محطات فـي حيـات الشاعـر مسعد حنفـي

ولد الشاعر مسعد حنفي في عام 1911 م في مدينة شندي واسمه الحقيقي محمود وما كلمة مسعد هذه إلا كنيه كناه بها والده إستبشارا
بمولده إذ كسب قضيه مدنيه كبيره كانت معلقه لبضع سنوات ثم حكم فيها لصالحه في نفس يوم مولده..
ثم طغى مسعد على محمود حتى محاه تماما من أذهان الناس .

من ذكرياته في بداية دراسته الأوليه أو مايعرف الآن بالإبتدائي حادثه إعتبرها هو أول معركه له ضد الظلم انقلها لـكم كما جاءت
في مذكراته:

أما أول معركه لي ضدالظلم فكانت وانا طفل في العاشره من عمري عندما واجهت الظلم بالمعارضه السافره وكنت يومذاك في الصف
الثالث وقد زار المدرسه والد زميل لي في الصف كما كان جاري في الحي ايضاً وكان الناظر نفسه هو الذي يملي علينا مادة ..
الإملاء ، وعند تصحيح الكراسات وجد الناظر عدة أخطاء في كراسة زميلي ولكنه منحه رغم ذلك الدرجه الكامله( مجامله للضيف طبعاً)
وعند تصحيح كراستي لم يكن فيها أي خطأ ولكن حضرة الناظر سامحه الله اراد إمعانا في اكرام ضيفه ان يجامله على حسابي حتـــى لا
يشعر ان إبن الجيران متفوق على إبنه فاعطاني ثمان درجات من عشره، ولتبرير فعلته هذه كتب في كراستي ملحوظه لازالت راسخـه في
ذاكرتي حتى الآنًً وهي ( خطك وحش )..
واستعدت كراستي وانا احس بالظلم ولكني لم أقو على الإعتراض، وبعد قليل إنصرف الضيف شاكراًَ اما انا فجلست في مكاني ساكنــــاً
ولكنه سكون ماقبل العاصفه فقد كانت الدماء تغلي في عروقي من فرط القهر والغيظ ، وفجأه وبصوره لا إراديه وجدتني انهض بعنف ثم
اصيح في وجه الناظر بلهجه تقطر سخريه وإستنكاراً ( انت ياافندي بتدرسنا إملاء ولا خط ؟! )..
ولو سقط دبوس على الأرض عندئذ لسمع له دوي رهيب لشدة ماساد المكان من صمت حتى الناظر نفسه اذهلته المفاجأه فظل يحملق ..
في وجهي بعينين جاحظتين وقد فغر فاه دهشه، ثم انفجر ينتهرني بحده (نعم؟! بتقول ايه ياولد؟!) انت بتعارضني ياقليل الأدب ؟!
عايز تعلمني شغلي حضرتك؟! انا ارفتك .
وقد تبينت فداحة ماأقدمت عليه فما كات منه إلا ان رفع عصاته وانهال علي بضربات سريعه متواليه فوق راسي وكتفي وظهري وجنبي
وقد نالت يداي النصيب الأكبر إذ كنت احاول ابعاد الأذي عن جسدي بهما، والغريب فـي الأمر ان دموعــي كانت تنهمـر ولكنـي لم
اصرخ بل ولم اطلق آه واحده .

الاخ العزيز / مجدى مسعد حنفى

نحن هن نتابع معك سيرة شاعرنا الكبير مسعد حنفى واصل فى الكتابة والسرد .. لك التحية والتقدير

منتظرين ونتمنى تستمر الى ان تكتب كل السيرة..

انظر الى عداد القراء...

تقديري

الأخ أحمد القرشي
الأخت بيان
لكم التحيه والود كله وشكراً على التشجيع وإن شاءالله سأتابع نشر الأحداث
وادعو كل من لديه أي معلومه ولو صغيره ان يتكرم بها عليً .

نواصل المحطات
اما عن مرحلة الصبا فقد اختار الوالد هذه الحادثه لما فيها من عبره وعظه فيقول في مذكراته:

اكملت الكتّاب بنجاح ولمّا لم يكن في مدينة شندي حيث نشأت مدرسه إبتدائيه وهي ماتسمى الآن بالثانوي العام ، صحبني والدي رحمه الله
الى العاصمه حيث الحقني بالقسم الداخلي في مدرسة الأمريكان بالخرطوم ولكن لم يكن الامر سهلاً إذ برزت عقبه كأداء تلك هي انــــهم
وجدوا مستواي في مادتي الحساب واللغه العربيه عال جداً في حين اني لا افقه حرفاً واحداً في اللغه الإنجليزيه مع ملاحظة ان منهج التعليم في مدارس الامريكان هو تعليم اللغه العربيه واللغه الانجليزيه جنباً الى جنب منذ بداية التعليم الأوّلي.

اخيراً قرّ قرارهم على الحاقي بفصل تحضيري الثالث وهو الفصل الذي يقل عن سنه اولى ابتدائي بدرجه واحده وحتى استطيع اللحاق بزملائي في هذا الصف اتفق والدي مع احد الأساتذه على اعطائي دروساً خصوصيه في اللغه الانجليزيه ، فوجدت نفسي اتعثر في البدايه
واعاني اشد العناء في المطالعه الانجليزيه ولكن الطيش والشقاوه اوحيا اليّ بفكره شيطانيه لم اتردد في تنفيذها.
طلبت من زميل لي ان يقرأ لي الدرس ببطئ فرحت اكتب نفس الالفاظ باللغه العربيه ثم لقنها لي عدّة مرات حتى اجدت قراءتهاا وامام
الاستاذ طفقت اقرأ بثبات وبلا تردد قراءه سليمه ومتقنه فاعجب بي الاستاذ ايما اعجاب واخذ يهتف ، مدهش عظيم انت عبقري والله بعد
خمسة ايام فقط اصبحت تقرأ الانكليزيه افضل بكثير من هؤلاء الذين سبقوك بثلاثة اعوام ، ولفرط اعجابه بي اقترب مني ليربت على ظهري وهنا وقعت الواقعه رأى الاستاذ تلك الورقه التي كتبتها بالعربي ووضعتها داخل الكتاب ففهم لعبتي واذا بيده ترتفع لتنهال على
قفاي صفعاً وهو يصيح اتسخر مني ياخبيث ؟! اتستغفلني ياملعون ؟! اما انا فلم يسعني إلاّ ان اطأطئ راسي ذلة وإنكساراً ولكن استاذي
كان رجلاً فاضلاً فسرعان ماهدأ وانفثأ غضبه وراح يوضح لي سوء فعلتي محذراً لي من العوده الى مثلها .
ولقد اتخذت من هذا الحادث حافزاً لي لمضاعفة اجتهادي تكفيرا عن سيّآتي مستعيناً بزميلي الذي نشأت بيني وبينه صداقه وطيده وإن هي
إلاّ اسابيع قليله حنى كنت فعلاً افضل ممن سبقوني بثلاث سنوات وفي الامتحان الأخير كان ترتيبي الأول وبيني وبين الثاني درجات كثيره.

تشكر استاذ مجدي لرفدنا بقبسات من حياة الشاعر مسعد وكلنا سمع، احكي لنا حتى تستجم الانجم على كتف الفجر..

العزيز محمود الدقم
شكراً لعباراتك الرائعه وإن شاءالله نكمل المحطات غداً فاسعدني بزيارتك الكريمه.

نواصل اكمال المحطات

بعد ان اكمل الوالد دراسته اختار ان يبدأ حياته العمليه بتجربة حظه في التجاره فستأجر دكاناً في السوق العربي مواجهاً لعمارة المرحوم عبده دياب ومن الصدف الغريبه ان يكون عبده دياب هذا عماً للمرحوم يوسف دياب صاحب احذية يوسف دياب في سوق نمره اتنين وفاروق دياب القنصل الفخري لجمهورية التشيك في السودان الذان اصبحا زوجين لإبنتين من بنات الشاعر مسعد حنفي .

يقول الوالد ان تجارته نجحت وازدهرت ولكنه سرعان ماملها بسبب شعوره بالحرمان من كل متع الحياة في سن الشباب كالرياضه والرحلات فالعمل في التجاره لم يترك له مجالاً لذلك فكان مضطراً لمباشرة عمله بالمحل من الصباح الباكر الى الثامنه مساء.
فيقول:

كانت نفسي تتوق الى الترويح وممارسة بعض الرياضات التي كنت مغرماً بها ولكني لا اجد الى ذلك سبيلا وكنت احس بالحسره والغيره تنهش صدري كلما رأيت اقراني قد ارتدوا خير ثيابهم وانطلقوا كل منهم على متن دراجته ليشاهدوا مباريات التنس في سودان كلب او مباريات كرة القدم التي كانت تقام على كأس المصالح في الميدان المعروف الآن بميدان اللأمم المتحده وقد جعلني هذا الحرمان اكره التجاره ومكاسبها واصمم على التخلي عنها فاخذت اقدم طلبات الاستخدام لشتى الشركات كما قدمت طلباً للسكرتير المالي وآخر للسكرتير الإداري فلم يكن يوجد في تلك الايام مكتب للعمل ولا وزارات وكان التعيين في الحكومه يتم بنظام المركزيه فكان السكرتير المالي وهو الموظف البريطاني الذي يقوم مقام وزير الماليه وهو الوحيد الذي يصدق بتعيين المحاسبين ليدربوا في مصلحة الماليه ومن ثم يوزعون على المصالح والمديريات كما كان السكرتير الإداري هو القائم بأعمال وزير الداخليه وهو الذي يصدق بتعيين الكتبه والمترجمين ورجال البوليس والسجون لتوزيعهم على المصالح والمديريات بعد تدريبهم .
فكانت الردود تصلني تباعاً ولكنها كلها كانت ذات مضمون واحد وهو ناسف لعدم وجود وظائف خاليه لذا لم ابتهج عندما تسلمت خطاباً ادركت من سماته انه خطاب حكومي ففضته بلا حماس ولا تلهف ولكن سرعان ماتبدل شعوري عندما قرأت الخطاب فاذا به توجيه للذهاب في ساعه معينه من يوم معين الى مصلحة الماليه.

نواصل

ذهب الشاعر مسعد حنفي في الموعد المحدد فوجد هناك اكثر من خمسين شاباً جاءوا ينشدون الإلتحاق بالعمل مثله فتم امتحانهم في مادتي الرياضه والترجمه من العربي الى الانكليزي وبالعكس وانصرفوا على ان يستدعوا فيما بعد وبعد ايام تم استدعاءه للمره الثانيه فلم يجد معه من الزملاء سوى تسعه فقط فادرك انهم خلاصة المجوعه بعد التصفيه فظن ان الإجراءات قد اكتملت ولكنه كان واهماً اذ بدأوا بادخالهم الواحد تلو الآخر فلما جاء دوره ذهبوا به الى مقعد وضع بجانب مكتب مفتش الماليه البريطاني فقدم له ورقه وقلماً وقال آمراً:
اكتب ماسأمليه عليك ، وكان المفتش يعض على متبغه باسنانه وهو يمليه فكانت كلماته بالنسبه اليه مبهمه لا يكاد يفهمها فأخذ يكتب على مجرد النغم الذي يسمعه دون ان يعرف ماهي الكلمه المقصوده لا لفظاً ولا معنى.

يحدثنا الشاعر مسعد حنفي عن نتيجة امتحانه قائلاً:
وفي اليوم التالي ادخلنا واحداً بعد واحد الى مكتب رئيس الحسابات وهو رجل مهيب الطلعه قوي الشخصيه فكان يسأل اسئله منوعه لإختبار الذكاء وطلاقة اللسان وحسن التصرف وقد وفقت والحمدلله على الإجابه على اسئلته بلباقه وحضور ذهن مما جعله يقول:

انت حيرتني ياابني فنتيجة امتحاناتك في الرياضه والترجمه تضعك في المستوى المنشود بالضبط وهأنت اليوم برهنت على ذكاء وقاد ولباقه بالغه لكن الذي يحيرني انك لم تنل في الإملاء الإنكليزيه التي املاها عليك المستر مارزدن سوى درجه واحده فلماذا ؟
قلت وحتى هذه الدرجه التي نلتها فانا لا استحقها لاني كنت اكتب كلمات لم اعرف ماهيتها ولا مضمونها لانه كان يمليها عليّ من طرف انفه لان فمه كان مشغولاً بمتبغه ، قال ولماذا لم تستوضحه ، قلت حاولت ولكنه تأفف من اسئلتي وقال بضجر لا تسأل ، ان كنت تعرف الانكليزيه فاكتب ماتسمعه ، وكان السيد فهمي رئيس الحسابات رجلاً طيب القلب فقال:

طيب انا سأمتحنك بنفسي ، واخذ يمليني موضوعاً سهلاً وكانت النتيجه مرضيه فعينت محاسباً في مصلحة الماليه حيث مكثت فيها ثلاثة اشهر اتدرب على اعمال الحسابات ثم نقلت الى مصلحة الزراعه والغابات.

مكث الوالد في مصلحة الزراعه والغابات ثلاثة اشهر كان خلالها سعيداً مطمئن النفس هادئ البال فقد ظفر بكل ماكانت تتوق اليه نفسه من نزهات ورياضه وما الى ذلك من ضروب التسليه غير ان هذه السعاده لم تدم طويلاً فقد أعلن بنقله الى منطقة جبال النوبه.

تعتبر الفتره الزمنيه التي عاشها الشاعر مسعد حنفي في غرب السودان وبالرغم من قصرها إذ لم تتعد العامين تعتبر من اهم سنين حياته فقد كان لها ابلغ الأثر في تكوين موهبته الشعريه لذلك سأقوم بنقل حرفي لما جاء في مذكرات الوالد من تاريخ سفره لإستلام عمله الجديد وحتى عودته للخرطوم مره اخرى لينضم الى مصلحة المخازن والمهمات .

يقول الوالد:
في يوم 18 سبتمبر 1929م كنا نشغل احدى قمرات الدرجه الثانيه في قطار الخرطوم الأبيض ، وقي صبيحة يوم عشرين سبتمبر توجهنا الى رئاسة مديرية كردفان حيث قابلنا المسئولين لإجراء الترتيبات اللازمه لترحيلنا من الأبيض الى كادجلي وكان من المعروف لدينا حسب المعلومات التي زودتنا بها رئاسة مصلحة الزراعه اننا سنرحل من الأبيض الى الدلنج بالسياره على ان نتابع رحلتنا من هناك على ظهور الدواب نظراً لسوء الطريق بين الدلنج وكادجلي في فصل الخريف لذا فوجئنا بل اصبنا بصدمه عنيفه حين قيل لنا ان علينا ان نلحق بقافلة الإبل المسافره الى كادجلي في نفس اليوم ، قلنا باستنكار إبل ؟! هذا شئ لا يقبله عقل ، قالوا هذا هو السبيل الوحيد لترحيلكم . قلنا ولكن المتبع هو ترحيل الموظفين الى الدلنج بالسياره . قالوا نعم ولكن استعمال السيارات الى الدلنج اوقف الآن نسبه لاشتداد الامطار في هذه الايام. قلنا ولكن لماذا الإبل بالذات اننا لم نحاول ركوبها قبل الآن . قالوا ستتعلمون. قلنا مستحيل اننا نرفض السفر بهذه الوسيله . قالوا انتم وشأنكم ولكن كان يجب ان تحمدوا الله على هذه النعمه التي يتمناها الكثيرون غيركم فالموظف في الجنوب يحمل متاعه فوق رأسه ويخوض المستنقعات وسط الحشرات والتماسيح وكم من موظف لم يصل الى مقر عمله لان التماسيح قد التهمته في الطريق!!!
اقشعرت ابداننا وارتجفنا فزعاً وهلعاً فقد كنا كلناصغار السن لاخبره لدينا ولا تجارب وسرعان ماإبتلعنا الطعم وصدقنا هذه الأكاذيب الحقيره، وهكذا قبلنا السفر على ظهور الإبل ولساننا يلهج بالحمدلله لأننا لم ننقل الى منطقه بها مستنقعات وتماسيح.

وفي اصيل اليوم نفسه تحركت بنا القافله بيد اننا ماكدنا نجتاز حي القبه وقد اسدل الليل ستار الظلام حتى مر بالقرب من القافله رجل يتلفع بعباءه سوداء فسعل وتتخم ثم بصق ورفرف باطراف عباءته فجفلت الجمال وانطلقت تركض هنا وهناك بغير انتظام. والذي زاد الطين بله ان الرجل وقد وجد نفسه وسط الجمال الهائجه راح يتفاداها بالجري من مكان الى آخر وهو ينتهرها ويلوح بيديه في وجهها ليبعدها عنه مما زاد في هياجها وارتباكها، وكانت ثالثة الأسافي ان احد الزملاء كان ضعيف الأعصاب فطفق يصيح في رعب هى-هى ياجماعه. هى دي مصيبة شنو ياخوانا هى هى . وظنت الجمال انه يقول هج ليحثها على السير فزادت من سرعتها ، كل هذا ونحن نتشبث كل منا بمخلوفة جمله خوف السقوط ومع ذلك فقد سقط زميلنا المرحوم رمضان عبد الخير ، وحتى الآن لا عثر على الجمل ولا على متاع الزميل.

اخيراً وبعد مشقه فائقه استطاع قواد الابل السيطره عليها فأناخوها فوثبنا عنها ورفضنا التحرك من موضعنا الاّ في الصباح. وفي الصباح استأنفنا السير ولكن ماكادت معالم الابيض تختفي حتى داهمنا مطر غزير انصب علينا كأفواه القرب وكانت تصحبه رياح بارده سريعه كادت تسقطنا عن ركائبنا فجعلت اوصالنا ترتجف واسناننا تصطك من شدة البرد فلجأنا الى الاشجار نحتمي بأغصانها ولكن دون جدوى اذ ظل الماء ينهال علينا من خلال اوراقها فكنا كمن يقف في العراء تحت دش فتح صمامه الى آخره ، وظللنا هكذا حتى توقف المطر وسرعان ماسطعت الشمس فهكذا هو الحال في تلك المنطقه فبينما الجو صحو والشمس مشرقه إن هي إلاّ دقائق حتى تنتشر الغيوم ويجلجل الرعد ويتساقط المطر. وبعد توقفه بقليل يتبدد الغيم وتسطع الشمس دافئه ضاحكه.
اخيراً وبعد عناء رهيب وصلنا الى استراحة السنجايه التي صادفنا فيها من حسن حظنا يوم السوق الذي وجدنا فيه اجمل واعظم تعويض لما واجهنا من تعب وجهد إذ كان كل مافيه غريباً عنا فالناس ولهجتهم والسلع المعروضه ووسائل عرضها كل هذا كان شيئاً جديداً بالنسبة الينا ويستحق المشاهده ، ولقد لاحظنا ان معظم الباعه فتيات من قبيلة البقاره، واذكر اننا مررنا بفتاة قد عرضت بضاعتها في شكل اكوام صغيره من النبق والقريم واللالوب والقنقليس وما الى ذلك من الثمار البريه، وقد افترشت هي وبضاعتها حصيره باليه، جعل الزملاء يمازحون الفتاة وقد اعجبوا بصراحتها ولهجتها وسألها احدهم وقد اوعز اليّ ان امثل دور المفتش الإنكليزي .
سألهابكم تبيعين الكوم فقالت تعريفه، فقال لها اذا سألك المفتش هذا فقولي له الكوم الواحد بخمسة قروش، فنقود هؤلاء الخواجات كثيره وهم لا يعرفون اي شئ عن هذه الأصناف ، فقالت بتشكك( حسّه هو مابفهم كلامك ده؟) قال ولا كلمه، ده جديد، ومابيعرف العربي فراحت تتأملني في فضول ثم قالت بحنان : حيّ ياولد امي . ثم شجعتها بلاهتي المفتعله فتجاسرت ومدت يداها تداعب بهما شعر راسي الذي يتطاير مع الهواء ثم راحت تسألني ( ات امك مالها قاسيه كي؟ دحين كان عندي وليد متل ده بخليه يسير براه لي جبال النوبه؟) وكنت انا أمثّل السذاجه وعدم الفهم ثم رحت اسألهابلسان معقود وبلهجه انكليزيه ، كلمات متقطعه مشيراً الى فمي والى ماأمامها من ثمار ، دي...دي...آكل؟ صاحت ضاحكه واي بياكلو، ثم قدمت لي بعض ثمارها وهي تقول هاك ضوقه ياجنابو .
حلوه، فقلت بتعثر دي...دي...كم فلوس؟ قالت وقد وقعت في الفخ .
خمسه قروش ياجنابو.
تأملتها قليلاً ثم صحت فيها بلسان طلق فصيح : كضّابه، خمسه قروش ولاّ تعريفه ياحراميه ياغشّاشه. فما كان منها الاّ ان صرخت صرخه عاليه قائله:
ووب ابوي ييي ثم ركضت بعيداً عنا وانزوت خلف شجره بعيده وراحت تسترق النظر الينا في خوف واضطراب، اما نحن فضحكنا ملء افواهنا ثم قذفنا بقطعه فضيه الى حصيرتها وانصرفنا.

وفي تجوالنا وجدنا جزّاراً يبيع لحم الضان فاشترينا فخذين سمينين ولك ان تصدق او لا تصدق ان ثمنها لم يتجاوز الثمانية قروش فأكلنا من الشواء حتى شبعنا ثم تركنا ماتبقى في الإستراحه.
وكانت بقية الرحله من اقسى واتعس الرحلات فالمطر يداهمنا في كل يوم ولا ينقذنا منه إلا توقفه واخيراً وبعد ان كادت ارواحنا تزهق وصلنا الى الدلنج فكانت لنا بمثابة الواحه لمجتاز الصحراء فقضينا بقية اليوم في نوم متواصل ثم توجهنا في اليوم الثاني الى المركز حيث اعلنا تمردنا في ثوره عارمه واقسمنا ان لا نواصل السفر الى كادجلي على ظهور الجمال حتى ولو فصلنا من وظائفنا ولكن المأمور طيّب خاطرنا وقال:

لقد خدعوكم فطريق السيارات بيننا والابيض مفتوحاً طوال العام وكان الهدف من هذه اللعبه هو خدمة متعهد نقل الاقطان من كادجلي الى الابيض بالجمال فبدلاً من ان تمضي جماله خاليه وبلا عائد رؤي ان يستفيد بقيمة ترحيل هؤلاء المساكين.
اما من هنا فسنخصص جواداً للموظف وثورين لمتاعه.

نواصل الرحله
كانت رحلتنا من الدلنج الى كادجلي تختلف عن سابقتها فركوب الخيل اريح واسرع من ركوب الابل بل ان في ركوبها لمتعه لا تعادلها متعه فالجواد حيوان انيق رشيق يبعث في نفس فارسه الشعور بالرضى والثقه بالنفس .
ولما كانت الخيول اسرع من الثيران فقد كنا نسبق القافله لنصل الى الاستراحه قبلها بزمن يتيح لنا مشاهدة معالم القريه وإستجلاء مناظر الطبيعه فهي في تلك المناطق من اجمل المناظر الطبيعيه في العالم فالخضره منتشره حيثما اتجهت وعلى مد البصر ترصّعها هنا وهناك انواع رائعه من الأزهار البريه والأشجار الباسقه المورقه قد تناثرت في كل مكان حتى على الجبل فتراه وكأنه حديقه ضخمه معلقه وكثيراً ماكنا نتسلق الجبل ونستمتع بممارسة الكثير من ضروب الرياضه والمرح البرئ ، وامتع من كل هذا ان الثيران لم يكن يقودها رجال بل كن فتيات مرحات في عنفوان شبابهن مما جعل الإلفه تتوطد بسرعه بيننا وبين فتياتنا الجميلات الودودات الباسمات ابدا .
ولما كنا كلنا في صدر الشباب فقد إستمرأنا هذه الصحبه المثيره وسعدنا بها الى الحد الذي جعلنا نتمنى ان تطول الرحله وتمتد.
وحتى الطبيعه نفسها قد هادنتنا إذ يبدو ان ميازيب المياه التي كانت تنصب فوق رءوسنا بلا انقطاع في الرحله السابقه قد استنزفت كل مافي السحب من ماء، فمع ان السماء كانت غائمه طوال ايام رحلتنا الأخيره إلاّ ان المطر لم يتساقط علينا الاّ رذاذاً ناعماً ندياً لينعشنا ويملا نفوسنا نشوه وبهجه وسرورا.

وفي قرية الغلفان رأينا مشهداً طريفاً ظللنا نرقبه لفتره طويله بلا ملل . ذلك اننا شاهدنا نساء تلك القريه وهن نوبيات قد انتشرن على الجبل المدرج الأخضر وبين كل واحده والأخرى نحو عشرين خطوه ، كن يجمعن ثمار الشطه الحمراء من شجيراتهاالتي تغطي سطح الجبل فكانت إحداهن تقص على زميلتها خبراًتبدأه بجمله واحده بلغة النوبه فتكررها جارتها الى من تقف بعدها وهكذا تنتقل القصه من فم الى آخر حتى تصل الى آخر الفريق لتعلق عليها الأخيره فيرتد التعليق من واحده الى اخرى بنفس الطريقه حتى تصل الى صاحبة الخبر الأول فتضيف جمله جديده ليبدأ الارسال من جديد فهن يعملن ويتسامرن ويتباحثن في شئونهن في نفس الوقت والطريف في الأمر ان نغمتهن وهن يتناقلن الحديث كانت ملحّنه وتنتهي دائماً بكلمه ممطوطه وكأنها ختمه للحن مثير.

وعند بلوغنا استراحة كيجه مكثنا فتره طويله دون ان نرى للغفير اي اثر وكنا في اشد الحاجه الى الماء ، فلما طال انتظارنا دون جدوى قال الزملاء ( مافيش طريقه غير طريقتك ياجناب المفتش ) والحواعليّ فخرجت ووقفت على صخره كانت امام باب الاستراحه وصرخت بصوت غاضب في وجه اقرب رجل بذلك اللسان الملتوي المتعجرف:
هيي وين الجفير المجفل دي . وكان فعل هذه الجمله اقوى من فعل السحر فقد بادر الرجل الى نقل حديثي بلغته التي لم نفهم منها الاّ كلمة " نصراني " وبدأت اذاعتهم المحليه تبث ارسالها في الحال فراحت الرساله تنتقل من فم الى آخر بسرعة البرق حتى وصلت الى اكواخهم في قمة الجبل ، وان هيّ الاّ لحظات حتى شاهدنا رجلاً ينحدر من الجبل كالاعصار وقد إمتلأت احدى يديه بالدجاج في حين حملت اليد الثانيه زجاجتين ووصل الرجل وهو يلهث فامتثل امامي وقال بلسان فصيح وهو يدق الأرض بقدمه( تمام افندم ) فعرفت انه جندي متقاعد ولكني لم ارحمه فصرخت في وجهه ( لا مش تمام، كنت وين يامجنون، انت مرفوت ).
صاح المسكين بضراعه( لا جنابك انا كنت بجيب ليكم الجداد والسمن ماممكن نخلي جنابك بدون جداد ).
قاطعته ( دي كلام فارج وين المويه؟ ). صاح ( المويه في جنابك، انا حسّه نجيبه ). قلت انا اختك في السجن وين المويه!!
وتلفت المسكين اذ كانت يديه مشغولتان بما حمّلتا فاستدعيت احدى الفتيات بقولي ( وياأم بخت انت شيلي الهاجات دي )
اما الغفير فقال ( معليش باجنابو ). قلت وقد انفثأ غضبي( اولرايت ، اولرايت شوف شجلك )
فقل حاضر جنابو حاضر ثم ركض خارجاً.

