكن نحن نقول فى السودان ( جارك القريب و لا أخوك البعيد ) ولم نقدم فاتورة . ( الناس تقول علينا شنو فى السودان ) . ولكن أفهمته بأنه لص خاصة بعد أن أضاف خمسة وعشرين فى الميه لفواتيره عبارة عن ضريبة استهلاكية بدون أن يكون عنده رقم ضريبى .هذا أمر خاص . ولكن فى حالة أمر كبير وعام يجب أن لا نتنازل .
قبل بضع سنوات توفى ابن عمتنا الحبيب الدكتور قاسم مخيّر , فأتى جعفر النميرى معزيا . نفس جعفر النميرى الذى قال للشهيد عبدالخالق محجوب عندما أتوا به اليه (دسوك أهلك الرباطاب . أنا حأوريهم) . والنميرى قال ان السادات قد قال له ان الروس طلبوا شفاعته ووعدهم خيرا ولكنه طلب من النميرى التخلص من عبدالخالق وسمعت السادات بأذنى فى التلفزيون المصرى فى سنة 1971 يقول مشيرا الى الاتحاد بين مصر وسوريا والسودان وليبيا , الاتحاد ولد قويا وظهرت أنيابه فى السودان .
وعندما ذكر آل بدرى لجعفر نميرى شتمهم وقال ( ديل ما سودانية . ديل فى البكا ما بفرشوا . لأن الصادق بدرى قد أذاع فى الاذاعة عند وفاة والده القاضى أحمد بدرى , ينتهى العزاء بانتهاء مراسيم الدفن . )
وبعد شنق عبدالخالق كانت هنالك قوة من رجال الأمن تحتل منزله لفترة طويلة . وكان الطعام والشاى والماء البارد وحتى الحلو يقدم لهم . والبعض كان يقول ( ليه تأكلوهم . ديل ما سجّانينكم . ونعمات والأهل كانوا يقولون ديل أولاد مساكين مدّينهم أوامر . ) وهنا يصعب ايجاد المعادلة الصحيحة , ويصعب تحديد الخطأ والصاح . ولكن ليس هنالك أى أمة فى العالم تطعم سجانيها وتسعى لراحتهم ويفتحون لهم ديوان المنزل.
نميرى الذى حضر العزاء كان يعلم أن آل بدرى هم خيلان عمر والمعز أبناء عبدالخالق محجوب الذين نشأوا كأيتام . والايدو فى الموية ما زى الايدو فى النار . فلهذا تصدت نعمات لنميرى وشتمته وقامت بطرده . فالنميرى قبل كل شيىء هو قاتل زوجها , ولقد وضعها فى السجن أكثر من مرة . ولكن قاسم بدرى والبقية أبعدوها ورحبوا بالنميرى . هل أخطأ قاسم ؟ هل تصرفت نعمات بحكمة ؟ . المؤكد أنه ليس هنالك أى مكان فى العالم أن يقتل الحاكم رجلا ويذهب لأهله معزيا أو مواسيا . فاذا كان يهم الحاكم وجع الناس فلماذا شنق أبناءهم ؟ ولماذا شنق الشفيع وقرنق ؟ ولماذا شنق ضباط رمضان . ولماذا كل هذا الموت والألم ؟ ولماذا يقتتل آل دافور من أجل شربة ماء اليوم ؟ .
ابن المرحومة حفصة لم يخطى , فانه يرسل رسالة قد تساعد فى ردع شباب مستهتر ولكى لا يستهين الآخرين بالدم السودانى لأننا اضينات , فهم لا يتنازلون عن حقوقهم فلماذا يختم السودانى بختم طيب أو أبله ؟ .
شـــــــــوقى
ليه طرفنا ؟
ليه طرفنا ؟
بعد ما تاكلو قشو فى راسنا وشعرنا
ما انحنا ناساً تافهه , ومات شعورنا
وكل شيخاً هبيل وامباشا نركبو فوق ضهرنا
وبرضو نتكشم وكل يوم يكبر دبرنا
ودوام بنسأل , هل ترهاقا وبعانخى كانو منا ؟
ولا ديل اجانب جو غِشَونا , يدرسو خيبتنا وسجمنا
سيدى طالع , سيدى نازل معقول ده يكون قدرنا ؟
والملايين الماتو فى الجنوب ديل مش بى سببنا ؟
العالم قام وقعد فى دارفور ونحنا ما سمعنا وما سألنا
هل عشانا مات عبد اللطيف ؟ والماظ هل كان بطلنا ؟
ليه نجوع ونمرض ؟ والبترول ده ما ِرزقنا ؟
ليه بنتفرج ؟ والله بيدى من ايدو لايدنا ؟
ولا قال يا عبد اسعى . وانحنا ما سعينا ولا اشتكينا
وكل ما جات مصيبه , إ تفنا فى الواطه وبكينا
وضحينا بى مالنا وجنانا . همنا فى الاول سيدنا وشيخنا
فى نهايه نوفمبر 2007 نشرت جريده الصحافه موضوع ونسه مع الاستاذ عوض لطفى وهو خبير غابات عمل فى الجنوب لفترة طويله . وهو من سكان رفاعه ووالده الناظر الاسطورى شيخ لطفى . وهو اول من ادخل زراعه البن فى الجنوب . وذكر انه يحن لتوريت ويتمنى ان يقضى بقيه عمره هنالك . هذا الموضوع شاهدته كذلك فى منتدى رفاعه . وذكر العم عوض لطفى ان الدينكا كانوا يحبون ابراهيم بدرى جداً . وكان اسمه ماريل وتعنى الثور الكبير الابيض . وان ابراهيم بدرى كان يذهب لكليه غردو ن لكى يمتحن الاداريين الجدد من سودانيين وانجليز فى لغه الدينكا . وكان بعض القسس يمتحنون الاداريين فى اللغات الجنوبيه الاخرى .
لابراهيم بدرى مواضيع باللغه الانجليزيه فى سودان نوتس اند ريكوردس . تتناول رحلات قبائل الدينكا وثقافتهم وميثلوجيا الدينكا ودياناتهم .
والدى ابراهيم بدرى وضع اسس وقواعد لغه الدينكا . وكان يعتبر نفسه احد الدينكا ويتعامل مع الدنيا والآخرين كدينكاوى . وكان يحب الجنوب اكثر من اى مكان فى العالم . ولقد سألنى الاستاذ محجوب عثمان فى نهايه التسعينات فى القاهره _( صحى ابوك كان برقص مع الدينكا عريان ؟ ) وبالرغم من استغراب البعض قلت له _( ممكن جداً ابراهيم بدرى كان بفتكر نفسه دينكاوى . )
وابراهيم بدرى كان متزوجاً من منقله بنت السلطان عمر مرجان احد سلاطين رمبيك . والده عمر ابراهيم بدرى . وكان يقول انا جدى تربال اتزوجتا بنت السلطان .
فى مايو 1963 كنا فى رحله صيد فى اعالى النيل شمال ملوط . من الحضور كمال ابراهيم بدرى مدير مشروع بركه العجب محمد الحسن المقاول احمد المصطفى ( ابو نادر ) من الرنك الباشكاتب عبد الله الياس , الصراف موسى , مكانيكى بابورات فضل الله وآخرون . وأتى احد صبيان الدينكا جاريا ليقول لنا ان ( فديت ) فى القريه . وكان فديت هنالك لحل نزاع قبلى . وفديت هو محمد عبد الله عبد السلام جعلى من امدرمان من اسرة العمده مقبول العوض عمدة امدرمان ( حى العمده ) ., وشقيقه صغيرون كان تاجراً فى فلوج بالقرب من خور عدار .
خارج القريه كانت اشجار الدوم والدليب قد طرحت ثمارها كالعاده مع اول الامطار . وذكر فديت ان احد الرباطاب قد اتى حاملاً خطاب من المدير فى ملكال للسماح للرباطابى لترحيل جزوع شجر الدوم والدليب المتساقطه . فرفض ابراهيم بدرى السماح له قائلاً _( انتوا بتاخدوا تصريح بالشجر الميت وبعدين تقطعوا الشجر الواقف . الشجر ده بياكلوا منوا الناس وبسكن فيه الطير وبياكلوا منه الحيوانات والافيال . ) وعندما قال الرباطابى انا من اهلك . كان رد ابراهيم بدرى ( اهلى الدينكا ديل ) .
فديت كان يتكلم الدينكاويه خيراً من الدينكا ويعرف كل اللهجات وعندما يختلف الدينكا فى كلمه يرجعون اليه . كان صديقاً لابراهيم بدرى ولهذا تزوج من خالتى . والدينكا كانوا يذكرونه فى اغانيهم . كان اول من ادخل شاحنات القندران فى الجنوب . وادخل الانتاج البستانى فى شمال اعالى النيل مزرعه ( مقره ) . حب الجنوب واحترم الجنوبيين . امثال هؤلاء كثيرون . ولو سار السودانيين فى خطاهم لما فكر الجنوبيون فى الانفصال الذى صار غااب قوسين او ادنى . نحن المخطئون هذا الموضوع كتب قبل 4 سنوات وكنت على اقتناع بان هذا السلام ناقص . . وعندما كان الشهيد قرنق فى طريقه الى الخرطوم اعدت نشر هذا الموضوع وعلقت قائلا انا الآن اخشى على حياة قرنق . ومات قرنق . وكنت قد اشرت فى الموضوع الى حوادث الاحد الاسود فى 1965 وتكررت الحوادث بطريقه افظع بعد موت قرنق , لاننا لم نستوعب الدرس . وانتفضت دارفور والشرق وجبال النوبه , ولاول مره ينتفض اهل الشماليه والخرطوم تعج بالمليشيات والسلاح فى كل الايدى والامم المتحده وجنود المجموعه الافريقيه يملئون السودان والبعض يتحدث عن السلام , اى سلام ؟؟ .
السلام المستهدف...
مثل كثيرين يعني لي هذا السلام حلما يرجو أن يتحقق فبعد 15 عام قد نعود للسودان لأول مره بالأضافه مع سنين المنفى و ملطشة أيام نميري نكون قد أمضينا اغلب عمرنا في الخارج. و بما أنني غير قابل للفرنجة و لا أشاهد الباليه أو أذهب لدار الأوبرا و لم اشرب الخمر و لا تزال أكلتي المفضلة هي كسره و طماطم و دقوه فأن التواجد في أوربا لا يعني أي شيء بالمقارنة بقعدة ونسه في العباسية أو شقه في الموردة أو زيارة الأهل في بيت المال أو خلفة رجل في سوق المويه .
و انا مغروض اكثر من الآخرين للرجوع لسودان فلقد حرمت أكل اللحم و حلقت شعر راسي حتى يحين الرجوع لسودان كما أود أن اخذ ابني فقوق نقور الى مدينة الناصر لزيارة قبر صديقي فقوق نقور (مصطفى عبدالعاطي) مرورا بالرنك للثم يدي الناظر يوسف نور شقيق فقوق نقور و جلهاك موطن العمدة نقور جوك والد الاثنين ثم مدينة ماكال( المعروفه بملكال) مرتع الصبا و الطفولة و الدراسة . و انوي تعريف أبنائي بجدودهم الشلك و جدهم الأكبر الرث داقي.
و ياحبذا اذا اتسع الوقت لزيارة المدينة التي عرفت فيها الدنيا و تفتحت عيني فيها رومبيك الجميله. و مريدي التي شهدت جزء من طفولتي و يرول التي مررت عليها في طفولتي. و كانت قد تعرضت لحريق هائل و سكانها يسكنون في العراء و العم زبير صالح جالسا أمام دكانه الذي احترق مع جزء كبير من السوق و لم يتبقى إلا هيكل مكينة الخياطة سينجر.
بعض أصدقاء الطفولة و الصبا قد قضوا نحبهم مثل كريرل او محمد فضل تيه في القيقر. و اخرون لا ادري أين هم مثل الحبيب عيسى سولي ابن خال الوالي اقنس لوكودو و اخر اخباري انه كان كولونوليلا في جيش عيدي أمين في أوغندا و هو ابن العم عبدا لرحمن سولي من الباريه في جوبا و كان الأب الروحي لحزب الأحرار.
