Post: #1
Title: آيدلوجيا التأويل
Author: محمد جميل أحمد
Date: 05-23-2007, 03:40 PM
ينطوي التأويل دائما على أقنعة أشبه بلعبة الدمى الروسية الشهيرة . تلك التي كلما نزعت منها لعبة تكشفت عن أخرى . وإذا كان التأويل باعتباره مفهوما ملتبسا بقناعة ما ، لنص إلهي أو بشري ، يستند إلى تصور يوحي لصاحبه وثوقا ً يقينياً؛ فان التجارب التاريخية للفعل الإنساني كانت تنطوي أيضا ً على تفسير يعّري خطورته الوثوقية، ولكن للأسف بعد أكلاف فادحة من الضحايا ، ومسافة زمانية طويلة . وبالرغم من أن التأويل صيغة عقلية لابد منها لفهم النص إلا أن التباساته التي تحيل إلى تلك الوثوقية ربما كانت نابعة من الجذر التعريفي للكلمة التي هي في أحد معانيها : معرفة الشيء على حقيقته . في مثل قول الله عن علم المتشابه من آيات القرآن (وما يعلم تأويله إلا الله) أي حقيقته . ولعل الناظر في التاريخ الإسلامي يلاحظ أن التأويل ارتبط دائما بمفهوم الفتنة لأن الإشكاليات التي نشأت من ممارسة التأويل بالمفهوم الأوتقراطي أفضت إلى نزاعات سياسية وحروب معروفة (الفتنة الكبرى ــ موقعة الجمل ــ موقعة صفين) ومن ثم نشأت الفرق الدينية المختلفة استنادا على تأويل النصوص . على أن ما يهمنا اليوم في هذا الصدد هو التفريق بين معنيين أساسيين . الأول: أن العصر النبوي خلا من التأويل الذي ارتبط بمعنى الفتنة ، ولذلك كان الفهم الإسلامي للنص حيويا وفجّر طاقات تاريخية للمسلمين تجسدت في تلك الفتوحات التي كانت ولاشك معجزة بشرية ، بحسب عبد الله العروي ، والثاني أن ممارسة التأويل بالمعنى الأوتقراطي كانت عاملا خطيرا في تفكيك الأمة الإسلامية الذي تراكم وأدى إلى ركود طويل . واليوم بعد أن انقطع المسلمون عن الفعل التاريخي لقرون طويلة . تنشط تأويلات ومفاهيم متعددة بدت كردود فعل على صورة العالم التي بدت في قطيعة تامة مع الماضي الزاهر للإسلام . بفعل اتفاقية وستفاليا1646 بين الأوربيين التي غيرت شكل العالم القديم ، وأصدائها التي أقرتها القوى الأوربية المنتصرة في سايكس بيكو وتم بموجبها تقسيم العالم الإسلامي . وسقوط الخلافة الإسلامية المتهالكة في العام 1924 . كل هذه التحديات مثلت رهانات جديدة وخطيرة وشكلت تناقضا عميقا للمسلم المعاصر الذي عجز تماما عن إستقطاب تلك التناقضات في صيغة عصرية . والحال أن قيام الحركات الإسلاموية كانت ضربا من محاولات إعادة تأويل لمعنى الإسلام في الحياة المعاصرة ومن هنا بدت صعوبة فهم ذلك المعنى الأوقيانوسي الذي حاولت الحركات الإسلاموية تمثـّـله بدون عـّدة معرفية لازمة لمشروع حضاري إسلامي . وهكذا بدت شعارات عمومية من قبيل الإسلام (دين ودولة) الذي أطلقه الشيخ حسن البنا (مؤسس حركة الأخوان المسلمين) تجد صعوبات في الفهم لامن طرف المستعمر الذي كان يحكم فحسب ، بل حتى من النخب الفكرية والثقافية العربية . فالحركات تلك إذ كانت تمارس ضربا من إعادة تأسيس حركي جماعي لسلوك إسلامي بدا منقطعا ً لقرون طويلة ، كانت في نفس الوقت تفتقر للكثير من الجهد المعرفي المستند إلى تأسيس علمي للوعي الإسلامي. والحقيقة ربما كان من الصعب أن تضطلع تلك الحركات بمثل هذا الوعي المعرفي لأن سقف التخلف هوا لذي كان ، ومازال ، يقمع تأسيس أفكار كبرى تحتاج إلى شرط من الحرية كاف لإطلاقها ، وإن كان ذلك لا يمنع إضاءات تجاوزت التخلف من قِبل أفراد ربما كان المفكر الجزائري (مالك بن نبي) أحدهم عندما وضع كل مؤلفاته تحت عنوان (مشكلات الحضارة) وتكلم عن مفهوم القابلية للاستعمار باعتباره أخطر من الاستعمار. والحال أن شعارت الحركات الإسلاموية ومدوناتها الكتابية كانت ضربا من التأويل الآيدلوجي إلا استثناءات قليلة. ولقد تكشف هذا التأويل الآيدلوجي في المراجعات والتنازلات من قبل تلك الحركات ، التي بدت مع سقوط كل