هكذا تموت بلدنا

هكذا تموت بلدنا


04-24-2002, 09:50 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=1&msg=1019681420&rn=0


Post: #1
Title: هكذا تموت بلدنا
Author: Elkhawad
Date: 04-24-2002, 09:50 PM


شيمتنا الصمتُ

د. زهير السراج


*لا أدرى من أين أبدأ... وكيف أبدأ، وماذا أقول.. وكيف أقول؟

*هل ألولول مثل النساء في بلادي عند موت عزيز، أم أرفع أكفي واتظاهر بقراءة الفاتحة.. مثلما يفعل الرجال.. ثم أجلس لاصطياد النكات وأكواب الشاي؟ أم اتمرد وأصرخ وأتمرغ بالتراب.. وأخرج عن ملابسي مثل ما يفعل المجانين؟

*وهل سيصلح كل ذلك ليبقى (النيل) في مكانه، ولا يخرج باحثاً عن مأوى في وطن آخر.. بعد أن اعتدت عليه في مرقده الآمن وحوش الزمن الردئ تقضم منه قضمة إثر قضمة، وتهيل على جسمه الرقيق الكتل الخرصانية، وارتال الحديد؟

*مهما حباني الله من موهبة الخيال.. لم اتخيل أن يأتي يوم يصبح فيه نهر النيل النيل أو رافده العظيمان عرضه للبيع والبهدلة والخصخصة والاستخصاص.. مثلما يحدث الآن للنيل الأبيض.. في أجمل وأعظم أماكن جريانه.. واكثرها سحراً وألقاً.. وهو المكان الذي يسبق مباشرة اقترانه بالنيل الأزرق.. غرب فندق الهيلتون وحي المقرن الخرطوم.

*تخيلوا.. كم هو ظالم هذا الإنسان الذي لم يجد مكاناً في أرض المليون ميل مربه.. غير مجري النيل ومرقده... مكاناً للعبث.. ورص الكتل الخرصانية، وأكوام الحديد.. لتصبح ملاذاً للأثرياء، وفيلات لعلية القوم.. وفندقاً خمس نجوم ومطاعم وكافتيريات يملتئ المكان المحيط بها بأكوام القمامة والقاذورات.. والعبوات البلاستيكية الفارغة.. وأكياس النايلون.. وفضلات الإنسان والحيوان؟

*وحتى لو لم يمتلئ المكان بالقاذورات والفضلات.. وبنيت على مرقد النيل أجمل المنشآت.. فمن أعطى الحق للولاية للاعتداء على النيل والطبيعة.. وحرمان السودان من أجمل منظر طبيعي حباه به الله.. منظر النيل الأبيض وهو يتهادى للقاء قرينه الأزرق؟

*من أعطى الحق للولاية- مهما كان الكسب والأرباح المادية.. للتقتطع من النيل الأبيض أجمل مكان وتردمه بالرمل والخرسانة الخرساء والحديد، وتحوله إلى فندق خمسة نجوم.. أو حتى عشرة نجوم... وما الذي يجتذب السياح، وينشط السياحة ويعود للولاية والبلد بملايين الدولارات غير المناظر الطبيعية الخلابة.. وسحر النيل الأبيض.. ومنظره الخلاب.. وهو يتهادى للقاء الأزرق؟ أم هي أكوام الحديد والسيخ والرمل؟

*ما الذي أعطى الحق للولاية، لتحوّل مرقد النيل الأبيض إلى أماكن تكتظ بالناس فينهشون ما تبقى من جسد النيل.. ويقضون على البقية الباقية... من ما تبقى من مدينتهم المختضرة.. ويجرؤ السادة.. أصحاب الشأن بعد كل هذا الخراب الذي سيحدثونه.. على تسمية هذه الكارثة بـ(الخرطوم الجديدة) ويل الخرطوم الجديدة.. وويل الخرطوم القديمة وويل النيل مما يفعلونه.

*وبعد النيل الأبيض.. أيها السادة... سيأتي الدور علىغابة الخرطوم.. وقد سمعت هذا بأذني من مسئول كبير بولاية الخرطوم.

*ولن يكون مفاجئاً لنا أن نصحو ذات يوم.. ونجد كل مجرى نهر النيل، والنيل الأبيض.. والنيل الأزرق... وكل غابات ومراعي ومحميات هذه البلاد.. في جوف الغول الذي لا يرحم.

*الغول الذي لم يكتفي بالتهام مصانع الأسمنت، والسكة حديد.. ومشاريع النيل الأبيض والأزرق. والأسواق الحرة.. وسودانير. وإرادة الشعب والشعب نفسه.. فبدأ الآن في التهام النيل.. والقضاء على التاريخ والجغرافيا والطبيعة والحضارة.. والحياة.

*أيها النيل الأبيض.. ليس لدي ما أفعله لك سوى أن أرفع كفي واتظاهرة بقراءة الفاتحة على روحك.. ثم أجلس.. لاصطياد النكات البايخة، وأكواب الشاي.

*وأبخل عليك حتى بمجرد دمعتين.. أحبسهما في مقلتي.. ولا أدعهما تنزلقان على خدي.

*فالبكاء ليس من شيمة الرجال.. وإنما شيمتهم الخنوع والاستسلام والسكون.



sudaneseonline.com