و اين اخونا الأكبر و تاج رأسنا و قدوتنا اجوت الونج اكلول؟ وإذا حالفني الحظ أجد أخبار الصديق الحبيب إسماعيل حامد من كاجو كاجو او تابان مايكا أو جعفر عبدا لرجمن (جوكس) من بور بلد الشقيق منوا بيج رحمة الله عليه شقيق الوزير الحالي الشيك بيج كما أود أن أقابل صديق الطفولة و الصبا و رجل الدوله الحالي رياك قاي ترت و هو من نوير لاو منطقة فنقاق و هذه المنطقة أسرتني وجبتها عدة مرات في رحلات مكوكيه في الأجازات المدرسية متنقلا بين اكوبو و ملكال مارين بقنتوت ,واو, ايود,واط, ديرور, ايرور, توي شان و عشرات الحلال و مناطق النوير. و النوير هم اشجع السودانين و اكثرهم اعتدادا بنفسهم و لقد عاشرتهم في كل مناطقهم مثل الناصر و بنتيو و لكم تمنيت أن لي صلابتهم و قوة شخصيتهم و ان كنت في الحقيقه احلم ان يكون لي حكمة معقولية و امانة وصدق الدنكا و دماثة خلق الزاندي و ركرم التبوسه و روعة كل اهلنا في الجنوب.
هذا السلام قد ولد هشا و سيستهدف بواسطة قوى الشر و الظلام.
وهذه الروح الرائعه تماثل التي تكونت بعد أكتوبر و ذبحت في حوادث الأحد المشئوم. فلأول مره يستلم جنوبي مركزا دستوريا مهما مثل وزارة الداخلية و لم يرضي هذا كثيرا من الشماليين و كان يقال بالمفتوح (كيف العبد كالمنت امبورو يستلم وزارة الداخليه؟) و كان هنالك من يسكب الزيت على النار.
الشقيق منو بيج ابن خال مولانا ابيل الير كان وقتها في جامعة الخرطوم و هو في عظمة ورقة قريبه ابيل و لهذا اطلق اسمه على احد ابنائي. و حاول منو ان يوقف بعض الأخوه من الأستوائيه من تحطيم العربات فقاموا بالأعتداء عليه. فمن السهل جدا اثارة العواطف.
و كانت هنالك عناصر مشبوهة وسط الشماليين مستعدة لإثارة المشاكل. بينهم بعض المجرمين من سجن كوبر. أحدهم فرعون الحلبي الذي كان يعمل في بداية الستينات الذي في مطبخ السجن. ولقد دخل السجن بقضية أخلاقية هي الاغتصاب و عبدا لرحمن الذي عرف فيما بعد بعبد الرحمن جسكار الذي كان في بداية التسعينات في سجن كسلا مختل العقل. هذه العناصر في يوم الأحد المشئوم 1965 تجوب الشوارع بالأسلحة البيضاء و عندما سألهم أبو الدهب و محمد محجوب عثمان و بعض السياسيين الذين كانوا في سجن كوبر و أفرج عنهم عن غرابة نشاطهم قالوا" والله نحنا دافعين لينا". و لقد أخرج ال العمده كرم الله النحاس و ضربوا الطبول و استنفروا الفرسان لقتل الجنوبيين.
العمده كرم الله احد الموقعين على وثيقة الخزي و العار التي كان على راسها السيد على المرغني و السيد عبدا لرحمن المهدي و الهندي و صالح جبريل و بابكر بدري و كان رقم 25 في تلك اللسته المكونه من 35 اسما ادانوا حوادث 24. و قالت الوثيقة أن أمه يقودها أبناء الإماء أمثال علي عبدا للطيف لأمة وضيعه.
لقد قال إبراهيم السنوسي الذي حضر الى ام درمان في الستينات و لم يكن لديه قريبا او حبيبا يسكن معه و كان يسكن مع الفراشين في مدرسة بيت الأمانه. هذا الشخص قال على رؤوس الأشهاد في التلفزيون انه قد حل مشكلة النهب المسلح و الأجرام في ولايته عندما كان واليا على ولاية شمال كردفان بأن ارسل كل المجرمين للحرب في جنوب و كأنما الجنوب هذا هو المريخ و كأنما الجنوبيين ليسو لحمنا و دمنا.
لقد اشترى ابن الترابي الخيول و زود ميليشيات المراحيل و المسيريه بالكلاشنكوف لتأديب الجنوبيين وهؤلاء الجنوبيون متواجدون اليوم في الخرطوم. وبرامج ساحات الفداء لا زالت تطن في أذان الناس و دعوات الجهاد لا تزال طازجه و الكلانشكوف منتشره الأن في يد السودانيين مثل المسابح و الدقون على كل المقاسات,فرش, زعافات, مقاشيش. و الشماليين يقولوا بالمفتوح( العبيد دول حيجو يضرعوا في الخرطوم تاني؟) و ماذا عن الذين خاضوا هذه الحرب عن ايمان و ليس بسب الغنائم و المناصب. هل سيتوقفون عن الجهاد؟ و ماذا عن الحور العين؟
أنا أكثر إنسان مهتم بهذا السلام و انفصال جنوب السودان قد يؤلمني أنا أكثر من الآخرين لأنني شمالي بالأصل و جنوبي بالانتماء.
من غير المعقول أن يقبل رجال الجبهة إرجاع المال المسروق و من المستحيل أن يفرطوا في وضعهم الاقتصادي المميز. أين حقوق الذي طردوا من المؤسسات الحكومية بدون مكافآت وحقوق؟ وهل ستسترجع الأراضي التي أخذت عنوه و بدون وجه حق؟
هذا السلام يذكرني بالنعجة دولي التي استنسخت و عانت من شيخوخة مبكرة و ألام في المفاصل و ماتت مبكرا. النعجة دولي مستنسخه من حيوان واحد. و هذا السلام مفروض و مستنسخ من أشياء لا يعلمها إلا الله.
الذين عذبوا وأذيوا وأسيء إليهم وانتهكت حرمتهم لن يقبلوا أن يروا المجرمين يتجولون في شوارع الخرطوم. و كوادر الجبهة المسلحة لن تسلم أسلحتهم و ستستخدم هذه الأسلحة في الدفاع عن مكتسباتهم و ليس هنالك سلطه عليا محايدة لكي تحكم في هذه الخلافات.
بعض الجنوبيين لن يكونوا راضيين عن هذا الاتفاق لأنه ليس بشامل. و سيجد قرنق من يرفع السلاح ضده. و بالرغم من أننا في السودان نتمتع ببعض المعقولية إلا أننا بشر. في سنة 1898 و بعد الاحتلال البريطاني كانت هنالك مشاكل و ثأر حسم بالعنف و يذكرنا بابكر بدري في كتابه تاريخ حياتي انه بعد معركة كرري أتى عسكري كان عبدا لإبراهيم اليعقوبابي و ظن إبراهيم انه أتى ليحرسه و أولاده فمد يده ليصافحه فأرداه بطلق ناري و عندما خرج الجيران وجدوا العسكري المعروف عندهم منذ صغره يطأه بحزمته.
وشاهد بابكر بدري عسكريا آخر في جهة السوق شرق مبنى البوسطه الحالي يقتل إبراهيم تميم الإصولي بطلق ناري و يرتفع ابراهيم تميم في الهواء و يسقط ويأخذ العسكري أخته التي كانت سريه لإبراهيم تميم و الاثنين كانا مولدين في منزل إبراهيم.
فإذا لم تحدث محاكمات عادله للمجرمين فلن تتوقف المشاكل فبعد الفتح الإنجليزي و جدت جثث كثيرة في أم درمان مطروحة و لم يعرف أصحابها و من هو قاتلهم رغم أن الإنجليز مارسوا ضبط النفس و لم يتعرضوا أبدا لأعراض البشر و النساء. إلا أن السودانيين كان لهم حساباتهم الخاصة و يذكر بابكر بدري أن المرغنيه صفوا عوض الكريم كانون لثأر قديم و انه أساء للمرغنيه. كما انتقم الجعليين لما حدث في المتمه و قتلوا أحمد حمزه.
إذا لم تتم المحاكمات العادله فستحدث تصفيات............ فنحن قبل كل شيء بشر و لسنا بألهه.
الجنوبيون سيقولون إذا لم يستطع الشماليون أن يمارسوا العدالة في ديارهم فكيف سينفذونها عندنا. و الذي سبب حوادث التمرد في 1955 هو خوف الجنوبيين مما سيحدث في بلادهم خاصة بعد حوادث أول مارس فلقد كانوا يقولون" إذا فعل الشماليون هذا ببعضهم البعض فماذا سيفعلون بنا خاصة بعد نقل قواتنا المسلحة لشمال؟" و كان قرار نقل القوات الجنوبية خطأ, و كان الجنوبيين محقين في قولهم. شوقى ....
بخصوص قهوه شديد وقهاوى امدرمان اؤكد ان الاستاذ حسين خوجلى لم يكن يستطيع ان يتواجد فى قهوة شديد او قهاوى امدرمان قديماً . آل شديد من اعلام امدرمان . وكانوا يؤدون واجبهم الامدرمانى بتفانى . وفى المآتم يقومون بمسك الطابيه . والطابيه هى مكان عمل القهوه والشاى والخ . والقهوجى يستطيع ان يدير كل القهوه للمأتم وآلاف الزوار . وهذه العمليه يصعب على النساء ادارتها . ويتكفل بها الرجال مثل جلوال وقسم ونواى وعشرات الآخرين . عندما مات والدى فى يوم الاثنين الموافق 3 شهر 12 سنه 1961 كان الطيب سعد ماسك الطابيه وكان احد الشيوخ يحتد ويكثر من طلباته . وبعد فتره والشيخ فى طريقه الى خارج الدار لاحظ ان الطيب يجلس ودموعه تجرى . فسأله انت يا ولدى ماك شغال هنى ؟ فقال الطيب لا انا من ناس البيت . فأخذ معه الشيخ الفاتحه واعتزر له لانه لم يعرف انه من اهل البيت . وشقيقى الطيب سعد الفكى كان قد عمل فى عطبره فى مقهى قبل ان يستقر فى امدرمان . اصحاب قهوه شديد لم يكن لهم صله بالاجرام او المجرمين . ولكن المقاهى كانت لامه . من اللذين كانوا يتواجدون معنا فى المقاهى عباس رويال . وكان يمارس البلطجه والنهب وتخصص فى زوار رويال وهو مكان شرب الخمر فى الخرطوم يقصده ذوى الدخل العالى . وكان يترصد لهم فى الليل خاصه اللذين يقصدون اماكن شراء المتعه . وفى احد الايام اصطدم بالضابط ابو الدهب . الذى كان يعرفه من سجن كوبر . وعندما عرف انه ابو الدهب فى ليل الخرطوم الحالك اعتزر وربما لانه كان يعرف ان ابو الدهب كان يحمل مسدساً . وحذره ابو الدهب قائلاً انت يا عباس حتموت بالطريقه دى . واتت نهايته على يد شاب نحيف صغير السن . تتبعه عباس رويال بعد عمليه بيع بهائم وفى القماير حاول عباس المتعطش للمال ان يخيف الشاب الذى لم يمهله وقام بفتح بطنه كما قالوا من حلقه لى صرته . من الزوار كان المحرق . الذى كان لطيفاً مع المساجين السياسيين فى سجن كوبر . وكان يطبخ لهم الاكل . والمشكله انه مع اثنين حاولوا نهب افندى الا انه قاومهم بعنف . مما جعلهم يظنون انه يحمل مبلغاً كبيراً . واخرج المحرق سكينه لاخافه الافندى الا انه واصل القتال بشراسه . واراد المحرق ان يضربه بقعر السكين الا ان نصل السكين اخترق عنق الافندى . ولم يكن المبلغ يذيد عن الحنيه الا قليلاَ . من الضحايا اللذين تعرضوا للنهب الرجل العظيم الدكتور الشجاع عبده الدرديرى شقيق الدكتوره سيده الدرديرى . ففى بدايه السبعينات تعرض لعمليه نهب وبالرغم من قله حجمه الا انه واجه حامل السكين بشجاعه وانتهى الامر بموته وكان طبيباً فى السلاح الطبى . وبما انه كان من خيار شباب امدرمان فلقد حزن الناس عليه خاصه والدته مكه ارباب شقيقه الدكتور على ارباب والوزير زياده ارباب . من الذين تعرضوا كذلك فى تلك الفتره لعمليه نهب الدكتور المحاضر حسين ابراهيم مالك وهو ابن عمتى . وناضل فى المستشفى لايام عديده قبل ان تكتب له السلامه . ولا تزال يده وجسمه