تأملات في استقلال السودان : تناسل الحلقات المفرغة ومكرورات التاريخ 2

تأملات في استقلال السودان : تناسل الحلقات المفرغة ومكرورات التاريخ 2


05-01-2002, 03:43 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=1&msg=1020264187&rn=0


Post: #1
Title: تأملات في استقلال السودان : تناسل الحلقات المفرغة ومكرورات التاريخ 2
Author: خالد عويس
Date: 05-01-2002, 03:43 PM

فى السودان كانت الاحزاب لبنة للمجتمع المدنى ، تناسلت عن مؤتمر الخريجين كجسم ثقافى واجتماعى للنخبة السودانية التى اتخذته ستارا لأنشطتها السياسية فى ضوء معطيات تشير لحزم الانجليز وامكانية ضرب اية حركة تحررية فى المهد ، ومع بروز اتجاهات الاتحاد مع مصر او الاستقلال الكامل عن دولتى الاستعمار انشق مؤتمر الخريجيين الى كتلتين كونتا فيما بعد حزب الامة كمنبر سياسى لدعاة الاستقلال بتحالف وثيق مع كيان الانصار ، والحزب الوطنى الاتحادى كذراع لدعاة الوحدة مع مصر وبوشائج سياسية موثوقة مع كيان الختمية ، وكانت تلك اولى علائم الشبهة حول المجتمع والمؤسسات المدنية ، اذ ان الحزبين اصبحا حكرا على قادة الكيانين ، ورغم ان نشأة الحزبين دللت الى مهد اكاديمى وصفوى الا ان عثرات المستقبل حدّت كثيرا من مشاركة المثقفين فى صناعة القرار السياسى داخلهما ، وانعزل معظم المثقفين فى منظومات صفوية تتصف بخطابات استعلائية ، فى ما اندفع بعضهم لمساندة النظم الشمولية ، اما الذين آثروا البقاء بالحزبين الكبيرين فقد اصبحوا مدجنين تماما لصالح المؤسسة السياسية ذات الاطر الموغلة فى تقليديتها دون ان يحاولوا كسر الطوق والخروج من مأزق العمل الحزبى المكرّس لجهة التكسب المرحلى واستجداء المناصب والالقاب ، والحق ان الجيل الذى صنع استقلال البلاد كان طليعيا اضطلع بمهمة عسيرة هى التوفيق بين المزاج الحاد الذى صبغ نضالات المهدية واستصحبها الذهن السودانى فى بادىء نضاله خلال الحقبة التالية ، وبين المتطلبات الحديثة للمطالبة بالحق المسلوب ، وكانوا طليعيين فى بناء احزاب لم تتسم وقتها بهذا القدر من الترهل والاختلالات الحادثة الآن ، ورغم ان تفكيرهم حيال المسألة السودانية برمتها لم يتجذر فى عمق القضايا الاستراتيجية ، وكان هذا خطأ فادحا ادى الى عثرة انقلاب نوفمبر 1958 م بسبب تواطؤ بعض رجالات الاحزاب وانشغالهم فى تصفية حسابات ذاتية ومن ثم تسليم مقاليد الحكم طواعية الى العسكر فاتحين بذلك شهية الجيش السودانى لتنفيذ سلسلة من الانقلابات تاليا بعضها تم بمرونة والبعض الآخر استلزم شلالات من الدم ، الا ان التاليين من قادة الاحزاب المنتمين الى النخبة عمقوا جراحات الوطن بتهميشهم القضايا الملحة واتفاقهم المستتر على استمرار التناحر وعدم مواجهتهم الحقائق الواضحة واولاها عبء استمرارهم فى قيادة الاحزاب مدد تتجاوز الثلاثين عاما فأصبحت بذلك المكاتب القيادية حكرا على مجموعات تعزل ما سواها وتقصى الطاقات الشبابية القادرة على احداث تغييرات ، واضحى الاحتفال بعيد الاستقلال تظاهرة خطابية وضجيجا من دون معنى اذ يحصر " المدّاحون" انفسهم فى تكرير ما قالوه ، ويمسى تناول تلك الحقبة من التاريخ محل تهريج ينكب فيه الخطباء على اسباغ الصفات البطولية على صنّاع الاستقلال ، ثم يرمون باللوم كله على الانقلابيين من دون ادنى اشارة لحجم التردى والفشل الناتج عن ممارساتهم واللامسؤولية التى يتحلى بها غالبية قادة العمل السياسى ، فهم وحدهم المسؤولون عن اقحام الجيش فى " لعبة" الحكم .
