التواصل الحضاري

التواصل الحضاري


06-12-2002, 12:21 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=1&msg=1023880898&rn=0


Post: #1
Title: التواصل الحضاري
Author: Al-Masafaa
Date: 06-12-2002, 12:21 PM

بقلم‏:‏ د‏.‏ جمال رجب سيدبي
جامعة قناة السويس


تؤكد حقائق التاريخ أن التفاعل بين الحضارات والشعوب قانون حضاري‏,‏ ومن ثم فليس من المعقول أن تنشأ حضارة من العدم‏,‏ وفي هذا السياق نشأت الحضارات والثقافات بين شعوب الأرض قاطبة‏.‏ والدراسات الانثربولوجية تشير إلي مثل هذه الحقائق‏,‏ أو أن هناك أوجه تشابه بين عادات وتقاليد الشعوب المختلفة‏.‏ كانت هذه المقدمة ضرورية لطرح إشكالية التواصل الحضاري بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخري سواء أكانت غربية أم غيرها‏.‏
لقد كانت هناك عوامل عدة أدت إلي ظهور الحضارة الإسلامية‏,‏ وعلي رأسها عقيدة التوحيد‏,‏ بما تحوي من مفهوم ومدلول لحقيقة الألوهية‏,‏ وعلاقتها بالإنسان الفاعل في الحضارة والتاريخ‏.‏ فنظرة الإسلام إلي الإنسان‏,‏ نظرة متوازنة فهو ليس مهمشا‏,‏ وليس مؤلها في نفس الآن‏,‏ وإنما هو الإنسان الخليفة‏,‏ أو النائب عن الله في الأرض وفي إعمار الحياة في جميع أشكالها‏.‏

وعلي هذا استطاعت هذه العقيدة‏,‏ عقيدة التنزيه للألوهية‏,‏ أو الله الكامل بكل معاني الكمال وعلاقتها بالإنسان الخليفة‏,‏ أن تقيم حضارة سامقة شهد لها التاريخ بالرسوخ والكمال‏.‏ ولم تبدأ هذه الحضارة في احتفائها بالعلوم من فراغ‏,‏ إنما تفاعلت مع الحضارات السابقة‏,‏ ولو نظرنا إلي تاريخ الدولة العباسية لوجدنا أن أهم سماتها وجود حركة الترجمة النشيطة في عهد الخليفة المأمون‏.‏
لقد كان الخليفة المسلم مهتما بترجمة علوم اليونان‏,‏ مثل طب أبقراط وفلسفة أرسطو‏,‏ وطب جالينوس وغيرها من الفنون والعلوم‏,‏ وكان من أشهر المترجمين في ذلك الوقت حنين بن اسحق واسحق بن حنين‏,‏ ولقد استوعبت أيضا هذه الحضارة العديد من العلماء من مختلف الملل والنحل من اليهودية والمسيحية والإسلام‏,‏ وعاشوا في كنف هذه الحضارة‏,‏ آمنين مطمئنين علي حياتهم ومستقبلهم‏,‏ لأن هذه الحضارة عرفت التسامح بأوسع معانيه‏,‏ ولم ترفض مبدأ التعايش مع الآخر‏,‏ بل شارك الآخر بفاعلية وتواصل في اقامة صرح هذه الحضارة‏.‏

من جانب آخر‏,‏ ان الحضارة الإسلامية‏,‏ لم تقف عند حدود التواصل مع السابق وإنما تأثرت وأثرت‏,‏ أقول تأثرت بالسابق‏,‏ كما أشرنا آنفا وأثرت في اللاحق كما سنشير لاحقا‏.‏
لقد كان لآراء علماء المسلمين في الغرب الدور الكبير في نقل الفكر العلمي والفكر الفلسفي‏,‏ مثل فلسفة ابن رشد والتي أثرت تأثيرا كبيرا في أوروبا في العصر الوسيط‏,‏ وكذلك الآراء العلمية لعلماء المسلمين‏.‏

لقد اعترف المنصفون من علماء الغرب بتأثرهم بعلماء المسلمين أمثال روجربيكون وغيره من العلماء‏.‏ وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن الحضارة الإسلامية بعلمائها ومفكريها كانت هي المشعل والمقدمة الضرورية لعصر النهضة في أوروبا‏.‏ ولعل الكتابات المنصفة من المؤرخين الغربيين لتؤكد مثل هذه الحقيقة‏,‏ مثل كتابات زغريد هونكه في كتابها شمس العرب تسطع علي الغرب‏,‏ وجوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب وغيره من كتابات منصفة في هذا الخط‏.‏
لقد آن لنا الأوان ـ نحن المثقفين ـ أن نعيد النظر في تاريخ الحضارة‏,‏ وان نقول عنها‏:‏ إن الحضارة الإسلامية‏,‏ لم تعرف الانغلاق أو الانكفاء علي الذات‏,‏ وإنما هي حضارة التواصل أو التفاعل مع الآخرين اعتقد أن ما قدمنا آنفا ليبرهن بالحجة والدليل أن حضارتنا حضارة تواصل لا انقطاع‏,‏ تعايش لا انعزال‏,‏ تنشد الخير للجميع‏,‏ والسعادة للبشرية جمعاء‏.‏