واخيراً بلغنا نهاية المطاف فاشرفنا على اطراف كادجلي ضحى احد ايام اكتوير من عام 1929 م ولقد راق لنا منظر المدينه الطبيعي الخلاّب إلاّ اننا اصبنا بصدمه عندما وجدنا المنازل التي خصصت لنا هي عباره عن قطيّات من الطين والقش في ( حي الجلاّبه ) نظراً لعدم اكتمال المنازل الحكوميه .
ولكن الشدائد التي مرت بنا خلال رحلتنا كانت قد خشّنتنا وزادت من صلابة اعوادنا مما جعلنا نتقبل هذا الوضع عن طيب خاطر بيد ان هذه الصدمه لم تكن الاّ مقدمه لصدمات كثيره تعقبها والواقع ان الفتره الاولى من خدمتي في كادجلي كانت اقسى وامر فتره في حياتي كلها بلا منازع فما ان بدأ الموسم وهو عباره عن سوق تقيمه مصلحة الزراعه بكادجلي يومياً ماعدا يومي الخميس والجمعه وذلك لإستقبال اقطان المزارعين لتفرز بواسطة الخبير الزراعي فيقيّم درجة كل جوال ثم يوزن فيعطى المزارع تذاكر بأوزان قطنه ودرجته ليتجه بهذه التذاكر الى شباك المحاسب ليسجل الثمن على ظهر احدى التذاكر فيصرفه الصراف.

والقطن ثلاث درجات ، اولى،وثانيه،وثالثه ولكل درجه تذاكر بلون خاص وطاقم موظفين مؤلف من القباني والمحاسب والصراف ومعنى ذلك ان العمل بين هؤلاء الثلاثه مرتبط كل الإرتباط فإذا تغيب احدهم توقف الطاقم كله ولما كانت الكميات التي ترد يومياً من الوفره بحيث كنا نحن الموظفين نلبس ملابسنا على ضوء الفانوس ونخلعها على ضوء الفانوس ايضاً ذلك ان السوق يبدأ من السادسه صباحاً ويستمر احياناً الى مابعد السابعه مساء فقد تحتم إنجاز عمل اليوم كاملاً دون ان يتخلف منه اي جزء حتى تخلو الساحه تماماً لوارد الغد ولكي لا يضاف شئ من وارد اليوم الى وارد الغد فيختل النظام ويتعذّر الإنجاز.

لم يكن هذا النصب الوحيد الذي نعانيه آنذاك فالمنطقه موبؤه بمرض الملاريا الذي كانت الإصابه به امراً جد عادي ولكن الشئ الغير عادي هو ان يذهب المريض الى المستشفى فيجدون درجة حرارته 104 ومع ذلك يكتب له في بطاقة مرضه ( علاج وعمل ) وعلى ذكر العلاج ، ماذا كان؟ نوع واحد من الادويه لا يتغير ولا يتبدل وهو امر دواء وجد حتى الآن ذلكم هو الكينا السائله.

صحت يوماً في وجه الطبيب ( وكانوا كلهم حينذاك ضباط من سوريا برتبة المقدم ) اتريدني ان اباشرعملي ودرجة حرارتي 104؟ اتريد ان تقتلني؟ اجاب بمراره سيكون دمك عندئذ في رقبة المستر جيمس ( مفتش الزراعه ) فهو الذي امرني ان لا امنح اي موظف راحه عن العمل مهما كان السبب، بحجة انه لو توقف احدكم عن العمل توقف الطاقم كله، وبديهي لم يكن من المعقول ان نرضخ لهذا القرار الجائر ولكن تقديراً منا لدقة موقف العمل مضينا نعمل ونعمل بلا انقطاع رغم اصابتنا المستمره بالحمى ولكن حدث في احد الأيام ان كنت اعمل وانا ارتجف من الحمى مما جعلني لا الاحظ انني اصرف الريال فئة العشرين قرش باعتباره عشرة قروش مما احدث عجزاً كبيراً في عهدتي عندئذ لم اعد احتمل فثرث وقدمت استقالتي واعلنت عدم استعدادي للعمل وانا انتفض من المرض ثم ادفع من راتبي ما أفقده نتيجة المرض ولكن المستر جيمس تحمل ثورتي بصبر وقال:
من غير المعقول ان تتوقف عن العمل بدون انذار سابق فلا بد لي ان اطلب من الخرطوم من يخلفك وهو لن يصل الاّ ويكون الموسم قد انتهى وانّي لمندهش كيف تتحمل المشاق طوال هذا الزمن ثم تتخاذل فجأه وقد اصبح الموسم على وشك الإنتهاء.
ان كان السبب هو ذلك العجز فسأسدده من بند النثريات فهل لا زلت تصر على الإستقاله؟ قلت نعم. قال حسناًلقد قبلت استقالتك ولكني لن اخلي سبيلك قبل وصول من سيحل مكانك او ينتهي الموسم . قلت وإذا رفضت العمل ؟ قال ستحاكم بتهمة عرقلة مصلحة الدوله وستدخل السجن حتماً. وبعد تردد طفيف قبلت صاغراً.
واذا كان القارئ يظن اننا كنا ننعم بالراحه في يومي الخميس والجمعه فهذا مناف للواقع تماماً. ففي يوم الخميس كنا نقضي الصباح في تسجيل حسابات الاسبوع المنصرم ونعد الكشوفات للاسبوع المقبل ثم نسافر بعد الظهيره بالسياره الى محطه قريبه لنقيم في يوم الجمعه سوقاً محليه حتى لا يتجشّم صغار المزارعين مشقة حمل اقطانهم الى كادجلي التي تبعد عنهم مسيرة ثلاثة ايام بالثيران فكنا نعمل من الصباح الباكر وقد يستمر العمل الى منتصف الليل وهذا يذكرني بحادث طريف وقع لنا في احدى تلك الزيارات عندما وصلنا الى الغلفان فإذا بكميات القطن ضخمه جداً وكان البرد قارساً فظللنا نعمل حتى الساعه الواحده صباحاً ثم انصرفنا لتناول طعام العشاء وقد انهكنا التعب واخذ الجوع منا كل مأخذ فإذا بكلب لص قد سطا على عشائنا المؤلف من الجبن واللحم المحمر ولم نجد سوى الخبز والبصل وكميه من الملح والشطه وقد تناثرت كلها في ارض الاستراحه وامام الجوع لم نجد مفراً من تناول هذا الموجود فكنانغمس شريحه من البصل في الملح والشطه ونبلع الخبز واقسم اننا كنا من الجوع بحيث شعرنا بان ذلك الكفاف هو الذ عشاء تناولناه طوال حياتنا وعند وصولنا الى كادجلي وجدنا زملاءنا يتهيئون للخروج الى العمل فما كان منا الاّ ان غسلنا وجوهنا وخرجنا معهم دون ان ننعم بلحظه واحده من الراحه

استمر العمل على المنوال الذي ذكرناه سابقاً، ولكنه بدأ يخف تدريجياً فاصبح في وسعي قراءة مايصلني من خطابات وقت استلامها بعد ان كنت لا استطيع ابان تلك الدوامه الاّ ان ادس الخطاب في جيبي وقد يحدث ان اصل الى المنزل وانا متعب منهوك القوى فارتمي على الفراش بملابس العمل دون ان اذكر الخطاب، وقد اتذكره احياناً ولكني لا اجد في نفسي الرغبه في قراءته ، لا زهداً في ذلك ولكنه الإرهاق الذي كان يدفعني الى تأجيل حتى معرفة اخبار اهلي واصدقائي التي اكون في قمة الشوق اليها.

وفي الأيام الأخيره كان المفتش قد اوقف الأسواق المحليه ولكن رهط من كبار زراع قرية لقاوه طلبوا بإلحاح اقامة سوق اخير وكان من المتبع ان نسافر بصحبة المفتش نفسه، الاّ أنه في هذه المره قد تخلّف فسافرنا بدونه.
ولمّا كان القرار فجائياً وفي وقت متأخر جهّزنا انفسنا بسرعه خاطفه وانطلقنا بالعربه دون ان نفطن الى اننا نسينا ان نتزوّّد بما نحتاجه من طعام ، ولم نكتشف ذلك الخطأ الفادح إلاّ ونحن على وشك الوصول وقد عم الظلام، فانزعجنا ورحنانناقش الامر ، فقال احد الزملاء: الم تلاحظوا ان كبار الزراع يقدمون خروفاً واشياء اخرى الى المفتش؟ قلنا نعم ولكن اين المفتش الآن؟ قال وهو يشبر الى شخصي هاهو . ثم استطرد قائلاً: كلنا نعرف ان مسعد يجيد تقليد المستر جيمس في صوته ولهجته وحركاته ثم ان اللون والقوام متطابقان فلماذا لا تنزل في استراحة المفتش والظلام كاف للتعميه .
فحبذوا هذا الرأي ولكني تهيّبت هذه الفعله ورفضت قائلاً: عندما كنت امارس هذه اللعبه كنت امارسها بقصد مجرد التفكّه والمزاح ثم انني كنت امثل دور شخصيه مجهوله اما الآن فانتم تطالبونني بالقيام بدور انسان معين لا لمجرد التسليه ولكن بقصد الحصول على شئ لا حق لنا فيه وبوسيله اقل ماتوصف به انها الخداع والإحتيال فابحثوا لكم عن سبيل آخر للخروج من هذا المأزق .
قالوا اقترح علينا فننفذ . قلت واحده من اثنين ، اما ان نكلف الخفير ليبحث لنا عند الأهالي عن خروف او حمل او جدي وإن فشل اعتمدنا على كرم المزارعين فهم عرب وليس هناك من هو اكرم من العرب ولكنهم فنّدوا هذا الرأي بقولهم ، اولاً لقد سبق وبحثنا عن دجاج او اي شئ يباع ولم نجد . ثانياً انت تعرف ان هؤلاء العرب لم يكرمونا بأي شئ قبل الآن بالرغم من اكرامهم للمفتش فكيف نستجديهم الآن؟ .
وهكذا دار النقاش بيننا بلا جدوى حتى اشرفنا على مشارف لقاوه فتصايحوا ان الفرصه ستضيع والحّوا واصرّوا بضغط شديد فرضخت ولكن بغير اقتناع ، وعند وصولنا توقفت العربه امام استراحة المفتش فترجّلت ووقفت امامها وبيدي ( بطّاريه ) مضاءه ليكشف نورها عن لون يدي في حين انطلقت العربه ببقية الزملاء الى استراحة الموظفين، فإن هي إلاّ دقائق واقبل الشيوخ والعمد وكبار المزارعين بثيابهم الناصعة البياض ولحاهم الكثه وبترحاب شديد حيّوني بقولهم ( جيداً نجيتو ياسعادة المفتش. جيد نجيتو) ( يعني الحمدلله على سلامتكم) وهنا بدأت اقوم بدوري فاجبتهم بحراره ، شكراً انتو شديد؟ انتو جبتوا جتن كتير؟ فقالوا بصوت واحد: واي. القطن كتير خلاص .
فقلت: جود.. فري جود لكن دروري يكون نديف . فيجيبون بأنه نظيف جداً وكنت اثناء هذا الحديث ارقب اتباعهم بطرف ناظري فرأيتهم يدخلون الى الاستراحه الخروف وملحقاته من سمن ودجاج ولبن .
وانصرف القوم وقد نجحت الخطه تماماً ثم جاء بعدهم خفير الإستراحه وهو جندي سابق فضرب الأرض بقدمه ورفع راحته اليمنى في تحيّه عسكريّه وهو يقول تمام جنابك .
وهنا ارتكبت خطأ جسيماً ذلك اني رداً على تحيته لوحت بيدي التي تحمل البطّاريه المضيئه بحركه عفويّه فكشف ضوؤها وجهي فإذا بالرجل الذي كان معتدلاً امامي كالتمثال ينحني ويربت على كتفي دون كلفه وهو يصيح متضاحكاً: اوه اب قجيجه سيد القروش . يقصد الصراف كثير الشعر. فانتهرته بقولي: (بس ولا كلمه ) . قال : سمح لكين مالك تغش الناس الكبار ديل؟.
قلت بحزم: مش شغلك روح اذبح الخروف واوقد النار بسرعه . فانصاع وانصرف وهو يدمدم بالفاظ مبهمه.

كانت فعلتنا هذه فعله طائشه وعمل مشين مناف لكل قواعد الشرف والنزاهه ولكنه طيش الشباب والسذاجه والجهل ومهما يكن من امر فقد نلنا مااردنا وتمت اللعبه بنجاح وسلام.

قبيل انحسار ذروة الموسم بنحو شهر انتقلت الى المنزل الحكومي وهو وان لم يكن فخماً الاّ انه خير الف مره من قطاطي حي الجلاّبه ولكن للاسف لم يطل استمتاعي بهذا المنزل ، اذ اجتاحه حريق رهيب قضى على معظم المنازل الحكوميه فتلك المنازل كانت مؤلفه من حجرتين تتوسّطهما صاله واسعه ويغطي هذه المجموعه كلها سقف واحد من القش في شكل جملوني او مايسمّونه ( موديل ظهر الثور ) فلما كانت الريح شديده يومذاك راحت النار تنتقل من بيت الى آخر في سرعة البرق فتلتهمه في دقائق، والجدير بالذكر ان قانون التعويضات كان يحدد المبلغ الذي يصرف كتعويض للموظف عن ملابسه واثاثاته وكل ممتلكاته بعشرة جنيهات فقط، وفي آخر ايام الموسم كلفت بالمرور على المزارع لحث المزارعين على حرق سيقان القطن للقضاء على الآفات الحشريه التي تجعل من تجويف ساق القطن مأوى لها فكنت اتجول على صهوة جوادي الذي ابتعته اخيراً فاخصص لكل منطقه يوماً ثم اعود اليها مره او اكثر لمتابعة التنفيذ.

اخيراً انتهى الموسم ، موسم العمل بخيره وشره . اما الشر فكان متجسماًفي مرض الملاريا اللعين وفي ذلك العمل الشاق المتواصل. اما الخير فلم نحس به او نتذوّقه الاّ بعد انقضاء تلك المشاق المضنيه ، فطفقنا نجتر ذكرياتهابلذه بالغه ونحن في النادي نتسامر فلا يخرج حديثنا عن ذكريات تلك الايام القاسيه نذكرها بلذة من يحس بالرضى عن نفسه لاجتيازه عقبه وعره كأداء دون ان تهن عزيمته او تلين قناته .
هذا ولكن الاقدار كانت تختزن لي انا بالذات اعظم تعويض عن كل ماتحملت من مصاعب جمه ، فما ان حل شهر مايو حتى استدعاني المستر جيمس ليمد اليّ يده بورقه ما ان رأيتها حتى تذكرت استقالتي التي كنت قد قدمتها نتيجه لثوره نفسيه طارئه قال المفتش:
انني لم اتخذ اي اجراء حيال استقالتك هذه لانّي كنت واثقاً انك منفعل ومتوتر الأعصاب ولم يكن من المعقول ان اتخلى عنك بعد ذلك المجهود الذي بذلته خلال ذروة العمل فتناولتها منه شاكراً اما هو فاستطرد يقول: اسمع ، تقديراً للمجهود الصادق الذي بذلته اريد ان اخيّرك هل تحب ان تقضي الشهور الخمسه المقبله هنا ام في الخرطوم قلت في الخرطوم طبعاً .
قال لا تكن غبياً نحن جميعاً انا والمستر نيلون المهندس والسيد حمزه الخبير الزراعي ومحمد صالح المحاسب الأول ورمضان افندي عبد الخير المترجم وبقية الصيارفه كلنا سنقضي هذه الشهور الخمسه في الخرطوم ولن يبقى هنا غير شخص واحد ليباشر اعمالنا جميعاً ، يعني من سيبقى هنا سيكون هو المفتش والمهندس والمحاسب الأول والمترجم والصراف وسيكون صاحب السلطه المطلقه لينصرف بمجرد انتهاء عمله وطبعاً لن يكون هناك اي عمل الاّ اللهم النذر القليل افلا ترى اذن اني انما ارشحك لهذا المنصب تعويضاً لك عما تحملت من مشاق ايام الموسم.
فكرت قليلاً فاعجبت بالفكره وبصراحه اكثر ما اثار غروري هو انني سامثّل المفتش والمهندس و...و... الخ
فاجبت بوضوح انك على حق ياسيدي واني لجد شاكر لك على هذا العطف وآمل ان اكون عند حسن ظنك بي . وهكذا بدأت فتره جديده من فترات حياتي ، فتره كلها بهجه وعظمه ورفاهيه ، فتره قضيتها كلها في التجوال وعقد الصداقات والعلاقات الحميمه وهي علاقات غيرت نمط حياتي في كادجلي لا فيما يختص بالعمل فحسب بل في حياتي الخاصه ايضاً.

كنت استيقظ مبكراً فاتسلق الجبل المجاور لحي الموظفين وكانت هذه هي رياضتي المفضله وفي نحو الساعه السابعه ارجع الى البيت لأجد بائعة اللبن الحسناء تنتظرني فاقضي معها ساعه هانئه ثم ارتدي ملابسي فاتوجه الى المكتب حيث يقبل المراسله ليسوق الحصان الى مكان ظليل فامضي قدماً الى المحلج حيث يقوم العمال بصيانة آلاته فاتفقد عملهم .
اما في يوم وصول البريد الذي كان يصلنا مرّه كل اسبوعين فكنت افض الخطابات الوارده واسجلها واكتب الردود عليها وفي آخر الشهر كنت اجهز كشوفات المرتبات ثم احرر اذن الصرف بما نحتاجه من مبالغ لاسحبها من خزينة المركز لاصرف المرتبات وبعد الإنجاز اعتلي صهوة جوادي لأقوم بجوله في المدينه فاتعرّف على معالمها ومعالم ضواحيها واتبسط مع الموظفين في الحديث فنشأت بيني وبين الكثيرين منهم صداقه وطيده ولكن علاقتي ببعض الأحياء كانت اقوى من العلاقه العابره فهناك حي كنت اخصه بإهتمام خاص ذلك الحي هو فريق دار نعيله وهو حي متاخم لحجر المك رحال والحجر هو الجبل بلغتهم المحليه ، ودار نعيله هي بطن من بطون البقاره .

بدأت علاقتي باهل ذلك الحي عندما مررت به يوماً خلال جولاتي فوجدت بعض رجاله يسمرون تحت دوحه مورقه فحييتهم فاقبلوا عليّ يرحبون بي واصروا على استضافتي فاعتذرت لهم شاكراً ولكنهم الحوا بحراره وصدق واخلاص فلم يسعني الاّ الرضوخ لمشيئتهم مقدراً لهم هذا الكرم الفياض ثم ابو الاّ ان ادخل الى كوخهم وكانوا يرددون بإصرار ( اندس داخل ) فدخلت فاذا بالكوخ عار الاّ من سرير عريض منخفض يسمونه الدرنقل وهو عباره عن قوائم من الحطب ثبتت عليها اعواد من القنا الرفيعه او الجريد ، اجلسوني وسط الدرنقل امامهم فجلسوا القرفصاء على الأرض وقد رفضوا الجلوس على السرير رغم الحاحي فتوهمت انهم يخشون ان لا يحتمل السرير ثقلنا معاً ولكن ماحدث بعد ذلك دحض هذا الظن فقد بدأت الفتيات يتقاطرن بعد ان سمعن بحضوري وهنا حدث شئ عجيب .
لم تجلس الفتيات على الأرض بل جلسن حولي في السرير فاحطن بي احاطة السوار بالمعصم وهذا ان دل على شئ فعلى ثلاث معان.
الاول ان الفتاة تتمتع بحريه واضحه في تصرفاتها . اما المعنى الثاني فهو ثقة الرجال بنسائهم مما يحدوا بهم الى اكرام ضيوفهم بمثل هذا النوع من المجامله دون ان يخشوا عليهن من الإنزلاق . اما المعنى الثالث فهو التعبير للضيف عن بالغ ثقتهم في نبله وطهارة نفسه وهذا هو لعمري المتبع عند اكثر الامم حضاره وتقدماً فالضيف عند الغربيين يجلس بجوار زوجة المضيف في حين تجلس زوجة الضيف بجوار المضيف وفي هذا الإمعان في المجامله توكيد للثقه المتبادله وكان معظم الفتيات يعرفنني بحكم مزاولتهن بيع اللبن في حي الموظفين فرحن يسألنني عن ام درمان وعن قبة المهدي وعن السيد عبدالرحمن المهدي فرحت احدثهن عنه بتبسط، عن كرمه وعن زواره وعن مريديه وعن قصره وباخرته وسيارته فكن يلتهمنني بعيونهن وقد بهرهن حديثي عن سيادته ثم سألنني عن الخليفه فقلت ان ابنه السيد حمزه عبدالله يعمل معنا في كادجلي كخبير زراعي فكن في غاية السعاده من هذا الحديث .

متابعة

الحبيب يوسف الموصلي
شكراً على المتابعه بس ياخوي انت بقيت بخيل ولا شنو
محتاج لتعليقك وملاحظاتك القيمه
في انتظارك دائماً فلا تحرمنا من حضورك العزيز.

نواصل
فلما هممت بالانصراف صاحوا كلهم الرجال والنساء معاً. كو مابتسير يعني لا لن تذهب فاحتجزوني حتى جاءوا بطعام الغداء ، وبصراحه عافت نفسي طعامهم في البدايه نظراً لمنظر الآنيه التي قدموا فيها الطعام ولكني رأيت ان لا مفر من تناول بعضه حتى لا اجرح شعورهم ولكن صدق او لا تصدق ، اني ماكدت اتذوق ذلك الطعام حتى التهمته التهاماً وظللت أأكل بشهيه حتى اتيت عليه باكمله . وكانت دجاجه قطعت الى اجزاء ثم طهيت بطريقه ممتازه فكان اشهى طعام تذوقته في حياتي .
وبعد تناول الشاي لم يتركوني انصرف إلاّ بعد ان وعدتهم بتكرار زيارتي لهم . وفعلاً زرتهم بعد اسبوع فبالغوا في اكرامي مما جعلني اكرر زياراتي لهم عدّة مرات وكنت احمل معي فونغرافي الشنطه واذكر اني كنت املك اسطوانه تركيه تغني فيها إمراه بصوت ناعم غايه في العذوبه وكان اللحن مرحاً ولطيفاً تتخلله صرخات ناعمه فيها الكثير من الدلال وكانت الفتيات تسألنني (ماله بتعيط كى ) يعني مالها تصرخ هكذا ولم اكن اعرف السبب ولكني قلت ان صديقها يقرصها فتصرخ هكذا .
فإذا بهن ينفجرن من الضحك وراحت إحداهن تقول وكأنها تخاطب شخصاً امامها ( الله يخربك يالقاهره. مالكي بتعيطي كى عجبكي؟ ) .

من خلال جولاتي المتواليه على الأحياء تعرفت على شاب ذكي خفيف الظل اسمه اسماعيل جوهر ، كان اسماعيل يعمل خياطاً وكان يمارس عمله في منزله فكان في الصباح يضع ماكينته تحت ظلال شجرة هجليج لا تبعد عن مدخل البيت إلاّ بخطوات قلائل. كنت كلما مررت بحّيهم اترجل لاقضي بعض الوقت بجواره وكان يشدني اليه صوته العذب الرخيم الذي تعوّد ان يترنم به وهو يعمل . سالته ذات يوم الم تحاول استغلال صوتك الجميل هذا بإحياء بعض ليالي الأفراح؟ فابتسم وقال ، لقد كنت في كوستي اشهر من يحيي ليالي الاعراس ولكني هنا لم احاول خوض هذه التجربه نظراً لعدم وجود الراقصات . قلت بدهشه : لقد شاهدت في حي الملكيه هذا اكثر من عشر فتيات يرقصن ببراعه في رقصة ( ام هجو ) _ رقصه شعبيه _ فاجاب اسماعيل بمراره . فعلاً فهن يرقصن ام هجو والنقاره والكمبلا وجميع الرقصات المحليه ، اما رقص اهل البحر ( هم وجميع اهالي كردفان يطلقون على سكان المدن المتاخمه لنهر النيل ، ناس البحر ، وذلك لان منطقتهم لا نهر فيهافلا يعرفن عنه شيئاً ) . قلت هذا امر عجيب حقاً ولكن قل لي لقد عشت واسرتك في كوستي عدّة سنوات افلا تعرف بتول اختك كيف ترقص؟
قال بتول ترقص جيداً كذلك زينب بت القدال ولكن لا يمكن اقانة حفل براقصتين فقط.
قلت فعلاً. ولكن لماذا لا تتعلم بقية الفتيات من زينب وبتول .
قال لانه لم يفكر احد في ذلك ومهما يكن من امر فلا بد من دفع وتشجيع. قلت دع لي هذا الأمر وكل ماعليك هو ان تجمعني بفتيات الحي هنا في منزلكم.

لم اكن اتصور ابداً ان يتم هذا الأمر بهذا النجاح الذي حققه فما ان شرحت المشروع للفتيات حتى استخفّهن الطرب واظهرن منتهى الحماس للتدريب على الرقص خصوصاً بعد ان قلت لهن ، بعد اسبوع سنقيم حفلاً ترقص فيه بتول وزينب وسأنظم لكل منهما اغنيتين باسمها شخصياً لترقص على الحانهما وسوف يكون لكل منكن اغنيتين بإسمها بمجرد ان تعرف كيف ترقص.

