Post: #1
Title: حتى لأَدنى طِماحٍ غيرُ مضمونِ
Author: الطيب الشيخ
Date: 05-30-2007, 08:17 AM
مقاطع من قصيدة (دجلة الخير) للشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري
محمد مهدي الجواهري (1899-1997م) هذا شاعر ضخم جداً ، والإبحار في عباب قصائده جد عسير، هذه دعوة لصحبته بمحاذاة نهر دجلة والتأمل في هذه قصيدته (دجلة الخير) وهي أنشودة قد سكب فيها روحه المتعبة من عذابات البعد، وهي مفعمة بالحنين والنجوى ولأن حاله في هذه القصيدة يشبه حالنا اليوم أو يكاد، أنظر له وهو يلقي التحية عن بعد بنفس ظامئة لعذوبة مياه دجلة الرمز والوطن من نبعها الذي يفارقه مكرهاً ولا تروي ظمأه كل ينابيع الدنيا. ويتمنى أن لو يحاك كفنه من أنسجة أشرعة المراكب العابرة للنهر.. حيّيتُ سفْحكِ عن بعدٍ، فحيّيني يا دجلة الخير، يا أمَّ البساتينِ حيّيْتُ سفحكِ ظمآناً ألوذُ به لوْذَ الحمائم بين الماءِ والطينِ يا دجلةَ الخير يا نبْعاً أفارقُهُ على الكراهةِ بين الحين والحينِ إنّي وردْتُ عيون الماءِ صافيةً نبْعاً فنبْعاً، فما كانت لترويني وأنت يا قارباً تلْوي الرياحُ بهِ ليَّ النسائمِ أطرافَ الأفانينِ وددْتُ ذاك الشراع الرّخصَ لو كفني يُحاكُ منه، غداة البيْنِ، يطويني
عندما تصبح أبسط الأمنيات مثل مقيلاً على الضفاف خالي الفؤاد إلا من هوى بعيدة المنال.
يا دجلة الخير: قد هانت مطامحُنا حتى لأَدنى طِماحٍ غيرُ مضمونِ أتضمنين مقيلاً لي سواسيةً بين الحشائشْ أو بين الرياحينِ خِلْواً من الهمِّ إلا همَّ خافقةٍ بين الجوانح أعنيها وتعْنيني تهزّني فأجاريها فتدفعُني كالريح تُعْجلُ في دفع الطواحينِ * * * دجلة الرمز الذي يستمد منه انفعالاته، يأسى لحال الوطن الذي دنسته حوافر خيول البغي وأنات الناي الدامعة تمد لسانها في وجه السلاطين.
يا دجلةَ الخير: ما يُغْليكِ من حَنقٍ يُغلي فؤادي، وما يُشجيكِ يُشجيني ما إن تزالُ سياطُ البغْى ناقعةً في مائكِ الطُهرِ بين الحين والحينِ ووالغاتٌ خيولُ البغْيِ مُصبحةً على القُرى - آمناتٍ - والدهاقينِ يا دجْلَة الخير: أدري بالذي طَفحتْ به مجاريك من فوقٍ إلى دُونِ أدري على أيّ قيثارٍ قد انفجرتْ أنغامُكِ السمّرُ عن أناتِ محزونِ أدري بأنك من ألفٍ مَضَتْ هَدراً للآنَ تهزْينَ من حكمِ السلاطين
ويعزي نفسه ووطنه بأن الشر والخير أمران متلازمان ويتمنى أن يشهد يوم الخلاص من الطغاة ليهنأ وهو يردد لحن الحياة ويواسي بأبيات شعره المساكين. يا دجلةَ الخير: والدنيا مفارقةٌ وأيّ شرٍّ بخيرٍ غيرُ مقرونِ وأيُّ خيْرٍ بلا شرٍّ يُلقّحهُ طهْرُ الملائكِ من رجْسِ الشياطينِ يا دجلةَ الخير: كم من كنْز موهبةٍ لديْكِ في (القُمْقُمِ) المسحور مخزون لعلّ يوماً عصُوفاً جارفاً عرساً آت فترضيك عقبان وتُرضيني يا دجلةَ الخير: إن الشعر هدهدةٌ للسمع، ما بين ترخيمٍ وتنوين عفْواً يردّد في رَفْهٍ وفي عَللٍ لحن الحياة رخيّاً غَيْرَ ملحونِ يا دجلة الخير: كان الشعر مُذْ رسمتْ كفّ الطبيعةِ لوْحاً (سفرَ تكوينِ) يا دجلة الخير: لم نصحبْ لمسْكنةٍ لكنْ لنلْمِسَ أوجاعَ المساكينِ هذى الخلائقُ أسفارٌ مُجسّدةٌ المُلهمونَ عليها كالعناوينِ إذا دجا الخطْبُ شعَت في ضمائرهم أضواءُ حرْفٍ بليل البؤسِ مرهونِ دَيْنٌ لزامٌ، ومحسودٌ بِنِعمتهِ من راح منهم خليصاً غير مديونِ * * * ويختتم قصيدته بهذه الأبيات حين يغلبه الأسى.
يا دجلةَ الخير: يا مَن ظلَّ طائفُها عن كلّ ما جلت الأحلامُ يُلهيني لو تعلمين بأطيافي ووحشتها وددّتِ مثلي لو أنّ النوْمَ يجفوني يا دجلةَ الخير: خلّيني وما قَسمت لي المقاديرَ من لدْغِ الثعابينِ
القصيدة طويلة وشجية وهذه بعض أبيات منها وجدت في نفسي هوى والمنى أن تجدون فيها سلوى وعزاء.
الطيب الشيخ [email protected]
|
|