تحمل جروحاً عميقه . من الزوار كان كذلك سالم وهو من حمله الماده 77 أ وهذه الماده تعطى اى قاضى الحق ان يعطى حاملها خمسه سنوات سجناً لاقل جريمه وهذه الماده تصاحب مترددى الاجرام . واذكر اننا مره فى القهوه قد حسبنا خمسه من حمله هذه الماده الا ان احدهم انكرها بشده وكأنها مرض عضال . وسالم والماده اعطونى ماده لكتابه قصه قصيره بعنوان الماده وهى احدى قصص مجموعتى القصصيه المشبك . سالم كان رجل كسر لا يتعامل الا مع الخزن . وقد نقبوا سقف الدكان غرب قهوه شديد المواجه للمحطه الوسطى . وهم فى طريقهم خارج الدكان اعترضهم رجل شرطه . وبالرغم من عرض مبلغ كبير عليه وان الدنيا قبايل عيد لم يقبل لانه حسب قوله كان حالف اسم الله . واضطر سالم لضربه بالعتله الصغيره على رأسه وتركوه مجندلاً وانتهى الامر بأن صار معوقاً ولم يجد اى اهتمام من السلطه وكان بعض الناس يقولون يستاهل . من الذين كانوا يتواجدون فى قهوه شديد موسى ناصر المشهور بود نفاش . واليه تنسب اغلب نكات الاربعينات والخمسينات والستينات . وهو خال اصدقائنا وجيراننا محمد وعبد الرحمن احفاد الشيخ دفع الله الغرقان صاحب القبه فى وسط امدرمان . ولان موسى كان يعمل فى بار ليمنيوس اليونانى الذى فى ناصيه قهوه شديد فلهذا لم يتعرض بار ليمنيوس لاى عمليه نهب او سرقه . فكل اهل امدرمان من اشرارها واخيارها يحبون موسى ود نفاس بل ان السيد عبد الرحمن كان يستدعيه فى بعض الاحيان ويسأله عن ماذا يقول الناس فى الشارع فى امدرمان . كان يجالسنا فى قهوه شديد ( افراج ) . وشاهدته لاول مره فى يوم 27 رمضان وهو لا يزال يرتدى ملابس السجن ومكتوب على قميصه بالكوبيا افراج وكان يجلس ويلعب سيف فى القهوه . وفى نفس الليله اشترك فى مشاجره انتهت به الى السجن وصار يعرف بافراج . فى 1964 ظهر فتوة مدنى الاكبر الذى كانت له شهره فى كل السودان عوض حلاوه . وكان منظره بالكسكته فى الليل وضخامه جسمه تثير استغراب الناس . وبالرغم من مناشده صديقى الملاكم كيكس كان يرفض خلع الكسكته حتى فى الليل وفى مجالس الشرب . وعوض حلاوه هو الذى اصاب نميرى بشج فى رأسه عندما كان النميرى يدرس فى حنتوب . ثم تصافيا وصارا اصدقاء . الا ان النميرى انتقم منه بواسطه الامن عندما صار رئيساً للسودان . فى قهوه شديد مات عم الشيخ وكان فى السبعين من عمره بلحيه بيضاء دائره . واتهم ود النوبه وآخرين بقتله وافرج عنهم بعد اتضح ان الوفاة طبيعيه . عم الشيخ حضر فى احد المرات وبعد ان حيانى وود عجيب جلس . فقرص اجد الشباب سجارته تأدباً . وعندما طلب عم الشيخ الفوطه وهى قطعه القماش باللستك التى يستعملها الركيب لغطاء الطربيزه . واخرج الكوتشينه من جيبه التقط الشاب سجارته بعد ان سب .... فضحكنا وضحك عم الشيخ . الركيب كان يرفع ثلث الربح للمعلم . والركيب قد يكون عنده ركيب ركيب ا و ركيب صغير يرفع له النص وهو يرفع نص النص للمعلم . وكان هنالك اربعه ركيبين فى قهوه شديد . احدهم عبد العزيز الذى نسى الفوطه على الطاوله . وهذا يعنى انه مسئول عن الخساره او الربح . مما جعله يطلب منا الرجوع من ود نوباوى بسرعه . ولحسن حظه وجد ( الخميره ) وهى راس مال الركيب قد زادت خمسه وسبعين قرشاً هؤلاء الناس اللذين كانوا يرتادون المقاهى . كانوا يمارسون الولاء والاهتمام ويتعاملون مع بعضهم البعض بشرف وامانه بالرغم من انهم مجرمون ومجتمعهم لا يخلو من الملح والمفارقات اللطيفه . فعندما ذهب شديد مع العربى للحج . تركا القهوتين المتجاورتين للمعلم قدوره . وبعد عيد الاضحى كان العمل متوقفاً . وكان يقول ان الدوده تجد رزقها بين حجرين , انا معلم قدوره ما لاقى رزق بين قهوتين . وكان يأتى احد الشحاذين الملحاحين اللذين لا يقتنعون بالله كريم و يقول اى انا عارف الله كريم لكن برضو ادونا حاجه . وفى احد الايام تجاهله المعلم قدروه . فلكز الشحاذ المعلم قدوره قائلاً ( عندك حاجه لى الله ) قال معلم قدوره ( اى انت ماشى ليه متين ) المعلم قدوره كان شجاعاً وعندما احتد مع احد القضاة قال القاضى للمعلم قدوره انت راجل وسخ فقال المعلم قدوره انا معلم قدوره بستحمه مرتين فى اليوم انتوا فى بلدكم ادبخانات مافى ب ..... ذى الغنم . وانتهى الامر للمعلم قدوره بالسجن . والمعلم قدوره كان من اكثر الناس اناقه . وعندما شاهد ولده فى الشارع متسخاً اخذه لداخل الدار ووضعه على الطاوله ونادى والدته بعد ان اخرج السكين وقال لزوجته ورينى نصك ياتو عشان انا نصى عاوز اشطفوا وانظفوا ما ممكن الولد الوسخان ده يكون ود المعلم قدوره . من الذين كانوا يجلسون فى المقاهى طافى لمبه . وهو رجل كريم العين قاسى الملامح ( ما يقال عليه صارم ) . عندما كان الدكاتره مختار الشيخ ومختار عبد الله يتخصصان فى براغ سمعتهم يتحدثون عن قصه شنقه فى سجن كوبر عندما كان دكتور مختار يعمل فى سجن كوبر . وعندما كان طافى لمبه يجلس فى احد الانادى كان ثلاثه من الموجودين يشربون الخمر وبداوا بالتعليق على عينه والسخريه منه امام صاحبه الاندايه . وعندما خرج احدهم للبول لم يرجع . وعندما لم يرجع الثانى بعد فترة احس الثالث ان فى الامر شيئاً فبداً فى الصراخ وتجمع الناس وقبضوا على طافى لمبه . واذكر ان دكتور مختار كان يقول انه كان عدائياً حتى نحو دكتور مختار عندما نكون فى طريقنا الى قهوه شديد من اجد المقاهى الاخرى ويسأل شخص ماشين وين ؟ كنا نكتفى بجمله عرشو سما . وكما اوردت لان الغرفه الداخليه فى المقهى كانت بلا عرش كمنفذ للهواء . وفى هذه الغرفه كان يجلس المعلمين وكبار الركيبين . او نقول لبنو بره . لان قهوه شديد كانت القهوه الوحيده فى امدمان التى كانت بييع الشاى فى كبايتين . كبايه مليئه بالشاى الاحمر وكبايه فيها حوالى قيراطين من اللبن حتى يضيف الانسان اللبن حسب مذاجه . من الاشداء اللذين كانوا يجلسون فى المقاهى الملاكم رزيق معبد وصديقه العملاق فيصل . عبد ( بضم العين ) الذى كان قوياً بطريقه مبالغ فيها . وعندما لم يرد على احد الشحاذين دفعه الشحاذ فى خاصرته فانتبه مزعوراً . وقبض الشخاذ من يده التى انكسرت كأنها قشه كبريت . ولفترة كان عبد يمر علينا وهو يحمل دجاجه لكى يطبخها فى المنزل ويأخذها للشحاذ فى المستشفى , كما كان ياخذ له الترمس واعطاه مبلغاً من المال . ومن الزوار ابن حى السروجيه حسن دينق الذى كان ضخماً ويبدو كقاطره بشريه . وفى تمارين الملاكمه وجه ضربه لفيصل الخير الذى صار فيما بعد صاحب اجمل الاجسام فى حمل الاثقال وكمال الاجسام . وعندما غطى فيصل خير الضربه بالرغم من قوته انكسرت يده . فيصل صار من مغنى الحقيبه . وحسن دينق صار فيما بعد شيالاً لمرغنى المامون واحمد حسن جمعه . وانتقل حسن دينق الى السعوديه ومات هنالك كما عرفت من اخى عبد لرازق اسحق . ( ابو رزقه ) .
قرات اليوم فى سودانايل مقالك بعنوان (انفصال الجنوب السلام المستهدف) وكان مقالا مذهلا شانه شان سائر كتاباتك .. انك ولاريب مستودع لتاريخ الكثير مما خفى على الناس من تاريخنا المعاصر .. يجد عندك القارىء المتعة والتشويق ومعلومات لاتوجد عند احد غيرك فلله درك .. فمن من الاجيال المعاصرة يعلم عن مذكرة ( لكرام ) المواطنين يسخرون فيها من ثوار 1924 قائلين ان امة يقودها ابناء الاماء لهى امة وضيعة !! ان ماتختذنه ذاكرتك من حكايات الناس والامكنة لهو شيىء مذهل .. ذاكرة غير عادية وبلامبالغة ارى فيك ثروة قومية بحق وحقيق .. ولو كان الامر بيدى لوفرت لك الدولة السودانية المسكن الامن والعيش الرغيد وكل سبل الرعاية لكى تكتب وتكتب وتكتب
صحيح ان صراحتك ( حراقة ) احيانا ( وقوة عينك) لامثيل لها ولكن لاضير فى ذلك فالامة السودانية اذا اريد لها التعافى فلابد لها من تطهير جروحها قبل تضميدها .. وان الحديث عن يوم احد اسود او يوم اثنين اسود او غيرها من الحوادث المماثلة المؤلمة ستبقى تاريخا مثلها مثل اى صفحات كالحة فى تاريخ البشرية كالابارثيد او النازية او تجارة الرقيق , يستشهد بها للاعتبار وليس الاستلهام لاستعادتها , فالبشرية ماضية فى مشروع ( انسنة ) انسانها على طريق الحرية والكرامة وحقوق الانسان والديمقراطية اكتب لك بدافع رئيسى حيث اننى من دعاة الوحدة وارتاع لمجرد سماع كلمة انفصال .. اكتب مذكرا لك ان امثالك هم املنا فى انتصار القوى الوحدوية لانك وامثالك من قدم لنا الدليل العملى ان ابناء هذا الوطن اخوة متحابون متى ما ابتعدت عنهم المؤثرات المغرضة الضارة .. وان هذا الوطن السودان سيكون وطنا قويا مهابا عزيز الجانب متى ما اتحد ابناؤه وسموا على نعرات التخلف من استعلاء اجوف وعنصرية بغيضة. الاستاذ شوقى .. نريدك قلما منافحا عن الوطن الواحد العظيم , صلبا فى مقارعة دعاوى الانفصاليين ضيقى الافق , مناضلا من اجل السودان الجديد..لانريد نحن الوحدويين ان نشتم من بين ثنايا سطورك مايشىء بان الانفصال وارد . لن يكون واردا ماصح منا العزم واتحدت الصفوف فى وجه قوى الشر وتجزئة الوطن.
من أجمل الأشياء في هذا القرن الواحد وعشريني هي التواصل بين السودانيين خاصة بعد عقد الشتات الذي نعيشه وبما اننا اكتر شعب علي وجه البسيطة يعرف بعضه البعض إلا أن المعرفة والتواصل قد زادا عن طريق المواقع والمنتديات . صرنا نعيش ونحس ونتنفس الآخرين.
لي ابن عمة هنا لا يمكن ان تذكر أي إنسان أمامه دون أن يقول ( أي لكن بس .... ) . ويمكن أن تتوقع الباقي. وعندما قابلت الأخ سعد الدسوقي وهو شخص متدين جدا وإنسان رائع في كوبنهاجن لأول مرة (وهو شقيق الشيوعي الرائع رحمة الله عليه يونس الدسوقي صاحب المكتبة) قلت له أنا كنت متشوق أشوفك لأنك أنت الزول الوحيد الذي نجي من لسان ابن عمتي ولم يقل عنك : ( أي لكن:...) .
