البحث عن كنز الأرخبيل على شواطئ بحر الجبل

الزمان: التاسع من يناير 2005م - السادسة صباحا
المكان: مطار الخرطوم الدولي
يومها كانت العاصمة الكينية نيروبي تتأهب لانهاء اطول حروب القارة الافريقية .. جلس جون قرنق وعلي عثمان وعمر البشير واتفقوا علي سلام نيفاشا ..
وسط هذه الاجواء كانت طائرة (هلا اير) تستقبل المسافرين الي جوبا بابتسامة انيقة مع صباح اكثر اشراقا.. ثم انطلق نداء الاقلاع .. وداخل الطائرة وقبل الهبوط في مطار جوبا بدقائق انطلقت الاناشيد من افواه ابناء وبنات جوبا .. النظرات تشع بالامل وتحلم بمستقبل سعيد .. وبالمقابل كانت شوارع جوبا تتزيأ لاستقبال كرنفالات الفرح والاحتفال بتحقيق السلام .. كانت العيون تترقب عودة القائد د. جون قرنق ليبشر اهل الجنوب بانتهاء عهد الحروب .. والانطلاق نحو التنمية والاعمار.
وفي العاشر من يناير اغلقت اسواق جوبا (عن بكرة ابيها) ابوابها وذهبت صوب ميدان (البلك) .. كان احتفالا ضخما بالسلام من ارض السلام ..
ثم عدنا ..
قلت لكل من سألني عن جوبا انها رائعة .. واتمني زيارتها مرة اخري .. ولم اكن اعلم حينها انني سأزورها في اجواء مختلفة وظروف بالغة التعقيد بعد مرور عام من توقيع اتفاق السلام ..
كيف كان ذلك .. تابعوا معي

وقبل عام أو يزيد .. وطئت أقدامنا أرضية مطار جوبا .. حينها كانت أجواء يناير الباردة تسيطر علي الشمال، بينما وصلت درجة الحرارة في بعض مدن الجنوب إلي45 درجة مئوية..عام مضي وذكريات بحر الجبل.. اشجار المانجو .. موقف ياي وسوق كونج كونج مازالت عالقة في الذاكرة المتعبة .. ومع إشراقة كل صباح يتجدد الأمل في العودة مرة أخري إلي تلك البقاع الساحرة..
لم اكن اعلم انني علي موعد ساخن معها .. الي ان وصلني مظروف أنيق يحمل بين طياته رياحين وعد البشارة.. دعوة كريمة للمشاركة في كرنفال تدشين أعمال الشركة السودانية الكويتية للمقاولات والاستثمار المحدودة (سوكيت) في حاضرة ولاية بحر الجبل، ووضع حجر الأساس لثلاثة مشاريع تضخ دماء التنمية في شرايين الولاية، بعد ان جففتها الحرب اللعينة.. مشاريع قديمة حديثة أشبه بالحلم .. ميناء جوبا النهري.. مشروع اسماك بحيرة تركاكا وفندق جوبا السياحي.
وعندما لاحت جوبا من ارتفاع شاهق لم نسمع هذه المرة الأناشيد والأغاني السعيدة من أفواه ابناء الدينكا والزاندي داخل الطائرة.. هبطنا بهدوء، ومنذ اللحظة الأولي أحسسنا بأن كل شئ بدأ يتغير.. أمطار غزيرة سبقت قدومنا.. ربما هطلت فجراً وتركت آثارها علي طرقات واشجار المدينة .. استقبال دامع وزفرات ساخنة توحي بأن بصمات الحزن علي رحيل د. قرنق لن تزول عن الوجوه السمراء قريباً ..

