آيدلوجا الصورة ـ جدلية الوهم والحقيقة في الإعلام المرئي

آيدلوجا الصورة ـ جدلية الوهم والحقيقة في الإعلام المرئي


06-09-2007, 11:11 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=100&msg=1181427105&rn=0


Post: #1
Title: آيدلوجا الصورة ـ جدلية الوهم والحقيقة في الإعلام المرئي
Author: محمد جميل أحمد
Date: 06-09-2007, 11:11 PM

لم تكف الصورة ، يوما ما ، عن تأويل معناها سواء أكانت صامتة أم ناطقة . فهي دائما كانت تنطوي على هذا القدر أو ذاك من التعبير عن موضوعها . بيد أن ما نشهده الآن مع الثورة الرقمية أعطى معطيات الصورة دلالات أيدلوجية أبعد ما تكون عن محايثة المعنى الأيدلوجي بمفهومه المبتذل . فدلالات الصورة هنا لا ترتهن إلى قياساتها التقنية وأبعادها الضوئية فحسب ؛ بل تنبع أساسا ً من المشهدية الدرامية المختزنة في طبيعتها الذاتية كتعبير عن الحدث ، أو تلك المستندة إلى عناصر ومؤثرات من تدبير المصور أو المخرج ، ربما ، فيما هو يحاول أن يكون محايدا ً. مهما كان ذلك الحدث أو نوعه ؛ فالحياد أصلا ً ربما كان نوع من تدوير زوايا الكاميرا أكثر منه التزاما ً مهنيا ً . لا سيما في صناعة الخبر وعمليات المونتاج التي تصاحب البرامج الإخبارية خصوصا ً في الفضائيات العربية .
والحال أن ما يصاحب البرامج الأخبارية و النشرات والتقارير من صور هو، في معنى ما ، تأويل بصري لجهة ما يتم التعبير عنه بلغة الخطاب ، وهو بالطبع لن يكون محايدا ً مهما أدعى الحياد إلا على نحو نسبي .
وإذا كانت الصورة تكتسب الشحنة الدرامية من الحدث التي تعبر عنه غالبا، بما يمكن أن يكون تعبيرا مكتفيا ً بذاته ، بعيدا عن حيثيات الأدلجة ، فإن ما تكشف عنه تقنيات الاتصال الحديثة وقنوات الإعلام الرقمي المتعددة ، قد يحيل تأثير الصورة إلى نوع من الحدث النمطي . فالتكرار المتعدد لصورة الحدث تقلص لدي المتلقي مشهديته الصادمة ، وليس ذلك لأن المعنى الأيدلوجي التقني ، إن جاز التعبير ، مضـّمن في موضوعها ، بل لأن مجموع التأويلات التي تسبغها المادة الإخبارية على هكذا صور ، عبر التنميط والنمذجة والاستهلاك لصور سابقة، أو متخيلة ، تخلق مثالا ً مكرسا ً لما سوف يأتي من صور لجهة تاويلها المسبق ذاك .
وربما كان للمخيلة السينمائية سبق ، ظل مندرجا ً في إشباع المتعة ، وشحذ أقصى ما تستوعبه الذاكرة البشرية المنفعلة بصور الهول والخراب ، دون أن يكون هناك أدنى شعور بإمكان أن يتحول بعضها إلى واقع قيامي في يوم من الأيام .
والحال أن ما حدث في 11أيلول 2001 في نيويورك كان من اللحظات المشهدية النادرة التي يختلط فيها الإحساس بالواقع والمتخيل في حدثيتها وواقعيتها ، وخياليتها المفترضة والمختزنة في ذاكرة السينما . وسطوة الصورة لا تنبع من ضغطها الميلودرامي على مخيلة المشاهد فحسب ؛ بل من طبيعتها التوثيقية ؛ فهي إذ تتحول إلى مشهد حي إنما تتحول أيضا ً إلى وثيقة مصورة وغير قابلة للنقض إلا من حيث طريقة عرضها لا من حيث قوتها التوثيقية . وبالرغم من سطوة الصورة الفضائية خصوصا على الشاشات الرقمية المبهرة ، إلا أن الصورة من حيث هي تمتلك طاقة رمزية لها سطوتها في نفس المشاهد . فالكثير من معاني الولاء والحب والإعجاب والعديد من المعاني الإنسانية تتجسد في طريقة عرض الصور وتصبح إحدى
المعاني الرمزية حتى في الجداريات التي يعلقها المعجبون أو الأتباع في صالات العرض ، وحتى في غرف النوم ، للكثير من الزعماء والنجوم ، والقادة .
لكن مساحة التأثير للصورة أكبر بكثير من مساحة اللغة المعبر عنها ، فالصورة بطبيعتها البصرية تظل من أكبر طرق التأثير العابر للغات . ذلك أن الخطاب البصري للصورة خطاب مكتف بذاته ، وهو خطاب متعرج يحتقب في نفسه معناه المتعدد الاتجاه والتأويل ، غير المعنى المضاف لدي استعراضه في السياقات الأيدلوجية المختلفة .
فقدرة الصورة على انتزاع التأثير نابعة من انفكاكها عن كل ما هو خارجها ، وإعادتها لتجديد اللحظة الزمنية باستمرار . ذلك أن طبقات التأويل التي تتخفى في استعراض الصور أكبر بكثير مما يظن المشاهد ، كما أن مواضع الخطاب الجسدي والعقلي والوجداني للصورة تتعرض لما يشبه القطيعة مع ما تختزنه تلك المواضع حين تتعرض لتأثير الصور بفعل ضغط اللحظة التصويرية والمؤثرة في الشعور . فالكثير من صور العنف ، والفنتازيا ، وصور البورنو ، قادرة على صدم وعي المتلقي لحظة تأثيرها تلك . فهذا التأثير ينطوي في تلك اللحظة على إيحاء الصورة بكل ما تبدو عليه من إثارة ، فيما هي تسجل ضربات لا شعورية في وجدان وعقل وجسد المشاهد ، ضربات تحويلية فاعلة في الوعي والسلوك .
