تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى

تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى


06-20-2007, 11:00 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=100&msg=1182333632&rn=7


Post: #1
Title: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: د.ناهد محمد الحسن
Date: 06-20-2007, 11:00 AM
Parent: #0

تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيري (1-2)

ظلت الذات المستبصرة للفنان نهباً لتجارب قدرية مختلفة، تقودها في رحلة استكشاف متفردة لمعارف ورؤى مختلفة... وكلما صعدت هضبة كشف ما، فتحت نَفسَها لتستقبل آلاماً مبهمة. وكلما صعدت الذات كلما تعمق الألم، وعلى مختلف الارتفاعات تأتي مختلف التفاعلات الفنية، فالذين ينظرون إلى الحياة من قريب تصرعهم نشوة التحليق، فتأتي أَنَاهم الأدبية متعاظمة وساذجة، مبتهجة في الغالب بتفاؤل من لا يدرك ما ينتظره من طريق.
حين تقرأ لعاطف:
(يا خيل... يا نَبِي... يا براك
يا ليس مِن مُرضع بَلاَك
كان شفتَ جوَّه النَّار جنين
فاطِّنو من سُقْيَة هلاك
كَان شُفتَه جوَّه الجنة طين
بالِّنو لي آدم سواك
وكان تكفي جغمة من الحنين
وتقنع من الموج الهناك
وما كنا في جوف الكمين
غنينا غنوات الفكاك
صنارة العدم السنين
صارقيلا وحشة وارتباك)
لا يفوتك أنه وقع على كشفٍ ما، لكن قد يفوتك الأنين الخاص لهذا الكشف، مصيدة الأقدار الخاصة بالفنان الذي تستهويه الرؤى فلا يقنع من الموج الهناك وتؤرقه الوحدة... وبدلا عن الصراخ والاستنجاد يغني عاطف لخلاصه فقد صار اسيرا للحيرة والارتباك والغربة الابدية... وهذا ما يميز الذات الشعرية لعاطف خيري... ذات متصوفة ذات حضور خاص... متخوفة من عزلة الاكتشاف اكثر من فرحها بالنبوة... إنها مسيح كزانتزاكس في(الإغواء الاخير للمسبح).... مسبح يتجاهل الأمر الصادر بنبوته... يرى ببصيرته الصَّليب المعلق خلف مجد الأنبياء... يفضل أن يتزوج ويربي أبناءه وكلابه لا أن تسيل دماؤه على صليب خلاص البشرية... والنص أعلاه ليس أوَّل نص (يطنطن) فيه عاطف من هول البصيرة ففي (منفستو الهمباتة):
(الجسد مصلاية الروح
الروح المفوِّتة كَمْ وَكِت
الوكت الموهط في النزوح
طالع أعالي الفوق تحت
تحتك ينقز في سطوح
رهن الأصابع ومنفلت
فالت إذا كنت الجنوح
وحدك منادي ومتلفت)

وفي نص آخر:
(وأنا في سقالة الشوف
قدح البصيرة تقيل
فاتح زريبة الجوف
تمرق تخش الخيل
على كيفا... كيف معلوف
ضهر المظنة يشيل)

وفي (سيناريو اليابسة):
(سبحانك الاديتنا من حزنك فوانيس).

لا شك ان هذه الآهة المستنيرة هي التي اضاءت نصوص عاطف وأرهَفَت مسارات الحضور الشعري لديه...

(والقصيدة يا نعش الرهيف فينا)

والكشف الذي يصيبك بالألم هو نافذة لكشف جديد... لشاعر استطاع من ضباب الحضور الآني أن يستشرف قمم ما ينتظره من طريق وظل مشدودها... تتشظى ذاته تحت وطأة الاكتشاف العميق والوعي المخيف بالرسالة...
(أنا ليه تجيني المويه حفيانه
أدنقر البِّسه في شبط اخضر
أبيت مبلول أصلِّح في رباط
أنا ليه... دكاكين البيوت الواجمة
والناس البساط)
كتب(كزانتزاكس) في (القديس فرانسيس): ذات ليلة كان فرانسيس يتجول في أزقة اسيزي والقمر بدر معلق في كبد السماء والأرض بكاملها تعوم بفرح في الجو، أجال بصره فلم يرَ عند مداخل البيوت أحداً يمتع ناظريه بهذه المعجزة العظيمة، اندفع الي الكنيسة ثم ارتقى برج الجرس وراح يقرع الناقوس وكأن كارثة قد وقعت، استيقظ الناس مروعين وقد باغتهم احتمال حريق محتم واندفعوا - نصف عراة - راكضين باتجاه فناء كنيسة رفينو حيث رأوا فرانسيس يقرع الجرس باهتياج فصرخوا به هادرين:
(لماذا تقرع الجرس؟ ما الذي حدث؟)
أجابهم فرانسيس من أعلى البرج: (ارفعوا ابصاركم يا اصدقائي، ارفعوا ابصاركم انظروا الى القمر!)..
هكذا كان كزانتزاكس كاتب الجمال والطبيعة الذي تسرقه جماليات الطبيعة من حوله في سرده القصصي فيقودك الى جو متكامل مضمخ برائحة الإكليل الجبلي والنباتات المبتلة للتو بندى الصباح حتى انه يجعلك تشعر بعظمة وحميمية حصاة سمراء ملقاة على قارعة الطريق كان يمكن ان تركلها بعينك دون ان تحس بها حتى... وهو يحتمل آلام هذا الوصف في جلد القديسين... بينما عاطف شاعر هش للغاية ليس له اي جلد على هذا الجمال يرى الكون بجماله الطبيعي كما يراه فرانسيس وأكثر مؤامرة كبرى ضد سكينته وراحته الخاصة تهشمه إلى شظايا صغيرة صغيرة يمكنها أن ترى وهي تتكسر بزوايا مختلفة وآلام عديدة... فعاطف شاعر (يُوَلْوِل) تحت وطأة الجمال القاسي اقرأوا معي:
(وآه من المأتم في الجسد
وآذان المغارب
ومن شبابيك الحبيبة علي).

