حوار الحضارات / ملاحظات تستدعى البحث

حوار الحضارات / ملاحظات تستدعى البحث


03-18-2002, 08:13 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=1&msg=1016435601&rn=0


Post: #1
Title: حوار الحضارات / ملاحظات تستدعى البحث
Author: خالد عويس
Date: 03-18-2002, 08:13 AM

زاوية فكرية

ندوة حوار الحضارات بالسعودية
ملاحظــات اساســية تســتدعى البحــث
الرياض _ خالد عويس
ثمة ملاحظات جديرة بالتوقف عندها تقترن بطرح اسئلة كبرى من خلال الندوة الفكرية المخصصة لبحث مسألة شائكة يتداخل فيها الفكرى والسياسى والاقتصادى ليشكل نواة الوجود الانسانى بوجهيه " الخيّر والشرير" برغم نسبيتهما ، على سطح الكوكب الارضى . افتراضات متقاطعة تلوح عندما يعكف الباحث على حل جدلية الحضارات ، فليس ثمة ما ينفى واحدية الحضارة الانسانية وهندستها رأسيا فى شكل طبقات ، اودعت كل طبقة اسرارها وخلاصاتها لتاليتها " فضلا او امرا " ، وافقيا باحتفاظ كل المكونات العرقية والاثنية لحضارة ما بملامح تأبى الفكاك حتى فى حالة تغيّر العصر والظروف ، وليس ثمة ما ينفى احتدام الصراع بين مكونات مختلفة لحضارة واحدة ، او لحضارات متشاكلة تصبح نقطة ثيوقراطية او ثقافية " او حتى اقتصادية " عاملا للتفريق والتشاحن ، وليس ثمة ما ينفى ان حضارة المستقويين دائما تمارس نوعا من الاستعلاء على حضارات المستضعفين فى زمن ما مؤدية الى خلخلة فى المفاهيم ومحيلة صراع " المجاميع الكلية" الى صراعات متشبثة بقشور قابلة للحلحلة فى حال مارس العقل دوره بعيدا عن المؤثرات النشطة لجهة الثيوقراطى خاصة "او حتى الجيوسياسى" . التناقضات بين الحضارات امر مفروغ منه ، لكن المصير المشترك للانسانية على سطح الارض يستدعى نوعا من "التفاهم الحضارى" على الحد الادنى من استيعاب "الآخر" بدلا من تدجينه ، ومحاورته بدلا من تحقيره ، وملاقحته بدلا من مساومته ، والذى يجرى الآن لا يخرج عن نطاق النقاط السابقة ، ولا يعنى هذا ان حضارة بعينها هى المقصودة بالامر ، متى يعترف "الآخرون" بأنهم مهووسون تماما بفكرة افضلية الحضارة و"اخلاقيتها" ارتهانا للماضى ؟، ان الحضارات فى غالبها لا تحمل قدرا من التواضع بحيث يسهل " التواصل الحضارى" ومعظمها يتقوقع على الذات فى انكار كامل للمنجز البشرى خارجه ، ويعمد الى نبش السقطات والعثرات للتأكيد على ديمومته ، وفى ظل انهيارات اخلاقية جسيمة تعانى منها " الحضارة الارضية " ، تتقدم حثيثا القيّم المادية ، ليس لأن حضارة مادية فرضت الامر على حضارات روحانية ، لكن ، لأن واقعا جديدا طرأ على الارض ، ومفاهيم جديدة وثبت الى العقول ، وديناميكيات فرضت حركتها ، واشكالات دعت لتخفيف الاطر الروحية لصالح " العمل والانتاج" ، وتعقيدات ادت لتكوين مجتمعات مادية فى طول العالم وعرضه ارتكازا على الانتاج والاستهلاك ، واطلت المصالح على حقل التنافس الحضارى ، فتبدلت القيم نفسها مجارية التاريخ الجديد للولادة الانسانية ، القيم الجديدة فى حقيقتها صادمت ثوابت قيمية وصادرت حقها فى العيش "الجديد" ، اما ان تذعن للواقع او تصادمه ، التقدم الذى صارت اليه "جغرافيات" بعينها ، لا تصلح متوالياته قطعا فى جغرافيات اخرى تحدد مسارات تطورها وفقا لظروف لا تستند الى حيثيات الجغرافيات الاولى ، العالم الشمالى انتفت عنده اشكاليات "الانتماء" و" الانتاج" و"التحفيز" وتوّضحت اشكاليات اخرى بالافراط فى المادية والتواطؤ على الروحانية ، والعالم الجنوبى قامت اشكالياته على "الانتماء" فاما ان ينتمى للحضارة بزعمها الجديد "شمالا" ويحصل على حقوقه كاملة ، او ينتمى للجنوب فاقدا "حقه الحضارى " وعائشا فى خارطة ماضوية تباعد عنه "المعرفة " و" التقدم" ، تفرّخ الارهاب عن هذا المناخ فى مستويات عدة :