لن اصدع رأس القارئ بتفصيلات بقية ماحدث ولكني اجمل الأمر بانه لم يمر شهر واحد حتى وكان حديث الرقص وحديث الحفلات وحديث الأغاني التي نظمت لكل فتاة بإسمها هو الشغل الشاغل للمدينه.
ولما كانت تجربتي الأولى في نظم الأغاني فقد كانت بسيطه ساذجه اذ كانت هي تجربتي الأولى في قرض هذا النوع من الشعر ولكنها كانت بالنسبة للفتيات اعظم من كل ماسمعن من قبل لاسيما انها كانت تنظم بأسمائهن الشخصيه ولكن مع شئ من التعميه ففي تلك الأيام كان الشاعر يرمز الى اسم من يتغنى بمحاسنها الى رقم الحرف الأول من اسمها بالنسبه الى الحروف ألأبجديه فحرف الباء مثلاًرقمه في الحروف الأبجديه هو الرقم اثنين والزين مثلاً سبعه وهكذا ولكي اقرب الأمر الى ذهن القارئ هانذا اسوق اليه اول مطلعين لتلك الأغاني ليدرك كم هي كانت بسيطه وساذجه.
بالنسبه الى بتول قلت:
اتنين ام ريد اتنين ياناس * مكحولة العين الماخده الكاس
اما زينب فكان مطلع اغنيتها
سبعه يازينة حياتي * انت غايتي وقبلة صلاتي

نواصل المحطات
كانت الفتيات يتبارين في التدريب غلى الرقص فتسعى كل منهن لإجادته لتفوز بالاغنيات التي تنظم بإسمها قبل الاخريات ، وقد تفشّ الامر لا في حي الملكيه وحده بل تعداه الى كافة الاحياء إذ بدأت الفتيات يتقاطرن الى حلبات التدريب من شتّى الاحياء .
اما انا فكان كل همي هو نظم اكبر عدد من الاغاني فكنت اعمل ليل نهار لا كشاعر يقرض الشعر ويستلهم الخيال ولكن كصاحب مصنع يعمل بكل طاقته ليغطي بإنتاجه ماتقيّد به من التزامات .
وكان التعويض الوحيد الذى نلته على هذا المجهود الجبار ، هو رفض الفتيات الرقص على انغام الاغاني المشهوره التي كان اسماعيل يحقظها من كتاب الاستاذ ابراهيم العبادي وإصرارهم على الرقص على نغمات ما أنظمه لهن وبأسمائهن ، وصدقني ان هذا الامر قد غيّر من اسلوب الحياة في كادقلي وتسبب في عقد زيجات كثيره، فالشبان كانوا سابقاً يروا البنات وهن يرقصن الرقصات الشعبيه في ظلام الشارع وقد عفر الغبار اقدامهن ووجوهّهن اما الآن فاصبحت الفتاة تبدو في ضوء الرتينه وهي في اكمل زينتها واجمل ثيابها ثم ان هذا الرقص الفردي يجعل العيون مركّزه على الراقصه لفتره طويله وقد تجلت مفاتنها في تمايلها وتثنّيها الرشيق البديع وهذا فضل اعترف لي به اهالي كادقلي كلهم وقد عبّروا عن تقديرهم لي ومشاعرهم نحوي بحفل الوداع الذي اقاموه قبيل رحيلي الاخير عنهم .

طفقت الحياة تسير قدماً في كادقلي سهله مريحه رغده هانئه وقد توطدت علاقاتي بمعظم الاهالي واصبح الجميع ينشدون صداقتي وانا بدوري كنت اعزز هذه الصداقه واقوّي اواصرها بالخدمات الإجتماعيه التي كنت اقدمها بلا مقابل حتى اضحوا يلجأون اليّ في حل مشاكلهم ، حتى العائليه منها . واستمر الحال على هذا المنوال حتى اواخر سبتمبر وقد بدأ المفتش والمهندس ثم المحاسب وبقية الموظفين يصلون من الخرطوم حنى اكتمل عددهم فبدأ الموسم الجديد في اوائل اكتوبر من عام 1931 م.

تم يكن العمل في موسم عام 1931 يختلف كثيراً عنه في موسم 1930 ، إلاّ ان المران والممارسه السابقه قد هونا علينا الامر فاصبح طبيعياً وقد تعوّدناه ولحسن الحظ لم تحدث اي مشاكل خلال ذلك الموسم ، وحتّى مرض الملاريا اصبح من العاديات في حياتنا لاسيما وقد بدأت المستشفى تحصل على عقاقير جديده بالنسبه الى الكينا السائله فقد جلبوا حقن الكينا وحبوب البلسمشين واخرى تسمى الاتبرين فكان لمفعولها القوي السريع اعظم معين لنا على الإستمراريه في العمل رغم إصابتنا بالحمى من وقت الى آخر وفي خلال ايام الموسم استدعاني المفتش الى مكتبه حيث فدم لي اورنيكاً وقال : عند اكتمالك الحاديه والعشرين كتبت لرئاسة المصلحه طلباً بإدخالك في الخدمه المعاشيه فوافقوا على ذلك وارسلو هذا الاورنيك لنملأه فملأته شاكراً وإن كنت اعلم ان عمري آنذاك لم يتجاوز التاسعة عشر فعند التسنين قدره الطبيب بعشرين سنه مع اني كنت اعلم اني لم اكن قد اكملت الثمانيةعشر سنه، فلمااردت المعارضه نصحني بعض الاصدقاء بأن لا افعل بحجة ان ماقبل الحاديه والعشرين اعوام ضائعه لان الموظف لا يدخل المعاش إلاّ اذا اكمل الواحد والعشرين من عمره. وبهذا فهم يرون ان من صالحي ان يكون عمري قريباً من الواحد والعشرين .

وبعد شهرين جاء التصديق بقبولي في الخدمه المعاشيه فاصبحت راسخ القدم في وظيفتي الحكوميه مما زادني ثقه في النفس وفي مستقبلي .
واستمر الحال على هذا المنوال حنى حدث حادث خطير في نهاية ايام الموسم.
كنا في شهر ربيع وليالي المولد النبوي الشريف تقام في كادقلي شأنها شأن كل المدن الاخرى في السودان ، ولمّا لم يكن في المدينه في ذلك الحين مسرح او سينما فكانت وسيلة الترفيه الكبرى لدينا هي التجول في المولد لاسيما في أخريات لياليه وكنت اتجول كالعاده مع الآخرين في المولد في الليله الأخيره وبينما انا جالس في صيوان المركز لاستجم قبل معاودة تجوالي مره اخرى اقترب مني صبي في نحو العاشره من عمره وقال لي بصوت هامس:
بخيته قالتليك اخد ليها حلاوة المولد. ودهشت في الواقع فبخيته غانيه فاتنه اشتهرت بجمالها واناقتها ولكني لم احاول التعرف عليها اولاً لانها ليست من النوع البرئ الذي يهفو اليه قلبي ، ثانياً لاني كنت اعلم كما يعلم الجميع انها صديقة المأمور ، وحيرني طلبها فمن الواضح انها لا تفتقر الى من يزوّدها بما تشتهيه من حلاوة المولد ولكني كنت اعرف ان مثل هذا الطلب تتخذه الفتيات كوسيله للتعرف او جذب نظر شخص معيّن، ولما لم اكن من الشبان الذين يردون لحسناء طلباً فقد اشتريت كميه كبيره من كل انواع الحلوى وحمّلتها الصبي مع تحياتي ولكن بخيته هذه كانت مصرّه على الإستمرار في لعبتها وإجتذابي نحوها فارسلت الصبي مره اخرى ليبلغني تشكراتها وليخبرني عن لسانها انها ستنتظرني في دارها في الساعه العاشره من مساء اليوم التالي فيا للمأزق الحرج . ما الذي تبغيه مني هذه المرأه اللعوب .

لقد استهجنت دعوتها هذه فانّي أؤمن ان من دواعي كرامة المرأه وعزّتها ان ينشد الرجل ودها لا ان تعرضه هي عليه دون ان يصدر منه مايوحي برغبته فيها ولكن ومهما يكن من امر فليس من الرجوله في شئ ان اتقاعس عن موافاتها في الموعد المحدد او هذا ماأوحاه اليّ سن الشباب وطيشه وتهوّره.
تسللت الى بيتها عبر الصريف فما كدت اتوسط الفناء حتى برز لى من جوف الظلام اربعة شبان يحملون الهرّاوات وانتهروني بقولهم: اجيف عندك ( يعني قف ماشي وين؟ ) فادركت اني قد وقعت في الفخ وفي مثل هذا الموقف لابد لمن هو في موقفي ان يتخذ سبيلاً من اثنين اما ان يجبن فيحاول الهرب ليصير اسمه مضغه في الأفواه واما ان يصمد وليكن مايكون.
ولم اتردد فرفعت عكازتي وهويت بها على اقربهم مني فاصابته في رأسه فسقطت عمامته وتراجع ، ويبدو ان الآخرين قد فوجئوا بهذا الهجوم فجمدوا في مكانهم لفتره وجيزه ولكنها كانت كافيه لتراجعي نحو شجرة تبلدي كانت في وسط الفناء فحميت ظهري بها ورحت ادفع عني ضرباتهم واوجه اليهم ضرباتي .
وهنا حدث مالم يتوقعونه او اتوقعه اذ دخل الى الفناء نحو عشره شبان من اصدقائي كانوا يراقبون المعركه سراً من الخارج فأحاطوا باللأربعه وبادرهم احدهم بقوله : بالله انتو رجال انتو؟
اربعه على واحد ويغلبكم . كان المتحدث هو اسماعيل جوهر ومعه افراد الكورس وآخرين من اصدقائهم وقد اخبروني انهم علموا ان الصبي الذي ارسلته بخيته قد ذهب الى المأمور وحدثه بما كان فاوعز الى زبانيته ان يترصّدوني ليحملوني على الهرب او يضربونني ضرباً مبرحاً ان ابيت الهرب وقد تتبّع اصدقائي هذه القصه فاختبأوا خارج البيت ليروا مايتم ثم اقتحموا الصريف قبل ان تخذلني قواي ازاء كثرتهم.
اما بخيته فقد خرجت من غرفتها ووجّهت للمعتدين اغلظ الألفاظ ثم طردتهم شر طرده. وفي اليوم الثاني كانت فضيحه كبرى لحقت بالشبان الأربعه وبالمأمور نفسه فقد تفننت النساء باغنيه ضاحكه تندد بالجبن والجبناء والجبان الأكبر الذي يرسل سواه لمواجهة غريمه.
وانتهى الامر عند هذا الحد ولكني احتفظت بالعمامه زمناً طويلاً كرمز للنصر حتّى تدخّل الوسطاء فرددتها الى صاحبها .

في عام 1932 اجتاحت العالم ازمه ماليه طاحنه فكسدت التجاره وتوقفت المصانع عن الإنتاج لتكدس المنتجات في المخازن وقد احرقت البرازيل محصول العام السابق من البن حتى لا تتدهور اسعاره نتيجه لكثرة العرض وقلة الطلب ومع ذلك اختل الميزان التجاري وتدهورت الأسعار في كل انحاء العالم واذكر ان اغنيه بهذا المعنى كانت فد اشتهرت مطلعها يقول (سنة الأزمه* سبعه قروش تلبس جزمه ).
هذه الأزمه ارغمت الحكومه على توفير اعداد كبيره من الموظّفين والعمال مما جعلنا نعيش في حالة قلق مستمر لاسيما نحن موظفو الزراعه إذ خفّضت المصلحه ثمن القطن فكان الموسم هزيلاً وانكمش حجم العمل مما جعل الإستغناء عن بعضنا امر لا بد منه وهكذا استمر الحال معي ففي كل شهر تقريباً كان يصدر بيان باسماء الموظفين الذين تقرر الإستغناء عنهم فكنت اعيش في توجّس حتى يصدر البيان فاتنفس الصعداء عندما اجد البيان خلواً من اسمي ولكن ليبدأ القلق من جديد ثم يتكرر الاطمئنان ليبدأ القلق مره اخرى وهكذا دواليك، حتّى انقذني من هذه الدوامه وصول نبأ نقلي الى مصلحة المخازن والمهمات بالخرطوم بحري ولكن الذي حيرني في امرهذا النقل هو التسميه التي اطلقت على الوظيفه التي سأشغلها وهي " امين مخازن " فهم يعلمون اني عيّنت وتدربت ومارست العمل كمحاسب فما هو السر في تغير وظيفتي ولكني ادركت سر هذا التغير عندما تذكرت ان مصلحة الزراعه لاتطلق لقب محاسب الاّ على المحاسب الأوّل اما المحاسب الثانوي فكانت الزراعه تضفي عليه لقب محاسب مخزنجي وقد يكون اساس هذه التسميه هو اضافة اعمال المخزن في بعض المحطّات الى المحاسب الثاني اما بالنسبه لي شخصيّاً فانا لم اعمل في اي مخزن ولا كانت لي اي صله باعمال المخازن لا من قريب ولا من بعيد وهكذا تلعب اشياء بسيطه بمصاير البشر فهذا هو القدر المسطّر فمجرد كلمه عابره الصقت بوظيفتي كانت هي السبب الأساسي في تغير وظيفتي بل في تبديل مستقبلي كله ، وسبحان مقسّم الأرزاق .

هذاوقد فهمت اخيراً انه عندما اتضح ان حجم العمل في كادقلي لم يعد يحتملني بدأوا يبحثون لي عن مصلحه اخرى تحتاج الى محاسب فلم يجدوا .
فلما لاحظوا في ملف خدمتي اني اشغل وظيفة محاسب مخزنجي وجدوها فرصه مواتيه لنقلي الى مصلحة المخازن والمهمات لاحل محل امين مخازن كان قد توفي الى رحمة الله وهكذا قدر لي ان اظل في مصلحة المخازن من ذلك التاريخ وحتّى نهاية خدمتي .
قبل وصول نبأ نقلي كنت شبه متفرّغ لنظم الأغاني . اخيراً حان وقت رحيلي ولكن اهالي كادقلي جزاهم الله عني كل خير ابوا إلاّ ان يقام على شرف وداعي مهرجاناً غنائياً راقصاً يستمر ثلاثة ايام وفعلاً عاشت المدينه ثلاث ليال في غناء ورقص مستمرين وكانت الليله الأولى مخصصه للرقصات الشعبيه فانتظمت حلقات النقاره وام هجو ورقصات اخرى كثيره .
اما الليله الثانيه فكانت حفله راقصه جمعت كل فتيات المدينه اما الليله الثالثه فقد كانت دعوه خاصه من الفتيات انفسهم وقد وجهن الدعوه الى جميع الموظفين والعمال وقد جهّزت لنا المقاعد في مواجهة السباته ( وهي الحصير او البرش الناعم الملون ) التي جلسن عليها وهن في ابهى زينتهن وبعد تقديم الشراب والحلوى رحن يتغنّين كمجموعه بمقاطع الملحمه التي نظمتها بمناسبة الوداع وقد خصصت لكل فتاة مقطعاً بإسمها الصريح ثم ختمن الحفل بأغنيه طويله من تأليفهن.
كان اللحن جمبلاً حزيناً اما الكلمات فكانت تعبر عن تقديرهن لشخصي واسفهن لسفري وقد اخجلن تواضعي بما اضفين على شخصي من صفات الكرم والبطوله والشجاعه والقوه والرجوله والفروسيه والوفاء في شعر رقيق يأسر اللب ويهز المشاعر .
الا رعى الله كادقلي وايام كادقلي ومواطني كادقلي .

كان يوم فراقي لكادقلي يوماً مشهوداً فقد تأثّرت ابلغ التأثّر من الصوره التي ودعتني بها المدينه فقد رافقني اصدقائي الموظفين الى خارج المدينه وكان اكثر ماهزّني وسيطر على مشاعري اننا كلما مررنا بحي من الأحياء ونحن في طريقناالى خارج المدينه وجدنا اهل الحي وقد تجمّعوا في الخارج لوداعي ، وهكذا تركت كادقلي وانا دامع العين لفرط تأثّري مع انها هي نفس المدينه التي كنت اكاد ابكي من القهر عند اوّل عهدي بها لكثرة ماواجهته فيها من شدائد وصعاب فسبحان مغيّر الأحوال.

سارت القافله وانا ساهم مكتئب عازف عن الحديث مع فتيات الحمله مما جعلهن يحاولن بشتّى الطرق ممازحتي وقد تحمّلن جفوتي وصدودي عنهن بصبر عظيم حتّى استطعن ان يخرجنّي من تلك الكآبه فرحن يتندرن ويعلّقن تعليقاً ظريفاً على حالتي وعلى تلك التي تخيّلن انها شغلتني الى هذا الحد وهكذا استمرّت الرحله حتّى وصلنا عند الغروب الى استراحة الغلفان وبعد تناول طعام العشاء انصرفت الى سريري وانا مشغول الفكر بما ينتظرني في ايامي القادمه .

وصلت الى العاصمه فتوجّهت الى رئاسة مصلحة الزراعه والغابات حيث قدمت صورة الخطاب الذي ارسله لهم مفتش الزراعه في كادقلي مشيراًالى نقلي الى مصلحة المخازن طالباً تزويدي بالأوراق التي تمكّنني من تقديم نفسي الى المسئولين في مصلحة المخازن ، وهنا حدث شئ غريب ! شئ لم اكن اتوقع حدوثه بل وحتّى الآن لا اكاد اصدق وقوعه فعلاً لشذوذه عن المعتاد . ذلك ان رئيس قلم المستخدمين سلمني يداً بيد ملف خدمتي العادي ومعه ملف خدمتي السري طالباً منّي ان احملها الى المسئولين في المخازن ومعها الخطاب الذي يشير الى قرار نقلي اليهم .
تعجبت كيف يسلم الملف السري لصاحبه ليطّلع عليه ؟! فلو حدث هذا في العصر الحاضر لما استنكرت ذلك كثيراً نظراً لما ساد البلاد من التفكك والاستهتار وعدم التقيّد بحرفية القوانين وهذا للاسف ما هو واقع ولا سبيل الى تجاهله اما في زمن الإستعمار وهذا مما يؤسف له حقاً فقد كان من المستحيل تجاهل القوانين ومبعث الأسف هو ان يكون التزامنا بالقوانين في زمن الاستقلال اقل منه في زمن الاستعمار.

ظننت بادئ ذي بدء ان رئيس قلم المستخدمين قد اقدم على هذا الامر نظراً لخلو ملفي من اي شئ ذي بال ولكن سواء كان بالملف او لم يكن به مايستحق الاهتمام فقد صممت على الاضطلاع على كل ورقه فيه ولذا وبدلاً من التوجه الى مصلحة المخازن توجهت راساً الى منزلي حيث اخذت اقلب اوراق الملف السري بدقه وعنايه ، ويالهول ماجدت فيه! لاحظت اولاً ان التقارير التي كتبها عني المستر جيمس كانت جيده جداً ولكن الذي روعني حقاً هو ماكتبه عني المستر كنج مفتش الرئاسه في الزراعه .
قال في كتابه الاول للسكرتير المالي مامعناه بما ان الحكومه حريصه على تسريح اكبر عدد ممكن من الموظفين نسبه لظروف الازمه الافتصاديه الماليه ، فهو يوصي بالاستغناء عن خدماتي .
ولقد اذهلني ان اكتشف ان هذا الخطاب لم يكن الاّ بدايه لسلسله من الخطابات المماثله بلغ عددها ستة خطابات وكان ملخصها لا يخرج عن الاشاره لخطابه السابق الذي طلب فيه الاستغناء عن خدمتي مبدياً دهشته لبقائي في الخدمه رغم توصيته ويوصي بشده ان تتضمن القائمه المقبله اسمي ، ورغم تكرار هذه الخطابات المتواليه فلم يستلم المستر كنج اي رد على اي منها فكتب اخيراً خطاباً شديد اللهجه يعبر فيه عن ذهوله لعدم توفيري وعدم الاهتمام بالرد عليه.
عندئذ جاءه رداً قاسياً من السكرتير المالي ملخصه كالاتي:
نرجو بدلاً من ازعاجنا بخطاباتك المتواليه التي تحاول فيها تلقيننا درساً في صميم اعمالنا ونرجو بدلاً من اضاعة وقتك ووقتنا في مثل هذه الاشياء ان تركز اهتمامك في اختصاصاتك وحدها اما عن مسعد حنفي الذي تلح على توفيره فيجب ان تعلم ان سياسة الحكومه هي توفير الموظفين الذين ينطبق عليهم شرط من شرطين وهما اما ان يكون غير سوداني او يكون سودانياً ولكن في تقاريره مايثبت عدم جدارته بالاستمرار في وظيفته وبما ان الموظف المذكور سوداني كما هو واضح من مستندات ملفه فلا سبيل الى توفيره الا اذا كان لديك من التقارير مايثبت عدم كفاءته ، اما اذا كنت لا تملك شيئاً ضده ومع ذلك لا ترغب في استمراره معكم فنحن على استعداد ان ننقله الى مكان آخر شريطة ان لا تطلب بديلاً له.
وكانت النتيجه ان وافق المستر كنج على نقلي وبالتالي صدر امر نقلي الى مصلحة المخازن .

ياسبحان الله!! مالذي بين هذا الكنج وبيني ليناصبني كل هذا العداء! ومهما يكن من امر فقد شكرت في نفسي السيد رئيس قلم المستخدمين الذي اتاح لي بإهماله فرصة كشف كل هذه الاسرار المذهله ثم حمدت الله سبحانه وتعالى الذي نصرني رغم ضعفي على موظف بريطاني كبير وهكذا ذهبت الى المخازن وانا مطمئن البال، فقابلت المدير وهو يومذاك الكابتن جب (بكسر الجيم) فدار بيني وبينه نقاش طريف .
ظللت واقفاً امام الكبتن جب بعد ان صافحني ثم انخرط يقلب صفحات ملف خدمتي السري ويبدو ان شيئاً هام في الملف قد لفت نظره فشغله عنّي ثم سمعته يتمتم كمن يخاطب نفسه: حنفي...حنفي...حنفي اوه احمد حنفي اهو اخوك؟
قلت نعم، قال : كان اخوك هذا موظفاً في هذه المصلحه ثم استغنينا عن خدماته بسبب جنسيته المصريه فكيف حدث ان بقيت انت في الخدمه حتّى الآن اذن؟.
قلت بثبات : ذلك لان احمد مصري اما انا فقد بقيت في الخدمه لانّي سوداني . قال: اهو لغز هذا الذي تقوله؟ واضح امامي من ملفك انهم ابقوك لانك سوداني ولكن الشئ الغير واضح هو كيف يكون الاخوان احدهما مصري والآخر سوداني؟.
فاجبته بثبات ورباطة جأش مستمده من اضطلاعي على الملف : ليس في الأمر اي لغز ياسيدي ذلك ان والدي كمسلم قد تزوج من امرأتين احداهما مصريه والأخرى سودانيه (وهي امي) ولقد كان ابي نفسه موظفاً في الحكومه وانهيت خدمته لمصريته فاخذ زوجته المصريه وابناءه منها ورحل الى وطنه اما والدتي فقد فضلت البقاء في وطنها وبين ظهراني اهلها ومن ثم بقيت انا معها رافضاً النزوح الى بلد لم اره من قبل وبغير والدتي.
فأجاب المدير بلهجة المقتنع: مضبوط هاهي شهاده في ملف خدمتك تثبت ان والدتك سودانيه من قبيلة الجعليين ولما كنت قد آليت على نفسي ان اتوخّى الصدق والدقه في سرد احداث هذه المذكرات فمن الافضل ان اصارح القارئ بان كل ماجاء في الملف عن اسم وجنسية والدتي مزيف وغير صحيح فانا شقيق محمد حنفي الذي كان موظفاً في السكك الحديديه واستغنى عن خدماته واحمد حنفي الذي كان موظفاً في مصلحة المخازن والمهمات شقيقهما من ناحيتي الاب والام معاً ولكن لما كان لوني يفصح عن انني قد اكون من اصل مصري وكان الانجليز يعملون بشتّى الطرق على اقصاء المصريين من السودان ويقفون حجر عثره في طريق التحاقهم بالوظائف الحكوميه فقد فشلت كل الفشل في الحصول على عمل بسبب هذه العقبه مما جعلني اتجه نحو التجاره فيما مضى فلما عزفت عنها وفكرت في الالتحاق بالوظيفه سعى والدي رحمه الله الى الحصول على هذه الشهاده ولصداقته بالعمده رحمة الله عليه الذب كان واثقاً من ان ابي لا ىرمي الا الى الحاق ابنه بالعمل وهو عمل خير لا يضر احد فقد وقع على الشهاده التي تثبت ان والدتي جعليه اسمها فاطمه احمد من اهالي شندي وبناء على توقيع العمده وقع المأمور وبالتالي صدق عليها مفتش المركز .
وهكذا كنت ترى الانجليز يحاربون المصريين في ارزاقهم والمصريون لضعفهم يلجأون الى شتّى الحيل لتذليل مايضعه الانجليز امامهم من عقبات.

كم هى رائعه زكريات والدكم مسعد حنفى ، وكما أسميته انا قبلا المظلوم ، وذلك خلال مساجلات كثيره وردت فى جريدة الخرطوم بخصوص أغنية الناعسات عيونن ............. متابعين وبدقه .

الاخ بشير
تحياتي وشكراً على المرور العزيز
الاخ صديق الموج وعدني من مده بان يمدني بمادار من مساجلات تخص الناعسات عيونن ووجه القمر سافر
في جريدة الخرطوم ولكنه وللاسف اخلف وعده رغم وجوده الدائم في المنتدى وهانا مره اخرى اطلب منه
الوفاء بوعده فهو صاحب قلم مميز.

بعد مقابلة المدير حولت الى كبير امناء المخازن وهو بريطاني بدوره فالحقني بالعمل في القسم الرابع وكان يسمى آنذاك (اربعجي) حسب التسميات القديمه التي ورثها الحكم الثنائي عن الحكم التركي ، والقسم الرابع هو القسم الخاص بجميع مطبوعات الحكومه من ارانيك ودفاتر وقوانين ومنشورات وكان العمل في هذا القسم سهل ومريح ولكن وضع الاصناف وتنظيمها كان معقداً جداً فالصنف الواحد وضع في عدة امكنه وبغير نهج ثابت وفي الواقع دهشت لهذا الارتباك في وضع الاصناف مع اني توسمت في رئيس القسم الكفاءه والوعي الكامل ولكن بعد دراسه وإمعان استطعت ان ادرك السر في هذه الفوضى ذلك انه عندما نظم المخزن للمره الاولى وضع بتسلسل وتقسيم جيد ولكن فات على المنظم ان الكميات التي كانت موجوده آنذاك ليست هي الكميات الكامله فمثلاً دفتر معين كان الموجود منه في ذلك الحين 400 دفتر وضعت في مكانها الصحيح ثم وضع بعدها رأساً النمره التي تليها ولكن بعد حين اتضح ان مايطبع من هذا الدفتر المعين 2000 تصل من المطبعه على دفعات فلما وصلت الدفعه الاولى لم يكن في المكان المخصص لهذا الصنف متسع للكميه الجديده فوضعت في اي مكان خال فاذا نفذت ال400 دفتر الاولى اصبح من العسير العثور على الكميه التي وصلت بعدها لانها وضعت في غير مكانها الحقيقي .