لا غرابة ان تتشابه المشكلات دون اى تغيير منذ 1958م الى 2002م طالما ان العقليات المتصارعة لم تطرأ عليها اية تغييرات ، وما دام لب الصراع متمحورا حول نيل المكاسب الشخصية ، وما المزايدات التى تدور الآن حول المشكلة السودانية الا من ذلك القبيل ، اذن فان النخبة التى فشلت فى استكمال الحلقات اللازمة للنهوض عقب الاستقلال هى ذاتها التى خلقت دوامة " الشمولية _ الديموقراطية" فى السودان رغم تشابههما فى كثير من التفاصيل ما عدا سقف الحرية ، والآن يشارف السودانيون اليوبيل الذهبى للاستقلال من دون تحقق معناه ، فالبدايات التى اتسمت بقدر غير يسير من عدم اتضاح الرؤية وسبر اغوار المجتمع للاحاطة بجوانب العلل والاستباق فى معالجتها وفق رؤية شاملة لا تنتج عنها اختلالات مستقبلية ، زرعت براعم صغيرة سرعان ما افرزت مشكلات تضخمت مع الزمن واستحالت الى كابوس مرعب ،، فمشكلة جنوب السودان المتأزمة لم تكن موضوعة فى الاعتبار حينذاك ليس بوصفها مشكلة سياسية تكشفت قبل الاستقلال بثلاث سنوات ، وانما الاخذ بالاعتبار قصر عمر الدولة السودانية الموحدة ، والتقاطعات الدينية والعرقية والثقافية التى كانت تستلزم رؤى اكثر نضوجا فى التنمية المتوازنة وتوزيع الثروات والسلطات ، اضافة الى تذويب ما خلفه الانجليز من جفوة كانت تتطلب عملا يحفر عميقا بدلا من الشعارات والتماسات السطحية والاغراءات التى قدمت لبعض السياسيين الجنوبيين واستقطابهم لشغر مناصب ثانوية فى الخرطوم واهمال المدن والقرى والثروات الجنوبية ، والتغافل عن اهم ما فى الجنوب من ثروات : الانسان ذاته ! ولا ابالغ ان قلت بأن تواطؤ من نوع ما وقع بين طائفة من السياسيين الشماليين والجنوبيين ولا زال حادثا الى الآن تضرر منه انسان الجنوب فى المقام الاول الذى لم يحظ ببنيات تعليمية وصحية وثقافية تؤهله للاضطلاع بمسؤولياته الوطنية ، بل ان الخطاب السياسى الشمالى ظل على الدوام يتعامل مع الجنوب بازدواجية ، تجامل فى الظاهر وتتعاطى مع انسان الجنوب بوصفه حالة خاصة تستوجب تعاملا خاصا وتستبطن استعلاء من ناحية ثانية بوصف ذلك الانسان مستضعفا فى السياسة والاقتصاد والثقافة و.... الدين ! وكلا الوجهتين تعاملتا بخصوصية اصبحت تشكل عائقا امام اى خطاب نقدى بحق السياسيين الجنوبيين أو العزلة الجنوبية ان صح التوصيف ، المسبار السودانى لم يتول مهمة الافصاح عن الاعماق والمكنونات بقدرما اشتغل بالظاهر واصبحت مناسبة الاستقلال تنافسا محموما بين المنبريين الذين يحاول كل واحد منهم نسب المولود السودانى الى حزبه او كيانه ، وتأليه الزعامات التى عملت على الاستقلال ، وبدلا من ان يكون الاستقلال ثورة قيميّة واجتماعية وثقافية ، اضحى نقطة نهاية بالنسبة للآمال التى لم تكن ترى سواه غاية تبرر النضال . الغائية الكامنة خلف الاستقلال سلبت السودانيين نعمة التفكير الجاد فى ما بعد الاستقلال ، والهتهم عن دراسة شؤونهم بجدية تتحرى واقعا اكثر اشراقا ، ومنحتهم لذة النهايات التى ما ان تبلغها امة او " حضارة" حتى تأذن بالافول ، ولابد من التسليم بأن الاستقلال أذن بفجر جديد لم يحسن الناس استغلاله ، ولم يهيئوا له الظروف كى ترفرف الراية التى رفعت فى 1956م معلنة استقلالا حقيقيا وحريا بالانعتاق ، وبعد 46 عاما على الاستقلال ها نحن نبحث عنه من جديد ، .... هذه المرة ليست من الانجليز ، وانما من عللنا وهزائمنا

Post: #2
Title: Re: تأملات في استقلال السودان : تناسل الحلقات المفرغة ومكرورات التاريخ 2
Author: Elmosley
Date: 05-02-2002, 00:48 AM
Parent: #1

انى على رأيك ، وعلى استعداد للتضحية بحياتى من اجل ان تقول رأيك
Elmosley