عندما أتواصل مع السودانيين بشكل مباشر أو عن طريق التلفون نتناول ما يكتب في النت والكاتبين وأجد أن الكثيرين يتحاملون بطريقة عقائدية ضد الأخت بيان والعزيز ملاسي وبالسؤال عن السبب أجد انه ليس هنالك سبب ولم يحدث أبدا أن تجرأ وذكر لي أي إنسان أمر واحد سيئ عن هذين الشخصين . وعادة يتكلم الناس عن أن فلان أو فلانة قد أساءوا لشخص أو خانوا أمانة أو استغلوا وضعهم أو سرقوا أو قاموا بعمل ما غير أخلاقي أو نافقوا وهادنوا أو مارسوا الانتهازية واستفادوا من وضع معين أو خانوا ثقة أي إنسان والحق يقال أنني لم اسمع أي شييء حقيقي كان أم ملفق عنهم ولكن المشكلة أننا السودانيين نخلق عداوات عندما لا يتصرف الآخرين كما نتصرف نحن أو كما نتوقعهم أن يتصرفوا .
المؤلم جدا أن الرجال الذين كانوا يتصورون انه يمكن أن تزجر دكتورة بيان بسهولة صاروا يشككون في شهاداتها ومقدراتها وهي لم تقدم لوظيفة في منشآتهم بل طرحت أفكارا في النت . ومن أسخف الأشياء أن توصف الدكتورة بيان بأنها (ما عندها والي) لكي يردعها أن الدكتور إبراهيم زوج الدكتورة بيان يكبر في عيني كل يوم لأنه لا بد واثقا من نفسه وزوجته . ونحن نكتب كل يوم عن المسكوت ونقول عن الناس أكثر مما قاله مالك في الخمر لماذا لم يتساءل شخص عن عدم وجود والي أو رادع لشوقي بدري والآخرين ؟ فأنا لي أمات وأخوات يسدوا عين الشمس . هل هذا هو المجتمع الذكورى الذي نناضل ضده ؟ .
إذا كانت الدكتورة بيان تحتضن أو تنشر أفكار إسلامية فنحن مسلمون . عمي مالك بدري من أبكار تنظيم الأخوان المسلمين وابن عمي عبد الله بدري من رموز الأخوان المسلمين . نحن ضد إستغلال الدين وانتهازية الإنقاذ ولصوص الإسلام الذين ينهبون الشعب وهؤلاء تهاجمهم دكتورة بيان أكثر مما تهاجم الشيوعيين .
إلي الآن لم أسمع أي تصرف أو حادث أو أي شيء يمكن أن تستحي منه دكتورة بيان والمشكلة فينا نحن لأن دكتورة بيان خرجت من مربع وبرواز المرأة التي يمكن أن "تنقهر" . عندما أكرمنا الأستاذ شوقي ملاسي وعقيلته الدكتورة صفية صفوت لاحظ ان حسين ملاسي له شعبية كبيرة في منزلنا . وزوجتي كلما أطلب منها أن تطبع لي مداخلة او موضوعا تقول لي : (لو كنت ظريف ومداخلاتك قصيرة زي ملاسي كان الزول ممكن يكتب ليك) .
عندما شن ملاسي حملة مبطنة ومعلنة ومناكفات مع سودانيات وأشاد بود العمدة الذي فرتق سودانيات كما وصف الأخ خدر "طارق أبوعبيدة" بأنه ظل خالد الحاج الأعوج . كما وصف سودانيات بأنها (أمات طه المواقع السودانية) وبسؤال خالد الحاج عن حسين ملاسي قال لدهشتي: ( حسين ملاسي زول تمام ما فيه أي كلام .) . وهذا رأي عشرات الناس الذين عرفتهم عرفوا ملاسي ، لم يذكروا حادثة واحدة يمكن أن يخجل منها ملاسي . وفي الحقيقة أكن الكثير من الاحترام لعمه الأستاذ شوقي ملاسي الذي اعتبره من أشجع السودانيين وانظفهم ولكن الرجل يذكر عادة كأحد شرفاء بلادنا .
قديما في السودان كان يمكن أن تسيء الإنسان وتقول له يا بارد وقد يصل الأمر إلي معركة يدوية لان الكلمة غير مقبولة لدي السودانيين ويكون الرد في الغالب : أنا بارد لم يحدث أبدا أن شتم ملاسي او تلفظ بألفاظ نابية إلا أنه موهوب في إغاظة الناس و ما يكتب يجذب الناس ويعرف كيف ينصب لهم الفخاخ. عندما أشاد بنميري قامت الدنيا ولم تقعد إلي أن نسب ملاسي الأمر للأستاذ محمد إبراهيم نقد كما ورد في مقابلة صحفية وزاد غضب الناس وكثر الحاسدين . نحن في السودان نموت غيظا ونكره من لا ينفعل ويشتم ويتمكن من كتم مشاعره. وأظن أن البعض عندما لا يجدون أي شيء ضد ملاسي يؤلمه أكثر ولا يجد وصف إلا كلمة "الحلبي" كما وصفه أحد حملة الدكتوراة .
قبل بضع أيام تطرقت للأخ ملاسي مع الأخت تراجي مصطفي وعرفت انه قد سبقها في نفس الجامعة وأبدت شعور جميل نحو ملاسي.
دكتورة بيان وود أخوي ملاسي أختلف معهم ويظلون من شرفاء بلادي. التحية شوقي
هل يصدق الصادق ما يقول?. ----------------------------
في مدوّنة "مكتوب".
السبت,آب 11, 2007
لسنين عديدة صار مؤتمر القرن الأفريقى يعقد فى مدينة لوند الجامعية . وهذه السنة وبتوصية من ابن الأخت الدكتور بابكر أحمد العبيد من جامعة أوبسالا بالقرب من أستكهولم دعى الصادق المهدى رئيس وزراء السودان السابق .
وأذكر أن ابن الأخت بابكر قال لى مازحا ( يا شوقى سيدنا ده بالله ما تناكفو لينا فى المؤتمر ) فوعدته خيرا . بالرغم من أننى على اقتناع كامل بأن أحد مشاكل القرن الأفريقى هى الصادق والرؤساء الأفارقة . وبالرغم من أن الصادق قد اختتم محاضراته فى اليوم الثانى بهجوم شديد على الانقاذ واخر جزء من كلامه كان يتحدث عن اهمال الانقاذ للمرأة السودانية وحقوقها . وكنت أنا أجلس بالقرب من ثلاثة من السودانيات الأكاديميات . والكل يعرف أن حزب الأمة هو أكثر الأحزاب السودانية التى همشت المرأة . ويكاد ينعدم أى نشاط نسائى فى حزب الأمة . وحتى الاخوان المسلمين أعطوا المرأة الكثير من المراكز القيادية .
وفى فترات الاستراحة والبوفيه الذى كان يقدم للجميع ، وبسبب رمضان كنا نتحلق حول الصادق المهدى أو نتقابل عرضيا فى القاعات والممرات . ومدينة لوند تبعد عن مالمو حوالى خمسة عشر كيلومتر ، وأنا من سكان مالمو ، ومشاركة السودانيين فى المؤتمر عن طريق جالية لوند . وبالرغم من أن لوند مدينتى المفضلة فى السويد الا أننى ضيف كذلك وأنا قد غادرت لوند قبل ثلاثة وثلاثين سنة .
وكنت أستمع الى كلام الصادق وعبارات الدكتور بابكر فى مخيلتى . وبابكر جار للصادق فى حى الملازمين . وهو ابن بطل حزب الأمة والرجل الذى لا يخاف من أى سلطة . وهو الذى وضع اصبعه أمام وجه الصادق فى الستينات قائلا ( الصباع ده بتشقه ؟ انت شقيتو وقسمت حزب الأمة . ) .
وفى مساء السبت 17 أكتوبر 2005 أقيم حفل افطار على شرف الصادق المهدى . ضم الجالية السودانية بلوند ومجموعة ضخمة من الصوماليين وبعض الأجانب . فذهبت مبكرا لكى أساعد فى التنظيمات والعمل فالمناسبة السودانية تهم الجميع .
وأخذت معى علبة حوت بعض التمر الأمريكى الضخم وبعض الباسطة الذى اشتهر بها منزلنا ووضعتها أمام الصادق ليحلل صيامه . وسار الحفل بصورة جيدة ومشرفة بالرغم من القاعة الصغيرة التى لم تزد عن خمسة أمتار فى ستة أمتار .
وبعد أن أتحفنا الفنان حسن الشايقى بالغناء بالجيتار يرافقه حسين ود الحاوى بالايقاع على صينية مقلوبة . طلب حسين من الجميع الصمت لأن الصادق يريد أن يتكلم . وتذكرت هنا كاريكاتيرا ظهر فى جريدة الخرطوم عندما هرب الصادق من السودان تحت عملية (تهتدون) . والكاريكاتير كان يمثل الصادق يعبر الحدود ويقول لشخص يقدم له شرابا ( موية شنو أنا عطشان أدونى ميكرفون . ). أشاد الصادق بالحفل والأكل وجهد النساء اللائى أخرجن الأكل فى شكل سودانى جميل من لقمة ونعيمية وتقلية وخروف محمر ... الخ .
ثم استعدل الصادق ووجد أذانا صاغية من مجموعة جيدة من السودانيين أكثرهم حملة شهادة الدكتوراة ، وبعضهم يحاضر ويدرس الأوربيين . وفجأة كان الصادق يحاضرهم متحدثا عن الشتات الذى حصل لهم والبعد عن الوطن الذى انعكس بشكل واضح على أبنائهم الذين صاروا لا يتذوقون الموسيقى السودانية وضعف أو اختفاء اتصالهم بالواقع السودانى والثقافة السودانية مؤكدا أن هذا شيىء ليس خاص بالسويد فقط بل فى كل الدول التى ذهب اليها . وانحصر كلام الصادق فى سوء النظام الموجود فى السودان وانعدام الديمقراطية . ولم يتوقف الصادق عن الكلام الى أن وجدتنى أقول له ( يا الصادق التشرد والضياع والهجرة التى فرضت على السودانيين بالشكل الكبير ده سببها الانقاذ . ونحن كلنا قد أهملنا . ولكن يبقى لك أنت القدح المعلّى . وانت الجبتا ناس الانقاذ للحكومة وقويتهم وتعاونت معاهم . وفرطت لمن كنت فى السلطة . وبعد ما استلمت الانقاذ السلطة وأهانو الشعب السودانى ، انت بعد كل الكلام ده مشيت وختيت ايدك فى ايد الترابى وبتقول ده تحالف استراتيجى . ودى جريمة فى حق الشعب السودانى .
ويبسط الصادق راحة يده اليسرى ويضع قبضة يده اليمنى عليها محركا لها بطريقة صبيانية قائلا ( أنا ما كنت عاوز أتكلم عن السياسة ، لاكين ما دام انت بديت الكلام خم وصر . التحالف ده ما استراتيجى ، ده تحالف مرحلى مؤقت . ) هل من المعقول أن الصادق يحسب أن هنالك فرق بين التحالف الاستراتيجى والتحالف المرحلى . واذا كان الصادق يبيع مثل هذا الكلام لبرفيسورات جامعات ودكاترة ، فمن المؤكد أن يبيع الترماج للشعب السودانى .
وواصل الصادق قائلا ( انحنا مش طلاب سلطة ، ولا عاوزين نملا جيبنا ) وضرب الصادق على جيبه الأيمن . وتذكرت كيف كان الصادق ينتظر شهر ديسمبر 1965 لكى يكمل الثلاثين سنة . والانتخابات كانت فى الصيف . وفى ديسمبر من نفس العام طرد الصادق مرشح حزب الأمة فى الجزيزة أبا ليصير عضوا فى البرلمان . وكانسان حارس لبن فى النار طالب برئاسة الوزراء وكأنها حق الاهى . بالرغم من أن الجميع قد طالبه بالانتظار حتى يعرف الشغلانة . لأن الخبرة لا تزرع بل تكتسب . وضحى بحزب الأمة .
وكما أورد عبدالرحمن مختار فى كتابه ( خريف الفرح ) أن المرضى عرّاب الوطنى الاتحادى استدعى الصادق المهدى بعد منتصف الليل فى منزل محمد الخليفة شريف فى حى الأمراء بأمدرمان وقال له ان لوالدك دين على عنقى أرجو أن أدفعه لك . أنت تريد أن تتحالف مع حزبنا ، انت ما قدر الأزهرى ، وأزهرى بيقدر يلوى ايد أى زول .أحسن تتلما على عمك ... الخ وكلام كثير لا أذكره الآن قد تردد فى أمدرمان . وبالرغم من هذا ضحى الصادق بحزب الأمة لأنه طالب سلطة .