بعد عام نقل رئيس القسم الى قسم آخر فاصبحت انا الرئيس بعد ان زودوني بموظف آخر كمساعد لي وكان من حسن حظي ان نقل القسم نفسه الى بنايه اخرى مما هيألي الفرصه لتنظيم المخزن بتخطيط جديد فقد خصصت لكل قسم من اقسام المطبوعات كالحسابات والايرادات والاداره والقضائيه و...الخ...الخ مكاناً خاصاً ووضعت كل الاصناف حسب نمرها المسلسله بعد الاتصال بمكتب المطبوعات لمعرفة الكميه التي تطبع فاترك مكانأ كافياً لاستيعاب الكميه كلها بغض النظر عن الموجود منها حالياً كما وضعت فاصلاً كوّن غرفه منفصله بباب يقفل بالقفل فخصصته للمستندات الحساسه كالرخص والايصالات واذونات الصرف ومالى ذلك ثم كتبت لوحات انيقه باسم كل من المطبوعات توضع في بداية القسم وهكذا اصبح في وسع اي موظف ان يعمل بوضوح منذ يومه الاول في القسم وكان المدير السابق قد تقاعد وحل مكانه مدير جديد يدعى الميجر فولي ، كان الميجر فولي قد زار القسم في وضعه السابق فندّد به ولكني بينت له ان هذا العيب قديم ولا دخل لي به وشرحت له نيتي في تنظيمه فور الرحيل الى البنايه الجديده فقال بتشكك سنرى .
وبعد اكتمال النظام الجديد رجوته تليفونياً ان يتكرّم بزيارة القسم لمشاهدته بعد تنظيمه فحضر فوراً وتجول فيه وفي نهاية زيارته هنأني باكثر مما كنت اتوقع اذ قال:
اهنئك والواقع كنت اعرف انك قادر على تنظيم المخزن ولكني لم اتوقع ابداً ان يتم التنظيم على هذا المستوى من الدقه والجمال وعلى فكره من هو الفنان الذي كتب لك هذه اللوحات ، قلت كتبتها بنفسي . فقال مدهش انت فنان اصيل وموظف كفء ولكن ارجو ان لا يكون نتيجة مجهودك العظيم هذا سبباً في نقلك اذ لا ارى اي ضروره لبقائك في هذا القسم وقد اصبح من الوضوح بحيث يستطيع تحمل مسئوليته اي امين مخزن آخر! قلت لو نقلتني الى قسم آخر فهذا ما اريده فانا في نيتي ان ادرس بقيّة الاقسام.
اما اذا نقلتني الى المحطات الخارجيه فسيكون هذا كجزاء سنمار فضحك وقال بصدق لن يحدث.

وفعلاً بقيت في الخرطوم لغاية 1941 متنقلاً بين مختلف الاقسام والمكاتب مما جعلني اتمكن من كل خبايا تلك المصلحه وقد انتدبت خلال تلك الفتره لتنظيم كثير من مخازن المصالح الاخرى في العاصمه .

افدت كثيراً من التنقل من قسم الى قسم فمن المتبع في مصلحة المخازن تخصيص قسم لكل نوع من الاصناف فالقسم الاول يحوي المصنوعات الجلديه من لوازم الخيول ومختلف الحيوانات الاخرى من سرج ولجم وخلافه والقسم الثاني يشمل المنوعات كالاثاثات المكتبيه ومختلف المعدات ، اما القسم الثالث فيشمل الملبوسات بانواعها سواء للجيش او السجون او البوليس كذلك ملبوسات السواقين والمراسلات كما يشمل الاغطيه والبطاطين وما الى ذلك اما القسم الخامس فهو قسم جميع لوازم الداخليات والمدارس من اثاث وكتب وادوات الرياضه ومعدات المطبخ اما القسم السادس ففيه ادوات الكتابه والسابع قسم الاسلحه والذخائر اما القسم الثامن فيشمل المواد الخام التي تمون الورش من اقمشه وجلود وقطن والحديد بشتى انواعه ومقاساته كما ان هناك قسماً اضافياً يسمى الثاني ب ويحتوي كل انواع الاخشاب بمختلف المقسات ، اما القسم التاسع فهو قسم الاغذيه كالذره والسمسم والعدس والارز وما الى ذلك هذا بالاضافه الى قسم الترحيلات وهو القسم الذي يستلم المنصرف للمحطات والمدارس من مختلف الاقسام فيعبئها ويشحنها وهو القسم الذي تتبع له جميع العربات .

نكمل غداً.

نكمل
ثم هناك المكاتب وهي عديده ولكل مكتب مهمه خاصه فمكتب المراقبه هو الذي يستلم الطلبات ويراجعها مع المرتبات ثم يمررها للقسم المختص للصرف اما مكتب التموين والعقود فهو المسئول عن جلب الاصناف سواء من السوق المحلي او الخارج بعد نشر اعلان عطاء عن كل صنف بمواصفاته وعمل العقود مع من يقع عليهم الاختيار للتوريد ثم مكتب الحسابات ومكتب الكرت وبه كرت طبق الاصل من كل كرت في المخازن للرقابه والموازنه ثم مكتب المراجعه الذي يقوم بمراجعة الاصناف في جميع الاقسام والجدير بالذكر ان امين المخازن في المديريه يقوم بجميع هذه الاعمال بصوره مصغّره فهو يستلم الطلبات من المركز ليراجعها مع المرتب ثم يجمع طلبات مراكز المديريه كلها في طلب واحد يقدمه لمصلحة المخازن في حدود مرتب المديريه ثم يستلم الادوات ليوزعها على المراكز وهو المسئول عن تقديم ميزانيه مخازن المديريه و...الخ مع مراعاة شروط وقوانين المخازن فالادوات منها المستهلك ومنها الغير مستهلك ولكل منهما وقت معين يطلب فيه وشروط خاصه يخضع لها على ان تقوّم اصناف كل قسم في طلب منفصل ومن لم يتدرّب في كل هذه الاقسام والمكاتب لا يستطيع القيام بعمل امين مخازن المديريه وويل لمن يبدر منه مايدل على عدم المامه بكل جوانب العمل فمصلحة المخازن تعامل موظفيها بغاية الصرامه وهكذا ظللت نحو 7 سنوات كانت لي بمثابة تدريب مستمر مما جعلني من المشرّعين في المصلحه حتى اذا ماجاءت سنة 1939 وقامت الحرب العالميه الثانيه تطوعت ضمن قوّة المخازن في فرقة المدافع المضاده للطائرات وقد اتاحت لي هذه الفتره دراسة الكثير من تصرفات الانكليز اذ كان لكل مدفع طاقم من اثنين وكان طاقم مدفعنا يضم المستر مايلز كبير امناء المخازن وكاتب هذه السطور.

كان المستر مايلز يتسم بالأدب الجم والهدوء والظرف وكنا نقضي الساعات الطويله نتجاذب اطراف الحديث فنتحدث عن الطقس وعن بعض تصرفات بعض الانكليز الغير كريمه وعن مساعده المستر دكت وعن المدير وعن بعض امناء المخازن وكنت اظن انه يستدرجني ليعرف مايقوله السوداني عن الرؤساء الانكليز ولكني ادركت اخيراً انه رجل صريح سليم النيه فكنت اهاجم مساعده المستر دكت وامدح المدير فكان يوافقني احياناً ويعارضني احياناً ولكن بمنطق واضح معقول .
تطرّق بنا الحديث عن تنظيمي للقسم الرابع فقال لي ان الميجور فولي قد اشاد بالتنظيم وركّز اشادته على اللوحات وسالني المستر مايلز اين تعلمت الرسم وفن الخط . قلت له تعلمته بنفسي واكدت له ان مايبدو لغير الفنيين جميلاً فيه الكثير من الأخطاء الفنيه لاني لم ادرس هذا الفن دراسه علميه فتعجب وقال ولكن لماذا لا تلتحق بمعهد ولو بالمراسله. قلت انت على حق ولكني بصراحه لا اجد الوقت اذ اصبحت محترفاً بنوع الصدفه واصبحت اقضي اوقات فراغي في كتابة اللافتات للشركات فقال في لهجه جافه هذا خطأ .
انت يجب ان تنمّي مواهبك على اسس علميه وفنيه صحيحه فعبست ولم اجب فقال هون عليك انما قصدت دفعك الى ماهو احسن. قلت انها مجرد هوايه ولكن جهل اصحاب سينما كوليزيوم بهذا الفن هو الذي تدرج بي من الهوايه الى الاحتراف فهم يكلفونني بعمل لافتات للسينما فاكتبها فيعجبون بها مع ثقتي بان بها عدّة اخطاء فنيه ثم تطور الامر الى درجة ان كثيرين من اصدقائهم كانوا يسألونهم عمن كتب لهم لافتاتهم ليكلفوني بعمل لافتات جديده حتّى الباقي اصبحت خطاطه الرسمي لجميع لافتاته ولهذا لم اهتم بتصحيح معلوماتي مادامت تعجب من يطلبونها ، فقلب شقته باشمئزاز وقال انت لا طوح لك على الاطلاق.

هنا لا بد من مداخله سريعه لتوضيح هذه النقطه اكثر فالواقع ان الوالد كان لديه الكثير من الاعمال الفنيه من خط ورسم اذكر منها على سبيل الاشاره لا الحصر ان البورد الذي كان يعلو سينما حلفايا هو الذي كتبه وان بوسترات الافلام التي كانت تعلق خارج السينما كان هو من يرسمها كذلك اخبرني اخي فتحي ان الوالد قام بكتابة مقدمة الفيلم الامريكي عاصفه على النيل وهو عن الثوره المهديه وعشرات بل ميئات لوحات الشركات والباصات وكذلك البرنامج الاسبوعي للافلام التي تعرض في سينمات شركة ليكوس .

وصلتني هذه المداخله من اخي فتحي المقيم في القاهره :
عزيزي مجدي
اعادتني المذكرات الى ذكريات قديمه ترجع الى العام 1963 وكنت في تلك الفتره قد التحقت بكلية الحقوق في جامعة القاهره فرع الخرطوم .
في تلك الفتره كنت قد تقدمت بطلب للحزب الشيوعي السوداني املاً في الحصول على منحه دراسيه في احدى الدول الاشتراكيه قي ذاك الوقت .
كانت اول خطوه في استعدادي للسفر هي الحصول على جواز السفر بالطبع لا يتم ذلك الا بعد الحصول على شهادة الجنسيه ومن هنا بدأت رحلة المشاكل التي تسببت فيها للوالد مع ادارة الجنسيه والجوازات .
في تلك الفتره كان حكم الكوره المعروف شاكر النحاس هو المسؤول عن ادارة الجنسيه وللاسف كنت قبل ذهابي لاستخراج الجنسيه قد وقعت في خلاف كروي معه ويومها قال لي شيئاً لم افهمه في حينه فقد توعّدني بان يؤدبني في مكان ومجال آخر فلم اعر لقوله هذا اي اهتمام حتى كان اليوم الذي ذهبت فيه لتقديم الطلب والذي فوجئت فيه بان المسؤول الذي بيده الموافقه والذي كنت واقفاً امامه هو شاكر النحاس .
نظر اليّ مبتسماً وقال الم اقل لك باني سوف اؤدبك . وقفت امامه مذهولاً لا اعلم كيف اخرج من هذا المطب الذي لم يكن يخطر لي على بال.
وقفت صامتاً امامه لا ادري ماذا اقول وبدا انه كان مستمتعاً بارتباكي الواضح وفجأه تغيّرت تعابير وجهه فانقلبت البسمه الى نظره صارمه وقال لى : عايز ايه؟ فكانت فرصه لكسر الصمت فاجبته : عايز اطلّع الجنسيه . فاجابني: يبدو ان هناك خطأ فهنا ادارة الجنسيه للسودانيين ماذا تفعل هنا؟
فدار بيننا هذا الحوار:
- انا سوداني زيي زيك.
- في ذمّتك مسعد حنفي ده اسم سوداني؟
- هي الجنسيه بقت بالاسم؟
- يمكن فصاحتك دي الحاجه الوحيده الممكن تقول يمكن تكون سوداني، انت قبيلتك شنو؟
- ماعارف لكن احنا من شندي وابوي اتولد فيها
- خلاس امشي جيب لي شاهد من شندي يشهد انكم في شندي قبل سنة 1898 م.
- يعني عايزني اجيب ليك واحد عمره 90 سنه من شندي للخرطوم القاه وين ده ؟
- ده شئ يخصّك انت وده القانون العندي .
- طيب العمل شنو ؟ انا عندي بعثه وعايز اسافر.
- العمل انك تاخد الجنسيه بالتجنس زيك وزي الاغاريق.
اصبح الامر واضحاً امامي فهو لن يتزحزح عن قراره ولا مفر امامي الاّ الرضوخ لحكم القوي فقررت ان اقبل بالموافقه على الجنسيه بالتجنس وقد كان هو ماحدث ، ولكني لم ارضى بان اغادر دون ان اشف غليلي منه ففلت له وانا اغادر مكتبه : بالمناسبه انا حسب معلوماتي عائلة النحّاس ليست سودانيه وشعرك الناعم ده اكبر دليل . فاكفهر وجهه وقال صارخاً اطلع برّه ياقليل الادب قبل ما ارفض ليك طلب التجنس فخرجت مسرعاً وقد برد صدري من النار التي كانت تستعر فيه.
نجحت في استخراج الجنسيه والجواز وكانت آخر مره التقي فيها بشاكر النحاس وغادرت السودان في ديسمبر سنة1964 م بعد ثورة اكتوبر فمكثت في مصر بضعة اشهر ثم عدت الى السودان بسبب الغاء البعثه التي كانت الى بلغاريا في تلك السنه ، وعدت مره اخرى الى جامعة الفرع حتّى مغادرتي الثانيه في نهاية شهر اكتوبر1965 الى براغ وكانت هذه الرحله بداية غربتي التي استمرت حتى يومنا هذا وكانت بداية المشاكل بين الوالد رحمه الله وادارة الجنسيه والجوازات في السودان.
الطريف في الامر ان شهادة الجنسيه بالتجنس ذات اللون البني قد سحبت مني في براغ بعد ان كنت قد سلمتها على اساس انها رخصة سواقه فقد كانت مكتوبه بالعربي وبها صورتي وكان هذا آخر عهدي بها فقد نجح الوالد في كسب قضيه كان قد رفعها على ادارة الجنسيه واستطاع ان يستخرج الجنسيه بالميلاد ومن ثم ارسل لي جنسيه بالميلاد فلم اعر استرجاع الجنسيه المسحوبه اي اهتمام واعتقد انها مازالت في مرور براغ.
اذكر ان الوالد رحمه الله في حجّته التي ساقها في المحكمه انه قال ان كان هناك تاجر اضطرته الظروف لبيع بضاعته بالخساره فهذا لايعني ان يبيع باقي التجار بالخساره فكانت هذه الحجه سبباً رئيسياً في كسب القضيه.

نكمل المداخله
ذهبت الى تشيكوسلوفاكيا ضمن مجموعه من الطلاب كان ضمنهم الأخ محمد محجوب عثمان بعد اطلاق سراحه من المعتقل الذي قضى به حوالي 5سنوات بعد فشل حركة كبيده وعلي حامد ورفاقهم رحمة الله عليهم جميعاً وكان قد حكم عليه بالاعدام اول الامر ثم تم استبدال الحكم بالسجن المؤبد لصغر سنه فقد كان برتبة ملازم في حينها . الغريب في الامر انه قد افلت للمره الثانيه من الإعدام في حركة يوليو التي قام بها الشهيد هاشم العطا ورفاقه فقد شاءالله ان يفشل في اللحاق بالطائره التي اقلت الشهداء فاروق حمدالله وبابكر النور التي غادرت لندن متجهه الى الخرطوم وتم انزالها في ليبيا وتسليمهم الى جلاّديهم.
وبالمناسبه محمد محجوب يعيش الآن في السويد مع زوجته الفاضله شقيقة المرحوم خالد الكد. ينتابني احساس بان الاحداث قد بدأت تفلت من يدي فالذكريات تتزاحم في رأسي مثل الشلال المنهمر حتّى غدت مثل قطعة خشب تتقاذفها الامواج لا تدري اين تستقر .
المهم اني قضيت الاثنى عشر سنه التاليه في براغ في حياه ذاخره بالاحداث المتشابكه بحلوها ومرها هدوءها وخطورتها سعادتها وحزنها ويكفي اني كنت شاهد عيان على احتلال قوات حلف وارسو لتشيكوسلوفاكيا في 21/8/1968 ، ايام لا تنسى واحساس لا يوصف بانك قد شاهدت التاريخ رؤية العين وكان جزء لا يتجزأ من حياتك.
في عام 1976 توجهت الى برلين للبحث عن عمل هناك فقد علمت من الوالد ان اسمي ضمن قوائم المطلوبين في مطار الخرطوم مثلي مثل كل الذين لهم علاقه بالحزب الشيوعي .
بدأت هناك مرحله جديده من حياتي لا مجال للخوض فيها ولكن لابد من ذكرها فقد تسببت هذه المرحله في الزج بالوالد في مشكله جديده مع السلطات السودانيه . بعد مرور بضعة اشهر من وصولي برلين فقدت جواز سفري واصبحت في موقف لا احسد عليه فلو حدث لاي سبب سؤالي عن اثبات شخصيتي وكان هذا امراً وارداً عندها كنت سأتعرض للابعاد من المانيا والشئ المتبع هو ابعادي الى وطني اي اني كنت ساذهب مباشره الى سجون النميري.
كان الحل الوحيد امامي هو ان يتم ارسال جواز سفر جديد من السودان وبه تأشيره الى المانيا حتّى اكون في مأمن من الكوارث. كتبت هذا الموضوع للوالد موضحاً له خطورة الموقف الذي ينتظرني وبالطبع لم يتردد لحظه وتم تنفيذ المطلوب رغم صعوبته فاستخراج جواز سفر لشخص غير موجود بالبلاد ناهيك ان هذا الشخص مطلوب للسلطات شئ من رابع المستحيلات ويعتبر جناية تزوير ، إلاّ ان ربك ستر ونجح الوالد في استخراج الجواز والتأشيره وتم ارساله عن طريق خالي الذي كان يعمل في السعوديه لاستحالة ارساله مباشره من السودان.
خرجت انا من الورطه ودخل الوالد في ورطه اكبر فقد تم اكتشاف الامر في جهاز الامن وتم استدعائه للتحقيق وعندما سئل لم ينكر ولكنه اصر اصراراً باتاً بعدم البوح باسم الشخص الذي ساعده في استخراج الجواز وقال لهم ان مافعله ليس جريمه واي اب كان سيفعل مافعله ولحسن الحظ كان الشخص الذي حقق معه من مشجعي الهلال وكان الوالد معروف في تلك الفتره بانه شاعر الهلال نسبه للمساجلات الشعريه بينه وبين شاعر المريخ محمد الزبير رشيدوذلك بسبب قصيدته المشهوره آمنت بيك ياهلال .
وقد كان هذا المحقق من المعجبين بما يكتبه الوالد فقدم له خدمة العمر بان طلب منه انكار التهمه والقول بانه لا يعلم شيئاً عن هذا الموضوع وكتب في تقريره ان الحزب الشيوعي هو المسئول عن الامر وتم اطلاق سراح الوالد ولولا ستر ربك لكنت تسببت في ما لا يحمد عقباه ولا اعلم ان كنت ساقدر على تحمل عواقب ما كان يمكن حدوثه ولكن الحمدلله قدر وماشاء فعل.
بالمناسبه لم يفاتحني الوالد مطلقاً في هذا الامر حتّى لا يحسسني بالذنب وماحدث روته لي الوالده رحمة الله عليها .
رحم الله الوالد فقد كان شخصاً عظيماً مثله مثل الآباء في ذلك الزمان.

الاخوه الاعضاء اخي فتحي يطلب مساعدتكم فهو يبحث عن صديق اسمه خالد مصطفى كان يقيم في القاهره ثم انتقل الى استراليا في مدينة ملبورن ويحتاج الى وسيلة اتصال سواء رقم هاتف او ايميل فمن لديه اي معلومه يمكنه مراسلتي على ايميلي الموجود في ملفي وهنيّالك يافاعل الخير.

نواصل محطات في حياة الشاعر مسعد حنفي
في ابان الحرب العالميه الثانيه اختصت مصلحة المخازن بتموين الجيش وقد اضيفت اليها عدّة وحدات اخرى كالنقل الميكانيكي والوحده نمره 2 المساعده ووحدة الطابيه ووحدة الشجره وغيرهم مما حتم تعين عدد كبير من الموظفين الجدد والواقع لم نكن نحن ابناء المصلحه نشعر بهذا الامر الاّ من تلك الوجوه الجديده التي كنا نشاهدها كل يوم جديد ولكن الذي حيّرنا ولفت انظارنا ان معظم هؤلاء الجدد من غير ابناء السودان وكانت الاغلبيه منهم اقباط وصلوا لتوهم من صعيد مصر لم يتخلصوا بعد من لهجة ابناء الصعيد فكنا دائماً نشنع على لهجتهم ومن الطريف في هذا المجال ان اصطدم احد الزملاء باحدهم من غير عمد فاعتذر له بقوله اسف فقال القبطي الصعيدي ايش آسف تلطّني كدي وتجول آسف؟ وكنا نعرف ان باشكاتب المستخدمين هو الذي استورد كل هؤلاء الدخلاء ولكننا كنا نتساءل كيف لم يلاحظ المدير هذه الظاهره الشاذه وكان المتبع ان يحضر كل مسئول عن قسم ليأخذ مفتاح قسمه من دولاب المفاتيح المثبّت خارج مكتب زميلنا المرحوم موسى حسن علي سكرتير كبير امناء المخازن فكنا كلما حضرنا قبل الموعد بدقائق نقضيها في مكتب موسى نتسامر ونتحدث في مختلف الشئون ومكتب موسى كان يقع في ناصية دهليز طويل يقود الى مكتب باشكاتب المستخدمين وحدث ان كنا مجموعه من الزملاء صبيحة احد الايام فذكر احدنا موضوع المعنيين الجدد فعلّقت انا بقولي طبعاً معروف ان اللعبه لعبة الباشكاتب ولكن ليس الذنب ذنبه بل هو ذنب الميجور فولي الذي صدق على هذه الوظايف وكأن ليس في ابناء السودان من يملأها . اليست غفله من المدير ان لا يفطن الى شئ كهذا . ومن المعروف عنّي اني اتحدث بملء صوتي فكنت اعبر عن سخطي برفع صوتي وبغاية الحماس وعندها دخل احد الزملاء ليخاطبني بقوله: ويحك ماهذا الصياح تصوروا ان الباشكاتب كان في طريقه الى مكتبه فلما سمع صياحك وقف فسمع كل ماقلتموه قلت ليته يجرؤ على ابلاغ المدير فينتبه الى غفلته.
غير ان الباشكاتب كان اذكى من ان يرتكب هذا الخطأ فهو يعلم ان اثارة الموضوع سوف تكشف للمدير هذه اللعبه القذره فابتلع هجومي ولم يحرك اي ساكن حيال هذا الامر ولكن الحرب الخفيه بدأت بينه وبيني منذ تلك اللحظه ويالها من حرب .
حرب صامته ولكنها شعواء لا رحمه فيها ولا هواده حرب لا تكافء فيها فهو بحكم منصبه ووظيفته يقوى على الحاق الكثير من الاضرار بي اما انا فلا املك من النفوذ ما يمكّنني من التغلب عليه ومع ذلك لم اهتم فانا واثق انه لا يقوى على تزييف التقارير ولا على الصاق تهمه مفتعله بي فقد كنت اقوم بالتزاماتي على اكمل وجه ولكنه يستطيع التسبب في نقلي اذ ان المتبع عندما تكون هناك حاجه الى شغل وظيفه خارج العاصمه ان يقدم الباشكاتب ملف من يراه مناسباً للمدير فيصدر الامر بالنقل وماكنت لاكره النقل ولكني كنت دائماً آمل ان انقل الى موضع قريب فقد تزوجت واصبحت اباً وكان يهمني ان اعمل في مكان سهل المواصلات فاتمكن من اصطحاب اسرتي او اتمكن من زيارتها من وقت لآخر ولكن الباشكاتب كان يدرك رغبتي هذه بدليل انه عندما سنحت الفرصه للنقل الى مديرية النيل الازرق فوت عليّ هذه الفرصه باختيار زميل آخر وكنت على ثقه انه يتحيّن الفرص ليقذف بي بعيداً عن الخرطوم فيرتاح مني ومن خطري عليه وفعلاً لم يمض شهراً واحداً حتّى استلمت الاشعار بنقلي الى ملاكال عاصمة مديرية اعالي النيل ولكني استعنت ببعض الاصدقاء فقرر الطبيب اني غير صالح للخدمه في الجنوب نظراً لمكروب الملاريا المستوطن في دمي فانتدب زميل آخر وهكذا انتصرت على الباشكاتب في الجوله الاولى ولكنه مالبث ان كسب الجوله الثانبه نتيجه لخدعه ماكره وقعت في حبائلها بكل سهوله وغباء وسذاجه وذلك عندما قدم لي اخطار بالتوجه لقسم القمسيون الطبي للكشف فهاجمته بقولي اين تريد القذف بي هذه المره ؟ ليس في الجنوب مديريه اخرى سوى الاستوائيه وانا اعرف ان نوبة زميلي الذي في جوبا لم تنتهي بعد ، ام لعلك تريد ارسالي الى دارفور ؟! والاّ فماذا تعني بلعبة الكشف الطبي هذه؟ قال بصوت يقطر مكراً ودهاء. ابداً والله ولست ادري لماذا تسئ بي الظن هكذا مع اني صديق لوالدك واعمل لصالحك .
اجبت بتشكك اي صالح لي في هذا ، كيف لا تعلم هذا وانت تعرف ان القانون صريح بان الغير صالح للخدمه في الجنوب غير صالح لخدمة الحكومه وانا وقد مرت ثلاثة اشهر على كشفك الاول قصدت بهذا الكشف ان امحو عنك عدم الصلاحيه للخدمه في الحكومه فلماذا تظلمني هكذا مع اني اكن لوالدك ولك كل موده منذ خدمت في شندي .
ولبلاهتي صدقته وابتلعت الطعم فذهبت للكشف وكانت النتيجه صلاحيتي للخدمه في اي منطقه في السودان وما ان مر يومان حتّى تسلمت اشعاراً بنقلي الى جوبا ولقد اكتشفت مؤخراً ان امين مخازن الاستوائيه قد التمس من المدير اعفاءه من بقية مدته في الجنوب نظراً لموقف ابنائه في التعليم فوافق وقد كتم الباشكاتب هذا الخبر وهكذا انتصر الغادر في الجوله الثانيه وما اكثر مادار بيننا من جولات.

