تأملات في استقلال السودان : تناسل الحلقات المفرغة ومكرورات التاريخ

تأملات في استقلال السودان : تناسل الحلقات المفرغة ومكرورات التاريخ


05-01-2002, 03:38 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=1&msg=1020263936&rn=0


Post: #1
Title: تأملات في استقلال السودان : تناسل الحلقات المفرغة ومكرورات التاريخ
Author: خالد عويس
Date: 05-01-2002, 03:38 PM

استقلال السودان : تناسل الحلقات المفرغة ومكرورات التاريخ
بناء علي طلب بعض الاخوة الافاضل للكتابة في الشأن السودانى بأمل أن يكون المقال موضوعيا
احتفل السودانيون قبل شهور بعيد استقلالهم للمرة السادسة والاربعين خلال حقبة تاريخية متقلبة منذ طوى السيدان اسماعيل الازهرى ومحمد احمد محجوب علمى بريطانيا ومصر ورفعا علم السودان ايذانا بعتق السودان من استعمار دام منذ 1899 م بعد تغلّب قوات اللورد كتشنر على عسكر الدولة المهدية التى كانت عانت اوضاعا داخلية متضعضعة سهلت مهمة اللورد البريطانى الذى ابتعثته لندن لتأديب من اعتبرتهم تطاولوا على التاج البريطانى ومحقوا قوات الملكة فيكتوريا ومرغوا انف الجيش الذى لا يهزم بالتراب عقب استيلائهم على الخرطوم وقتلهم الجنرال غوردون الذى كان يريد المهدى ابداله بأحمد عرابى المحتجز بالسجون المصرية وقتها ، ولم تكن السنوات الممتدة منذ دخول الجيوش البريطانية الى خروجها نعيما بالنسبة للشعب السودانى ، اذ ان التطويق الذى مورس بحق العناصر المتبقية من قادة المهدية وآل بيت المهدى لم تمنع اندلاع ثورات وحركات تحررية انتظمت ارجاء واسعة من البلاد وانذرت بتململ بين السودانيين خاصة ان المنهج الذى تعاملت به السلطات البريطانية بادىء الامر كان غليظا وماحقا ، فكان مصير الثائر عبدالقادر ودحبوبة وقادة اللواء الابيض وزعماء النوير مشابها لمصير ابناء الامام المهدى ، غير ان السودانيين وعوا الدرس بعدها وعرفوا ان طريق الخلاص يكمن فى التعامل الواقعى مع القضية ، وانه ما من سبيل غير اتباع طرائق استبعدت لغة المعارك واحلّت لغة حضارية متصلة بالنضال اليومى والتحاور مع المستعمر بقصد الوصول الى تسوية سلمية وهذا ما تحقق آنفا اذ ان استقلال السودان تم بأقل قدر من اراقة الدماء وحصد الارواح ، الامر الذى صنعه السودانيون تاليا ضد بعضهم بعد رحيل الانجليز .
تقلبات حادة شهدتها الساحة السياسية فى السودان منذ 1956م ، سبعة حكام جلسوا على المقعد الوثير فى القصر الجمهورى ، ثلاثة منهم عسكريون حكموا اضعاف ما حظت به احزاب متآكلة وواهنة ، اتجاه الى اقصى اليسار فى مطلع السبعينات وانقلاب لجهة اليمين المتطرف فى بداية التسعينات ، بنيات اساسية مدعمة فى الخمسينات تهاوت مع حلول السبعينات ونخرت من الداخل ، افواج من المهاجرين فروا بجلدهم الى شتى اصقاع العالم بعد حوالى اربعين عاما على استقلال بلادهم ، انهيارات اخلاقية فادحة وزيادة رهيبة فى نسب الفساد العام وظهور طبقات طفيلية قضت على الاخضر " فى مشروع الجزيرة" واليابس " فى الطريق الذى يتوغل جهة الغرب" ، المنظومات السياسية تعرضت لهزات كبيرة وانشقاقات تأسست على المماحكة والرغبة فى الاستئثار بالقيادة ، اقتصاد قوى وصامد فى وجه التحولات العالمية منذ عقود ، تضعضع تماما بفضل التوجهات الايدلوجية التى ضربت خصومها فى عقر دارهم فترهلت الخدمة المدنية ولحقت بها المؤسسات العسكرية والشرطية وتكسحت مؤسسات اقتصادية كبرى .
رؤوس الاموال الوطنية باتت تخشى رمى ثقلها فى السودان لتمارس دورا انتقائيا وعشوائيا فى الغالب ، الصحافة التى جاهدت كثيرا فى ان تصبح سلطة رابعة ابتلعتها السلطة الاولى فأضمحل دورها وتجردت من اهم لافتاتها : الصدقية ! المساحات الخضراء غابت خلف تلال الرمال والزحف الصحراوى وانعكس ذلك على الثروة الحيوانية فاضطر الملايين للبحث عن ارزاقهم فى مدن لا تضمن ذلك لساكنيها فتكدس غالبية السودانيين فى المدن وافرغوا القرى والارياف فكانت النتيجة الحتمية ممارسة مهن هامشية لا ترفد الاقتصاد القومى بأى عائد ، القضية المعقدة التى اشتعلت فى 1953م لم تطفأ حرائقها الى الآن واصبحت بيد " ايقاد" وواشنطن اكثر مما هى بأيدى السودانيين .
"ثم ماذا بعد" ؟ ...... سؤال فى غاية الاهمية كان لابد ان يطرح صبيحة الاستقلال ، تأخير طرحه الى الآن هو الذى ادى لكل ما سقناه بادئا ، فالثوار الذين صاغوا حلم الاستقلال كانوا على قدر التحدى المرحلى لكنهم اخفقوا فى مايتعلق بالاستراتيجى وهو الاهم ، والسودانيون انشغلوا ردحا طويلا من الزمن باجترار مكروراتهم حول الاستقلال وكأنه الهدف النهائى سيما انه نتج عن كفاح حزبين كبيرين فى المقام الاول بعكس ما جرى فى بقية بلدان افريقيا اذ ان المؤسسات العسكرية والنخبة لعبتا ادوار حيوية فى صوغ الاستقلال الافريقى ،