وعندما رجع رجال حزب الأمة فى الديمقراطية الثانية أكلوا وسفّوا وسرقوا . وفى منزل العميد يوسف بدرى قالت الأستاذة حسب سيدها عبدالكريم بدرى أمام الجميع للصادق ( ود عمك مبارك الفاضل بيسرق ، يا انت تكون عارف ودى مصيبة ، ويا تكون ما عارف ودى مصيبة أكبر . )
وأنا صغير عندما كنا نسكن فى حى الملازمين فى سنة 1953 . بدأ تشييد منزل الصادق المهدى بشكله الحالى اليوم . والصادق وقتها كان فى الثامنة عشر . ونحن سكان حى الملازمين كنا نمثل أغنى أغنياء أمدرمان والطبقة المستنيرة . وفى الحى سكن الدكتور محمود حمد نصر ، ومحمد أحمد عبدالقادر من أوائل رجال التعليم وناظر مدرسة ( خورطقت الثانوية) فى بداية الخمسينات والد زين العابدين عضو مجلس الثورة ، الطيب الفكى صاحب مخازن العامل فى أمدرمان والخرطوم ، عبدالرزاق على طه أحد كبار ضباط الجيش ، أل المغربى ، وحتى الناظر أبوسن الذى صار وزيرا فى الديمقراطية الأولى . بالرغم من هذا كنا نندهش من ( البلى) المصنوع من زجاج خاص الذى يتواجد عند أبناء خدم الصادق المهدى وال المهدى . لأنه كان يبتاع فى سويسرا وكنا نبدل لهم ( البليّة) باتنين .
وواصل الصادق ( ولازم تعرف يا أخ ......) فقاطعته قائلا ( يا الصادق أنا شوقى شوقى . ) ويبدو أن كلمة أخ هى لتحديد موقعى . وأشار الصادق غاضبا طالبا منى أن أقرأ كتابه الديمقراطية عائدة وراجحة . فأفهمته بأننى قد درست الكتاب بحماس الا أنه ليس هنالك ديمقراطية مع الطائفية ، وقلت له ( انت تعتمد على الأغلبية الصامتة التى تحركها الاشارة . فنفى الصادق هذا وزعم ان الحزب صار مفتوحا ولأول مرة صاروا يفوزون في المدن الكبيرة . والسؤال طبعا لماذا لا يرشح الصادق نفسه فى بلده ؟ فهو أمدرمانى . ومن أبسط قواعد الديمقراطية أن يترشح الانسان فى داره ووسط أهله . والغلطة أن المحجوب كان يترشح فى الدويم وليس أمدرمان . وعبدالله خليل كان يترشح فى أم كدادة وهلمّ جرا .
وقال الصادق ( دى الوقت انحنا الوحيدين الموجودين فى الساحة . لأننا مش طلاب سلطة . وكل الناس هرعت للسلطة. وحتى الشيوعيين صاروا يطأطئون . ) ولا بد أن الصادق قد حسبنى أحد زعماء الشيوعية . ولا أدرى لماذا يرى الناس الشيوعيين فى كل شيىء .
وواصل الصادق محاولا نفى تمسكه بالسلطة . وقال ( عبود قال لينا استلموا السلطة انتو بدل يستلموها الصعاليك . وانحنا رفضنا لأننا مش طلاب سلطة . والنميرى قال لى أنا أسلمك السلطة وأنا أبيت) . أرجو ملاحظة أن الكلام قيل وسط شهود . فهل كان عبود يعتقد أن جبهة الهيئات والقضاة ورؤساء وقادة البلاد والبروفيسورات الذين هبوا فى أكتوبر كانوا صعاليك ؟ . ولماذا لم يقل الصادق لعبود ( أسف ، هؤلاء الذين تصفهم بالصعاليك هم خيرة أهل السودان) .
وهنا تتدخل الدكتور ضياء عدوى بصفته رئيسا للجالية قائلا ( انحنا جبنا السيد الصادق المهدى كمناسبة اجتماعية مش سياسية ) . وأدركت شهر زاد الصباح . وتتدخل الأخ حسين وهو عراقى شيعى كان محاضرا فى جامعة الجزائر وزوجته جزائرية ويعتبروا جزء من الجالية السودانية فى لوند . واشاد بالسودانيين وعلاقتهم المتميزة وصدقهم الذى أحس به منذ أيام الدراسة . وذكر أن علاقة السودانيين علاقة خاصة ، وانه وسط الجنسيات الأخرى لن يجلس رئيس الوزراء وسط الناس وبدون حماية . فقاطعته قائلا ( بأننا نختلف جدا مع الصادق . لكن الصادق لا يحتاج حماية بيننا فكلنا على استعداد لحمايته . )
وقبل الرجوع الى مالمو ، لأن صديقى العراقى فريد كان ملتزما بميعاد ، صافحت الصادق المهدى الذى أمسك بيدى وواصل الكلام متحدثا عن الديمقراطية ، فقلت له ( كما كتبت لك قديما وكما لا ازال أقول ، الطائفية زى حشرة العنتت بتشرب السمسم وبتخليهو قشور . ما فى ديمقراطية مع الطائفية . فى طائفية معناهو ما فى ديمقراطية . ) فرد الصادق ( انت ليهه بتحرمنا نحنا من الطائفية ، ما تشوف الدول الحوالينا ) .
المشكلة عندما تتكلم مع أى سياسى سودانى عن شيىء مثل الفساد أو حقوق الانسان يتكلم عن ما عند الآخرين . أذكر أن مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السابق قد طلب منا فى اجتماع كوبنهاجن فى ديسمبر 1994 أن نعطى فكرة جيدة للاسكندنافيين عن السودان ، وهذا بحضور أنجلو بيدا ، أقنيس لوكودو والى جوبا ، الفريق محمد أحمد زين العابدين سفير السودان فى استكهولم ، وثلاثة من رجال الانقاذ ورجل أمن . فقلت له (الاسكندنافيين مش أغبياء . أنتم نظام سيىء . يكفى سجلكم فى حقوق الانسان . ) فوافق مصصطفى وأضاف حقيقة فى تجاوزات ، لاكين اذا قارنتنا بالناس الحوالينا ، انحنا كويسين . فقلت له ( الغلط غلط ، زى ما تقول لى أنا بدق مرتى بالكف ، لاكين جارى بيدقها بالعكاز . كلو غلط .)
هؤلاء الناس الذين كان الصادق يحاضرهم ، يحاضرون الاخرين فى جامعات . وبعضهم أصحاب تجارب غنية وثرة فى هذه الدنيا . اذا كان الصادق يظن أنهم يقتنعون بأن الطائفية شيىء جيد يجب أن نعض عليه بالأسنان وندافع عنه بأرواحنا ونحافظ عليه لمئات السنين فهذا وهم . وأتمنى أن يكون هنالك من يخبر الصادق المهدى بأن الديماقوقية لا تحل مشاكل السودان ، والكلام ما بودى بعيد ، وليس هنالك طائفية وديمقراطية متلازمات .
لسنين عديدة صار مؤتمر القرن الأفريقى يعقد فى مدينة لوند الجامعية . وهذه السنة وبتوصية من ابن الأخت الدكتور بابكر أحمد العبيد من جامعة أوبسالا بالقرب من أستكهولم دعى الصادق المهدى رئيس وزراء السودان السابق .
وأذكر أن ابن الأخت بابكر قال لى مازحا ( يا شوقى سيدنا ده بالله ما تناكفو لينا فى المؤتمر ) فوعدته خيرا . بالرغم من أننى على اقتناع كامل بأن أحد مشاكل القرن الأفريقى هى الصادق والرؤساء الأفارقة . وبالرغم من أن الصادق قد اختتم محاضراته فى اليوم الثانى بهجوم شديد على الانقاذ واخر جزء من كلامه كان يتحدث عن اهمال الانقاذ للمرأة السودانية وحقوقها . وكنت أنا أجلس بالقرب من ثلاثة من السودانيات الأكاديميات . والكل يعرف أن حزب الأمة هو أكثر الأحزاب السودانية التى همشت المرأة . ويكاد ينعدم أى نشاط نسائى فى حزب الأمة . وحتى الاخوان المسلمين أعطوا المرأة الكثير من المراكز القيادية .
وفى فترات الاستراحة والبوفيه الذى كان يقدم للجميع ، وبسبب رمضان كنا نتحلق حول الصادق المهدى أو نتقابل عرضيا فى القاعات والممرات . ومدينة لوند تبعد عن مالمو حوالى خمسة عشر كيلومتر ، وأنا من سكان مالمو ، ومشاركة السودانيين فى المؤتمر عن طريق جالية لوند . وبالرغم من أن لوند مدينتى المفضلة فى السويد الا أننى ضيف كذلك وأنا قد غادرت لوند قبل ثلاثة وثلاثين سنة .
وكنت أستمع الى كلام الصادق وعبارات الدكتور بابكر فى مخيلتى . وبابكر جار للصادق فى حى الملازمين . وهو ابن بطل حزب الأمة والرجل الذى لا يخاف من أى سلطة . وهو الذى وضع اصبعه أمام وجه الصادق فى الستينات قائلا ( الصباع ده بتشقه ؟ انت شقيتو وقسمت حزب الأمة . ) .
وفى مساء السبت 17 أكتوبر 2005 أقيم حفل افطار على شرف الصادق المهدى . ضم الجالية السودانية بلوند ومجموعة ضخمة من الصوماليين وبعض الأجانب . فذهبت مبكرا لكى أساعد فى التنظيمات والعمل فالمناسبة السودانية تهم الجميع .
وأخذت معى علبة حوت بعض التمر الأمريكى الضخم وبعض الباسطة الذى اشتهر بها منزلنا ووضعتها أمام الصادق ليحلل صيامه . وسار الحفل بصورة جيدة ومشرفة بالرغم من القاعة الصغيرة التى لم تزد عن خمسة أمتار فى ستة أمتار .
وبعد أن أتحفنا الفنان حسن الشايقى بالغناء بالجيتار يرافقه حسين ود الحاوى بالايقاع على صينية مقلوبة . طلب حسين من الجميع الصمت لأن الصادق يريد أن يتكلم . وتذكرت هنا كاريكاتيرا ظهر فى جريدة الخرطوم عندما هرب الصادق من السودان تحت عملية (تهتدون) . والكاريكاتير كان يمثل الصادق يعبر الحدود ويقول لشخص يقدم له شرابا ( موية شنو أنا عطشان أدونى ميكرفون . ). أشاد الصادق بالحفل والأكل وجهد النساء اللائى أخرجن الأكل فى شكل سودانى جميل من لقمة ونعيمية وتقلية وخروف محمر ... الخ .
ثم استعدل الصادق ووجد أذانا صاغية من مجموعة جيدة من السودانيين أكثرهم حملة شهادة الدكتوراة ، وبعضهم يحاضر ويدرس الأوربيين . وفجأة كان الصادق يحاضرهم متحدثا عن الشتات الذى حصل لهم والبعد عن الوطن الذى انعكس بشكل واضح على أبنائهم الذين صاروا لا يتذوقون الموسيقى السودانية وضعف أو اختفاء اتصالهم بالواقع السودانى والثقافة السودانية مؤكدا أن هذا شيىء ليس خاص بالسويد فقط بل فى كل الدول التى ذهب اليها . وانحصر كلام الصادق فى سوء النظام الموجود فى السودان وانعدام الديمقراطية . ولم يتوقف الصادق عن الكلام الى أن وجدتنى أقول له ( يا الصادق التشرد والضياع والهجرة التى فرضت على السودانيين بالشكل الكبير ده سببها الانقاذ . ونحن كلنا قد أهملنا . ولكن يبقى لك أنت القدح المعلّى . وانت الجبتا ناس الانقاذ للحكومة وقويتهم وتعاونت معاهم . وفرطت لمن كنت فى السلطة . وبعد ما استلمت الانقاذ السلطة وأهانو الشعب السودانى ، انت بعد كل الكلام ده مشيت وختيت ايدك فى ايد الترابى وبتقول ده تحالف استراتيجى . ودى جريمة فى حق الشعب السودانى .
