في رحيل شيخ الهدية

في رحيل شيخ الهدية


09-23-2007, 09:46 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=120&msg=1190580389&rn=0


Post: #1
Title: في رحيل شيخ الهدية
Author: Abubaker Ahmed
Date: 09-23-2007, 09:46 PM



حاطب ليـــــــل

عبد اللطيف البوني




اذا درسنا التاريخ الاجتماعي المعاصر لبلادنا بتجرد تام سنجد رجالاً اثروا فيه تأثيراً كبيراً اتفقنا ام اختلفنا مع هذا التأثير، ويمكن ان نضع على رأس هؤلاء مولانا الشيخ محمد هاشم الهدية، الذي ارتحل عن دنيانا في الاسبوع المنصرم ، فالشيخ انفق عمره المديد في الدعوة للمنهج السلفي إذ ترأس جماعة انصار السنة المحمدية لعقود من الزمان وهي جماعة كانت وما زالت مهتمة بالدين والتدين ولا تتعاطى السياسة الا في بعض المنعطفات كما هو الحال وسط الطلاب، انصب جل اهتمامها بعقيدة التوحيد، وفي سبيل ذلك دخلت في جدل عنيف مع اصحاب المناهج الصوفية.. كما تميزت ببعض السلوكيات الخاصة لدى المنتمين لها فمن حيث الشكل تميز رجالها باللحى والجلابيب القصيرة واستعمال المسواك عند كل صلاة، حتى في حركات الصلاة لديهم تميز ، النساء السلفيات يرتدين النقاب وعدم المصافحة بين الرجال والنساء حتى في النواحي الاجتماعية

لديهم تميز فالعزاء عندهم ينتهي بالدفن وفي الافراح عدم التكلف والابتعاد عن البذخ، باختصار لقد اعطوا التدين شكلاً متميزاً شكل اضافة مقدرة للتباين الموجود داخل المجتمع السوداني.

ان اهمية الدعوة السلفية لا تأتي من عددية عضويتها فبكل المقاييس عدد السلفيين ليس كبيراً ولكن اهمية السلفية تنبع من تأثيرها على غيرها حتى على الذين ناصبوها العداء، كل المذاهب الدينية الموجودة في البلاد تأثرت بالفكر السلفي بما في ذلك المتصوفة فاللجوء للادلة من الكتاب والسنة اي ما يمكن تسميته بالفقه المنصص قد فرضه السلفيون على الآخرين فاي جدل مع اي سلفي يبتدره السلفي بعبارة «عندك دليل من الكتاب او السنة؟» انا شخصياً اعتقد ان الكثير من الممارسات الصوفية يمكن تأصيلها دينياً وهذا التأصيل ما كان سيحدث لولا ظهور التيار السلفي الذي فرض على المتصوفة الرجوع للنصوص، كما ان بعض الممارسات الصوفية قد تساقطت بفعل ما قام به التيار السلفي واثناء عملية الدعوة.. غير السلفيون كذلك الكثير من طريقة دعوتهم ولشيخ الهدية القدح المعلى في ذلك ، ففي الستينيات والسبعينيات مثلا كانت الدعوة السلفية تبدأ بتكفير المجتمع بينما في الثمانينيات وما بعدها ظهرت كدعوة اصلاحية اظهرت احتراماً كبيراِ للمجتمع الذي تريد اصلاحه واقتربت منه اكثر وهذا يعني انهم تأثروا بسماحة الصوفية في السودان وهذا دليل مرونة ما بعده.

يلحظ المرء المتابع للشأن الاجتماعي الديني ان هناك تقارباً او على

الاقل معايشة بين المذاهب الدينية الاسلامية في السودان خاصة وسط الطبقات المثقفة فقد اختفى الجدل الذي كان يصل مرحلة اللجاج واصبحوا يصلون مع بعض فالصوفي يؤمه سلفي والعكس كذلك، كما ان الخلافات في بعض السلوكيات لم تعد بؤر توتر اي ان هناك تعايشاً فيما اتفق عليه وهو كثير ويعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا عليه.

على الصعيد الشخصي لقد قابلت شيخ الهدية كفاحاً مرة واحدة في حياتي وكان ذلك في عام 1986 عندما كنت احضر لدرجة الدكتوراة في العلوم السياسية فذهبت اليه في منزله لاستجلاء بعض المواقف التي كان هو مشتركاً فيها وامضيت وقتاً طويلاً معه، والذي ادهشني انه كان يتحلى بروح دعابة عالية جداً وكانت جلسة مفيدة وممتعة بالنسبة لي.

اللهم أرحم وأغفر لشيخ الهدية فهو من القلائل الذين تركوا بصمة واضحة في حياتنا السودانية المعاصرة