الفاضل / مجدي حنفي
واصل نحن متابعين معاك نسبح ونغوص معك بين السطور لنعرف القليل عن الشاعر الكبير محمود حنفي
ابن شندي

خالد

الاخ خالد
تحياتي وشكراً على المرور العزيز
الشاعر مسعد حنفي اسمه الحقيقي
بالفعل محمود حنفي كما ذكرت في
بداية المحطات .
واصل معنا قمازالت المحطات لها بقيه

نواصل المحطات مع الشاعر مسعد حنفي

قضيت في رئاسة مصلحة المخازن والمهمات نحو تسع سنوات قبل صدور قرار نقلي الى جوبا الذي تقبلته بروح رياضيه سمحه فالباشكاتب قد هزمني بخبثه وذكائه ولا مفر من الإذعان للامر الواقع ولكن قبل الشروع في سرد احداث تلك الفتره (السنوات التسع) سواء من حوادث المصلحه او خارجها لاسيما وقد واجهت احداثاً هامه في مجال الشعر والاغاني فانا عند وصولي الى العاصمه استأجرت غرفه في منزل كان مشيّداً في نفس الموقع الذي تحتله حالياً عمارة المرحوم عبده دياب وكنت اشعر بالوحده والوحشه لنزوح اشقائي الى مصر فكنت استعين على هذه الوحشه بقضاء معظم اوقات فراغي في مكتبة النهضه وهي مكتبه ومعها مطبعه تملكها اسرة ابي الريش وكان مكانها في مواجهة المسجد الكبير وهو موقع لا يبعد عن غرفتي إلاّ بضع خطوات وكنت اجد لذّه كبرى في تصفح كتب المكتبه كما كانت تسرني مسامرة ابناء ابي الريش الذين توطدت الصداقه بينهم وبيني فكنا نتحدّث عن الكتب والأدب والنشر والطباعه فطرقنا مره موضوع الشعر في السودان وما طبع منه وشعر الاغاني والمطربين وكان من الطبيعي ان نذكر في حديثنا كتاب الاستاذ وهو كتاب لمجموعه كبيره من الاغاني السودانيه جمعه الاستاذ الكبير ابراهيم العبادي وتشعب الحديث بيننا عن الاغاني وعن قلة الكتب التي تنشر الاغاني حتّى قال السيد مزمل :
لقد فكرنا كثيراً في نشر كتاب مماثل يشمل جميع الاغاني التي ظهرت بعد طبع استاذ الاغاني ولكن واجهتنا مشكلة مقابلة كل شاعر على حده واستئذانه في نشر شعره كما اننا نتهيب الاقدام على هذا الامر لصعوبة كتابة الشعر باللغه الدارجه فكتابة الاغاني فن لا بد ان يشرف عليه شاعر غنائي .
وكان مدثر اكثر صراحه فواجهني بوضوح قائلا:
بصراحه نحن فكرنا ان نكلفك بهذه المهمه فانت بوصفك من شعراء الاغاني سيسهل عليك الاتصال بزملائك للحصول على اشعارهم واهم من ذلك مراجعة البروفات ، فلماذا لا تعيننا بالاشراف على العمليه كلها فتؤدي بهذا لنا خدمه جليله وبالتالي تشبع رغبتك في العيش في هذا الجو الذي تعشقه .

ترددت كثيراً لتهيبي اقتحام هذه التجربه التي لم يسبق لي ممارستها ولقلة تغلغلي في وسط الاغاني وشعرائها ولكنهم الحوا فتوكلت على الله فاقدمت على القيام بهذه المهمه ممنّياً نفسي بالشهره عن طريق تعرّفي على الشعراء وكبار المطربين وكان اول من فابلت هو المرحوم مصطفى بطران الذي رحب بالمشروع وسلمني لفوره عدّة اغان جديده من نظمه اشهرها الاغنيه الخالده (يادمعة الشوق كبي) وقد كان من الظرف والنبل بحيث عرض عليّ تطوعه بالقيام بمهمة التعارف بيني وبين كبار الشعراء فتعرفت بواسطته بالشاعرين الكبيرين المرحوم سيد عبدالعزيز وعبيد عبدالرحمن اطال الله عمره وسرعان ماحصلت من كل منهما على احدث قصائده ، ثم بقي امامي ماكنت اتصوره الشق الشاق من المهمه الا وهي التعرف على المرحوم صالح عبدالسيد فابي صلاح كان يومذاك يصمد بمغرده في مواجهة جميع شعراء امدرمان والى جانبهم الاستاذ بطران من الخرطوم بحري اذ كان غزير الانتاج مما مكنه ان يغطّي بانتاجه كل الاغاني التي ينتجها الاساتذه عبيد وسيد والعبادي والعمرابي وبطران وود الرضي لا في العدد فحسب بل في الجوده وسرعة الانتشار ايضاً .
صحيح كان يسانده بعض الشعراء كالاستاذ عمر البنا ولكن الجمهور لم يحس ابداً بمساندة اي شاعر لصلاح وذلك لشدة ماعرفواعن مقدرته وابداعه ومع ان على راس من يغنون لشعراء امدرمان المرحوم محمد احمد سرور وهواشعر مطربي السودان إلاّ ان تعاون كرومه مع ابي صلاح جعل اغاني صالح تنتشر بسرعة البرق والواقع ان الحاج سرور عميد الفن والمطرب العذب الصوت المرحوم الامين برهان ونجم الحفلات الساطع المرحوم كرومه كانوا يمثلون ثلاثتهم فريقاً واحداً وكانت تربطهم ببعضهم اواصر صداقه متينه ولكن الشقاق دب بينهم فانفصلوا عن بعضهم وسرعان ما احتضن ابوصلاح كرومه فقدما اشهر واجمل الاغاني لهذا كنت اخشى ان لا يتعاون ابو صلاح معي اولاً للمكانه الساميه التي يحتلها وقتذاك في محيط الاغاني ، ثانياً لاستعانتي بسيد وعبيد وبطران قبله ، ثالثاً لان اغانيه كانت منتشره بصوره لا الومه معها اذا راى انها في غير حوجه الى مزيد من الانتشار ولكن كم كان ذهولي عندما قابلته وانا شبه واثق اني ساقابل شاعراً يتسم بالغطرسه والغرور فإذا به رجل بسيط متواضع لطيف حلو الحديث مرح متبسط في الحديث لا يتعالى ولا يتكبر .
افهمته بمهمتي فرحب بي ولم ابارحه إلاّ وقد توطدت الصداقه بيننا ، واطلعته على بعض اشعاري فجاملني بقوله :
هذا شعر جيد فلماذا لا تحاول تقديمه الى المطربين. اجبته لسيت لي اي صله باي منهم وانا لا اعتقد ان مطرباً كبير يقدم على غناء كلمات شاعر مجهول .
فال : هذا شئ يمكن علاجه ولكني افضل ان تنظم شعراً يتمشّى مع روح الاغاني الحديثه اذ يبدو انك نظمت هذه الاشعار بروح اقليميه ساذجه .
قلت: فعلاً فقال على كل حال انا واثق انك تستطيع تقديم اشعار تعبّر عن ثقافتك العاليه وانا على استعداد ان اتردد معك على المطبعه لاعاونك على مراجعة البروفات ومن ثم ستتاح لنا فرص كثيره لنتناقش فيما ستنظمه وانا واثق انه سيكون اكثر نضجاً ودقّه فشكرته وانصرفت وفد توطدت بيننا صداقه حميمه.

نكمل احداث المحطه
شمّرت عن ساعدي بجد وطفقت انسخ القصائد وارتبها ثم ادفع بها الى المطبعه التي سرعان مادارت عجلتها وبدأت تطبع البروفات وقد بر المرحوم صالح بوعده فظل يتردد عليّ باستمرار ويعاونني في التنسيق والمراجعه وكنا دائماً نقصد الى غرفتي بعد انجاز مهمتنا فنتحدث عن الشعر والشعراء والمطربين وفي سياق الحديث سألني عن الجديد في شعري فاطلعته على قصيدة (قسيم الريد ليّ جود بالطيف يااخا البدري) والتي لحنها وغناها الفنان خضر بشير بعد ذ

نكمل احداث المحطه
شمّرت عن ساعدي بجد وطفقت انسخ القصائد وارتبها ثم ادفع بها الى المطبعه التي سرعان مادارت عجلتها وبدأت تطبع البروفات وقد بر المرحوم صالح بوعده فظل يتردد عليّ باستمرار ويعاونني في التنسيق والمراجعه وكنا دائماً نقصد الى غرفتي بعد انجاز مهمتنا فنتحدث عن الشعر والشعراء والمطربين وفي سياق الحديث سألني عن الجديد في شعري فاطلعته على قصيدة (قسيم الريد ليّ جود بالطيف يااخا البدري) والتي لحنها وغناها الفنان خضر بشير بعد ذلك . فناقشنا ابياتها بيتاً بيتاً وكان حكمه النهائي انها جيده ثم تساءل اتريد مني ان اقدمها نيابه عنك لكرومه ؟
ولكني قلت له لا فانا في وسعي نظم خير منها وانت تعرف ان لكل مطرب كبير مستوى معين وليست هذه القصيده من مستوى مايتغنى به كرومه فامهلني قليلاً .
فال انت على حق ولكن لدي فكره لاسيما والفرصه سانحه امامك . قلت اي فرصه؟ قال كلفني احد المعجبين سيتم زواجه بعد ايام ان انظم له قصيده بمناسبة زواجه اهنئه فيها واشيد بروعة حفلات زواجه متمنياً له دوام العز والسعاده كما كلفني ان اوازن بينه وبين غريمه الذي كان ينافسه في حب خطيبته وقد تبسط في شرح كل ماهو مطلوب ذكره في ابيات الاغنيه وهذه العاده كانت متبعه حينذاك ثم ختم قوله باستعداده للتنازل لي عن هذه الفرصه فيقدمها الى كرومه فيغنيها ثم قال وبعدئذ سيقبل منك ماتقدمه له بعد اقتناعه بجودة شعرك لاسيما وانا ساقدم له هذه القصيده على انها من نظمي انا وماان يغنيها وتنجح حتى اصارحه بالحقيقه فيدرك انك شاعر اصيل وثق انه هو الذي سيسعى اليك لتزوده بغيرها.

راقتني الفكره جداً فسهرت الليل ولم انم ليلتئذ إلاّ وقد ولدت اغنية (الناعسات عيونن نور جبينن هلّ*مابين تبر صافي واخضراني اللون) وقد استهللتها بهذا المطلع واصفاً الحسناوات اللاتي جمعهن الحفل وفي احد المقاطع تمنيت له السعاده ومقارناً بينه مبين خصمه بقولي ( النحاس مابوازن لي دهب شيبون) كل هذا وانا لا اعرفه ولا اعرف عن خصمه حتّى ولا اسمه
وفعلاً اعجب صلاح بهذه الاغنيه وهنأني بقوله هذا شعر جيد ولن اتردد ابداً من تقديمها على انها من نظمي شخصياً وفعلاً قدمها لكرومه فلحنها وغناها في حفل الزواج وكان ابوصلاح موجوداً كما كنت انا بين من حضروا ذلك الحفل وانتهى كرومه من انشاده فصفق له الحضور وتقاطر المعجبون على ابي صلاح يهنئونه ويشيدون بشعره فاعتدلت انا في جلستي وتهيأت لتحول الانظار كلها اليّ متوقعاًان يصحح صالح ظن المهنئين بقوله وهو يشير اليّ.
الحقيقه ان الجدير بتهانئكم هو هذا الشخص فالاغنيه من نظمه هو لا من نظمي ، ولكن كم كانت دهشتي عندما رأيت صلاحاً يتقبل التهاني شاكراً والابتسامه تملأ كل وجهه ، وحيّرني هذا الموقف المذهل من ابي صلاح فهذه كانت انسب فرصه ليضع النقط امام الناس على الحروف فلماذا تصرف هذا التصرف .
غير اني تحملت الصدمه ريثما انفردت به فسألته عن سر تصرفه هذا فقال لي بكل هدوء وبساطه : اكنت تريد مني ان اصدم المهنئين واخيب ظنهم؟ ثم ماذا سيكون موقفي مع كرومه عندما اعلن هذا السر للآخرين قبل ان افهمه بجلية الأمر فيسمع الخبر هو للمره الأولى وهو الذي كان من المفروض ان يعرفه قبل الآخرين وبعد ان اهئ الجو بمقدمه بيني وبينه .
ان خطّتي ان اسأل كرومه مارأيك في كلمات الأغنيه؟ وكان سيقول بلا شك انها جيده فاسأله وهل كنت تغنيها لو قدمها لك شاعر آخر؟ وقطعاً كان سيجيب : طبعاً فهي اغنيه ممتازه . عندئذ اقول له: حسناً مارأيك اذاً إن قلت لك انها ليست من نظمي وانا لم اقصد خداعك ولكني خشيت ان تحكم عليها حكماً غير عادل لو عرفت انها من نظم شاعر ناشئ.
قال ابوصلاح هذا ثم وعد بانه سيستنح اول فرصه لتصحيح الموقف فاقتنعت ثم جاءني بعد يومين ليقول لي تحرّج الموقف بعد ان اعتقد كل الناس اني صاحب الناعسات عيونن ولكن لدي خطه قلت ماهي؟
قال انظم اغنيه جديده واسكب فيها كل قدراتك واضفي عليها من عواطفك ومشاعرك واحاسيسك حراره صادقه ملتهبه فاقدمها لكرومه وبمجرد الإنتهاء من تلحينها ساخبره قبل ان يغنيها بان هذه الاغنيه واغنية الناعسات عيونن من نظمك وقد امسكت عن افهامك بامر الناعسات عيونن لاني احرجت بعد تهنئةالناس لي وكلهم من المعجبين الذين يحترموني ويقدرونني.

وامام هذا المنطق لم يسعني إلاّ ان اوافق واؤمن بالخطه ومره اخرى سهرت الليل كله لتولد ليلتئذ اغنية (وجه القمر سافر * يضوي شعاعه نور وافر) فماذا كانت النتيجه.

نكمل
اعجب صلاح ايما اعجاب بوجه القمر سافر وقال مداعباً: من حسن حظّي انك من انصاري والاّ كنت ستكون مبعث خطر كبير لو انضممت للمنافسين فضحكت وشكرته على مجاملته . ثم تغيب ابو صلاح اسبوعاً كاملاً زارني بعده ليقول وهو متهلل الوجه:
مبروك تأكد ان وجه القمر هذه ستمحو ماقبلها ومابعدها وقد تفنن الفنان كرومه في تلحينها فكانت بكلماتها ولحنها درة هذا الموسم بلا منازع.
قلت وهل اخبرته انها من نظمي . تردد قليلاً واربد وجهه ثم قال:لا ليس الأمر بهذه السهوله ولابد من تهيئة الجو قبل كشف هذا السر وطرحه علانيه.
قلت بغيظ: ولكنك وعدتني . قال نعم وفعلاً كنت انوي التنفيذ ولكني احرجت مره اخرى.
قلت: كيف .
قال: تصور عندما ابلغني كرومه اكتمال اللحن ودعاني لسماعه فذهبت واذا بي افاجأ بوجود الكثير من انصاري الشعراء ورهط من خاصة المعجبين والمحرج في الأمر انه مايكاد ينتهي من انشاد كوبليه حتّى يتصايح الجميع وكان بعضهم يقبل عليّ ويعانقني بل اكثر من ذلك ماحدث عندما ردد كرومه بصوته العذب الحلو قولك (انسان عيني كاد يغرق في ماء خدك الزاهر) عند سماعهم هذه الشطره هجموا عليّ وراحوا يقبّلون رأسي وكلمات الإعجاب لا تنفك تتناثر من افواههم بحراره واخلاص فماذا كنت تظنني فاعل ازاء هذا الموقف.
وجمت لفتره ثم قلت بمراره: ماهيّ النتيجه اذاً؟
قال مواسياً: طبعاً لا يمكن ان اسكت وسأستنح اول فرصه لتوضيح الموقف وانت طبعاً تعرف اني في غير حاجه الى ادعاء ماليس لي ولكني اريد ان يتم الامر بلا احراج.
قلت: الامر سيزداد حرجاً كلما مرت الايام وسيكون من المستحيل ان تتنصل من تبعة هاتين الاغنيتين المشئومتين لاسيما وقد شاهدك الكثيرون وانت تتقبل التهانئ والمديح. انا واثق انك ستعلن انهما لي ولكن السؤال هو هل سيصدقونك بعد ان هنؤوك واحتضنوك وقبلوا رأسك اعجاباً وانت لا تنفي صلتك بهما ، لماذا ياابا صلاح؟ لماذا؟ انا اعرف انك اعظم واكبر من ان تنسبهما اليك بقصد ادعائهما ولكن حساسيتك هذه وتخوّفك من الحرج قد حطماني واقفلا الباب في وجهي.
قال يهون عليّ الامر: مهلاً ايها الصديق لا تجعل من الحبه قبه يااخي لقد وعدتك وهانذا اجدد وعدي واؤكده.
قلت: انا واثق انك ستفعل ولكن الذي اصبحت غير واثق منه هو تصديق الناس.
قال: طبعاً انت نشرت الاغنيتين في كتاب امير الاغاني ضمن اغانيك وهذا سيوضح للناس جلية الامر.
والواقع صدر الكتاب فعلاً وفيه نشرت الاغنيتين ضمن اشعاري ولكن بالرغم من هذا لم يصدق كثير من الناس فاضطررت الى نشر اعلان في جريدة ملتقى النهرين مؤكداً لملكيتي للاغنيتين متحدياً بشدّه كل من يدّعي كلمه واحده من كلماتهما ثم مرت شهور بل سنين واتصل بي المرحوم الاستاذ مبارك ابراهيم الذي كان مسئولاً عن اغاني حقيبة الفن ورئيس تحرير مجلة هنا امدرمان ..
قال الاستاذ مبارك رحمه الله انه يريد تسجيل الاغنيتين ولكنه محتار لمن ينسبهما فالكتاب يقول انهما لك والناس يقولون انهما لابي صلاح . قلت له انهما لي ولاعطيك برهاناً عملياً سأكتب لك مقالاً اوضح فيه الحقيقه كامله والفرصه متاحه امام صالح ليعترض ان كان يزعم انهماله.
وفعلاً كتبت مقالاً سردت فيه كل ماسبق من الوقائع ثم مر شهر كامل دون ان يعترض ابوصلاح بكلمه واحده مع ان الاستاذ مبارك ارسل اليه نسخه من عدد المجله الذي نشر فيه المقال فاطمأن مبارك وسجلهما وقد صدّر كل منهما بقوله كلمات مسعد حنفي.

والطريف في الامر انني فوجئت بعد نشر الكتاب بايام بزيارة المرحوم الحاج محمد احمد سرور عميد الفن آنذاك ولقد لاحظت انه على غير طبيعته فتوقعت ان يكون قد جاء لامر ذي بال ولكنه يحاول كبح جماح انفعاله فبدأته بقولي
واضح انك تحاول السيطره على مشاعرك فلماذا لاتفصح عما يعترك في صدرك .
قال: الحقيقه اني اود ان اوجه اليك بعض الاسئله فهل تجاوبني بصراحه.
قلت: اعدك بذلك.
قال: من هو مؤلف اغنية الناعسات عيونن.
قلت: الم تقرأ اسم مؤلفها في الكتاب .
قال: قرأته ولكن هناك عدّة نقاط غامضه .
قلت: مثل ماذا.
قال: اولاً ماصلتك بعبدالعزيز الذي تخاطبه بقولك دار العزّه ياعبدالعزيزاتجل .
قلت: لا صله لي به اطلاقاً كلما في الامر ان اباصلاح قد كلفني بنظم الاغنيه نيابه عنه ليعينني على انتشار قصائدي.
قال: ومن هو النحاس الذي لايوازن ذهب شيبون.
قلت: والله لبست لدي اي فكره فصالح زودني بكل المفردات التي يريدني ان اضمنها الاغنيه.
قال لي: ان ابا صلاح استغلك وجعل منك مخلب قط لمهاجمتي.
قلت: وماشأنك انت في هذا الامر.
قال: انا هو النحاس الذي تشير اليه فصالح يعرف جيداً صلتي بفتاة عبدالعزيز ولكنه خش ان يؤلف الاغنيه هو فقد سبق واقسمت له اني سأبطش به لو تجرأ ونوه بي في احدى اغانيه ان بخير او بشر وهو يعرف اني لا احنث في قسمي .
فطيبت خاطره فانصرف راضياً ولكني كرهت ذلك الوسط المشحون بالضغائن والمقالب وقد فترت الصداقه بيني وبين المرحوم صالح ومنذ ذلك الحين ابتعدت عن الفن بعد ماواجهت فيه من صدمات جعلتني افقد الثقه في ذلك الوسط.

كانت كل هذه الاحداث في اواخر عام 1932 م فبعد ان انصرفت عن الاهتمام بالاغاني والشعراء والمغنين رحت اشبع هوايتي بنظم الشعر لنفسي ثم اهمله وقد حفزتني هذه المراره على مضاعفة اهتمامي بعملي مما جعلني شخصيه بارزه في المصلحه وغدوت ذو حظوه عند الميجور فولي الذي كان يسند اليّ من وقت الى اخر مهمات هامه خارج نطاق وظيفتي فكنت دائماً انجز مايوكل الي من مهام على اكمل وجه.

مداخله:
قد يتساءل البعض لماذا لم يعلن اباصلاح ان الناعسات عيونن ليست من نظمه في حفل الزواج حتّى يأمن بطش المرحوم الحاج محمد احمد سرور. والاجابه ان هذا ان دل على شئ فانما يدل على رقة احاسيس ذلك الرجل واهتمامه الزايد بمشاعر معجبيه الشئ الذي جعله يتناسى التهديد حتّى لا يفقد ثقة المعجبين فيه وثقة كرومه قبلهم فلك الرحمه ياابا صلاح فقد كنت شاعراً فذاً يصعب على الزمان ان يجود بمثلك وسامح الله ابناءك الذين ظلموك بافعالهم الرعناء.

قبل الاسترسال في اكمال المحطات لابد لي وقفه قصيره اضيف فيهابعض الاشعار او اجزاء منها بعد ان فقدت من المنزل بعد وفاته فاتمنى ان تسعفني ذاكرتي على ذلك .
اذكر من القصائد التي كتبها الوالد في الستينيات من القرن الماضي وكان لهما معزّه خاصه لديه لدرجة انه قام بتلحينهما وكثيراً ماكنت اسمعه وهو يترنم بهما.

الاولى كان مطلعها يقول:
اكتويت بي نار هواك
الكل يوم زايد لهيبه
ومهجتي يانور عيوني
كادت الآهات تذيبه
.........
ظلمة الحرمان طوتني
وعذّبتني ياحبيبه
اين اشراقة وصالك
عني ليه طوّل مغيبه
انت لو روّضتي قلبي
مع صلابته ماغريبه
فالمياه العذبه دايماً
تخمد النار الرهيبه

امّا الثانيه فلا اذكر منها وللاسف إلاّ مطلها ويقول
ماعشت من عمري
ياحبيبي غير ايام
ايام رضاك عنّي
والباقي كان اوهام

هناك ايضاًاغنيه اسمها احترت فيك يانور كتبها لفتاه صغيره اسمها نور طلبت منه عندما كان يدير محل نسيبه المرحوم يوسف دياب في سوق نمره اتنين ان يكتب لها اغنيه باسمها فكتب لها هذه الكلمات:

احترت فيك يانور يازينة الانوار
حبك نعيم وسعير هل انت نور ام نار
...................
انت الامل والنور يابسمة الاقدار
اشراقه عاطره تفوح بهجه وجمال ونضار
وعيونك الضاحكات كم فيها من اسرار
تسلب عقول الناس وتحير الافكار
..................
احترت فيك يانور بس كيف يكون انسان
في رقتك ويكون في قلبه مافي حنان
ياكاملة الاوصاف كل الجمال ازدان
في طلعتك وبهاك وشبابك الريان
مين يشبهك يانور في حسنك الفتان
يااحلى من في الكون ياآية الرحمن

للقصيده بقيه ولكن الذاكره هرمت وربما اصابها مااصاب ذاكرة صديقي الموصلي
جاء في قصائد الوالد التي كتبها ونزلت في كتاب امير الاغاني السودانيه وفي اكثر من مره اسم (ست البنات) مثل (كيف يكون يابنات قلبي ليك خدري) وكذلك (ياست البنات يام شعراً سدل)وغيرها وست البنات هذه كانت حبيبته فبل ان يتزوج من المرحومه والدتي ولكن وفجأه حدثت قطيعه بينهما فكتب لها قصيده طويله يخبرها فيها بانتهاء العلاقه بينهما قائلاً:
يامن بديتي اللوم
انا ليك بتمه
فكري المشتت
جاري وراك بلمه
خبرك ويوم يطراك
انهه واذمّه

واذكر ان هذه القصيده كانت مع المرحوم الفنان ايوب فارس رحمه الله ولكن موته حرمنا من الاستماع اليها بصوته.

للشاعر مسعد حنفي الكثير من القصائد التي كتبها بالعربيه الفصحى ولكن وللأسف فقدت مع مافقد من اشعاره واوراقه الخاصه من المنزل بعد وفاته وتلك الاوراق بها العديد من الاعمال الادبيه من قصص وروايات وهذا جانب يجهله الكثير من الناس وبها ايضاً مجموعة المساجلات التي تمت بينه وبين شاعر المريخ محمد الزبير رشيد بعد ماكتب قصيدة (آمنت بيك ياهلال) وهي مساجلات شعريه رائعه توقفت بعد ان تدخل طلعت فريد الذي كان وزير الرياضه في ذلك الوقت على ماأظن بعد ان اخذت المساجلات منحناًشخصي وغير رياضي من جانب الشاعر محمد الزبير الشئ الذي جعل الوالد يكتب له رساله نشرت في الصحف يبلغه فيها عن رفضه الزج بقلمه في مثل هذه المهاترات الشخصيه.
وجدت بين اوراقي الخاصه قصيده للوالد بعنوان احلى الحسان واخرى بعنوان سأعود وسأنشر الاولى في هذه المحطه والثانيه في محطه اخرى بإذن الله.

