كانَ شحـَّـاذاً ... لكنَّـه ... عالـِــماً .. !!! ..

كانَ شحـَّـاذاً ... لكنَّـه ... عالـِــماً .. !!! ..


05-19-2007, 06:59 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=100&msg=1179554383&rn=0


Post: #1
Title: كانَ شحـَّـاذاً ... لكنَّـه ... عالـِــماً .. !!! ..
Author: محمَّد زين الشفيع أحمد
Date: 05-19-2007, 06:59 AM

كانَ شحَّاذاً .. ولكنَّه .. .. عالماً !!! ...



يكتنزُ رأسُهُ بالشَّعرِ المُجعَّدِ والهُمُوم ..
تتشابهُ الأيامُ والمنازلُ في داخلِه ..
دائماً يُحِسُّ اعتقالَ قميصِهِ له ..
أدخلَ يدَه في جيبِه يتحسَّسُ صدى
شيءٍ من النقودْ !!
لكنَّ الجيبَ أفضى بهِ إلى سُرْوالِه
الطويلِ المتَّسِخْ ،
فرجعتْ يدُه مكسوفةَ الخاطرِ لم تجدْ سوى
سُهْدَ الليالي وجفافَ الأيامْ ..
باحثاً في الطُّرقاتِ عن فتاتِ الخُبزِ اللئيمْ ..
.. فالطريقُ مكتظةٌ بالمارَّةِ والمُتسكِّعين
وذوي الهِندامِ الجميلْ ..
أدارَ وجْهَهُ يُمْنةً ويُسْرَة لكنَّه لم يعرفْ أحداً
.. كانَ غارقاً في هَمِّه .. يتلو في سرِّهِ
شيئاً من أهازيجِ اليأسِ وفقرِه المُتْقَع ..
أمسكَ ورقةً وقلماً ليَكتُبَ شيئاً .. يُزيحُ به
ما يعتلي صدرَه مِنْ غمٍّ ..
تذكَّرَ فجأةً أنَّهُ لمْ يجلسْ على كنَباتِ
الفصلِ والدَّرسِ يوْماً .. فبللتْ دموعُه الورقَ ..
جَرَّ ذيلَ جِبَّتِه الملطَّخةِ بالطِّينْ .. ثمَّ انزوى إلى
رُكْنِ حائطٍ قديمْ ..
لَمَحَ رجُلاً لامعَ التقاسيمِ والملابسْ ..
قامَ عَجِلاً صوبَه ؛ ثُمَّ مدَّ يدَه إليه آمِلاً
ومُتوجِّساً وقائلاً : " للهِ يا مُحْسنين ديناراً
أوْ جُنيْهاً أو خُبزه "
.. أزاحَه الرَّجُلُ عن طريقِه وانتهرَه بشدَّةٍ
هكذا : لا تَعُوقَ طريقيَ نحنُ نُسْبِقُكم فقط بالصَّبرِ .
.. ضاقتِ الدُّنيا من حوْلِهِ فقد أفقدَهُ ذلكَ
المهندمُ الأملَ .. مع أنَّ أمَلَه لم يكُن من الآمالِ العِراضِ كآمالِ الآخرين ،
بل مجرَّدِ أمَلِ طعامٍ أو ماءٍ يستُرُ بهِ عورةَ بطنِه الجوْفاءْ ..
فهذه المهنةُ لم يمتهنْها طائعاً مختاراً لكنَّها هي التي قصدتهُ
بغير ما إرادةٍ منه فأشربتْه رحيقَها المُرْ ...
نذرَ يوماً نفسَه بألا يعودَ إليها ثانيةً .. لكنَّه كان قاصِراً عن العملِ
فاقداً ليدِه ورجلِه اليُسرى ... ذاك مَّا حَدَا به لأنْ يَنْثنيَ أمامَ هذه
المهنة .. له من البناتِ خمسْ ومن البنينِ ثلاثة ، الثانية عشرة
لم يتجاوزها أكبرُهم ، لذا فقد كانَ هوَ أكبرَهم همَّاً وعُمْرا ، ..
حاولتُ الإقترابَ منه قدْرَ استطاعتي ، فقد أتاني إحساسٌ بأنَّه
ليسَ شحَّاذاً عاديَّاً .. لذا بدأتُ بمصادقتِه ، حاولَ النُّفورَ منِّيَ لكنَّه
أخيراً بطيبِ قلبٍ قبِلَني صديقاً ، فكنتُ أجلسُ معه لأستشِفَ ما بداخلِه