ويبسط الصادق راحة يده اليسرى ويضع قبضة يده اليمنى عليها محركا لها بطريقة صبيانية قائلا ( أنا ما كنت عاوز أتكلم عن السياسة ، لاكين ما دام انت بديت الكلام خم وصر . التحالف ده ما استراتيجى ، ده تحالف مرحلى مؤقت . ) هل من المعقول أن الصادق يحسب أن هنالك فرق بين التحالف الاستراتيجى والتحالف المرحلى . واذا كان الصادق يبيع مثل هذا الكلام لبرفيسورات جامعات ودكاترة ، فمن المؤكد أن يبيع الترماج للشعب السودانى .
وواصل الصادق قائلا ( انحنا مش طلاب سلطة ، ولا عاوزين نملا جيبنا ) وضرب الصادق على جيبه الأيمن . وتذكرت كيف كان الصادق ينتظر شهر ديسمبر 1965 لكى يكمل الثلاثين سنة . والانتخابات كانت فى الصيف . وفى ديسمبر من نفس العام طرد الصادق مرشح حزب الأمة فى الجزيزة أبا ليصير عضوا فى البرلمان . وكانسان حارس لبن فى النار طالب برئاسة الوزراء وكأنها حق الاهى . بالرغم من أن الجميع قد طالبه بالانتظار حتى يعرف الشغلانة . لأن الخبرة لا تزرع بل تكتسب . وضحى بحزب الأمة .
وكما أورد عبدالرحمن مختار فى كتابه ( خريف الفرح ) أن المرضى عرّاب الوطنى الاتحادى استدعى الصادق المهدى بعد منتصف الليل فى منزل محمد الخليفة شريف فى حى الأمراء بأمدرمان وقال له ان لوالدك دين على عنقى أرجو أن أدفعه لك . أنت تريد أن تتحالف مع حزبنا ، انت ما قدر الأزهرى ، وأزهرى بيقدر يلوى ايد أى زول .أحسن تتلما على عمك ... الخ وكلام كثير لا أذكره الآن قد تردد فى أمدرمان . وبالرغم من هذا ضحى الصادق بحزب الأمة لأنه طالب سلطة .
وعندما رجع رجال حزب الأمة فى الديمقراطية الثانية أكلوا وسفّوا وسرقوا . وفى منزل العميد يوسف بدرى قالت الأستاذة حسب سيدها عبدالكريم بدرى أمام الجميع للصادق ( ود عمك مبارك الفاضل بيسرق ، يا انت تكون عارف ودى مصيبة ، ويا تكون ما عارف ودى مصيبة أكبر . )
وأنا صغير عندما كنا نسكن فى حى الملازمين فى سنة 1953 . بدأ تشييد منزل الصادق المهدى بشكله الحالى اليوم . والصادق وقتها كان فى الثامنة عشر . ونحن سكان حى الملازمين كنا نمثل أغنى أغنياء أمدرمان والطبقة المستنيرة . وفى الحى سكن الدكتور محمود حمد نصر ، ومحمد أحمد عبدالقادر من أوائل رجال التعليم وناظر مدرسة ( خورطقت الثانوية) فى بداية الخمسينات والد زين العابدين عضو مجلس الثورة ، الطيب الفكى صاحب مخازن العامل فى أمدرمان والخرطوم ، عبدالرزاق على طه أحد كبار ضباط الجيش ، أل المغربى ، وحتى الناظر أبوسن الذى صار وزيرا فى الديمقراطية الأولى . بالرغم من هذا كنا نندهش من ( البلى) المصنوع من زجاج خاص الذى يتواجد عند أبناء خدم الصادق المهدى وال المهدى . لأنه كان يبتاع فى سويسرا وكنا نبدل لهم ( البليّة) باتنين .
وواصل الصادق ( ولازم تعرف يا أخ ......) فقاطعته قائلا ( يا الصادق أنا شوقى شوقى . ) ويبدو أن كلمة أخ هى لتحديد موقعى . وأشار الصادق غاضبا طالبا منى أن أقرأ كتابه الديمقراطية عائدة وراجحة . فأفهمته بأننى قد درست الكتاب بحماس الا أنه ليس هنالك ديمقراطية مع الطائفية ، وقلت له ( انت تعتمد على الأغلبية الصامتة التى تحركها الاشارة . فنفى الصادق هذا وزعم ان الحزب صار مفتوحا ولأول مرة صاروا يفوزون في المدن الكبيرة . والسؤال طبعا لماذا لا يرشح الصادق نفسه فى بلده ؟ فهو أمدرمانى . ومن أبسط قواعد الديمقراطية أن يترشح الانسان فى داره ووسط أهله . والغلطة أن المحجوب كان يترشح فى الدويم وليس أمدرمان . وعبدالله خليل كان يترشح فى أم كدادة وهلمّ جرا .
وقال الصادق ( دى الوقت انحنا الوحيدين الموجودين فى الساحة . لأننا مش طلاب سلطة . وكل الناس هرعت للسلطة. وحتى الشيوعيين صاروا يطأطئون . ) ولا بد أن الصادق قد حسبنى أحد زعماء الشيوعية . ولا أدرى لماذا يرى الناس الشيوعيين فى كل شيىء .
وواصل الصادق محاولا نفى تمسكه بالسلطة . وقال ( عبود قال لينا استلموا السلطة انتو بدل يستلموها الصعاليك . وانحنا رفضنا لأننا مش طلاب سلطة . والنميرى قال لى أنا أسلمك السلطة وأنا أبيت) . أرجو ملاحظة أن الكلام قيل وسط شهود . فهل كان عبود يعتقد أن جبهة الهيئات والقضاة ورؤساء وقادة البلاد والبروفيسورات الذين هبوا فى أكتوبر كانوا صعاليك ؟ . ولماذا لم يقل الصادق لعبود ( أسف ، هؤلاء الذين تصفهم بالصعاليك هم خيرة أهل السودان) .
وهنا تتدخل الدكتور ضياء عدوى بصفته رئيسا للجالية قائلا ( انحنا جبنا السيد الصادق المهدى كمناسبة اجتماعية مش سياسية ) . وأدركت شهر زاد الصباح . وتتدخل الأخ حسين وهو عراقى شيعى كان محاضرا فى جامعة الجزائر وزوجته جزائرية ويعتبروا جزء من الجالية السودانية فى لوند . واشاد بالسودانيين وعلاقتهم المتميزة وصدقهم الذى أحس به منذ أيام الدراسة . وذكر أن علاقة السودانيين علاقة خاصة ، وانه وسط الجنسيات الأخرى لن يجلس رئيس الوزراء وسط الناس وبدون حماية . فقاطعته قائلا ( بأننا نختلف جدا مع الصادق . لكن الصادق لا يحتاج حماية بيننا فكلنا على استعداد لحمايته . )
وقبل الرجوع الى مالمو ، لأن صديقى العراقى فريد كان ملتزما بميعاد ، صافحت الصادق المهدى الذى أمسك بيدى وواصل الكلام متحدثا عن الديمقراطية ، فقلت له ( كما كتبت لك قديما وكما لا ازال أقول ، الطائفية زى حشرة العنتت بتشرب السمسم وبتخليهو قشور . ما فى ديمقراطية مع الطائفية . فى طائفية معناهو ما فى ديمقراطية . ) فرد الصادق ( انت ليهه بتحرمنا نحنا من الطائفية ، ما تشوف الدول الحوالينا ) .
المشكلة عندما تتكلم مع أى سياسى سودانى عن شيىء مثل الفساد أو حقوق الانسان يتكلم عن ما عند الآخرين . أذكر أن مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السابق قد طلب منا فى اجتماع كوبنهاجن فى ديسمبر 1994 أن نعطى فكرة جيدة للاسكندنافيين عن السودان ، وهذا بحضور أنجلو بيدا ، أقنيس لوكودو والى جوبا ، الفريق محمد أحمد زين العابدين سفير السودان فى استكهولم ، وثلاثة من رجال الانقاذ ورجل أمن . فقلت له (الاسكندنافيين مش أغبياء . أنتم نظام سيىء . يكفى سجلكم فى حقوق الانسان . ) فوافق مصصطفى وأضاف حقيقة فى تجاوزات ، لاكين اذا قارنتنا بالناس الحوالينا ، انحنا كويسين . فقلت له ( الغلط غلط ، زى ما تقول لى أنا بدق مرتى بالكف ، لاكين جارى بيدقها بالعكاز . كلو غلط .)
هؤلاء الناس الذين كان الصادق يحاضرهم ، يحاضرون الاخرين فى جامعات . وبعضهم أصحاب تجارب غنية وثرة فى هذه الدنيا . اذا كان الصادق يظن أنهم يقتنعون بأن الطائفية شيىء جيد يجب أن نعض عليه بالأسنان وندافع عنه بأرواحنا ونحافظ عليه لمئات السنين فهذا وهم . وأتمنى أن يكون هنالك من يخبر الصادق المهدى بأن الديماقوقية لا تحل مشاكل السودان ، والكلام ما بودى بعيد ، وليس هنالك طائفية وديمقراطية متلازمات .
لسنين عديدة صار مؤتمر القرن الأفريقى يعقد فى مدينة لوند الجامعية . وهذه السنة وبتوصية من ابن الأخت الدكتور بابكر أحمد العبيد من جامعة أوبسالا بالقرب من أستكهولم دعى الصادق المهدى رئيس وزراء السودان السابق .
وأذكر أن ابن الأخت بابكر قال لى مازحا ( يا شوقى سيدنا ده بالله ما تناكفو لينا فى المؤتمر ) فوعدته خيرا . بالرغم من أننى على اقتناع كامل بأن أحد مشاكل القرن الأفريقى هى الصادق والرؤساء الأفارقة . وبالرغم من أن الصادق قد اختتم محاضراته فى اليوم الثانى بهجوم شديد على الانقاذ واخر جزء من كلامه كان يتحدث عن اهمال الانقاذ للمرأة السودانية وحقوقها . وكنت أنا أجلس بالقرب من ثلاثة من السودانيات الأكاديميات . والكل يعرف أن حزب الأمة هو أكثر الأحزاب السودانية التى همشت المرأة . ويكاد ينعدم أى نشاط نسائى فى حزب الأمة . وحتى الاخوان المسلمين أعطوا المرأة الكثير من المراكز القيادية .
وفى فترات الاستراحة والبوفيه الذى كان يقدم للجميع ، وبسبب رمضان كنا نتحلق حول الصادق المهدى أو نتقابل عرضيا فى القاعات والممرات . ومدينة لوند تبعد عن مالمو حوالى خمسة عشر كيلومتر ، وأنا من سكان مالمو ، ومشاركة السودانيين فى المؤتمر عن طريق جالية لوند . وبالرغم من أن لوند مدينتى المفضلة فى السويد الا أننى ضيف كذلك وأنا قد غادرت لوند قبل ثلاثة وثلاثين سنة .
وكنت أستمع الى كلام الصادق وعبارات الدكتور بابكر فى مخيلتى . وبابكر جار للصادق فى حى الملازمين . وهو ابن بطل حزب الأمة والرجل الذى لا يخاف من أى سلطة . وهو الذى وضع اصبعه أمام وجه الصادق فى الستينات قائلا ( الصباع ده بتشقه ؟ انت شقيتو وقسمت حزب الأمة . ) .
وفى مساء السبت 17 أكتوبر 2005 أقيم حفل افطار على شرف الصادق المهدى . ضم الجالية السودانية بلوند ومجموعة ضخمة من الصوماليين وبعض الأجانب . فذهبت مبكرا لكى أساعد فى التنظيمات والعمل فالمناسبة السودانية تهم الجميع .
وأخذت معى علبة حوت بعض التمر الأمريكى الضخم وبعض الباسطة الذى اشتهر بها منزلنا ووضعتها أمام الصادق ليحلل صيامه . وسار الحفل بصورة جيدة ومشرفة بالرغم من القاعة الصغيرة التى لم تزد عن خمسة أمتار فى ستة أمتار .
وبعد أن أتحفنا الفنان حسن الشايقى بالغناء بالجيتار يرافقه حسين ود الحاوى بالايقاع على صينية مقلوبة . طلب حسين من الجميع الصمت لأن الصادق يريد أن يتكلم . وتذكرت هنا كاريكاتيرا ظهر فى جريدة الخرطوم عندما هرب الصادق من السودان تحت عملية (تهتدون) . والكاريكاتير كان يمثل الصادق يعبر الحدود ويقول لشخص يقدم له شرابا ( موية شنو أنا عطشان أدونى ميكرفون . ). أشاد الصادق بالحفل والأكل وجهد النساء اللائى أخرجن الأكل فى شكل سودانى جميل من لقمة ونعيمية وتقلية وخروف محمر ... الخ .