د.ناهد محمد الحسن
ــــــــــــ
نُشِرَت بالعدد الأسبوعي لصحيفة السوداني الدولية

Post: #2
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: عواطف ادريس اسماعيل
Date: 06-20-2007, 11:10 AM
Parent: #1

د. ناهد !!!

يسعد نهارك ,,,

شكرا على النصوص الرائعة التي استطعت من خلالها أن تلقي بعضا من الضوء على شفافية ورقة الكاتب

والشاعر عاطف خيري الذي لا يشبه إلا نفسه .

Post: #3
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: هاشم أحمد خلف الله
Date: 06-20-2007, 11:21 AM
Parent: #2

دكتورة ناهد تسلم البطن الجابتك يا شفيفة , فقد إستمتعنا معك سابقاً مع الهمباتة
واليوم تمتعينا بالذات الشعرية لعاطف خيري , ايه الجمال ده كله يا دكتورة نحتاج
ليك بشدة في هذا المنبر .

Post: #6
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: د.ناهد محمد الحسن
Date: 06-20-2007, 11:37 AM
Parent: #3

أ . هشام ..شكرا على المداخلة والتضامن العالى ..دعمك الدائم لى هو احد اسباب حرصى على الحضور والكتابة ..تسلم .

Post: #4
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: هشام آدم
Date: 06-20-2007, 11:22 AM
Parent: #2

___________________________

د. ناهد محمد الحسن

تأملات جميلة وعميقة في ذات الوقت. ولا أخفيكِ أنني كنت أبحث عن أي دراسة نقدية
للشعراء السودانيين، وبالتحديد لعاطف خيري لأضيفه على مقال نقد الانتلجنسيا السودانية
وإن أذنتِ لي سوف أضيف هذه الدراسة إلى المقال شاكراً وممتناً

فهل توافقين؟

لك التحية

Post: #5
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: د.ناهد محمد الحسن
Date: 06-20-2007, 11:33 AM
Parent: #4

شكرا يا عواطف على المداخلة واذنك معاك وساتبعه بالجزء الثانى ان شاء الله ,وهنالك دراسة اخرى بعنوان اقصر الطرق الى عوالم فضيلى جماع الشعرية ..غالبا انزله الاسبوع ده ..دمت ياغالية .

Post: #7
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: د.ناهد محمد الحسن
Date: 06-20-2007, 11:42 AM
Parent: #4

أ . هشام آدم ..
شكرا على الزيارة والطلة ..اذنك معاك ونحو قراءة اكثر عمقا باذن الله

Post: #8
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: مأمون التلب
Date: 06-20-2007, 12:58 PM
Parent: #1

مرحب د. ناهد
وشكراً على الإضافة
تحياتي
مأمون

Post: #9
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: د.ناهد محمد الحسن
Date: 06-21-2007, 10:25 AM
Parent: #8

مأمون ..شكرا على التحبة والاطلالة..تسلم ..

Post: #10
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: Adil Osman
Date: 06-21-2007, 10:49 AM
Parent: #1

Quote: ظلت الذات المستبصرة للفنان نهباً لتجارب قدرية مختلفة، تقودها في رحلة استكشاف متفردة لمعارف ورؤى مختلفة... وكلما صعدت هضبة كشف ما، فتحت نَفسَها لتستقبل آلاماً مبهمة. وكلما صعدت الذات كلما تعمق الألم

تجارب قدرية؟
ما المقصود بقدرية؟ محتومة يعنى؟ ولا يد للفنان فيها؟
"كلما صعدت الذات كلما تعمق الالم"
الصعود = مسافة عن الواقع..
detachment
هل الالم يتعمق بالانفصال عن الواقع والابتعاد عنه؟
أم بالانغماس فيه ومعايشته يوميآ؟ وإن كان على مستوى الخيال فى بعض الاحيان؟
كلما ذكرنا الالم كلما انصرف الذهن الى الماسوشية..
هل يتلذذ الكتاب والمبدعون بالالم؟
هل بعضهم ماسوشيين؟

ارحب بالدكتورة ناهد محمد الحسن. وبمساهماتها.

Post: #11
Title: Re: تأملات على هامش الذات الشعرية لعاطف خيرى
Author: د.ناهد محمد الحسن
Date: 06-21-2007, 11:26 AM
Parent: #10

شكرا يا عادل على الاسئلة العميقة والتحايا والزيارة ,,,
لطالما كنت اؤمن بان الفنانين كالرسل يتم اختيارهم وتجربتهم ..وهذا ما قصدت بالقدرية ..والحياة مليئة بالجمال , وهو وتجربة قدرية على الفنان تحملها والتعامل معها ..وما قصدت بالصعود العلو على الواقع ..انما الترقى فى مجاهل الكشف وامتحانات البصيرة , وهى تجربة نفسية من داخل الواقع ..وبخصوص الالم الماسوشى والتلذذ به قال الكاتب محسن خالد ( الالم نوع من ثمار الحس وبعض من عطائك )
وانا اوافق ان الالم هو مرتكزات الحس ومفاتيح الوجود والتحرر..