من أسرارٍ.. فقدْ كانَ شحَّاذاً جميلاً وعالماً ..
يَميلُ كثيراً للتَّحدُّثِِ معيَ باللغةِ العربيَّةِ الفصيحة ..
ولمِسْتُ من كلامِه أنَّه لا يُخطئ تماماً عندَ امتطائِهِ صهوةَ اللغة
.. فأدهشني ذلك منه جداً ..
.. وكُنْتُ أعتقدُ بأنَّ لي باعاً لا يُستهانُ به في العربيَّةِ
وعلومِها ونحوِها وصرفِها فتجدُني أتَمَشْدَقُ معه بذلك كثيراً
ولكنَّ !! ويا لَعَجَبي !!! فقد تضاءلتْ قُدراتي تجاهَ ما يقول ..
قال لي : أتدري ما الكافُ وما المكفوفْ ؟
وما المجرورُ بالمجاورةِ ؟؟ قلتُ : اللهُ أعلمْ ..
قال : أتدري ما إعرابُ " إنّما المؤمنونَ إخوةٌ " ؟..
قلتُ : المؤمنون : مبتدأٌ مرفوعٌ بثبوت الواو لأنَّه جمعُ مذكَّرٍ سالم
.. وإخوةٌ : خبرُ مبتدأٍ مرفوع ..
وقد كنتُ قد تجاوزتُ " إنَّما " عمداً لعدمِ درايتي الكافية بإعرابها ..
فقالَ لي : لِمَ لمْ تعرِبْ " إنّما " ؟؟ ..
فتَمْتَمْتُ في نفسيَ ولمْ أُكْمِلْ ..
فقطع تمتمتي قائلاً : لا عليكَ يا بُنَيْ .. طالما ارتضيْتَ أنْ تجالسَني
فذاكَ تواضعٌ جمٌّ منك .. فالنَّاسُ تنفِرُ منِّي ولا تُطِيقُني ..
فسأخبرُكَ عنها الآنَ : فهذا يُسمَّى الكافُ والمكفوف ، أيْ بمعنى ..
إنَّ : أداةُ توكيدٍ ونصبٍ كما تعلم وهنا تسمَّى ( مكفوفة ) واسم الموصول
ما : (كاف) لأنَّها كفَّت وأبطلتْ عملَ إنَّ .
فقلتُ له : لمْ أفهمْ شيئاً .. لكنَّني بعدَ أنْ أرهقتَه شرحاً كنْتُ قد فهِمتُ قوْله ..
فأدركتُ أنَّه قد هزمني من هذه النافذة ،
حاولتُ أنْ أقفزَ وأتسلَّلَ إلى نفسِه عبرَ نافِذةٍ أُخرى فقلتُ له : أتعرفُ شكسبير؟
قالَ : قُلِ الكاتبَ الإنجليزيَّ " وليام شكسبير " الموْلود في أبريل عام أربعةٍ
وستينَ وخمسمائةَ وألف .. ومن أعماله تاجر البندقيَّة والملك لير وماكبث وهاملت وعُطيل و ....
بدأ الإندهاشُ يَدُبُّ في داخلي لأنَّه كانَ يقولُها باللَّكنةِ الإنجليزيَّة ويُذكرُ تأريخَ هذه الأعمالِ على التتالي دونَ توقفٍ أو تردُّدْ ..
ثمَّ أردفَ قائلاً : فشكسبيرُ كانَ فقيراً مثلي .. ثمَّ نظرَ نظرةً عميقةً تجاه الأرض ..
فحاولتُ أنْ أُطيِّبَ خاطرَهُ فقلتُ له : إنَّ الفقرَ لم يَكنْ يوْماً نقطةً سوداءَ في تأريخِ الفردِ .. و .. لكنَّه استمرَّ قائلاً : لكنَّني أرى أنَّهُ كانَ يقتبسُ بعضَ كتاباتِه من أعمالٍ سابقةٍ .. و ... واستمرَّ بالحديثِ وأنا أزدادُ
إندهاشاً ..
حاولتُ أن أنحوَ بالحديثِ لمجالٍ آخرٍ .. الكيمياء .. ثمَّ الفيزياء ..
ولكنِّي لم أجدُ غيرَ الدَّهشة ..
كانَ رجُلاً يُحبُّ الشِّعرَ والشعراءَ .. خاصَّةً الشعرَ العربيَّ الجاهلي وكانَ يحفظُ المعلقاتِ السبع ..
كلُّ هذا وهو لا يقرأ ولا يكتُبْ !!!!!!!! ..