وربما كان الإحساس المبهم في تأويل الصورة لدى استخدامها إعلاميا ً يؤسس حالات من النمذجة التي تبدو أحيانا تسويقا ً للعنف دون الانتباه إلى مفاعيله ، خصوصا إذا كانت اللقطة جارية في سياق حدثي راهن . فمن أكبر عناصر الربط الخطيرة التي أدت إلى أن تكون بعض الصور أدوات مرجعية للعنف والعنف المضاد، هو محايثة الصور العنيفة للبث الإخباري المباشر حين وقوع الحدث ، كعمليات التفجير والنزاعات المسلحة ، والأحداث الساخنة والعجيبة ، ما يكون كافيا ً لأصداء وردود فعل عنيفة في مكان آخر من العالم متأثر بذلك الحدث .
والحال أن صيرورة الحدث عبر مزامنة الصورة أصبح العنصر الجديد الذي شكلته الثورة الرقمية في تسريع نقل المشاهد التي تأتي غالبا ً في سياق السبق الإعلامي ، أو في التوثيق للحدث ولو كان في مكان ناء . مثل تقنية الصورة عبر الهاتف ، فيما تظل هوامش الحدث المصور ومفاعيله تعيد إنتاج العنف الذي يتحول فيما بعد إلى لحظة زمنية مراكمة للحظة الصورة الأولى .
على أن عالم الصور الذي يتقاطع مع الواقع ، ويقتطع منه لحظاته المتفجرة ، ينزع مع تكرار الاستعراض عبر مختلف قنوات الميديا إلى أن يكون بديلا افتراضيا ً لذلك الواقع . وهنا تستثمر الأيدلوجيا العالم الافتراضي للصور . بحيث تكون تلك الصور في كمها المتوالي والسريع على شاشات العرض ما يشبه قناعا ً لذلك الواقع المحجوب . وبحيث يتحول ذلك القناع إلى قناعة مشهدية ترتهن المخيلة بطبيعة الاقتران الشرطي في لاوعي المشاهد. فخداع الصور قائم أصلا على أن موضوعها التي تعبر عنه مشهديا ً في شاشة بحجم محدود ، يبدو كما لو أنه حجم يختزن العالم الذي تملأه الصور في تلك الشاشة. فيبدو ذلك العالم المعد سلفا ً بفاعليات مقننة ومدروسة عبر الكاميرا والمونتاج والإخراج ، عالما ً موازيا ً في واقعيته ، لما يحدث في الواقع الحقيقي . والحال أن التدابير المشهدية المصورة بمؤثرات غير منظورة ، مضافة إلى طبيعة الحدث المصور ، هي مجسات ذلك العالم التي يتم عبرها التأويل البصري للصورة . وإذا كان التواطؤ الفني المسبق يفرض استجابات المتلقي للصور السينمائية ، فيما يقوم الخيال بتذويب حدوده مع الواقع عبر التأثير الذي عادة ما يخف ضغطه بعد نهاية الشريط السينمائي ، وكذلك المسلسلات والمسرحيات ، ليستعيد المشاهد عالمه الطبيعي ، فإن خروج الصورة عن المادة التخييلية ، واقترانها بالحدث لحظة وقوعه عبر كاميرات البث المباشر ، التي تتحفز للتصوير هنا دون القدرة على التنبؤ أو معرفة التداعيات المسبقة والمفاجآت النهائية، شكل إنزياحا ً للإثارة نحو ما هو مدعاة لفضول أكثر حتى من إثارة أفلام الآكشن. والسبب أن البث المباشر الذي ينقل راهنية الحدث عبر كاميرات التلفزة يقوم مقام الأدوات الفنية للتأثير السينمائي مثلا ً ، فيما هو في ممارسته للأداء التقني أي عملية التصوير لا يمنح الإثارة ، بل يتوقعها في أي لحظة من لحظات التصوير . ذلك أن لحظات الإثارة المتوقعة في البث المباشر تضع الجميع على مقاعد الفرجة ، فليس هناك أدوار مسبقة بين من ينتج الصورة ، ومن يستقبلها ، كما في حال الإنتاج السينمائي والفني . بل إن سطوة الصورة حين وقوع الحدث هي التي تتحكم حتى في محاولة الأدلجة التقنية ؛ فجزء كبير من طبيعة الصور المباشرة ، في نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية ، يتحكم في مسارات التعليق والتحليل . أي أن الصورة هي في معنى ما ، وثيقة الحدث التي تؤكد مصداقيته وربما تأويله أيضا ً . وهي بهذا الاعتبار تنطوي على إقناع صريح للمشاهد عبر لغة بصرية تقلص احتمالات التأويل النظري والأيدلوجي إلى مديات محدودة .
وأيدلوجيا الصورة على هذا النحو تقيم تناظرا بينها وبين الاستهلاك والتنميط الإخباري الذي أشرنا إليه من قبل . فكلما حدث التكرار عبر النمذجة والتأويل الأخباري الذي ينحو إلى جعل الصورة ذات تأثير باهت ، مهما كانت راهنيتها ، فإن الصورة حين تنطوي على عناصر حدثية بالغة الإثارة والمصداقية ، تجعل كذلك من تلك النمذجة الإخبارية السابقة عبر التكرار والتأويل ، أيدلوجيا إخبارية مفضوحة لا ترقي إلى مصداقية ما تعبر عنه الصورة .
ذلك إذا كانت الأيدلوجيا في معنى ما ، تأويل دعائي للأفكار ينطوي على خطورة تزييف الوعي والواقع وبيع الأوهام ، فإن الذي يجمع بين الأيدلوجيا والصورة هو منطق الفرجة ، بحسب عبد السلام بن عبد العالي ، في تأويله لتأثير الأيدلوجيا .
غير أن أيدلوجيا الصورة هي الأكثر تعبيرا ً عن مصداقيتها من أيدلوجيا الأفكار والشعارات العارية .
إن مدركات الصورة لا تنزع إلى الاستقلال في التأويل ، بقد رما تقلص دائما ً احتمالات التأويل والتعليق دون أن تستغني عنه ؛ فتلازم التعليق والصورة هو من ضرورات التواصل الإعلامي والإخباري ؛ وهذه الضرورة بحد ذاتها ليست نفيا ً للغلبة المتبادلة والإستنسابية بين أيدلوجيا الصورة ، وأيدلوجيا الخطاب الإعلامي ، بل هي الأكثر تأثيرا ً بسبب سطوة الصورة وإبهارها .