رحماك يا احلى الحسان ترفقي
بالعاشقين فكلنا اسراكي
انت الجمال مجسماً انت الصبا
انت الشباب الغض مااحلاكي
انت الورود بنفحها وعبيرها
تسبي القلوب فتنتشي بشذاكي
والاسمرار الحلو فيك محبب
اسر الفؤاد فبتّ عبد هواكي
وقوامك الميّاس ذوب مهجتي
شوقاًاليه فما عشقت سواكي
ولئن نسيت فلست انسى مطلقاً
سحر العيون السود لن انساكي
احببت فيك الطهر يامعبودتي
فعزفت عن حب المها الاّكي
وسمو خلقك زاد قدرك رفعة
وعفافك المأثور زاد بهاكي
ويزيد حسنك فتنة وتالقاً
حسن الصفات الغر انت ملاكي
وانا المحب الصب طال تلهّفي
للوصل هيّا عجّلي برضاكي
فإذا رضيت فانت غاية مطلبي
وإذا نأيت فمرحباً بهلاكي

الاخوه المتابعين البوست يمكنكم الاضطلاع على مجموعة قصائد الحقيبه الخاصه بالوالد ضمن بوست الحقيقه السافره

Quote: الاخوه المتابعين البوست يمكنكم الاضطلاع على مجموعة قصائد الحقيبه الخاصه بالوالد ضمن بوست الحقيقه السافره

الاخ مجدى سلامات
لو امكن ختها لينا فى بوست
المجموعة الكاملة لاغاني الحقيبة مكتوبة

دام الود
مخو

الاخ محمد المختار
تحياتي وشكري على المرور الكريم
بالنسبه لقصايد الوالد الخاصه بالحقيبه فقد انزلت في بوست المجموعه الكامله
وجه القمر سافر والناعسات عيونن وقسيم الريد ليّ جود بالطيف وسأوالي نشر البقيه
قريباً باذن الله فلك التحيه يامخو

عزيزي مجدي رحم الله والدكم البديع
وسدد خطاكم
ايميلي
[email protected]

... شكرا اخي مجدي و انت تتصدى لسيرة احد شعراء حركة الغناء الحديث ، و رغم كون حديثك هو وفاء اصيل للوالد مسعد حنفي , إلا اننى الاحظ سعيك الصادق لا براز جوانب و حقائق تاريخ الغناء في السودان .. ياريت لو رصدت لنا هنا مرة اخرى قصائد الوالد مسعد الغنائية .. في علمى المتواضع وهذا ما سمعته انه كتب لصلاح مصطفى اغنية عذبة رقيقة اسمها : ( اتذكري جلستنا في المقرن سوا ! ) و أخرى اسمها : ( صدقت العيون و كلام المحنة ) ! هل تكرمت علينا يا مجدى بالتوضيح و بكلمات هذه الاغانى التى لم يزيدها مرور الزمن الا بريقا و زخما عاطفيا ! صدقت العيون لما بقيت اسيرا ! وقال ابى الجهم : ان العيون التى في طرفها حوّر .. قتلننا ( ولم يقل قتلتناحرصا علي التفعيلة و الجرس ) ثم لم يحيّين قتلانا .. يصرعن ذو اللُب حتى لا حِراك فيه .. و هن اضعف خلق الله انسانا !! وقال الامى السودانى : عيون الصيد الناعسات عيّونى (بمعنى أمرضونى) .. عيون النيل حاكن عيونى ! و قد علمت موخرا في بوست بلقيس الحبشية ان عيون نهر النيل مشتقة بالاساس من انهار الجنة .. وصدق من قال : مرة نظرن لي اوقفن .. شالو نومى ما انصفن يا حلاتن .. هِن اساس الريد و الفنون !!

الاخ العزيز احمد طراوه
شكراً على حضورك العزيز
مما يحسب للشاعر مسعد حنفي تواصله مع الاجيال فانه لم يكتف بان يكون شاعر حقيبه فقط بل واصل المشوار فكتب الغناء الحديث فكما ذكرت انت فقد كتب للفنان صلاح مصطفى اغنية (مناجاة) اوكما يسميها البعض (هل تذكرين نزهتنا في المقرن سوا) اما اغنية صدقت العيون فهي ليست من كلمات الوالد ولكن الاغنيه الثانيه التي غناها صلاح مصطفى فهي اغنية( يومين ياناس يومين اتنين) ومن الذكريات الطريفه ان الوالد كان لديه عدّة اغنيات لدى الفنان صلاح مصطفى ولكنه قام بسحبها منه قبل ان يغنيها والسبب كما اخبرني الوالد اغنية (لو او بتحبني) التي اغضبت الوالد منه خصوصاً ان والد الفنان صلاح كان قد وصّى الوالد بالوقوف الى جانبه قي بداية حياته الفنيه فكتب له مناجاة التي احدثت ضجّه رهيبه في ذلك الوقت وجعلت صلاح مصطفى ينطلق بسرعة الصاروخ .
سأحاول اليوم نشر اغنية مناجاة اما اغنية يومين ياناس فللاسف ليس لدى كلماتها.

الأخ مجدي

التحية لك ولوالد الشاعر مسعد حنفي... نفتخر بمدية شندي دار جعل، مدينة الأصالة وموطن الشعراء.ومواصلين معاك ترحالك من محطة الى محطة في حياة الوالد.

احترامي لشخصك

الاخت العزيزه سلمى

لك التحيه والود الصادق وشكراً على مرورك الكريم
بالرغم من الوالد كان من اصول مصريه ولكن الذين يعرفونه عن قرب يعرفون تماماً اخلاق الجعليين التي كان يتحلى بها من رجوله ونخوه وصفاء نفس وربما سنحت الفرصه لسرد بعض المواقف عن هذا الجانب في حياته.
ارجو ان لاتحرمينا من حضورك العزيز.

بما اني كنت اتحدث في المره السابقه عن علاقة الوالد بالفنان صلاح مصطفى فلا بد من وقفه قصيره قبل الاسترسال ومتابعة المحطات مع اغنية (مناجاة) فهذه الاغنيه تعتبر من اجمل ماكتب الشاعر مسعد حنفي ولكن بالطبع بعد وجه القمر سافر فقد اخبرني الاستاذ عوض بابكر ان الوالد كان صديقاً لوالده وكثيراً ماكان يذهب لزيارته في جزيرة توتي وان هذه القصيده ولدت على رمال شاطئ الجزيره الرائعه عندما كان الوالد يجلس في المنطقه المقابله لمقرن النيلين وللامانه انا سمعت هذه القصه بعد وفاة الوالد ولكن الاستاذ عوض شخص ذو ثقه وانا على ثقه بان روايته صادقه.

وهاهيّ كلمات الاغنيه لتحكموا بانفسكم على روعة الصور واللوحات في ابياتها

مناجـــــــــــاة
-----------------
هل تذكري نزهتنا في المقرن سوا
وسط الزهور نتساقى كاسات الهوى
-----------------------------
هل تذكري النيلين عناقم كيف بدا
زي احتضان الورده لي بلل الندى
الموجه تابعه الموجه جاريه تطارده
تهدر تثور في صوت يزيد عنفه الصدى
هل تذكري القمري الشدا
كيف كان يغرد منشدا
الحان غرامنا يرددا
وحوله الطيور مااسعدا
هل تذكري انا ليك فدا
كيف كنت هانيه ومسعده
الوجنتين متورده
والابتسامه تساوي كونا وماحوى
----------------------------
هل تذكري كيف كنا في غاية الصفا
رقت حواسنا والمناظر ترهفا
الماء امامنا يداعب العشب الطفا
نثر الرذاذ فوق لي وجوهنا يلاطفا
بدت الزهور ما اظرفا
الوان عديده مصنفه
الخضره معناها الوفا
والصفره عنوان الجفا
اما البياض لون الشفا
رمز السلام والمعرفه
والحمره شوقنا المانطفى
نار تستعر تحرق قلوبنا في الهوى
--------------------------
هل تذكري شمس الضحى المتألقه
كيف اختفت لامن بديتي مشرقه
ليك تنحني الاشجار رءوسه المطرقه
غارت عليك نشرت غصونه المورقه
ما احلا ساعات اللقا
نزهتنا كانت شيقه
بدت الحديقه منسقه
اكمام وروده مفتقه
اطياره فوق متعلقه
جوه القلوب ثمر الهوى طاب واستوى
------------------------
هل تذكري كيف كنت فاتنه مدللة
جذابه رايعه مكمله من غير طلا
نور ابتسامتك يملا جنبات الفلا
روعه وجمال زي الزهور وسط الكلا
رقّ النسيم والجو حلا
غاب العزول والبال خلا
ياغاليه ياست الملا
انت الرخا بعد الغلا
والشدّه ياكافي البلا
جمبك تكون ما أجمله
روحنا تتشابى للعلا
يلاّك سوا ابداً املنا ماانطوى

عزيزي مجدي,



لك تحياتي وشكري لكل ما تفعله من اجل إلقاء الضوء على أعمال الوالد رحمة الله عليه قديمها وما تلاها من أعمال في مرحلة ما بعد الحقيبة.

عند اطلاعى على محطة اليوم التي أنزلت فيها كلمات أغنية مناجاة جالت بخاطري واقعة طريفة وقعت بيني وبين الوالد رحمه الله.

اذكر انه كانت في تلك الفترة شباشب وصنادل مطاطية يطلق عليها اسم الشدة وقد جاء في كلمات الأغنية مقطع يقول فيه الشدة يا كافي البلاء جنبك تكون ما أجملا. فكان هذا المقطع مثار تندر وسخرية من بعض الناس فبجانب كلمة الشدة كانت هناك عبارة يا كافي البلاء وهى عبارة شائعة الاستعمال بين النساء زد على ذلك كثيرا من الناس كانوا يسمعون جنب بتكم ما أجملا بدلا عن جنبك تكون ما أجملا. وهو منتهى البلاغة.

الشاهد. تعرضت أنا لكثير من السخرية من اصدقائى فمثلا احدهم قال لي يعنى شبط الشدة أحلى منها وآخر قال أبوك جاب كلام العجايز دا من وين شنو يا كافي البلا دي. طبعا أنا كنت في غاية الغيظ ولا اعلم بماذا أرد فذهبت إلى الوالد وأخبرته بما يقال فأرغي وأزبد وقال عالم جهلاء.

ألا يعلمون بأن كافي البلاء قد جاءت في القرآن وان الشدة هي الوقت العصيب وهذا عربي فصيح أما من سمع جنب بتكم ما أجملا فدا أحسن يروح يكشف على سمعه.

طبعا أنا بعدها قمت بسرد ما دار بيني ووالدي فتوقف اصدقائى عن مضايقتي إلا في بعض الأحيان ليثيروا غضبى فقد كنت سريع الاشتعال.

عادت إلى الذاكرة تلك الواقعة فخفت أن يكون هناك من القراء أحدا ربما فهمها مثل ما حدث من قبل لذا لزم التنويه. لك خالص الود والمحبة.

فتحي مسعد حنفي

تحدثت سابقاً عن المساجلات التي تمت بين الوالد والشاعر محمد الزبير رشيد عن الهلال والمريخ وذكرت ان الوالد كان لديه ملف يحتوي على كل المساجلات التي نشرت على صفحات الجرائدولكنه فقد من المنزل بعد وفاته وسأنشر لكم اليوم قصيدة (آمنت بيك ياهلال) والتي هي في الاصل التي اشعلت غضب الشاعر محمد الزبير رشيد وجعلته يدخل في تلك المساجلات مع الوالد والتي استمرت لفتره ليست بالقصيره تحولت في نهايتها الى مهاترات شخصيه جعلت الوالد يكتب له رساله منشوره عن عدم رغبته في زج قلمه في مهاترات شخصيه بعيده كل البعد عن الروح الرياضيه.

آمنـت بيك ياهــلال/ للشاعر مسعد حنفي
----------------------------------
آمنت بيك ياهلال
ياكايد العزّال
آمنت بي الابطال
الحققوا الآمال
بطل المعارك صال
يضرب يمين وشمال
جبت النصر والمال
الكاس عليك حلال
،،،،،،،،،،،،،،،
يا جكسا انت الفاس
الشقّوا بيها الراس
قدمك يمين تنباس
بي ضربه جابت الكاس
لجّمت خشم الناس
شمتّ فيها الناس
،،،،،،،،،،،،،،
يا صانع التاريخ
ياهازم المريخ
سخنت ليهو السيخ
بشتنتهم ياشيخ
خليت صبيهم شيخ
،،،،،،،،،،،،،
الكاس ده ليهو سياد
ارتدّ ليهم عاد
في الدنيا مافي بلاد
جهلوا الهلال الساد
انفقعوا ياحسّاد
كال الرماد حمّاد

الاخوه الاعزاء وصلتني هذه المداخله الرائعه من الاستاذ شوقي بدري وانشرها كما هي لما فيها من معلومات قيّمه واحداث تاريخيه قد تكون مجهوله لدى البعض واتمنى من الاستاذ شوقي عدم حرماننا من مشاركاته الرائعه فهو بدون شك موسوعه مليئه بالمعلومات القيمه ففي انتظار المزيد يا أستاذ.



الحقيبه فرسان وافنديه...

من اعظم فرسان الحقيبه الوالد عمر البنا. وهو والوالد عبد الله البنا كانوا حضريين بدويين يتنقلون بين البطانه وامدر . والوالد عمر البنا يحن كثيراً لامدرمان ويظهر هذا فى اشعاره . .

من اللذين فارقوا امدرمان لفتره طويله الرائع سيد عبد العزيز . فلقد ترك مهنه الوالد كحلاق حمير وشاركه فى هذه المهنه اولاد ايوب وآخرين وسكن سيد الابيض وعمل بالميكانيكا . واغنيه عبيد عبد الرحمن حبيبى اكتب لى وانا اكتب ليك كانت بسبب رحول سيد من امدرمان . وبالرغم من ان الفرق فى العمر بين عبيد و سيد هو 9 او 10 سنوات الا انه كانت بينهم صداقه وارتباط شديد. .

فى سنه 1961 كان عمنا عبد الله البنا الشاعر المجلى فى مهرجان الشعر فى دمشق , وأذكر ان محمد القرشى زميلنا فى الفصل قال له يا استاذ اخوك برضو شاعر فقال البنا متظاهراً انه ليس فخوراً بشقيقه ده مغنواتى . ووالدنا عبد الله هو الذى قال مداعباً شقيقه الاصغر .

اثنان يسهران الليل وينامان النهار .

الكلب وعمر الطمبار .

وحوش البنا كان مليئاً بكلاب الصيد أشهرهم الكلب برميدو الذى سارت بذكره الركبان مثل تمساح كلب صديقه الشيخ تاتاى . .

كرومه لحن أغلب اغانى الحقيبه وكان متعلماً لانه درس فى مدرسه شيخ الشبلى بالقرب من منزله بحى السيد المكى. وهو يصغر سرور بثمانى او عشره سنوات وأول مره يستمع سرور الى كرومه كان تحت اللمبه أمام بيت البى عبد الله خليل وكرومه صغير وتنباء بأن يكون له شأن . اضاءه الشوارع كانت موجوده فى شوارع امدرمان من نهايه العشرينات . .

وعندما صار كرومه معروفاً كان سرور يغير منه . وأتى مره بالعجله والكريز فى الميزان محاولاً فركشه احدى حفلات كرومه فى الشهداء بالقرب من القلعه وأخذ كرومه روسيه من سرور. .

ويبدو ان عمر البنا فرض حمايته وأجبر سرور بالابتعاد عن كرومه . وسرور بالرغم من انه بداء حياته كراعى خارج مدنى الا انه كان معتداً بنفسه وقوياً فى جسمانه ولكن لم يكن ليحلم بأن يتطاول على امثال الوالد عمر البنا والا لترك امدرمان .

الاستاذ عبد الله رجب ذكر فى تاريخ حياته ان سرور سمع اسطوانه خليل فرح عازه فى هواك فى المقهى فى سنجه فانتزع الاسطوانه من الفنوغراف وكسرها . وهذه العمليه كررها سرور فى عدة اماكن . ولقد كان من المفروض ان يسجل هذه الاغنيه وبسبب غيابه المتواصل فى اثيوبيا . طلبت الشركه من خليل فرح ان يسجل الاغنيه والخليل كان يرفض تسجيل اغانيه . لان التكسب من الغناء كان مكروهاً . وضاعت الفرصه على سرور . الا انه نشر الاغنيه فى اثيوبيا . وعندما كنا نسمع الاغنيه فى اثيوبيا ونقول انها لحن سودانى كان الاثيوبيون يضحكون منا . لان الاغنيه كما فى السودان تعتبر اغنيه وطنيه .

الرائع كرومه كان هادئاً أنيق الثياب لا يشكو ومات بانفجار القرحه وهو فى السابعه والثلاثين من عمره ويشابه فى كثير من الاشياء العميرى . فكان يبدو وكأنه يستعجل نهايه حياته . سمعت من الزعيم التجانى الطيب بابكر بأنهم عندما كانوا فى سوق المويه فى امدرمان بالمساء كان خبر موت كرومه على لسان الجميع مما اكد اهتمام الناس وحبهم لكرومه . فكرومه بجانب انه كان فنان الوقت فقد كان استوبر وهجوم فى فريق الهلال لثلاثه مواسم حافله .

وسمعت بأنه فى الاربعينات تعرض لمحاوله قتل فى سوق امدرمان بواسطه صديق جاء جارياً خلف كرومه من زقاق الجامع وحاول طعن كرومه عده مرات وكرومه لم يزد على ان نظر اليه معاتباً , وحال القفطان . دون ان تنفز السكين بطريقه قاتله الى جسم كرومه وتمكن بعض الاصدقاء والماره بالامساك بالجانى . ورفض كرومه ان يبلغ على الجانى . ووضح فيما بعد ان الامر وشايه سببت الكثير من الغيره .

الوالد عمر البنا كان يعمل كمحصل فى المجلس البلدى والى الستينات كان يركب حماره ويبدو متماسكاً . ويتجنب اى موظف ان يدخل معه فى مشاده . وهو ومحمود فلاح , وخالد ابو الروس رائد المسرح من الاوائل اللذين رحلوا الى الثوره .

ايام المضاربه والمنافسه قال الوالد عمر البنا بأنه كان يحى لعبه كل يوم لمده اسبوع كامل وكان سرور يحى حفلات مماثله كنوع من التنافس . الا ان الوالد عمر كان يذهب للنوم فى حوش البنا ويجد ملابسه مغسوله ومكويه والطعام جاهز . وفى فجر يوم الجمعه يذهب سرور للنوم فى الورشه التى كان يعمل بها غرب البوسته والتى صارت فيما بعد ورشه احمد سكره . ولم يستيغظ سرور الا فى صباح يوم السبت عندما حضر بقيه العمال للعمل .

وبما ان الفروسيه كانت مكمله لمظهر الفنانين فلقد لبس الوالد عمر البنا جلابيته بسرعه وذهب الى بيت عرس قريب وبينما هو يغنى لدغته عقرب كانت فى الجلابيه ولم يتوقف من الغناء بالرغم من اللدغات المتواصله

الوالد عمر البنا كان ينتظر ظهور احدى حسان السودان والتى الهمته كثيراً من شعره ولم تظهر . فطلب من بعض الصبيه اللذين كانوا يلعبون سكج بكج او الضقل ان يصرخوا الحريقه الحريقه واعطى كل منهم تعريفه . وعندما خرج الناس اتت الجميله تتبختر سائله النار وين فقال عمر البنا النار هنى واشار الى قلبه .

الوالد عمر البنا كان يغنى ويلحن ويؤلف الاغانى ولانه ابن امدرمان فلقد كان يتبعه مجموعه من الصياع ويرددون أغانيه فى القعدات منهم ود الرومى وتوم شم العيش وبخيت ابو الجوخ الذى سكن فى الكبرى أمام المسرح القومى من الناحيه الجنوبيه . وكنا نظبط معه حله السمك ( القرقور ) بصحبه حسن عبد الفراج واحمد باب الله ومصطفى كتله والثلاثه من المتعلمين اللذين ادمنوا الخمر وبخيت كان يردد أغانى عمر البنا ويتذكره .

كرومه تصالح مع سرور وتناذل له من اثنين من اغانيه احداهن اجلى النظر . بل لقد شال معه فى بعض حفلاته . والحقيقه ان سرور كان ممتلئاً بالعنصريه والعنجهيه والاحساس بأنه ود عرب وأن كرومه ليس بود عرب .

الوالد عمر البنا كان امدرمانياً يتقبل الناس كما هم .

. والوالد عمر البنا والشيخ تاتاى وشقيقى خلف الله احمد ود صافيات الذى تربيت معه فى حوش ابراهيم بدرى كانوا من اميز رجال القنيص فى امدر وعلى يدهم تعلم كثير من ابناء امدر القنيص والدوبيت والغناء والشعر فليرحمهم الله .

اللذين مارسوا الغناء قديماً وعرفوا بالصياع او الطنباره كانوا امتداد للهمباته والفرسان اللذين عاشوا حياة مغامره ورومانسيه وعدم ارتباط بمهنه او وظيفه ثابته تقيدهم . اشتهروا بالشجاعه والاقدام والكرم وهذه النظريه او اللمسه استمرت حتى فى امدرمان ولهذا لم يكن الشعراء ومن ارتبطوا بالحقيبه( افنديه). .

عندما اقتحم كبس الجبه منزل آل خاطر لفركشه الحفل كما كان يحدث كثيراً قال .. النسوان والافنديه بى جاى . وحتى بعد ان اشهر العم خاطر مسدسه كان كبس الجبه يتقدم واضظر العم خاطر لقتله .

عندما صار حسن دينق مغنى حقيبه بعد ان كان شيالاً مع مرغنى المأمون واحمد حسن جمعه . وحسن كان من فتوات امدرمان يمتاذ رحمه الله عليه بجسم ضخم كما كان ملاكماً فى بدايه حياته . وانضم اليه جاره بطل كمال الاجسام فيصل الخير كمغنى حقيبه . وفى احدى حفلات العباسيه وقف احمد عبد الفراج ( قدوم زعلان ) محتاراً فسأله تؤام الروح بله مالك يا احمد فقال احمد حفله ذى دى يفرتقوها كيف دى ما يفرتقتها الا الفنانين . قدوم زعلان كان مع دغماس وراس الميت زملاء وشله كبس الجبه .

المغنى اذا لم يكن قوياً ومستعداً للعراك والضرب كان يضطر لان يستعين بعض الفتوات او يتكفل فتوات الحى الذى تقام فيه الحفله بالدفاع عنه . عندما حضر العم الاخ النعيم _( حطب ) خال مأمون عوض ابوذيد لزيارتى فى المنزل قال خالى اسماعيل خليل بعد انصرافه حطب ده زمان مافى حفله فى امدرمان ما فرتقها .

سرور اضطر الى ان يشهر مسدسه ويطلق النار فى الهواء عندما احاط به البعض لكى يفرقوا حفلته . والمسدس كان هديه من الملك سعود عندما ذهب لاحياء حفل فى السعوديه وذهب سرور للسجن سته شهور وتوسط له الامام عبد الرحمن عند الحاكم العام وعمل فى السراى كجناينى فى فترة سجنه . وقام الامام عبد الرحمن بالصرف على اسرته فطلب سرور من صديقه سيد عبد العزيز تأليف قصيده تشيد بالامام اخرجها سرور فى اسطوانه .

السيره حتى فى امدرمان كان يجب ان يصحبها الاشداء وعندما تمر ببعض الاحياء . وكان البعض يطالبون بالتوقف ورقص البنات حتى يأخذوا شبالاً . وقد تحدث مواجهات قد تنتهى بالقتل .فلقد اوقف بعض اشداء منطقه شرق السوق سيره وطالبوا بالغناء والرقص والشبال من البنات . وعندما تكرر الامر ولم يسمح للسيره بالتحرك تقدم احد الشبان من السيره وصفع هوارى ورد هوارى كان ان ذبحه . وهذه حادثه مؤلمه تذكرتها امدرمان . هوارى كان صديقاً ليوسف مبروك الذى اشتهر كذلك بالقوه . ومن نفس المنطقه كان احد الفتوات ابراهيم طلحه الذى حارب فى فلسطين وجرح اكثر من مره .

عندما كبرت امدرمان صارت المناطق التى يسكنها العوائل الاوفر حظاً واقل ميلاً للعنف تأتى بالسوارى والبوليس فى الحفلات بغرض الحمايه . وسعر السوارى مع الحصان 35 قرشاَ ورجل البوليس 15 قرشاً .

من المهابين من مغنى الحقيبه احمد حسن جمعه كان مشهور بعكاز

يرمى الزول ناشف . وهو خال شاعر امدرمان عبد الله محمد زين . بل لقد سمعت بأنه ضرب احد اصدقائه عكاز عندما ظن ان عضلته اختلجت فى البطان .

العم المبارك ابراهيم والذى خلق الحقيبه وجعل كل السودان يهتم بها وحفظ هذا التراث لم يواصل كمغنى حقيبه . فلقد كان صغير الحجم واذكره يسكن فى نفس شارع المناضله فاطمه احمد ابراهيم . وبالرغم من انه من اول المغنين اللذين سجلوا اسطوانات الا ان مظهره وطريقه حياته لم تكن مقبوله لمن كانوا يحسبون ان الفنانين هم امتداد لود ضحويه وبامسيكه وابطال الباديه . فلقد كان رحمه الله عليه يعمل كمسجل وكاتب فى مستشفى الارساليه مما يعنى انه من قبيله الافنديه .

الكاشف رحمه الله عليه كان مسالماً وتعرض لسوء الحظ للضرب عدة مرات بل لقد اصيب بقطع فى انفه فى احد الحفلات . فى معركه لاحد العازفين .

سيد عبد العزيز وعبيد عبد الرحمن وعبد الرحمن الريح وعتيق وود الرضى عملوا فى المهن البسيطه كحلاقه الحمير وبيع البهائم والتجاره الصغيره والنجاره وحتى بيع القرع فى سوق امدرمان . وإن كان سيد قد تعلم فى مدرسه ابراهيم سوميت المسائيه وصار ميكانيكياً .

لهذا اظن ان العم عثمان بدرى كاشف قريب خليل فرح لم يشتهر كالآخرين بالرغم من حلاوة شعره كشاعر حقيبه . واحد اغانيه الرائعه مرضان باكى فاقد . لا تزال تحوز على رضاء الجميع وتغنى الى اليوم بواسطه عديد من الفنانين . وريما لانه كان هادئاً ومثقفاً , وكان يدير مكتبه الثقافه فى امدرمان لم يجد كل التقبل . وكما اوردت من قبل فأن هذا الجو اهضم حق مسعد حنفى كشاعر حقيبه .بالرغم من انه له كثير من الاغانى الرائعه . وكعبد الرحمن الريح عاصر مسعد حنفى الحقيبه واغانى الاذاعه والاغانى الحديثه . وبالرغم من ان الاغنيتين الناعسات عيونن ووجه القمر سافر عرفا رسمياً فى الاذاعه والسجلات من اغانى مسعد حنفى وفى اثناء حياة الشاعر ابو صلاح الا ان البعض لا يزال ينسبهم الى ابو صلاح . مسعد حنفى كما اورد ابنه مجدى قد ولد ونشأ وترعرع فى شندى وطاف كل السودان الا ان ختم الحلبى والافندى لازمه لسوء الحظ . ولقد اهضم حق المبارك ابراهيم لانه كان افندى من جبال النوبه . وكان البعض يتجرأ ويقول انه مسيحى فقط لانه كان يعمل مع المسيحيين . وما قدمه للتراث السودانى لم يقدمه اى انسان آخر كان رحمه الله عليه صديقاً لوالدى ابراهيم بدرى وتوفيق صالح جبريل . ولولاه لما سمع دكتور سليم بتوفيق صالح جبريل ولما حقق ديوان توفيق صالح جبريل


شوقى ....