سألتُه بأنْ يُخبرَني من أينَ وكيفَ تعلَّمَ هذا كلُّه وكيفَ حَفِظَه ؟؟؟؟ ..
قال لي : لا تتعجَّلِ الأمورَ فسأُخبِرُكَ عن ذلكَ يوْماً ما ..
ولكن يا بُنيْ اصْدُقِ اللهَ يَصْدُقُك .. ثمَّ سكتْ ..
ويبدو أنَّ ريقَه قدْ جفَّ تماماً فناولتُه قارورةَ ماءٍ كانتْ بجانبِه بها من الإحترارِ ما يكفي لأنْ أذكرَه ..
وأحسستُ أنَّني قد أرهقتُه بالإستماعِ والأسئلةِ .. فرجَوْتـُـه أنْ يذهبَ معيَ.. لكنَّ رفضَهُ كانَ قاطعاً .. وقال : أيْ بُنَيْ هنا نلتقي
وهنا نفترقْ ..
فاستأذنته بالرَّحيلِ على أنْ أعودَ إليهِ باكراً ..
وفي الصباحِ أتيتُه باكراً كما الوعدُ وكعادته يُمتِعُني بالحديثِ ..
فقد كنتُ أتردَّدُ عليه كثيراً ولا أغيبُ عنه أُسبوعاً ..
وذاتَ مرَّةٍ خطرتْ لي فكرةٌ بأنْ أستفيدََ منه في علوم الحديث والمذاهِبِ الأربعة فقدْ كُنْتُ قاصِرَ الطرفِ فيهِما ، فرتَّبتُ أموريَ ؛
وذهبتُ إلى ذلك المكان المعهود الذي يُمارسُ فيه مهنتَه غيْرَ المُحبَّبةِ إليه .. لكنِّي لم أجدْهُ هناك ..
تفرَّستُ المكانَ جيِّداً فلمْ أرَ لهُ أثراً .. ولكنَّ ثمَّةَ جمعٍ ضخمٍ من النَّاسِ في مكانٍ غيرَ بعيدٍ من مكانِنا المعهود ...
تحرَّكتُ تجاههم .. وأنا أُردِّدُ ماذا هناك ؟؟ ماذا هناك ؟؟... قالَ لي أحدُهم دونَ أنْ يَلْتَفِـتَ إليَّ أنَّ هناك حادثاً قد وقعَ قبلَ قليلٍ لرجلٍ باليَ الملابسِ والشَّكل .. ْفقد دهستْه سيَّارةٌ وذهبتْ دونَ أنْ يُعرَفََ قائدُها ..
قالها ذلك الرجلُ بلا اكتراثٍ منْه ..
زاحمتُ الخلقَ واخترقتُ الصُّفوفَ حتَّى وصلتُ ...
حتَّى .... وقفتُ أمامَ ...
فوجدتُ صديقيَ مُمَدَّداً على الأرضِ جُثَّةً هامِدةً ودَمُه الطاهرُ تِبْرَاً خالطَهُ
التُّرابُ .. ولا يبدو منهُ سوى رأسُه بشعرِه الأسودِ المُجعَّـدْ ..
فانكفأتُ عليهِ أتلمَّسُه والدمعُ يتقاطرُ منِّيَ بلا توقُّفْ ..
وكانَ بعضُهم يقولُ : ( "لعلَّه إبنُه .." والآخر يقولُ : " لا أعتقد أنَّ لهذا
الرجلِ الشحَّاذِ أهلاً فقد يكونُ من بابِ الشفقةِ والعاطفة و .. " ) ..
.. وهمْ لا يدْرونَ عنْ أيِّ شحَّاذٍ يتحدَّثُون وعنْ أيِّ رجلٍ يتفوَّهون ..
ولا يعلمونَ أنَّهم أمامَ جُثَّةِ عالمٍ أخطأتْهُ الملابسُ وأقصتْهُ المهنةُ ..
فثمَّة حديثٍ معك يا .. صديقيَ .. مات مَوْؤداً في حُنْجُرَتي .. فهلْ ليَ
مِنْ شحَّاذٍ آخرٍ غيرِكَ فقد اعتراني بعدَكَ .. يا ..
أُستاذيَ الذُّهُولْ ..
فشكراً لغيابِكَ الحضورِ عندي ..
وشكراً لأنَّكَ غيَّرتَ مجرى التأريخِ فيَّ ..
وسوفَ أظلُّ أبداً لا أذكُركَ .. لأنِّيَ .. أبَداً .. أبداً ..
أبداً ..لا أنساكْ ...
وباقٍ أنتَ في الذكرى ..
وحتماً في القلبِ
وفي الرَّحيل ..