قافلة ضخمة قوامها خمس عشرة عربة تحركت صوب مباني حكومة الولاية للقاء اللواء كلمنت واني والي ولاية بحر الجبل .. والمسافة بين المطار ومباني الحكومة امتلأت عن آخرها بقوات الأمم المتحدة.. وداخل قاعة ابنوسية كان لقاء وفد المستثمرين العرب بأعضاء حكومة ولاية بحر الجبل .. تحدث السفير الكويتي، والسفير القطري، ومندوب مجموعة شركات الحمادي ..
من تلك القاعة كانت بداية الانطلاقة لأضخم مشاريع استثمارية شهدها الجنوب منذ ازمان بعيدة.. تحركت القافلة مرة أخري صوب مقبرة الراحل د. جون قرنق في وسط المدينة .. اعلام الحركة الشعبية ترفرف علي جنباتها، ومجموعة من الجنود الحزاني يستقبلون الزوار بأعين دامعة وكأن الرحيل لم يمر عليه سوي أيام معدودة.

علي ضفاف بحر الجبل وضع وفد المستثمرين الكويتي وحكومة ولاية بحر الجبل حجر الاساس لتأهيل ميناء جوبا النهري الذي يعد اكبر ميناء في الولايات الجنوبية.. قالوا إن الميناء يحتوي علي مبني للركاب وصالات وصول ومغادرة، الي جانب قاعة لكبار الزوار وورش الصيانة وارصفة شحن وتفريغ البضائع .. ويأخذ الميناء شكل سفينة من جزئين، ويتم النقل فيه بصورة ميكانيكية، بالاضافة الي ميناء صيد صغير لصيد الاسماك وشحنها، ومصانع لتجفيفها وتعليبها..الدكتور معاذ خالد المسعود الفهيد رئيس مجلس ادارة الشركة السودانية الكويتية للمقاولات والاستثمار المحدودة، اكد ان مشروع الميناء مشروع استراتيجي يربط الجنوب بالجنوب والشمال، ويتم تنفيذه خلال عامين.. وعدد رئيس مجلس ادارة (سوكيت) الفوائد الاقتصادية لمشروع اسماك بحيرة تركاكا من توفير فرص العمالة للالاف من ابناء الجنوب بعد صناعة البحيرات والمرابي واقامة المصانع، الي جانب نشاط الحركة التجارية بالمدينة وما جاورها.

وعن فندق جوبا السياحي قالوا انه صمم علي طريقة فنادق خمس نجوم في مساحة 24 الف متر مربع ويحتوي علي 400 غرفة وجناح فندقي، الي جانب 30 وحدة منفصلة التصميم تلائم البيئة الافريقية، بالاضافة الي ثلاثة مطاعم وقاعات مؤتمرات ونادٍ صحي للرجال والنساء وعدد 342 غرفة عادية و18 غرفة اخري بحجم اكبر الي جانب 16 جناحا صغيرا.. وقالوا ان تكلفة مشروع فندق جوبا السياحي بلغت 40 مليون دولار، ويكتمل العمل فيه خلال 18 شهراً. وقالت الشركة ان الفندق سيلعب دوراً كبيراً في المرحلة المقبلة بعد التدفق الكبير لرجال الاعمال والمستثمرين والسياح، مما يسهم بصورة كبيرة في دفع عجلة التنمية.

كل هذه المشاريع طرحت لاجل تنمية ولاية بحر الجبل باستثمار خليجي يدخل عائده الي خزانة الولاية مباشرة.
والان مضي عام او يزيد علي وضع حجر الاساس لهذه المشاريع ..
ترى اين وصل العمل فيها؟؟
وهل لا زالت الشركة عند اصرارها القديم بمواصلة العمل وسط احلك الظروف؟
هل من زائر قريب الي جوبا ليمنحني الاجابة؟

فندق جوبا السياحي كما اظهرته مجسمات الشركة

ميناء جوبا النهري

فندق جوبا السياحي من زاوية اخري.. لاحظوا الطرق ..

قبر الدكتور جون قرنق .. اعلام الحركةالشعبية ترفرف والحزن باد علي وجوه الزوار والجنود