حكى لي والدي رحمه الله هذه القصه الطريفه منذ زمن بعيد فقال :
بعد ان استقر بي المقام في الخرطوم بحري وزواجي من امك المرحومه امينه اردت ان اسافر الى الاسكندريه لزيارة والدي واخوتي بعد مضى وقت طويل لم نلتق فيه فكان لابد من استخراج جواز سفر وبالتالي لابد من استخراج شهادة الجنسيه اولاً فقمت بتعبئة الاوراق اللازمه لذلك وتقدمت بها ولكنهم طلبوا مني اإنتظار عدّة ايام وتكرر ذلك اكثر من مرّه فأخبرت خالك عبدالمنعم رحمه الله فطلب مني ان يصحبني في المره القادمه وبالفعل ذهب معي وطلبنا ان نقابل الضابط المسؤول عن الجنسيه فأدخلونا اليه ففوجئنا به يقول لي كيف تريدني ان اوقع لك على طلب الحصول على الجنسيه بالميلاد وانت ليس في ملامحك وشكلك اي شئ سوداني فلونك ابيض مثل الخواجات وشعرك ناعم مثلهم وعيونك زرقاء ايضاً مثلهم . فنظر اليه خالك عبد المنعم وسأله بكل هدوء هل تستمع الى اغاني الحقيبه قال نعم فسأله وهل تستمع الى اغنية وجه القمر سافر قال نعم فقال له وهل يمكن ان يكون شاعر وجه القمر هذه شخص غير سوداني . قال لا . فقال له خالك الشخص الجالس امامك هذا هو شاعر وجه القمر سافر. فقال الضابط: ولكني اسمع ان هذه الاغنيه للشاعر ابوصلاح .
وهنا تدخلت في الحديث وقلت له سأحكي لك وباختصار قصة هذا اللبس الذي يقع فيه الكثير من الناس وسردت له باختصار الاحداث التي واكبت المشكله منذ بدايتها فكانت كافيه ليقتنع ويوقع فوراً على طلب الجنسيه بالميلاد .

الحبيب يوسف
رحم الله آباءنا وامهاتنا جميعاً الأحياء منهم والأموات وجعل مثوانا ومثواهم الجنه بإذنه تعالى .
شكري على وصول المطلوب ودمت لى صديقاً وفياً اعتز بصداقته دوماً.

استدعاني في مره الميجور فولي فقال:
اظنك تعرف ان زوجتي هي سكرتيرة الصليب الاحمر في الخرطوم ولقد وصلت عدّة صناديق تحوي هدايا عينيه ولكن المشكله ان هذه الصناديق افرغت في معسكر شجرة غردون وقد فشلت زوجتي كلياً في نقل هذه الهدايا نظراً لشح البنزين في ايام الحرب هذه لهذا لجأت اليك املاً ان تجد لزوجتي مخرجاً من هذا المأزق وانا رغم علمي بما ستواجهه من شبه استحاله الاّ انني واثق انك ستجد وسيله ما بما عهدته من حسن تصرفك فهل تحاول ان تؤدّي لي هذه الخدمه؟ ارجوك.

قلت سأحاول . قال خذ عربتي الخاصه وارجو لك التوفيق.
قلت لمصطفى السائق العسكري نذهب اولاً الى الشجره لنشاهد الصناديق ونكوّن لنا فكره عن عددها وحجمها فلما وصلنا وجدنا عشرين صندوق ضخم بها سجاير وتنغ.
رجعنا وعبثاً حاولنا اقناع احد اصحاب اللواري بقبول القيام بمهمة النقل رغم الإغراءات الماديه وبالكاد استطعت اقناع صاحب عربه كارو وطبعاً لم تكن عربه واحده تكفي لحمل كل هذه الصناديق ولكني رأيت ان ابدأ بها على ان اعاود الامر غداً ولقد لاحظت ان عدّة لواري كانت تقابلنا وهي راجعه من الشجره فارغه فكنا نستوقفها ولكنهم كانوا جميعاً يعتذرون بان هذه اللواري تخص مقاول اغريقي يقوم بعملية بناء جملونات للجيش ومهمتهم نقل مواد البناء من الخرطوم الى الشجره وليس من حقهم اداء اي عمل آخر.

تضايقت اذ رأيت بعيني العربات ترجع خاليه دون ان يعينونني في أداء مهمتي الصعبه.
فكرت قليلاً ثم قلت للجندي السائق : اوقف اي لوري يقابلنا وقل لسائقه ان سعادة البك يريدك فلما يحضر معك قف زنهار واضرب الارض بقدمك وارفع يدك في تحيه عسكريه وقل امام السائق هاهو السائق ياسعادة البيه ثم اترك الباقي لي .
وكنت ارتدي زيّاً عسكريّاً وقد ثبتت على الاكتاف شرائح مستطيله من الجوخ الاخضر وقد طرزت على كل منها بالحرير الاحمر الحروف الانجليزيه .s.a.f وهي شعار فريق المدافع المضاده للطائرات التي كنت انتمي اليه كمتطوع فلما اصطحب سائقي الجندي سائق اللوري وحياني التحيه العسكريه بهيبه واحترام اخرجت احد كتفىّ لاتيح لسائق اللوري مشاهدة شارتي الحربيه وقلت بلهجه انكليزيه : انت مشي وين؟ قال: جبت الزنك بتاع المقاول وحسّه راجع انقل الباقي .
قلت: لا انت بترجع للشجره علشان في هاجات مهم جداً . قال لكن سعادتك فقاطعته منتهراً shut up اذا كان المقاول يسألك كلمه سعادة البيه اداك اوامر .
قال بخضوع: حاضر سعادتك . وهكذا وصلنا الشجره فحمّلنا اللوري ثم وضعنا بقية الصناديق على عربه الكارو وقبل انصرافنا شعرت بظمأ شديد فطلبت من الضباط الهنود الذين سلموني الصناديق بعض الماء ولكن احدهم لم يهتم فظننتهم لم يسمعوني فاعدت طلبي بصوت مرتفع ولكن دون ان اجد لطلبي اي اثر في نفوسهم فاغتظت وتناولت طباشيره وكتبت بها على سبورتهم بخط كبير water ومع ذلك ظل الضباط ينظرون الى بعضهم دون ان يهتموا بصياحي وبينما انا في ذهولي من هذا المسلك العجيب رأيب جندياً هندياً يقف امام خيمة الضباط ويشير الىّ ان تعال ، فخرجت اليه فسألني بلغه عربيه ركيكه أأنت مسلم قلت نعم قال الحمدلله هؤلاء الملاعين يزعمون اننا نحن المسلمون انجاس ثم قدم لي ماء وسيجاره ثم فتح لي علبة عصير فشكرته وانصرفت ومهما يكن من امر فقد نقلنا رسالة الهدايا كامله الى دار الصليب الاحمر وفي صبيحة اليوم الثاني استدعاني المدير وقال وهو يتصنع الغضب : ماهذا الذي فعلته اتنتحل شخصية ضابط بريطاني؟
اظنني قلت لك لاتهتم بالمصاريف ولكني لم اطلب منك ارتكاب مثل هذه الجريمه .
قلت بتذمر : لقد طلبت مني ان اتصرف فوجدت هذه هي الوسيله الوحيده لانقاذ الموقف .
قال وهو يخفي ابتسامته انت شيطان كبير على كل حال فانا بالاصاله عن نفسي وبالنيابه عن زوجتي اشكرك كل الشكر.

اعزائي قريباً نواصل ماتبقّى
من محطات في حياة الشاعر
مسعد حنفي فعذراً للجميع.

نواصل اليوم الجزء الاخير من المذكرات المكتوبه

في نوفمبر 1941 ورغم انقباض صدري لفراق اسرتي كنت استمتع بمشاهدة المناظر العجيبه التي تطالعنا ابان رحلتنا بالباخره فما ان وصلنا الى الرنك حتّى بدأت مناظر الجنوب الأصيله .
رجال عراة ونساء عاريات كما ولدتهم امهاتهم وتماسيح ترقد على رمال الشاطئ وفرس البحر وهو يظهر في مجموعات كبيره
كانت هذه المناظر مثيره جداً بالنسبة لي مما هوّن علىّ آلام الابتعاد عن اسرتي ولكم استمتعنا بممارسة بعض ال%D

نواصل اليوم الجزء الاخير من المذكرات المكتوبه

في نوفمبر 1941 ورغم انقباض صدري لفراق اسرتي كنت استمتع بمشاهدة المناظر العجيبه التي تطالعنا ابان رحلتنا بالباخره فما ان وصلنا الى الرنك حتّى بدأت مناظر الجنوب الأصيله .
رجال عراة ونساء عاريات كما ولدتهم امهاتهم وتماسيح ترقد على رمال الشاطئ وفرس البحر وهو يظهر في مجموعات كبيره
كانت هذه المناظر مثيره جداً بالنسبة لي مما هوّن علىّ آلام الابتعاد عن اسرتي ولكم استمتعنا بممارسة بعض الركاب صيد التماسيح ببنادقهم لاسيما جاويش انكليزي يدعى ميلر كان يجيد اصابة الهدف بصوره مذهله ، وحدث ان كان تمساح كبير يرقد في الشاطئ ومع بعد الشقه بيننا فقد اطلق عليه ميلر ثلاث طلقات متواليه فكنا نرى رأس التمساح يرتفع بضع بوصات ثم يرتد مكانه دون ان يتحرك من مكانه قيد انمله فذهل قبطان الباخره وامر الريس بالتوجه نحو موضع التمساح ففعل ونزلنا لنجد الطلقات الثلاث قد استقرت كلها في مكان واحد من جبهة التمساح فاحدثت حفره طولها نحو بوصتين وكان التمساح من الضخامه بحيث اصر البحاره على حمله الى الباخره حيث افرغوا جوفه ووضعوا فيه كميه كبيره من الملح وصحبوه الى جوبا حيث حنّطوه وحشوه قشاً ثم علقوه في مقدمة باخرتهم .

وفي جوبا نفسها فقد وجدت الكثير من الاشياء المثيره فاشجار الشوارع كلها من المانجو وبيوت الموظفين شيّد كل منها وسط حوش واسع فيه الكثير من اشجار المانجو والقشطه والازهار واسوارها من شجيرات قصيره كثيفه مزهره .
ومن اطرف المناظر التي شاهدتها هو منظر باعة الموز اذ رأيت العشرات منهم يجلس كل منهم القرفصاء وبجواره سبيطة موز يبلغ طولها نحو متر وكان ثمن السبيطه خمسة قروش وقد تعودت ان اشتري السبيطه فاعلقها في حبل مدلّى من سقف غرفتي وبعد يومين ادنو بمقعدي منها فاديرها حتّى اذا مالمحت اصبعاً قد نضج انتزعته واكلته وما ان انصرف عنها إلاّ وقد خلفت كومه كبيره من قشر الموز ولكن ما ان تمر ايام قلائل حتّى تنضج باكملها فاضطر الى توزيعه على الميزات .

الاخوه الأعزاء
كنت قبل فتره ليست بالبعيده قد تحدثت عن بعض قصائد الوالد التي فقدت من المنزل بعد وفاته واوردت منها بعض الابيات التي اسعفتني ذاكرتي الهرمه على تذكرها ومن تلك القصائد قصيدة احترت فيك يانور وذكرت وقتها ان الوالد كتبها لفتاة صغيره اسمها نور طلبتها منه عندما كان يدير في سوق نمره اتنين محل احذية يوسف دياب وهو رحمه الله زوج اختي ولكن الشئ الذي جعلني اعيد الحديث عن هذه القصيده او الاغنيه لانها قصيده غنائيه هو ماحدث معي منذ ايام قلائل وهو شئ يدعو للتعجب اردت ان اطلعكم عليه وهو وباختصار انني كنت قبل ايام ممسكاً بالدفتر الذي اسجل فيه اشعاري الجديده واضعه دائماً بقربي حتّى اذا مااحتجت اليه لتعديل كلمه او كتابة فكره جديده طرأت على الخاطر فجأه وجدته قريباً مني ويومها تذكرت احترت فيك يانور لماذا لا ادري وقلت لماذا لا احاول ان اتذكر بقية الاغنيه فربما استطعت ان اتذكر شيئاً اكمل به ما لم استطيع تذكره من قبل فكتبت مطلع الاغنيه ثم بدأت في كتابه الكوبلي الاول وكنت لم اكمله في المحطات لعدم قدرتي على تذكر كلماته كامله ولكن وسبحان الله وجدت نفسي اكتب الابيات بكل سلاسه فاكملت الكوبلي وانتقلت الى الكوبليه الثاني وكتبته وهو كان مايزال محفوظ في ذاكرتي ولكن هنا حدثت المفاجأه فالقصده لها كوبلي ثالث كنت قد حاولت في المره السابقه ان اتذكر منه شيئاً ولكن وللأسف لم استطيع حتّى تذكر مطلعه او اول كلمه فيه واذا بي اكتب جميع ابيات الكوبلي وبكل سهوله وكأن والدي يمليني مااكتب وفي خلال بضعة دقائق كانت الاغنيه مكتوبه امامي وهاهي امامكم .

(احترت فيك يانور)
،،،،،،،،،،،،،،،،،

احترت فيك يانور
يازينة الانوار
حبك نعيم وسعير
هل انت نور ام نار
،،،،،،،،،،،،،،،
انت الامل والنور
يابسمة الاقدار
اشراقه عاطره تفوح
بي نفحة الازهار
وعيونك الضاحكات
كم فيها من اسرار
تسلب عقول الناس
وتحير الافكار
والابتسامه تموج
بالفتنه في اصرار
جذابه حلوه تفيض
بهجه وجمال ونضار
،،،،،،،،،،،،،،
احترت فيك يانور
بس كيف يكون انسان
في رقتك ويكون
في قلبو مافي حنان
ياكاملة الاوصاف
كل الجمال ازدان
في طلعتك وبهاك
وشبابك الريّان
مين يشبهك يانور
في حسنك الفتان
يااحلى من في الكون
يا آية الرّحمن
،،،،،،،،،،،،،،
احترت فيك يانور
ماعرفت ايه يرضيك
لو تطلبي الاقمار
تلقيها بين ايديك
انا عمري مااتمنيت
غير نظره من عينيك
تسعدني تملا فراغ
قلبي المتيم بيك
حبك يناديني
اهتف اقول لبيك
ابذل حياتي فداك
والغالي يرخص ليك

نتابع قريباً

نواصل
____

هذا ومن المفارقات العجيبه ان وجدت بجوبا كل المواد التموينيه كالسكر والشاي والبن والصابون متوفره في السوق وفي متناول كل شخص في الوقت الذي كانت هذه الاصناف تصرف في الشمال بالبطاقات وبكميّات ضئيله جداً .

عند تقديم نفسي الى المسئولين في المديريه بوصفي امين مخازن المديريه الجديد قوبلت بالمدير وكان يدعى المستر بار وهو عملاق بعين واحده ولكنه قوي الشخصيه مرهوب الجانب وكان رغم مركزه العظيم كحاكم للمديريه يهتم بكل صغيره وكبيره مثال لذلك:
انه كان يتابع بنفسه المستهلك من ادوات الكتابه اذ كان الوارد منها ضئيل جداً لظروف الحرب وكان علىّ ان اقدم له كل شهر بيان المنصرف من كل صنف وقد اصطدمت في هذا الشأن بموظف بريطاني حدث السن كان يشغل وظيفة كاتم الاسرار وكان متانّق متحذلق مغرور متعجرف .
كان يطلب كميه كبيره من ظروف الجوابات مع ان المتبع آنذاك ان نستعمل المظروف الواحد اكثر من مرّه اذ يلصق في ظاهره بطاقه بيضاء يكتب عليها العنوان وعند الفتح تفض البطاقه دون المساس بالمظروف لتلصق عليه بطاقه جديده عند تكرار استعماله .
كنت دائماً اطلب من المستر ديفز ان يقتصد في استعمال الظروف ولكنه كان يجيب بان خطاباته كلها سريه ولا بد من استعمال الظروف الجديده.
وعند اضطلاع المدير على بيان المستهلك خاطبني بقوله:

واضح انك منذ وفدت ارتفع المصروف من الظروف وهذا يعني انك لا تودّي واجبك على الوجه الصحيح وكان الباشكاتب موجوداً فقال:
الحقيقه ليس الذنب ذنبه بل هو ذنب مسجل الرسائل الذي لا يتقيّد باستعمال الظروف المستعمله .
قال المدير: هذا لا يخلي امين المخازن من المسئوليه فهو لايجب ان يصرف كميه اكثر من المسموح بها وعلى كل علىّ بهذا الكاتب .
حضر كاتب الخطابات وهو شاب جنوبي يدعى بارنبا فبادره المدير بقوله لو كنت رجلاً عسكرياً لحولتك الى محكمه عسكريه لتحكم عليك بالاعدام فانت بتصرفك هذا قد تتسبب في خسراننا للحرب ولكني رحمة بك حكمت عليك بعشر جلدات وكان المسكين يرتجف وقد تصبب عرقاً وحاول الدفاع عن نفسه ولكن المدير قال بعنف اسكت ايها المخرب وهنا تدخلت انا بقولي مهلاً ياسعادة المدير ليس الذنب ذنب هذا الفتى فهو لم يصرف اي مظروف جديد ولكن الذي بدد هذه الكميه من الظروف هو المستر ديفيز الذي ضرب بنصحي وتحذيراتي عرض الحائط بحجة انه يتعامل مع رسائل سريّه .
انتفض المدير وبرز في جبهته عرق غليظ ثم صاح بغضب : ديفيز فجاء كاتم السر مهرولاً فقال له ان امين المخازن يقول انه حذّرك .
طأطأ المتأنق رأسه ولم يجيب فقال المدير:
اغرب عن وجهي واعتبر نفسك منقولاً فلتذهب الى الخرطوم في اول باخره.

كانت هذه هي الحلقه الاخيره التي كتبها الوالد في مذكراته ويعود السبب الرئيسي لعدم اكماله للمذكرات لوفاة زوجته المرحومه امينه التي اصابه موتها بحاله من الحزن الشديد الذي لازمه لفتره طويله بالاضافه لعدم استقرار حالته الصحيه بسبب مرض السكر الذي انهكه كثيراً حتّى وفاته في عام 1995 م وقد حاولت معه كثيراً ان يكمل المذكرات ولكن دون جدوى فهو في الاصل لم يكن يكتبها لتنشر ولكن ليرضيني بعد الحاحي الشديد عليه فانا في الاساس قصدت من طلبي التركيز على قضية خلافه مع ابوصلاح ومشكلة وجه القمر سافر والناعسات عيونن هذا من ناحيه ومن ناحيه اخرى قصدت ان يشغل نفسه ليعيش في جو ربما كان لا يزال يعشقه.

مازالت هناك بعض الذكريات الباقيه في الذاكره وايضاً بعض الصور للوالد تمثل فترات مختلفه من عمره ساحاول انزالها تباعاً بالاضافه لقصيده كانت الوالد كتبها خلال فترة وجوده في دبي بعنوان (ســــأعود) .

لنا عوده.

عرف عن الوالد مسعد حنفي انه كان صاحب رأس حديدي قوي يستخدمه عند اللزوم ضد من يستحق ذلك وله في هذا الشأن العديد من الحوادث الطريفه سأذكر منها هنا حادثتان .

الاولى عندما كان الوالد واسرته يستقلون القطار في طريقهم الى مدينة الابيض وعند توقف القطار في محطة كوستي اراد احد الاشخاص الدخول الى القمره والجلوس فيها فقال له الوالد هذه القمره محجوزه باسمي وفيها فتيات ولا يصح ان تجلس معهم
فلم يقتنع الشخص بكلامه واصر على الجلوس فما كان من الوالد إلاّ ان امسكه من رأسه وعالجه بروسيّه من رأسه المصفح فتحت رأس المسكين فجرى واتى مصطحباً معه شرطي وقال له:
امسك الراجل دا ضربني بسلاحو؟
نظر الشرطي للوالد وسأل الرجل قائلاّ : اين هو سلاحه
فرد المسكين : سلاحو هنا في راسو مشيراً لرأس الوالد رحمه الله .

سؤال برئ:
ماذا كان يمكن ان يحدث لشاعرنا العظيم ابوصلاح رحمه الله لو لو قرر الوالد معالجة مشكلة وجه القمر سافر والناعسات عيونن معه بهذه الطريقه التي اتبعها مع هذا الشخص ؟

اماالثانيه فكانت عندما طلب الوالد من احدى الكماين لوري طوب احمر فوصل اللوري محملاً للمكان المطلوب واراد السائق انزال الطوب وكان الوالد حاضراً في انتظاره فامسك بطوبه ونظر اليها قائلاً للسائق هذا الطوب اصفر ني فاراد السائق ان يعترض فامسك الوالد بالطوبه وضربها على جبهته فانكسرت ثم امسك باثنتين سوياً وضربهما ايضاً على جبهته فانكسرتا ايضاً فوراً فماكان من السائق إلاّ ان ركب اللوري وانصرف مسرعاً لا يلوي على شئ .

سكان حلة حمد ذلك الحي الذي عاش فيه الوالد وولدنا وتربينا فيه يعرفون مدى قوة جبهة الوالد رحمه الله لانه لم يكن يستطيع ان يقف كتوف الايدي ويشاهد مظلوماً يسلب حقه امامه دون ان يتدخل حتى وان كان هذا المظلوم لا تربطه به اي صله ولكنها الرجوله والشهامه التي عرف بهما وكم نالت جباه فتوات حلة حمد امثال ابو عزيزه وعلي مرسي وغيرهم العديد من الصدمات الراسيه عندما كانوا يظلمون الضعفاء ويرميهم الحظ العاثر في طريق الوالد فينالون مايستحقون من عقاب .
رحم الله الوالد واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء.


صورة نادرة للشاعر المرحوم مسعد حنفي

*****************************

صوره اخرى للشاعر الراحل مسعد حنفي

أخي مجدي محمود حنفي
تحياتي
هذا كتاب للزمن ولجميع الأزمان ، فيه الكثير من العبر والمواضيع ، لقد عاش المرحوم حياته الثرة ولم يضيع يوماً في حياته إلا استفاد منه وبذكرياته ظل عائشاً يفيدنا بتجاربه الرائعه .. رحمه الله وجعله من أهل الجنة
عادل التجانى
الدوحة

اخي عادل التجاني
حقاً لقد اصبت كبد الحقيقه فحياة الوالد كانت مليئه بالتجارب المثيره والعبر المفيده لمن اراد وانا كنت قد ذكرت من قبل كيف كتبت هذه المذكرات ولماذا ولماذا ايضاً توقف الوالد عن اكمالها ولماذا ايضاً قمت بنشرها هنا في المنتدى بالرغم من اني كنت اعلم ان الوالد رحمه الله لم يكن يكتبها لكي تنشر ولكن فقط لكي يرضيني ثم لتكون له عوناً على تمضية وقت فراغه فله الرحمه واسأل الله ان يسكنه فسيح جناته والمسلمين اجمعين .

تحياتي اخي عادل لاهل الدوحه فلي فيها الكثير من الاهل والاقارب وقد زرتها العام الماضي لحضور زواج ابنة اختي وكانت تلك الزياره الثانبه واتمنى ان تكون لي عوده لها قريبه فربما التقينا هناك .
تحياتي
اخوك مجدي مسعد
دبي

******************************

هذه الصوره لوالدي المرحوم مسعد حنفي وهو يحمل بين ذراعيه
حفيده محمد مجدي مسعد حنفي في احدى حدائق مدينة دبي ومحمد
هذا يبلغ اليوم من العمر 24 عاماً.

تنقل الوالد خلال عمله في مصلحة المخازن والمهمات بين العديد من مدن السودان قبل ان يستقر به المقام في مدينة الخرطوم بحري وبالتحديد في حلة حمد فبعد عودته من الجنوب عمل في الابيض والدامر واماكن اخرى عديده وبعد بلوغه سن التقاعد ثم تركه للعمل في شركة ليكوس بعد بيع سينما حلفايا عمل في عدة اعمال في القطاع الخاص ونخلل تلك الفتره سفره الى مدينة دبي والتي مكث فيها عدّة اشهر بغرض البحث عن عمل هناك ولكن وبالرغم من حصوله على العمل ووجود ابنته وزوجها واحفاده هناك ألاّ انه لم يستطيع تحمل البعد عن زوجته وابناءه وعن وطنه وقبل عودته ارسل لنا قصيده تعبر عن ماكان يجيش في صدره من حنين والم وشوق ورغبه عارمه في العوده فكانت هذه الكلمات المعبّره:

ســــــأعود
،،،،،،،،،،

وطني هجرت ربوعه متوقعاً
رغد الحياة بغيره فاذا بي
التاع مضطرب الفؤاد مسهداً
نهب الحنين محطم الاعصاب
الم الفراق المر قرّح مقلتي
وامضّني بعدي عن الاحباب
ومخالب الاوجاع تنهش باطني
والحزن يقضم مهجتي بالناب
ويكاد شوقي ان يذيب حشاشتي
ويكاد يفقدني الحنين صوابي
حتّى لأمشي في الطريق ولا اعي
من اين جئت ولا لأين ذهابي
اطياف زوجي والبنين تزورني
فتثير نظرات العيون عذابي
ويصك آذاني سؤال خالد
هلاّ رجعت؟ مردّداً بعتاب
سأعود لن ابقى فاني عاجز
عن احتمال البعد عن اترابي
مع ان اهل دبي اهل مكارم
حيّ الكرام فهم من الاعراب
رغم الاقارب في دبي وحبهم
سأعود منتكصاً على اعقابي
سأعود رغم وجود ابنائي بها
وهم الذين ابوا علىّ إيابي
لكن عيشي لن يطيب بغربتي
والعيش لا يحلو مع الاغراب
سأعود لن ابقى فلست بصابر
ابداً على يأس يدقّ ببابي
فانا احن الى ديار عشيرتي
بلدي حبيبي موطني وترابي

مسعد حنفي

توثيق رائع لشاعر جميل ..
شكرا لك استاذ مجدى على سرد السيرة العطرة لهذا الشاعر الانسان ..
كلماته الرائعة تعبر عنه ..