محمَّدزين الشَّفيع أحمد ...
الرِّياض / المنفـوحة
2004م .

Post: #2
Title: Re: كانَ شحـَّـاذاً ... لكنَّـه ... عالـِــماً .. !!! ..
Author: سلمى الشيخ سلامة
Date: 05-19-2007, 07:20 AM
Parent: #1

مثل هذا السائل او من اسميته الشحاذ كانوا كثرا فى محيطى ، فى الابيض كان ثمة استاذ اسماه الناس ( جزافا ـ عبد الله الحيوان )لكنه كان سيد العارفين ولديه مكتبة فى الابيض ، وكنت اذا مررت به فهو لا يفعل سوى ان يقرا وان يجعلك تقرا ، يوزع الكتب مجانا لكل من يقرا ، كنت تسمعه يتحدث عن الماركسية
فتدرك كمهو عالم فى مجاله وفى الماركسية التى حاول ان يشرحها لنا بطريقة مبسطة وفهمنا كثيرا من راس المال عبر عبد الله الحيوان
بل ان شخصية مثل (الطيب ود مهلة ) فى العباسية وهو خريج كلية غردون حين يتحدث اليك بلغته الانجليزية الرفيعة تحس ان هذا الشخص عبقرى زمانه لكنه ( انهكه الشرب ) فمات مقعدا جراء الادمان
لكن من ذكرته له عشرات ان لم يكن المئات ممن يشبهونه
شكرا لك صديقى على هذه الهدية الراقية فى فن الكتابة

Post: #3
Title: Re: كانَ شحـَّـاذاً ... لكنَّـه ... عالـِــماً .. !!! ..
Author: محمَّد زين الشفيع أحمد
Date: 05-19-2007, 11:39 AM
Parent: #2

إنَّه لَشَرَفٌ أنْ أراكِ على وجَعِ
مفرداتيَ ...
ولَكَمْ كانتْ فرحتي بوجودِكِ
كبيرةً جدَّاً ..
حقَّاً بِكِ ازدانتْ سُطُوريَ
ولَمِعتْ حُرُوفيَ الفاتِرة ..
لكنَّها عادةُ الأوْفياءِ دائماً يجذِبُهم
الحرفُ الذي يُعيدُ ذاكرَتَهم لاستنشاقِ
أوفيائهم في الزَّمنِ الجميل ..
فشكراً لكِ .. وشكراً لـ ( عبد الله )
الذي لمْ يكنْ حيواناً بلْ نحنُ
الذينَ قلَّدناه ذلك الإسم لفهمِنا
السطحيِّ لَهْ ..
وشكراً لإيغالِكِ الدَّافئ في
(عبد الله ) وشكراً لـ
(الطيِّب ود مهلة )
الذي ذهبَ عنَّا دونَ أنْ يأخذَ
بعضَ نصيبِه منَّـا ..
ورحلَ قبلَ أنْ يكتشفهُ
أحدْ ..
ولكنْ يظل يَحْدُونا الأملُ بأنَّ
بيئتَنا حُبْلى بتلكمُ المفرداتِ
الرَّاقية فهماً ومعنى..
وشكراً لإزالتكِ الطينَ والغبارَ
عنْ جِبَّةِ شحَّاذيَ الجميلْ ..
فقدْ ألبستيهِ خيطَ ثوْبِ
الحياةِ من جديد ..
فشكراً لـ (هكذا) ثناءْ ..
وهكذا حضورْ ..
وشكراً لأنَّكِ دائماً تمتطينَ
صهوة َ الوفاء في الزَّمن
الغَدْرْ ..
وشكراً .. لأنِّك ... لأنِّك ..
لأنِّك .. مطرُ المُفردةِ
في الزَّمنِ الجفافْ ..

شكراً .. سلمى ..
الشيخ .. سلامه ..
شكراً لهذا الوفاء
الضَّافي ...
والوافي ...


أخوك / محمَّدزين ...

Post: #4
Title: Re: كانَ شحـَّـاذاً ... لكنَّـه ... عالـِــماً .. !!! ..
Author: مجاهد عبدالله
Date: 05-21-2007, 02:51 PM
Parent: #1

Quote: .. وهمْ لا يدْرونَ عنْ أيِّ شحَّاذٍ يتحدَّثُون وعنْ أيِّ رجلٍ يتفوَّهون ..
ولا يعلمونَ أنَّهم أمامَ جُثَّةِ عالمٍ أخطأتْهُ الملابسُ وأقصتْهُ المهنةُ ..


وكثر مثله

شكراً أخي محمد زين

Post: #5
Title: Re: كانَ شحـَّـاذاً ... لكنَّـه ... عالـِــماً .. !!! ..
Author: محمَّد زين الشفيع أحمد
Date: 05-22-2007, 12:43 PM
Parent: #1

الأخ / مُجَاهد عبد الله ...
أشكرُ وجودَكَ الجميلْ ..
فكلماتُكَ القليلةُ أغنتني
تماماً عَنْ صِحافِ
القوْلِ الثقالْ ..

وأشكرُ إنفعالَكَ مع
النَّصْ ..
وقدْ صَدَقْتَ
فيما جَرَى
بهِ يَرَاعُكْ
..

فلا عَدِمْتُكَ قَلَماً
راقياً ..

كُنْ بِجانبي دائماً ..

أخوك / محمَّدزين ...