ثم استعدل الصادق ووجد أذانا صاغية من مجموعة جيدة من السودانيين أكثرهم حملة شهادة الدكتوراة ، وبعضهم يحاضر ويدرس الأوربيين . وفجأة كان الصادق يحاضرهم متحدثا عن الشتات الذى حصل لهم والبعد عن الوطن الذى انعكس بشكل واضح على أبنائهم الذين صاروا لا يتذوقون الموسيقى السودانية وضعف أو اختفاء اتصالهم بالواقع السودانى والثقافة السودانية مؤكدا أن هذا شيىء ليس خاص بالسويد فقط بل فى كل الدول التى ذهب اليها . وانحصر كلام الصادق فى سوء النظام الموجود فى السودان وانعدام الديمقراطية . ولم يتوقف الصادق عن الكلام الى أن وجدتنى أقول له ( يا الصادق التشرد والضياع والهجرة التى فرضت على السودانيين بالشكل الكبير ده سببها الانقاذ . ونحن كلنا قد أهملنا . ولكن يبقى لك أنت القدح المعلّى . وانت الجبتا ناس الانقاذ للحكومة وقويتهم وتعاونت معاهم . وفرطت لمن كنت فى السلطة . وبعد ما استلمت الانقاذ السلطة وأهانو الشعب السودانى ، انت بعد كل الكلام ده مشيت وختيت ايدك فى ايد الترابى وبتقول ده تحالف استراتيجى . ودى جريمة فى حق الشعب السودانى .
ويبسط الصادق راحة يده اليسرى ويضع قبضة يده اليمنى عليها محركا لها بطريقة صبيانية قائلا ( أنا ما كنت عاوز أتكلم عن السياسة ، لاكين ما دام انت بديت الكلام خم وصر . التحالف ده ما استراتيجى ، ده تحالف مرحلى مؤقت . ) هل من المعقول أن الصادق يحسب أن هنالك فرق بين التحالف الاستراتيجى والتحالف المرحلى . واذا كان الصادق يبيع مثل هذا الكلام لبرفيسورات جامعات ودكاترة ، فمن المؤكد أن يبيع الترماج للشعب السودانى .
وواصل الصادق قائلا ( انحنا مش طلاب سلطة ، ولا عاوزين نملا جيبنا ) وضرب الصادق على جيبه الأيمن . وتذكرت كيف كان الصادق ينتظر شهر ديسمبر 1965 لكى يكمل الثلاثين سنة . والانتخابات كانت فى الصيف . وفى ديسمبر من نفس العام طرد الصادق مرشح حزب الأمة فى الجزيزة أبا ليصير عضوا فى البرلمان . وكانسان حارس لبن فى النار طالب برئاسة الوزراء وكأنها حق الاهى . بالرغم من أن الجميع قد طالبه بالانتظار حتى يعرف الشغلانة . لأن الخبرة لا تزرع بل تكتسب . وضحى بحزب الأمة .
وكما أورد عبدالرحمن مختار فى كتابه ( خريف الفرح ) أن المرضى عرّاب الوطنى الاتحادى استدعى الصادق المهدى بعد منتصف الليل فى منزل محمد الخليفة شريف فى حى الأمراء بأمدرمان وقال له ان لوالدك دين على عنقى أرجو أن أدفعه لك . أنت تريد أن تتحالف مع حزبنا ، انت ما قدر الأزهرى ، وأزهرى بيقدر يلوى ايد أى زول .أحسن تتلما على عمك ... الخ وكلام كثير لا أذكره الآن قد تردد فى أمدرمان . وبالرغم من هذا ضحى الصادق بحزب الأمة لأنه طالب سلطة .
وعندما رجع رجال حزب الأمة فى الديمقراطية الثانية أكلوا وسفّوا وسرقوا . وفى منزل العميد يوسف بدرى قالت الأستاذة حسب سيدها عبدالكريم بدرى أمام الجميع للصادق ( ود عمك مبارك الفاضل بيسرق ، يا انت تكون عارف ودى مصيبة ، ويا تكون ما عارف ودى مصيبة أكبر . )
وأنا صغير عندما كنا نسكن فى حى الملازمين فى سنة 1953 . بدأ تشييد منزل الصادق المهدى بشكله الحالى اليوم . والصادق وقتها كان فى الثامنة عشر . ونحن سكان حى الملازمين كنا نمثل أغنى أغنياء أمدرمان والطبقة المستنيرة . وفى الحى سكن الدكتور محمود حمد نصر ، ومحمد أحمد عبدالقادر من أوائل رجال التعليم وناظر مدرسة ( خورطقت الثانوية) فى بداية الخمسينات والد زين العابدين عضو مجلس الثورة ، الطيب الفكى صاحب مخازن العامل فى أمدرمان والخرطوم ، عبدالرزاق على طه أحد كبار ضباط الجيش ، أل المغربى ، وحتى الناظر أبوسن الذى صار وزيرا فى الديمقراطية الأولى . بالرغم من هذا كنا نندهش من ( البلى) المصنوع من زجاج خاص الذى يتواجد عند أبناء خدم الصادق المهدى وال المهدى . لأنه كان يبتاع فى سويسرا وكنا نبدل لهم ( البليّة) باتنين .
وواصل الصادق ( ولازم تعرف يا أخ ......) فقاطعته قائلا ( يا الصادق أنا شوقى شوقى . ) ويبدو أن كلمة أخ هى لتحديد موقعى . وأشار الصادق غاضبا طالبا منى أن أقرأ كتابه الديمقراطية عائدة وراجحة . فأفهمته بأننى قد درست الكتاب بحماس الا أنه ليس هنالك ديمقراطية مع الطائفية ، وقلت له ( انت تعتمد على الأغلبية الصامتة التى تحركها الاشارة . فنفى الصادق هذا وزعم ان الحزب صار مفتوحا ولأول مرة صاروا يفوزون في المدن الكبيرة . والسؤال طبعا لماذا لا يرشح الصادق نفسه فى بلده ؟ فهو أمدرمانى . ومن أبسط قواعد الديمقراطية أن يترشح الانسان فى داره ووسط أهله . والغلطة أن المحجوب كان يترشح فى الدويم وليس أمدرمان . وعبدالله خليل كان يترشح فى أم كدادة وهلمّ جرا .
وقال الصادق ( دى الوقت انحنا الوحيدين الموجودين فى الساحة . لأننا مش طلاب سلطة . وكل الناس هرعت للسلطة. وحتى الشيوعيين صاروا يطأطئون . ) ولا بد أن الصادق قد حسبنى أحد زعماء الشيوعية . ولا أدرى لماذا يرى الناس الشيوعيين فى كل شيىء .
وواصل الصادق محاولا نفى تمسكه بالسلطة . وقال ( عبود قال لينا استلموا السلطة انتو بدل يستلموها الصعاليك . وانحنا رفضنا لأننا مش طلاب سلطة . والنميرى قال لى أنا أسلمك السلطة وأنا أبيت) . أرجو ملاحظة أن الكلام قيل وسط شهود . فهل كان عبود يعتقد أن جبهة الهيئات والقضاة ورؤساء وقادة البلاد والبروفيسورات الذين هبوا فى أكتوبر كانوا صعاليك ؟ . ولماذا لم يقل الصادق لعبود ( أسف ، هؤلاء الذين تصفهم بالصعاليك هم خيرة أهل السودان) .
وهنا تتدخل الدكتور ضياء عدوى بصفته رئيسا للجالية قائلا ( انحنا جبنا السيد الصادق المهدى كمناسبة اجتماعية مش سياسية ) . وأدركت شهر زاد الصباح . وتتدخل الأخ حسين وهو عراقى شيعى كان محاضرا فى جامعة الجزائر وزوجته جزائرية ويعتبروا جزء من الجالية السودانية فى لوند . واشاد بالسودانيين وعلاقتهم المتميزة وصدقهم الذى أحس به منذ أيام الدراسة . وذكر أن علاقة السودانيين علاقة خاصة ، وانه وسط الجنسيات الأخرى لن يجلس رئيس الوزراء وسط الناس وبدون حماية . فقاطعته قائلا ( بأننا نختلف جدا مع الصادق . لكن الصادق لا يحتاج حماية بيننا فكلنا على استعداد لحمايته . )
وقبل الرجوع الى مالمو ، لأن صديقى العراقى فريد كان ملتزما بميعاد ، صافحت الصادق المهدى الذى أمسك بيدى وواصل الكلام متحدثا عن الديمقراطية ، فقلت له ( كما كتبت لك قديما وكما لا ازال أقول ، الطائفية زى حشرة العنتت بتشرب السمسم وبتخليهو قشور . ما فى ديمقراطية مع الطائفية . فى طائفية معناهو ما فى ديمقراطية . ) فرد الصادق ( انت ليهه بتحرمنا نحنا من الطائفية ، ما تشوف الدول الحوالينا ) .
المشكلة عندما تتكلم مع أى سياسى سودانى عن شيىء مثل الفساد أو حقوق الانسان يتكلم عن ما عند الآخرين . أذكر أن مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السابق قد طلب منا فى اجتماع كوبنهاجن فى ديسمبر 1994 أن نعطى فكرة جيدة للاسكندنافيين عن السودان ، وهذا بحضور أنجلو بيدا ، أقنيس لوكودو والى جوبا ، الفريق محمد أحمد زين العابدين سفير السودان فى استكهولم ، وثلاثة من رجال الانقاذ ورجل أمن . فقلت له (الاسكندنافيين مش أغبياء . أنتم نظام سيىء . يكفى سجلكم فى حقوق الانسان . ) فوافق مصصطفى وأضاف حقيقة فى تجاوزات ، لاكين اذا قارنتنا بالناس الحوالينا ، انحنا كويسين . فقلت له ( الغلط غلط ، زى ما تقول لى أنا بدق مرتى بالكف ، لاكين جارى بيدقها بالعكاز . كلو غلط .)
هؤلاء الناس الذين كان الصادق يحاضرهم ، يحاضرون الاخرين فى جامعات . وبعضهم أصحاب تجارب غنية وثرة فى هذه الدنيا . اذا كان الصادق يظن أنهم يقتنعون بأن الطائفية شيىء جيد يجب أن نعض عليه بالأسنان وندافع عنه بأرواحنا ونحافظ عليه لمئات السنين فهذا وهم . وأتمنى أن يكون هنالك من يخبر الصادق المهدى بأن الديماقوقية لا تحل مشاكل السودان ، والكلام ما بودى بعيد ، وليس هنالك طائفية وديمقراطية متلازمات .
لسنين عديدة صار مؤتمر القرن الأفريقى يعقد فى مدينة لوند الجامعية . وهذه السنة وبتوصية من ابن الأخت الدكتور بابكر أحمد العبيد من جامعة أوبسالا بالقرب من أستكهولم دعى الصادق المهدى رئيس وزراء السودان السابق .
وأذكر أن ابن الأخت بابكر قال لى مازحا ( يا شوقى سيدنا ده بالله ما تناكفو لينا فى المؤتمر ) فوعدته خيرا . بالرغم من أننى على اقتناع كامل بأن أحد مشاكل القرن الأفريقى هى الصادق والرؤساء الأفارقة . وبالرغم من أن الصادق قد اختتم محاضراته فى اليوم الثانى بهجوم شديد على الانقاذ واخر جزء من كلامه كان يتحدث عن اهمال الانقاذ للمرأة السودانية وحقوقها . وكنت أنا أجلس بالقرب من ثلاثة من السودانيات الأكاديميات . والكل يعرف أن حزب الأمة هو أكثر الأحزاب السودانية التى همشت المرأة . ويكاد ينعدم أى نشاط نسائى فى حزب الأمة . وحتى الاخوان المسلمين أعطوا المرأة الكثير من المراكز القيادية .
وفى فترات الاستراحة والبوفيه الذى كان يقدم للجميع ، وبسبب رمضان كنا نتحلق حول الصادق المهدى أو نتقابل عرضيا فى القاعات والممرات . ومدينة لوند تبعد عن مالمو حوالى خمسة عشر كيلومتر ، وأنا من سكان مالمو ، ومشاركة السودانيين فى المؤتمر عن طريق جالية لوند . وبالرغم من أن لوند مدينتى المفضلة فى السويد الا أننى ضيف كذلك وأنا قد غادرت لوند قبل ثلاثة وثلاثين سنة .