الآيدولجيات جملة واحدة بعد نهاية الحرب الباردة ، وخصوصا سقوط تجارب الحكم الإسلاموي في كل من السودان وأفغانستان . لكن هذا التأويل الآيدولوجي لايختص بالحركات الإسلاموية فحسب بل ينطبق على مجمل الحركات السلفية والعلمية والصوفية والمذهبية التي انتظمت العالم الإسلامي فالواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم يندرج كله تحت سقف التخلف الذي يحيل بالضرورة إلى فعل ذلك التأويل الآيدلوجي في سلوك المسلمين اليوم مما هو معروف ، لاسيما بعد حدث 11/9/2001 . وبالرغم من أن التحولات في مثل واقع المسلمين قد تستغرق زمنا طويلا ، إلا أن هناك تحديات فكرية لابد أن يؤسس لها المسلمون رهانات معرفية بعيدا عن آيدلوجيا التأويل. وينبغي أن يكون القاسم المشترك للنا شطين الإسلاميين فكريا وحركيا هو السعي من أجل انتزاع الحريات وحسب. ففي مناخ الحريات يمكن للأفكار أن تزدهر وتنتصر على الأفكار المناوئة لها بأدوات سلمية . فالازدهار هو الذي سمح للمسلمين في الماضي من تحويل النصوص الغزيرة إلى مدونات موسوعية للأحكام جسدتها مدارس الفقه الإسلامي . وذلك ما عجز المسلمون عن تحقيقه اليوم على الأقل . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * عن " الحياة اللندنية " 27/8/2005
|
Post: #2
Title: Re: آيدلوجيا التأويل
Author: Sidig Rahama Elnour
Date: 05-23-2007, 04:10 PM
Parent: #1
الأستاذ محمد جميل شكراً لهذا المقال الثر والذي يبين أحد أسباب الأزمة الراهنة ، ولابد من الإشارة الى أن التأويل يجب أن يكون وفق ضوابط ونظم ومرتكزات قوية تجي متسقة مع مصدر النص الذي يترتب عليه هذا التأويل ، فليس التأويل باب مفتوح يلج منه من يدري ولايدري ، وليس هو مبتور عن أصل النص أو أسبابه ، وهو باب من أبواب التخصص مثله مثل الطب والهندسة وسائر العلوم التخصصية الأخرى الأزمة الأساسية في أبواب التأويل الإسلامي هو إعتقاد كل من حفظ عدة نصوص دينية متفرقة بقدرته على تأويل ما شاء من النصوص ، وإحساسه المفرطة في القناعة بأنه الأصوب بل تكمن الخطورة في إعتقاده الجازم بأن لاشي يخرج عن هذا التأويل ، ولاحق لإحدٍ أن يأتي بغير ما أتى به هو ، وهذا ماجعل هذة المعتركات الأساسية كثيمة من ثيمات الشعوب التي تنتهج التأويل من غير أسس وقواعد وضوابط ومرتكزات اساسية مستمدة من أصل النص موقع التأويل وفي إعتقادي الشخصي أن التأويل وفق الأسس المذكورة أعلاه مرحلة سابقة للإجتهاد وليس العكس ، كما أن هناك عدة معاول لابد أن يمتلكها الشخص الذي يفسر النصوص قبل التأويل منها اللإلمام بنواصي اللغة التي جاءت بها النصوص ، والإلمام بالخلفيات التاريخية والوقائع الإنسانية والمقاصد النبيلة التي أفضت بالنصوص الى الظهور وبخلاف هذة الأدوات يكون التأويل مجرد هذيان وفوضى عارمة تفضي بنا الى إراقة للدماء وحروب وأشياء يصعب معها الإمساك بأمان الإنسان وتعايشه السلمي ولكن يبقي السؤال القائم : هل تأويل النصوص وفق كل القواعد أعلاه يوجب التطابق التام في وجهات النظر التي تتبني النص موضع التأويل ؟؟؟
|
Post: #3
Title: Re: آيدلوجيا التأويل
Author: محمد جميل أحمد
Date: 05-25-2007, 04:58 PM
Parent: #2
عزيزي صديق .. شكرا على مداخلتك . التأويل هو آلية عقلية لقراءة النص ، أي نص ، بيد أن هناك فرقا بين التأويل الآيدولجي الذي هو تفكير نسقي مغلق ودغومائي في الغالب ، وبين التأويل المعرفي الذي ينهض على قواعد عقلانية ومنطقية تسمح بقراءة النص قراءة مطابقة للواقع . أي أن الواقع وقوانينه يستجيب لمقتضيات التأويل المعرفي . لكن الذي نراه اليوم في فعل الجماعات الإسلامية ، والقومية والماركسية سابقا هو تأويل آيدلوجي ينطوي على وعي زائف ، ويستجيب للواقع بقراءة ناقصة . وغالبا ما تكون نتائجه كارثية . تحياتي جميل
|
|