Post: #2
Title: Re: آيدلوجا الصورة ـ جدلية الوهم والحقيقة في الإعلام المرئي
Author: صلاح شعيب
Date: 06-10-2007, 06:12 AM
Parent: #1

الزميل
محمد جميل

شكرا يا أخي علي هذا المقال المحكم والمفيدن معا
وهو يفتح الافاق العريضة للجدل حول الثورة التكنلوجية التي تعصف بمفاهيم ووقائع وحيوات
ولعل المزيد من هذه الرؤي تثري الحوارات الجادة بالمنبر
وآمل أن تواصل في هذا التثوير المعرفي
فهو بعض شفاف روحك وعظيم الرؤيا عندك
مع تحياتي لك ولهذا العمق في الطرح

Post: #3
Title: Re: آيدلوجا الصورة ـ جدلية الوهم والحقيقة في الإعلام المرئي
Author: محمد جميل أحمد
Date: 06-10-2007, 08:30 AM
Parent: #2

الزميل العزيز صلاح شعيب ...
شكرا على مرورك بهذا البوست ، انطباعك عن المقال يفتح الكثير من الإشكالات في هذا الحقل ، تحتاج منا جميعا إلى مقاربات نقدية تخدم المشاهد وتجعل إيمانه بتلك الفضائيات أقل يقينا ... تحياتي لك ، ومنك إلى صاحب (إكتوبر الأخضر) عزيزنا الكبير محمد المكي إبراهيم
مودتي

Post: #4
Title: Re: آيدلوجا الصورة ـ جدلية الوهم والحقيقة في الإعلام المرئي
Author: محمد جميل أحمد
Date: 06-10-2007, 03:21 PM
Parent: #3

فوق

Post: #5
Title: Re: آيدلوجا الصورة ـ جدلية الوهم والحقيقة في الإعلام المرئي
Author: محمد جميل أحمد
Date: 06-11-2007, 03:03 PM
Parent: #4

*