الآن تنتحب النسائم -- وداعا إبراهيم عبد الكريم

يا سكان بطن الأرض لو يقبل الفدا *** فدينا وأعطيناك ساكن الظهر
قيا ليت من فيها عليها، وليت من عليها *** ثوى فيها مقيما الى الحشر

يا إبراهيم،

لا يكون البكاء إلا من متصل، فإن إشتد الحزن ذهب البكاء، فاليوم، نندب عهدا قريبا وسفرا بعيدان فوالله ما تهب النسمات من الوطن إلا ونجد وجهك وصوتك وعبير نفحك الفواح بطيب الحديث وطيب القول.

يا إبراهيم،

قد كنت سخيا بالجمال، بخيلا عن القبح، والآن شغلنا بالحزن لك عن الحزن عليك، الآن من يعللنا بعد نوح النوائح وقبل إطلاع النفس على الجوانح.

قد كنت القائل والفاعل، كنت حر الشتاء وبرد الهواء، حامى الحقيقة، محمود الخليقة، سوى الطريقة، فوا لهف نفوسنا عليك.

نعرف أنك تبارحا إلينا، مقيم أنت فى أرواحنا، ساكن فى براحنا، بلسم لجراحنا وكأس راحنا، فكيف الوداع يكون، وأنت كنت من تكون.

يا إبراهيم،

من لنا الآن فى هذا البلقع الحادق اليباس، يبلل مسامعنا بشجو كرومة الكروان، وتجلى الحاج سرور جالب السرور، وعذوبة الأمين برهان الجمال والشدو الفريد.

كنت الوحيد الأوحد الذى يحاول سرقة لحظاتنا أمام تلك الشاشة التى قلما تجود لنا بما يستحق أن نمنحه وقتا، فكنا نسلمك لحظاتنا وساعتنا طائعين منجذبين، يفصل بين وجهك ووجوهنا أفق هو الطرب والسماحة والقول الرزين المصفى، فيستحيل ذلك الحيز جسرا من الحب، يا واهب الحب.

الآن أنت مع بقية الألق الفريد، على المك، وأبو داود، فبلغهم منى السلام وقل لهما إنا على عهد الجمال والفرادة والبهاء والتميز باقون، وبلغهما قول المدائنى

لكل اجتماع من خليلين فرقة *** وكل الذى دون الممات قليل
إن افتقادى واحدا بعد واحد *** دليل على ألا يدوم خليل

كما وتحيتى وسلامى لصالح،وقل له، يا جوهر صدر المحافل، الآن فارقنا إبراهيم
وتحيتى للخليل، وقل له، جاءك اليوم إبراهيم حافى حالق، من علايل ابروف للمزالق، ومن فتيح للخور للمغالق، بكل الطرق الجميلة، والسلام يا خليل السلام
وتحينى لعمر، و أبلغه أن ام درمان اليوم ثكلى، وإمتى ترجع لأمدر تعودا، واشوف نعيم دنيتى وخلودا
وتحيتى لبطران ايضا، وقل له، إن إبراهيم قد خلقه مولاه زينة للكون، وأن صدورنا الآن مزامير، والدموع شربنا، لكننا، سننطرب كلما خطر ذكره بنا

أخبرنى الحزن ليلة أمس، أن قد قبض فينا الليلة رجل، لم يبزه الأولون ولن يدركه الآخرون، فلنعم الروح روح ضمها بدنك، ولنعم البدن بدن ضمه كفنك، وكيف لا، وأنت آخر الرحيق وبقية روح الأحباب جميعهم.

اللهم قد نزل بك عبدك إبراهيم،
مقفرا من الزاد،
مخشوشن المهاد،
غنيا عما فى ايدى العباد،
فقيرا الى ما فى يدك يا جواد

وأنت يا ربى خير من نزل بك المؤملون،
واستغنى بفضله المقلون،
وطمع فى سعة رحمته المذنبون،

اللهم فليكن قرى عبدك منك رحمتك، ومأواه جنتك


فلئن بكيناه لحق لنا *** ولئن ركنا ذاك للصبر
فلمثله جرت العيون دما *** ولمثله جمدت فلم تجر

والسلام عليك حيا وميتا

اللهم أجعله بقربك كما كان بقلوبنا ِأعلم أن عودتي قد طالت ولكن أرغمني الحدث الجلل على تجاهل كل مشاغلي بحثاً عن المواساة

نسال الله ان كان محسنا
ان يزيد في احسانة
وان كان مسئيا ان يتجاوز
عن سئياته
وان يسكنه
فسيح جناته مع الصديقين
والشهداء
وحسن اولئك ر*فيقا

انا لله وانا اليه راجعون

له الرحمة وللجميع حسن العزاء