وكنت أستمع الى كلام الصادق وعبارات الدكتور بابكر فى مخيلتى . وبابكر جار للصادق فى حى الملازمين . وهو ابن بطل حزب الأمة والرجل الذى لا يخاف من أى سلطة . وهو الذى وضع اصبعه أمام وجه الصادق فى الستينات قائلا ( الصباع ده بتشقه ؟ انت شقيتو وقسمت حزب الأمة . ) .
وفى مساء السبت 17 أكتوبر 2005 أقيم حفل افطار على شرف الصادق المهدى . ضم الجالية السودانية بلوند ومجموعة ضخمة من الصوماليين وبعض الأجانب . فذهبت مبكرا لكى أساعد فى التنظيمات والعمل فالمناسبة السودانية تهم الجميع .
وأخذت معى علبة حوت بعض التمر الأمريكى الضخم وبعض الباسطة الذى اشتهر بها منزلنا ووضعتها أمام الصادق ليحلل صيامه . وسار الحفل بصورة جيدة ومشرفة بالرغم من القاعة الصغيرة التى لم تزد عن خمسة أمتار فى ستة أمتار .
وبعد أن أتحفنا الفنان حسن الشايقى بالغناء بالجيتار يرافقه حسين ود الحاوى بالايقاع على صينية مقلوبة . طلب حسين من الجميع الصمت لأن الصادق يريد أن يتكلم . وتذكرت هنا كاريكاتيرا ظهر فى جريدة الخرطوم عندما هرب الصادق من السودان تحت عملية (تهتدون) . والكاريكاتير كان يمثل الصادق يعبر الحدود ويقول لشخص يقدم له شرابا ( موية شنو أنا عطشان أدونى ميكرفون . ). أشاد الصادق بالحفل والأكل وجهد النساء اللائى أخرجن الأكل فى شكل سودانى جميل من لقمة ونعيمية وتقلية وخروف محمر ... الخ .
ثم استعدل الصادق ووجد أذانا صاغية من مجموعة جيدة من السودانيين أكثرهم حملة شهادة الدكتوراة ، وبعضهم يحاضر ويدرس الأوربيين . وفجأة كان الصادق يحاضرهم متحدثا عن الشتات الذى حصل لهم والبعد عن الوطن الذى انعكس بشكل واضح على أبنائهم الذين صاروا لا يتذوقون الموسيقى السودانية وضعف أو اختفاء اتصالهم بالواقع السودانى والثقافة السودانية مؤكدا أن هذا شيىء ليس خاص بالسويد فقط بل فى كل الدول التى ذهب اليها . وانحصر كلام الصادق فى سوء النظام الموجود فى السودان وانعدام الديمقراطية . ولم يتوقف الصادق عن الكلام الى أن وجدتنى أقول له ( يا الصادق التشرد والضياع والهجرة التى فرضت على السودانيين بالشكل الكبير ده سببها الانقاذ . ونحن كلنا قد أهملنا . ولكن يبقى لك أنت القدح المعلّى . وانت الجبتا ناس الانقاذ للحكومة وقويتهم وتعاونت معاهم . وفرطت لمن كنت فى السلطة . وبعد ما استلمت الانقاذ السلطة وأهانو الشعب السودانى ، انت بعد كل الكلام ده مشيت وختيت ايدك فى ايد الترابى وبتقول ده تحالف استراتيجى . ودى جريمة فى حق الشعب السودانى .
ويبسط الصادق راحة يده اليسرى ويضع قبضة يده اليمنى عليها محركا لها بطريقة صبيانية قائلا ( أنا ما كنت عاوز أتكلم عن السياسة ، لاكين ما دام انت بديت الكلام خم وصر . التحالف ده ما استراتيجى ، ده تحالف مرحلى مؤقت . ) هل من المعقول أن الصادق يحسب أن هنالك فرق بين التحالف الاستراتيجى والتحالف المرحلى . واذا كان الصادق يبيع مثل هذا الكلام لبرفيسورات جامعات ودكاترة ، فمن المؤكد أن يبيع الترماج للشعب السودانى .
وواصل الصادق قائلا ( انحنا مش طلاب سلطة ، ولا عاوزين نملا جيبنا ) وضرب الصادق على جيبه الأيمن . وتذكرت كيف كان الصادق ينتظر شهر ديسمبر 1965 لكى يكمل الثلاثين سنة . والانتخابات كانت فى الصيف . وفى ديسمبر من نفس العام طرد الصادق مرشح حزب الأمة فى الجزيزة أبا ليصير عضوا فى البرلمان . وكانسان حارس لبن فى النار طالب برئاسة الوزراء وكأنها حق الاهى . بالرغم من أن الجميع قد طالبه بالانتظار حتى يعرف الشغلانة . لأن الخبرة لا تزرع بل تكتسب . وضحى بحزب الأمة .
وكما أورد عبدالرحمن مختار فى كتابه ( خريف الفرح ) أن المرضى عرّاب الوطنى الاتحادى استدعى الصادق المهدى بعد منتصف الليل فى منزل محمد الخليفة شريف فى حى الأمراء بأمدرمان وقال له ان لوالدك دين على عنقى أرجو أن أدفعه لك . أنت تريد أن تتحالف مع حزبنا ، انت ما قدر الأزهرى ، وأزهرى بيقدر يلوى ايد أى زول .أحسن تتلما على عمك ... الخ وكلام كثير لا أذكره الآن قد تردد فى أمدرمان . وبالرغم من هذا ضحى الصادق بحزب الأمة لأنه طالب سلطة .
وعندما رجع رجال حزب الأمة فى الديمقراطية الثانية أكلوا وسفّوا وسرقوا . وفى منزل العميد يوسف بدرى قالت الأستاذة حسب سيدها عبدالكريم بدرى أمام الجميع للصادق ( ود عمك مبارك الفاضل بيسرق ، يا انت تكون عارف ودى مصيبة ، ويا تكون ما عارف ودى مصيبة أكبر . )
وأنا صغير عندما كنا نسكن فى حى الملازمين فى سنة 1953 . بدأ تشييد منزل الصادق المهدى بشكله الحالى اليوم . والصادق وقتها كان فى الثامنة عشر . ونحن سكان حى الملازمين كنا نمثل أغنى أغنياء أمدرمان والطبقة المستنيرة . وفى الحى سكن الدكتور محمود حمد نصر ، ومحمد أحمد عبدالقادر من أوائل رجال التعليم وناظر مدرسة ( خورطقت الثانوية) فى بداية الخمسينات والد زين العابدين عضو مجلس الثورة ، الطيب الفكى صاحب مخازن العامل فى أمدرمان والخرطوم ، عبدالرزاق على طه أحد كبار ضباط الجيش ، أل المغربى ، وحتى الناظر أبوسن الذى صار وزيرا فى الديمقراطية الأولى . بالرغم من هذا كنا نندهش من ( البلى) المصنوع من زجاج خاص الذى يتواجد عند أبناء خدم الصادق المهدى وال المهدى . لأنه كان يبتاع فى سويسرا وكنا نبدل لهم ( البليّة) باتنين .
وواصل الصادق ( ولازم تعرف يا أخ ......) فقاطعته قائلا ( يا الصادق أنا شوقى شوقى . ) ويبدو أن كلمة أخ هى لتحديد موقعى . وأشار الصادق غاضبا طالبا منى أن أقرأ كتابه الديمقراطية عائدة وراجحة . فأفهمته بأننى قد درست الكتاب بحماس الا أنه ليس هنالك ديمقراطية مع الطائفية ، وقلت له ( انت تعتمد على الأغلبية الصامتة التى تحركها الاشارة . فنفى الصادق هذا وزعم ان الحزب صار مفتوحا ولأول مرة صاروا يفوزون في المدن الكبيرة . والسؤال طبعا لماذا لا يرشح الصادق نفسه فى بلده ؟ فهو أمدرمانى . ومن أبسط قواعد الديمقراطية أن يترشح الانسان فى داره ووسط أهله . والغلطة أن المحجوب كان يترشح فى الدويم وليس أمدرمان . وعبدالله خليل كان يترشح فى أم كدادة وهلمّ جرا .
وقال الصادق ( دى الوقت انحنا الوحيدين الموجودين فى الساحة . لأننا مش طلاب سلطة . وكل الناس هرعت للسلطة. وحتى الشيوعيين صاروا يطأطئون . ) ولا بد أن الصادق قد حسبنى أحد زعماء الشيوعية . ولا أدرى لماذا يرى الناس الشيوعيين فى كل شيىء .
وواصل الصادق محاولا نفى تمسكه بالسلطة . وقال ( عبود قال لينا استلموا السلطة انتو بدل يستلموها الصعاليك . وانحنا رفضنا لأننا مش طلاب سلطة . والنميرى قال لى أنا أسلمك السلطة وأنا أبيت) . أرجو ملاحظة أن الكلام قيل وسط شهود . فهل كان عبود يعتقد أن جبهة الهيئات والقضاة ورؤساء وقادة البلاد والبروفيسورات الذين هبوا فى أكتوبر كانوا صعاليك ؟ . ولماذا لم يقل الصادق لعبود ( أسف ، هؤلاء الذين تصفهم بالصعاليك هم خيرة أهل السودان) .
وهنا تتدخل الدكتور ضياء عدوى بصفته رئيسا للجالية قائلا ( انحنا جبنا السيد الصادق المهدى كمناسبة اجتماعية مش سياسية ) . وأدركت شهر زاد الصباح . وتتدخل الأخ حسين وهو عراقى شيعى كان محاضرا فى جامعة الجزائر وزوجته جزائرية ويعتبروا جزء من الجالية السودانية فى لوند . واشاد بالسودانيين وعلاقتهم المتميزة وصدقهم الذى أحس به منذ أيام الدراسة . وذكر أن علاقة السودانيين علاقة خاصة ، وانه وسط الجنسيات الأخرى لن يجلس رئيس الوزراء وسط الناس وبدون حماية . فقاطعته قائلا ( بأننا نختلف جدا مع الصادق . لكن الصادق لا يحتاج حماية بيننا فكلنا على استعداد لحمايته . )
وقبل الرجوع الى مالمو ، لأن صديقى العراقى فريد كان ملتزما بميعاد ، صافحت الصادق المهدى الذى أمسك بيدى وواصل الكلام متحدثا عن الديمقراطية ، فقلت له ( كما كتبت لك قديما وكما لا ازال أقول ، الطائفية زى حشرة العنتت بتشرب السمسم وبتخليهو قشور . ما فى ديمقراطية مع الطائفية . فى طائفية معناهو ما فى ديمقراطية . ) فرد الصادق ( انت ليهه بتحرمنا نحنا من الطائفية ، ما تشوف الدول الحوالينا ) .
المشكلة عندما تتكلم مع أى سياسى سودانى عن شيىء مثل الفساد أو حقوق الانسان يتكلم عن ما عند الآخرين . أذكر أن مصطفى عثمان اسماعيل وزير الخارجية السابق قد طلب منا فى اجتماع كوبنهاجن فى ديسمبر 1994 أن نعطى فكرة جيدة للاسكندنافيين عن السودان ، وهذا بحضور أنجلو بيدا ، أقنيس لوكودو والى جوبا ، الفريق محمد أحمد زين العابدين سفير السودان فى استكهولم ، وثلاثة من رجال الانقاذ ورجل أمن . فقلت له (الاسكندنافيين مش أغبياء . أنتم نظام سيىء . يكفى سجلكم فى حقوق الانسان . ) فوافق مصصطفى وأضاف حقيقة فى تجاوزات ، لاكين اذا قارنتنا بالناس الحوالينا ، انحنا كويسين . فقلت له ( الغلط غلط ، زى ما تقول لى أنا بدق مرتى بالكف ، لاكين جارى بيدقها بالعكاز . كلو غلط .)
هؤلاء الناس الذين كان الصادق يحاضرهم ، يحاضرون الاخرين فى جامعات . وبعضهم أصحاب تجارب غنية وثرة فى هذه الدنيا . اذا كان الصادق يظن أنهم يقتنعون بأن الطائفية شيىء جيد يجب أن نعض عليه بالأسنان وندافع عنه بأرواحنا ونحافظ عليه لمئات السنين فهذا وهم . وأتمنى أن يكون هنالك من يخبر الصادق المهدى بأن الديماقوقية لا تحل مشاكل السودان ، والكلام ما بودى بعيد ، وليس هنالك طائفية وديمقراطية متلازمات .