Quote: الم الفراق المر قرّح مقلتي وامضّني بعدي عن الاحباب ومخالب الاوجاع تنهش باطني والحزن يقضم مهجتي بالناب ويكاد شوقي ان يذيب حشاشتي ويكاد يفقدني الحنين صوابي حتّى لأمشي في الطريق ولا اعي من اين جئت ولا لأين ذهابي اطياف زوجي والبنين تزورني فتثير نظرات العيون عذابي ويصك آذاني سؤال خالد هلاّ رجعت؟ مردّداً بعتاب

متابعه ..نرجو المواصلة ..ومودة

العزيزه هند محمد
شكراً على مرورك الغالي
للأسف اوشكت السيره الذاتيه للوالد
على الانتهاء بالرغم من علمي بوجود
الكثير من القصائد التي امتدت اليها
يد الحاقدين لتحرم الناس من الاضطلاع
عليها لكن ربما افاق ضميرهم في يوم
من الايام واعادوها وبالطبع هناك الكثير
من الاحداث والذكريات الجميلها التي
وقفت ظروف الوالد الصحيه حائلاً بينه
بين سردها في المذكرات فله الرحمه ولنا
اجمعين .

*****************************

*************************

أخي مجدي

لك الود الخالص

مسعد حنفي كان نبع الشعر ومعنى الإنسانية الحق .. كان شعراً يمشي على قدمين.. كان ألقاً ووهجاً وقمة الحنية.. قابلته مرة يتيمة في بيت الراحل الحاضر مبارك المغربي وأنا في شرخ الشباب ..

الاخ العزيز ابوبكر
شكراً على مرورك الذي اسعدني كثيراً لما فيه من كلمات
رقيقه ووصف لا اظن انك قد بالغت فيه او حاولت ان تذوقه
وتنمق كلماته فمن عرف مسعد حنفي عن قرب يعلم تماماً
مدى صدق الوصف فلك الشكر مرّه اخرى .

أخي مسعد
سأروي تفاصيل تلك الجلسة ربما تضيف شيئاً للبوست رغم غضبي من الناظر الذي أوردك المهالك

في تلك الجلسة اليتيمة بهرني المرحوم لأنني كنت (متفلقص) وعامل شاعر لا يشق له غبار ويومها سمعت منه المقولة الشهيرة وحفظتها على ظهر قلب حتى إندهش هو ( الشعراء أربعه ، شاعر يجري ولا يُجرى معه وشاعر تستحق أن تسمعه وشاعر ضائع وسط المعمعة وشاعر لا تستحي من أن تصفعه ) فاستحلفته أن يقول لي أيهم أنا بين الأربعة فقال لي : أنت شاعر ضائع وسط المعمعة!!

يومها كنت أسعد من السعادة كون شاعر في قامته وجليل هامته يشهد لي بأني شاعر أما أن أكون ضائع وسط المعمة فهذا أمر آخر له مناسبة مضحكة. ولكن الشاهد أن النقاش كان دائر حول القصيدة المنسوبة ليزيد ( نالت على يدها) وفي ذاك اليوم علمت منه أن القصيدة لا يمكن أن تكون ليزيد لأنه ليس بشاعر ولا يمكن أن يكون قد نظم قصيدة واحدة حتى كما قال لو قارنا بينه وبين علقمة بن عبدة صاحب ثمط الدهر أي المعلقة الوحيدة ولكنه شاعر وله باع في عكاظ!!.. وقد أثبت لنا أن القصيدة للواواء الدمشقي أبي الفرج محمد بن أحمد الغساني وأن لقب الوأواء علق به لأنه كان منادياً على دار البطيخ في دمشق وهذا الخبر ورد في الخوارزمي وأيضاً نقله الثعالبي .. والوأواء غزير الشعر ، ومما لفت نظري إستدلال المرحوم بالمنطق وكما أنه أبدى ملاحظة عن تحوير البيت التالي من القصيدة ( قالت لا تغر بنا من رام منا وصالاً مات بالكمد!!) وقال أن الصحيح (سألتها الوصل قالت أنت تعرفنا من رام منا وصالاً مات بالكمد).. لأن الفتارة كانت من حيه الدمشقي وكان الناس وقتذاك يعرفون بعضهم البعض لأنهم يسكنون حارة شامية واحدة

فقال مستدلاً بالمنطق من تلك الفتاة أو الجاريةالعصية على يزيد ونحن نعلم من هو يزيد!!) كما أنه شكك في أن هذا البيت وقال أنها لا محالة للوأواء الدمشقي الذي ينادي على الفواكه فهو إستعار كثير من الفواكه عند الوصف في القصيدة وقد حفظت القصيدة منها حين كتبتها وهو يلقيها في تلك الجلسة ومن الأبيات التي كانت تأخذ لبه وتسكر عاطفته التالي:

قالت وقد فتكت فينا لواحظها ما إن أرى لقتيل الحبِّ من قَوَد
خلّفتني طريحاً وهي قائلة تأملوا كيف فِعْلُ الظبي بالأسد!!

حتى وصل بنا إلى ما يعتبره تاج تيجان القصيدة:
وأنشدتْ بلسان الحال قائلةً من غيرِ كُرْهٍ ولا مطلٍ ولا جَلَدِ
والله ما حزِنَتْ أختٌ لفقد أخٍ حزني عليه ولا أمٌ على وَلَدِ
* وجرعتني بِرِيقٍ من مراشفِها فعادت الروح بعد الموتِ في جسدي
هم يحسدوني على موتي فوا أسفي حتى على الموت لا أخلو من الحسد!!

* هذا البيت من القصيدة كان يردده في نشوة وزهو تجعلآنك تحس بقامة هذا الرجل في دنيا الشعر

الوالد لم يكن يملك رأساً قوياً فقط ولكنه كان يملك ايضاً قلباً لا يعرف الخوف ايداً ولا التردد ولكي ابين لكم هذه الحقيقه اسوق اليكم هذه الحادثه التي عشتها وعشت احداثها بنفسي ولم تحكى لي وهي كالتالي :

ذات ليله من ليالي الشتاء القارس والوالد يغط في نومه داخل غرفته هو والمرحومه والدتي استيقظ على صوت غريب داخل الغرفه ( الوالد كان خفيف النوم ) ففتح عينيه فشاهد لص يعبث في ادراج التسريحه ولحظتها كان اللص منشغلاً وظهره لوالدي فمن الطبيعي اذا اراد الوالد مهاجمة اللص ان يستغل الفرصه ويهاجمه من الخلف او ان يدعي النوم من مبدأ ابعد عن الشر وغنيلو ولكنه فعل شيئاً لا يخطر على بال احد اذ بادر اللص بالسؤال : يازول انت بتعمل شنو ؟
فما كان من اللص إلاّ ان اطلق لساقيه الريح وجرى محاولاً تسلق السور والهرب ولكن هيهات فالوالد لم يرغب للمغامره ان تنتهي عند هذا الحد فقفز خلفه وادركه وهو يحاول القفز من فوق السور فامسكه من وسطه محاولاً جذبه الى الاسفل فما كان من اللص إلاً ان اخرج من جيبه سكين ضعن بها الوالد في كتفه عدّة طعنات ( الوالد كان صاحب بنيان قوي ) لم تثني الوالد من جذبه وانزاله الى داخل حوش المنزل ومصارعته واخذ السكين من يديه
طبعاً عند مشاهدة الوالده لما يجري وكعادة جميع امهاتنا السودانيات اطلقت صرخات الاستغاثه وجرت فافاق كل من في المنزل ولسوء حظ اللص نحن نسكن في منزل يعرف في حلة حمد بحوش الهندي يقع على ثلاث شوارع والجهه الرابعه ملاصقه لمسجد الشيخ حمد ود ام مريوم وجمع سكان الحوش هم خيلاني ومنازلهم كلها لا توجد فواصل بينها فخلال ثواني كان المنزل قد امتلاء بهم فاحاطوا بوالدي واللص تاركين للوالد اكمال المهمه والقضاء على مقاومة اللص الذي اكاد اجزم بانه في تلك اللحظه كانت يلعن اليوم الذي جعله يفكر ويقرر ان يسطو على منزلنا.

اخي العزيز ابوبكر
ها انت تعود مرّه اخرى لتسعدني بحديثك عن الوالد رحمه الله فلك كل الحب والتحايا على اهتمامك ومتابعتك فانت قد بينت في مداخلتك جانباً من جوانب حياة الشاعر مسعد حنفي وللصدق هذه القصه لم اسمعها من قبل ومن هنا اعتقد ان هناك الكثير من الاحداث التي لا اعرفها ولم اسمعها تخص الوالد ولكن بعض من كانوا قريبين منه يعرفونها لذلك اناشد الاخوه المتابعين للبوست واخص كل من لديه اي معلومه تخص الوالد تستحق ان تضاف الى هذا البوست التوثيقي مراسلتي على ايميلي التالي :
[email protected]

مرّه اخرى اخي ابوبكر لك مني كل الشكر وواصل مشاركتك

********************

صوره للوالد مسعد حنفي قبل عام من رحيله رحمه الله

الاخوه الاعزاء
للوالد قصيده باسم ( البدر المنير ) من قصائد الحقيبه
قمت بتلحينها وارغب في عرضها على الفنان كمال ترباس
وقد زودني احد الاصدقاء في الاذاعه السودانيه برقم هاتفه
الجوال ولكن للأسف الرقم خارج نطاق الخدمه ويبدو انه قد
تغيّر لذلك ان كان احدكم يستطيع ان يدلني على طريقة اتصال
اخرى اكون له من الممتنّين الشاكرين ودمتم.

**************************************

*************************

فوق

[url=http://www.q6r.com/up][/url

صوره اخرى للوالد في ايامه الاخيره وانا معه وهذه كانت آخر زياره اراه فيها قبل وفاته.

سأقوم ابتداءاً من اليوم بإنزال مجموعة القصائد التي كتبها الوالد ونشرت في كتاب امير الاغاني السودانيه ومن بينها وجه القمر سافر والناعسات عيونن نور جبينن هلّ وتلك كانت هي المرّه الاولى التي يعلم فيها الناس انهما من نظمه هو وليس من نظم ابوصلاح الشئ الذي جعل الناس ينقسمون بين مصدق ومكذب وحتّى يومنا هذا .

البدر المنير
،،،،،،،،،،

البدر المنير اعياني الهزل
هجرك لم يزل هل جد ام هزل
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

يام ديساً غزير للأرداف نزل
شخصك في الفؤاد مرسوم للأزل
ريدك في القليب موجود لم يزل
اهواك ماعلي في اللام والعزل
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ياسعده البحوز من قلبك قبل
تتمنى الزهور من خدّك قبل
نديان الجبين والشلاخ نبل
والشاف العيون لا ريب انخبل
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

الموت والهلاك في الداعجه النجل
والخد اللطيف الصابغه الخجل
الشافن يجن في الحال بي عجل
مكتوب للعشوق تقصير الأجل
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

السيف يام سماح قد سبق العزل
طلقت المنام جافيت الجزل
لا يحلو الغرام إلاّ بالغزل
بس دايماً جفاك يتلف ماإنغزل
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ياست البنات يام شعراً سدل
فقتي الحور جمال لا قول لا جدل
لكن فيك صدود لازال لا انبدل
والحال العلي إزداد ما إنعدل
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

شوقك بيّ طال يالظبي الجفل
يام خصراً نحيل من عالي الكفل
غاب النوم شهور عن عيني غفل
وطرفي الباكي حول بالطيف ما إحتفل
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لو يرضيك أذآي يازينة الحفل
أسعد بي نعيم إرضاك يام نفل
البدر اختفى والكوكب أفل
إجلال لي جمالك والكون احتفل

فوق

******************

الرائع مجدي،

تسلم على هذا البوست التوثيقي العظيم

والسيرة الذاتية العطرة

وحقيقي لم أشاهده سوى هذه اللحظة

لكنني قرأته بشغف كبير

وسأظل معك متابعاً

مودتي واحترامي لك أيها النبيل

الحبيب الغالي دكتور معز

شكراً على تشريفك البوست وعلى كلماتك

الرقيقه ودمت لي اخاً وصديقاً وتسلم ياغالي .

فوق

دام نـعيمك يـــاحســن
ــــــــــــــــــــ

بين شذا الريحان والزهور
نعيمك دام ياحسن
ــــــــــــــــــ

عم دارك اقمار وحور
جن يباركن ليك يؤنسن
نار ونوره وجنه وبحور
بان يميل ووجهاً حسن
،،،،،،،،،،،،،،،،

من صفات ربات الخدور
الدلال والتيه والعجن
ضي جبينن يزري البدور
والعجيب جليات والوجن
،،،،،،،،،،،،،،،،

كسر الاحصان والجسور
الكحيل مكسور ادعجن
ذل قلب الفارس الجسور
ماغريبه لو كان اجن
،،،،،،،،،،،،،،،،

الحسان ضامرات الخصور
القوام يتمايح لدن
هن زينة الكون والعصور
هن حور من جنة عدن
،،،،،،،،،،،،،،،،

شاقني فيهن ثمر الصدور
لي شراك الهوى ينصبن
ساقي ريدن بالكاس يدور
يسقي شاربه مرارة الغبن
،،،،،،،،،،،،،،،،

دمت يابو الحسن الدهور
ليك نجوم الخير يسطعن
تقطف العناب والزهور
تجني رطباً ليك اينعن

فوق

عمري بقيت رخيص
ــــــــــــــ

عمري بقيت رخيص
من يوم خفى الظبي الختول
من يوم ماانتهت امالي
في شوفة البتول
،،،،،،،،،،،،،،

جفني ياسهيد اذرف سخين دمعي الهطول
واحزن وانفجع قلبي على حظّي العطول
ياليل بسهرك إن كان تطول او لا تطول
وياالهم ليك حلال تهرد حشاي عرضاً وطول
،،،،،،،،،،،،،،

افرح ياخصيم واشمت علي ياعزول
فالبي لم يزل واظن يدوم مابيزول
عبرات عيني سئمت طول وتكرار النزول
حالي في رجوع دايماً وجسمي في هزول
،،،،،،،،،،،،،،

اسباب العلي ريد الظبي الوقول
الناديه ام قوام يزري الغصون الفي الحقول
من دون الحسان حسنك محال مابحده قول
ومن دون الخمور خمرة هواك تسبي العقول
،،،،،،،،،،،،،،

ريدك في القليب ساكن وماناوي الرحول
دعجك هو اللبين عيني وبين النوم يحول
اهواك يستحيل اسلاكي اولسواك احول
اهواك بي هواي يشهد شحوبي والنحول
،،،،،،،،،،،،،،

الصون والعفاف في ماء عيونك يجول
كفيه الرموش كفى الطريف كفى النجول
الحور الكحال من هيبتن امسيت وجول
كيف سيف القتال ياذاني من كسلان خجول
،،،،،،،،،،،،،،

ارجوك يانسيم بالله راجيك الوصول
ليم ريدامشي حاول بين اياديها المثول
اركع بانكسار واسجد امامه يارسول
اقريها السلام والشوق بتول فوقه الرسول

فوق

فوق

كفــــــى سـؤالــــــي
ــــــــــــــــــــــ

كفى سؤالي يكفيك حالي
يغني عن مشروحي الطويل
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ماسؤالي مع سوء حالي
يامهفهف خصرك نحيل
صبري اعلن نية الرحيل
طرفي يرضى النوم يستحيل
طال سهادي وزاد انتحالي
وكله من الأدعج كحيل
،،،،،،،،،،،،،،،،،

صرت فاني واصبحت بالي
ساهي ساهر مالي قبيل
اطره فخري وعزّي القبيل
ماجنيت مكروه يانبيل
وجافي ياالبهواك لا تبالي
ولي وصالك مامن سبيل
،،،،،،،،،،،،،،،،،

عندي قدرك ياحبيبي غالي
تبدي سيف اللحظ الصقيل
في تسمع لي القال والقيل
خلّي قول الواشي الثقيل
حبّي ليك وبيك انشغالي
واضحاً زي شمس المقيل
،،،،،،،،،،،،،،،،،

ياجميلاً في الطيف غدالي
تاره رانع وتارات عديل
النغيم كغريد الهديل
والكتيف في دروعك هديل
يعلم الله سواك مابدالي
وفي البنات ماراغب بديل
،،،،،،،،،،،،،،،،،

في هواك شفاي واعتلالي
فيك عزّي ومنك ذليل
كيف غليلاً يروي الغليل
مابحيج النور لي دليل
الفتني المحيا الهلالي
والشعور الباقياله ليل
،،،،،،،،،،،،،،،،،

ياشقيق البدر الكمالي
ويارشيقاً تخطر تميل
بي ليكم وجداً وميل
قلبي عن ارضاك لا يميل
راعي صبري وراعي احتمالي
عندي نارك نور ياجميل

قصيدة كفى سؤالي يكفيك حالي من قصائد المجاراة
فهي شبيهه ببرضي ليك المولى الموالي ولو حاولت
ترديدها بنفس اللحن لوجدته ينطبق عليها تماماً
واعتقد كذلك اغنية متى مزارى .

جريدة المهاجر التي تصدر في استراليا نشرت في عددها الاخير
الحلقه الاولى من مذكرات الشاعر الراحل مسعد حنفي على ان
تكمل بقية المذكرات في اعدادها القادمه باذن الله وساحاول
اليوم فتح بوست لانزال نسخة الجريده التي ارسلها لي الاخ
خالد عثمان المشرف على موقع يارا نايل وهي الجهه التي تشرف
على اصدار الجريده .

نظراً لضخامة مادة جريدة المهاجر فمازالت المحاولات جاريه لتحويل الايميل الى ملف
حتى يسهل ادراجه في المنتدى فالجريده دسمه مليئه بالصفحات الغنيه بالمواد المختلفه
والتي تستحق المطالعه والمتابعه الشهريه.

الشاعر الراحل مسعد حنفي في لحظة تأمّل

فوق

جدية التيه
ـــــــــ

ياجدية التيه في دلالك
ماله هجري وبعدي حلالك
،،،،،،،،،،،،،،،

نسمة الأزهار في ظلالك
والنسيم لو هبّ امالك
انتي بدراً تامي كمالك
فقتي حسن الحور بي جمالك
،،،،،،،،،،،،،،،

الملوك تتمنى وصالك
وايه تنال من امثالك
في الخيال لو هلّ هلالك
كان ينير ليل حظي الحالك
،،،،،،،،،،،،،،،

يالحبيبه هواك ليّ مالك
وعن سواك فؤادي خلالك
الرضيع لو طرفه رنالك
يهوى حسنك ويهوى خصالك
،،،،،،،،،،،،،،

بيكي طال ياعيني سهادك
من غرام الظبي الصادك
هل يحن ياظبيه فؤادك
وترحميه فؤادي الرّادك
،،،،،،،،،،،،،،

اعشقك يام ريد واهابك
الزلال ممزوج بي رضابك
نفسي ليك مقسوم الصابك
اقبليه اذاك وعذابك
،،،،،،،،،،،،،،

رشرشك في حواجبك شابك
لي يصوّب قوس نشّابك
رانعه والانوار لايحابك
والشعر لي قديمك حابك
،،،،،،،،،،،،،،

عاطر النسمات لو طافك
منه تتمايل اعطافك
حتّى بدر الليل لو شافك
يهوى ليمك وقلبه يخافك

اعلم لولا ما طرفك للبيض الرقاق شاهر .... انسان عينى كاد يغرق فى ماء خدك الزاهر .... يا بدر سالك جاوب ليش اخوك نافر

لك جزيل الشكر والتقدير اخى مجدى على كل ماتقدم وخاصة الصور النادرة التى اتاحت لنا الفرصة لرؤية الوالد رحمة الله رحمة واسعة

ووفقك الله للتحمل اللواء فى نشر ماتتحصل عليه لتخليد سيرته بين الناس
والى الامام

شكراً اخي اسماعيل على حضورك الكريم وعلى كلماتك
الرقيقه .
مازال هناك العديد من الصور والقصائد تنتظر دورها
للنشر في البوست .

كما نوهت سابقاً الاخوه في جريدة المهاجر بدأوا بنشر
مذكرات الوالد بدءاً من عدد اغسطس وقمت بالامس بانزال
خمسة صفحات منه في بوست جريدة المهاجر على ان اكمل
بقية الصفحات فور وصولها لي بالايميل من الاخ خالد
عثمان رئيس التحرير.

*******************

وجه القمر ســــــافر
ـــــــــــــــــــ

وجه القمر سافر
يضوي شعاعه نور وافر
يابدر ساءلك
جاوب ليش اخوك نافر
,,,,,,,,,,,,,

من حيّه السباع تنتر
ومن رمشه السهم طافر
ريم يسحبلي سيف لحظه
وآخر بالسلاح غافر
يادمع ادفق
ودع ياقلب سافر
شوقي لي ضافر
هل بي نظرتك اظفر
يامن بالقلوب ظافر
،،،،،،،،،،،،،

كاحل طرفك الناعس
والجيد بالاثيث غامر
مجدولات ايديك
صدرك رجح طبق الضامر
زيدني من تيهك
طايع ليك ياآمر
زهرة السامر
رفقاً بمجنونك
ياليلى بني عامر
،،،،،،،،،،،

إعلم لولا ماطرفك
للبيض الرقاق شاهر
إنسان عيني كاد بغرق
في ما خدك الزاهر
ونورك يتوقد
لي عيون الخلوق جاهر
ظلمي شي ظاهر
اشراق الفجر يشهد
بي طرفي العليك ساهر
،،،،،،،،،،،،

في دولة صباك تايه
ياالبي عشقي ماك فاكر
اصبح مسكنك قلبي
الفي كل ثانيه ليك ذاكر
لو رأيت محيك
ياالبي نظرتك ماكر
ليك اكون شاكر
وام الافق بيك تقنع
لا تولد شمس باكر
،،،،،،،،،،،،

ننظر بانه تتمايل
قامة البنفدع خاتر
وننظر كيف صدير يقلع
تفاحه وردف ناتر
وبين ناعساته
يضوي الصارم الباتر
اللحاظ فاتر
لامعه سيوفه تتبارق
من كسراته ياساتر
،،،،،،،،،،،،،

عاشق محيك الضاوي
وعاشق حسنك النادر
تقبل لحظك يمرضني
وانت على شفاي قادر
في هواك قابل
تنفيذ امرك الصادر
ليّ ليه غادر
حلمك جود واتعطّف
سارع بي لقاي بادر
،،،،،،،،،،،،

وحيات طرفك الناعس
وحيات حاجبك الداير
وحيات خدك المجلي
ومنظوم ثغرك الناير
بي لقاك تسمح
لو كان في المنام زاير
فكري فيك حاير
كل ساعه جيش حبك
يهجم في الصدير غاير

الراحل مسعد حنفي محاط بابناءه الثلاثه فتحي ومجدي وسمير

صوره اخرى للوالد وعلى يساره اخي الاكبر فتحي وانا على يمينه

الناعسات عيونن
ـــــــــــــ

الناعسات عيونن نور جبينن هلّ
مابين تبر صافي واخضراني اللون
،،،،،،،،،،،،،

دار العزّه ياعبدالعزيز اتجلّ
بي نور الخديد المنّه زينة الكون
الغانيات جمالن من الحور اجلّ
ولي اقمار وجوهن في فؤادي سكون
،،،،،،،،،،،،،،

لي ليمن تكاد درر النجوم تدّل
البي نار غرامن قلبي صار ممكون
مسحور من طريفن وسحرهن لي دلّ
وين ماهبّ طيبن تلقى قلبي يكون
،،،،،،،،،،،،،،

من انوار جمالن ياخي عقلي اختلّ
توجد في صفاهن العفاف والصون
بين فدعة يديهن واللدن والتلّه
بين رمان صدورن الجمال محصون
،،،،،،،،،،،،،

البدور تسعالن والملوك تتعلاّ
لو تلقاله نظره من الصفا المكنون
بين مفصود خديدن وساده زايده العلّه
صاروا لي زي ليلى وصرت انا المجنون
،،،،،،،،،،،،،

ياقاسم معاك نجم السعود ماذلّ
دمت قدرك عالي ودام عدوك مغبون
لي عزولك ديمه االانكسار والذلّه
والنحاس مابوازن لي دهب شيبون
،،،،،،،،،،،،،

من نظرة جمالن راح منامي وولّى
وعقلي شاغله غرامن واعترتني شجون
السرور ياقاسم عرشه قوم اتولّ
بين تهاني البانه وميلة العرجون

تابعوا قراءة التاريخ

صوره تجمع بين الراحل مسعد حنفي وزوج ابنته الاستاذ محمود فراج اطال الله في عمره

تابعونا مازال هناك العديد من الصور والقصائد

فوق
هذه التعليه مخصوص للاستاذ حساس محمد حساس
مع التحيه .

url=http://www.q6r.com/up][/url]

صوره للراحل ومعه حفيده محمد مجدي

الوالد رحمه الله في دبي

url=http://www.q6r.com/up][/url]

انا والوالد رحمه الله في العجمي في مدينة الاسكندريه

قسيم الريد
ــــــــ
لحنها وغناها الفنان خضر بشير
ـــــــــــــــــــــــــــ

قسيم الريد
لي جود بالطيف
يااخا البدر
............
ياالرشا المكحول بي لو تدري
من لهيب الشوق التهب صدري
يابعيد الليم دمعي منحدري
اما نوم عيني فاقده من بدري
.............
في هواك عمري يدني من قبري
باكي شاكي حزين جسمي صار مبري
فيك افوق ايوب بي عظيم صبري
وشوقي ليك ياملاك امر من الصبر
.............
طرفي دمعه هميل ينسكب يجري
ديمه ساهر يوت صاحي للفجر
تهوى تعذيبي وذلّتي وزجري
ياحبيبي كفاك والله طال هجري
.............
كيف يكون (يابنات) قلبي ليك خدري
وعيني لا تراك ياسمي القدر
نظرتك بتفوق ياب محي بدري
لذّة الدنيا وليلة القدر
.............
الدلال والتيه طبعك الفطري
ولحظك النعسان كاحل القطر
من جمال محياك وطيبك العطري
صار جمال تاجوج اصلو مامطري
.............
حسنك الفتان يوجب الشكر
ينعش الارواح يسلب الفكر
ماجمال يوسف شايع الذكر
زي جمالك ياصحوتي وسكري
.............
عقلي شاغله الريد والهوى العذري
ضل ياخلاّي اقبلوا عذري
ايه يفيد ياجميل حرصي او حذري
وجسمك الناعم للحرير يزري