مستوى الارهاب الذى مورس بحق شعوب بأكملها بزعم حملها على التقدم وفى حقيقته اخفى نزعات استعمارية قصدت استغلال الثروات وتطويع الحضارة لصالح الحضارات المستعمرة ، ومستوى الارهاب الذى يمارس بحق الشعوب بزعم حمايتها من اختراقات المستوى الاول بعد رحيل جنوده والابقاء على مدوناته الثقافية واطره النظرية ، ومستوى الارهاب بزعم ان المستوى الثانى تخلى عن ثوابت حضارية وانصهر فى المستوى الاول مشكّلا حلقة واحدة وضرورة محاربة المستويين بالقدر ذاته من الصرامة ، ومستوى اخير بعودة المستوى الاول لانزال اقصى قدر من العقوبة بحق الذين ثاروا عليه . المستويات المختلفة من الارهاب المتوّلدة عن شروط حضارية مختلة ، تضمنت اجندة فكرية وثقافية واقتصادية وعسكرية جردت الانسان فى الجنوب والشمال من كرامته وحقوقه الطبيعية ، الجنود الذين قاتلوا فى "فيتنام" سيقوا اليها بمبررات تطعن فى نزاهة الحضارة ، كذلك معظم الحروب التى يقررها صنّاع السياسة ويحشر بها آدميون بحجة "الحق الحضارى " او ربما "تهذيب الشعوب" ، والشعوب التى تجلد صباح ومساء وتقطع السنتها الى الابد ، لا تخرج عن كونها تروس فى الآلة الحضارية المزيفة ، والذين ابتلوا بالهوس الحضارى ليشنوا غارات على مواطنيهم وعلى الغرب فى عقر داره ، ليسوا مجرمين بالفطرة وانما حمولاتهم الفكرية الاساسية ترتهن الى " عامل حضارى " فرّخته عوامل داخلية وخارجية هادمة ، والعنصرية التى "تتحلى" بها امم بأكملها ليست ناشئة من فراغ ، انما هى حالة حضارية تمثل اقصى طاقات الدفاع وعزل الآخر ، ودعنى استعرض نموذجين حضاريين ، الاول ، ما كتبه الكاتب الاميركى ريتش لورى عن ضرب مكة المكرمة بالاسلحة النووية ، وقد سبقه الى ذلك كاتب اسرائيلى فى "اسرائيل من الداخل" Israel insider ، يتوقع ان تتبعه حملة شعواء ضد مثل هذه المفاهيم الساذجة التى تعمّق العداء بين الحضارات ، حالة لورى ، تحاسب عليها حضارة بأكملها وتعطى انطباعا بأن الغرب كله متهور ومنحط ، مثلما يتصور الغرب ان كل المسلمين "بن لادن" ، النموذج الثانى ، نقيض لما كتبه لورى ، رسالة من الرئيس نلسون مانديلا الى الصحفى توماس فريدمان ، يستعرض فيها الاول نظرته حيال فلسطين الناتجة عن شعوره هو سابقا بوبال العنصرية ومضارها وضرورة ان يتسع العالم للجميع لتحقيق السلام والامن ، مطالبا فريدمان بأن يعتبر بما جرى فى جنوب افريقيا حيث اتخذ قرار "جماعى" لانهاء العنصرية ، مانديلا لم يحصر العنصرية فى رسالته لفريدمان فى العنصرية البيضاء ، فهو اشار الى العنصرية السوداء كذلك ، وغنى عن القول بأن مانديلا كان يفنّد ادعاءات فريدمان ودفوعاته عن عنصرية اليهود ، المثال الاول قادم من الشمال ، مدللا الى ان الحضارة العظيمة لا تبّشر بالضرورة دائما بأفكار "حضارية" خلاقة ، المثال الثانى قادم من اعماق قارة وصفت على الدوام بالجهل والتخلف ، لكنه مثال يبيّن ان التجربة الانسانية قادرة على خلق نماذج متوازنة فى قراءاتها الحضارية ، هما مثالان لا يقللان من اهمية ادراك ان جوانب كثيرة تقف الى جانب حضارة ما ، لكنهما يوضحان بجلاء ان تصويبات اساسية قد تدخل على مفاهيم حضارة متقدمة من خضم مخزون حضارى اكثر عراقة واوفر فهما للتجربة الانسانية المتسعة ، من ذلك تتأكد حقيقة اهمية التواصل الحضارى ، وهى لا تتأكد فقط من مجرد طرح مثالين ، انما يعمّق المثالان رؤية الواقع الانسانى القائم على المساواة حتى فى الشروط الحضارية ، واولوية التناظر الحضارى بدلا من الهدم ، لأن الحضارات "المتقدمة" آنيا ، هى بحاجة الى جهود حضارات اخرى داعمة ، وللتخلى عن مفاهيم نتجت عن تقدم حضارات وتقهقر اخرى ، يلزم شيئا من التواضع الخليق بانسانية بلغت شأوا بعيدا من الادراك والمعرفة ، ويلزم شيئا من المؤازرة الحضارية بحيث يسود مناخ اعترافات متبادلة بالانجازات وحاجة الانسان لمعرفة الآخر ومحتواه الحضارى وتجربته الانسانية حتى لو كنا ننظر اليها بشىء من التحقير والازدراء ، فمن وسط المستنقعات الآسنة واكوام النفايات فى جنوب افريقيا ، خرجت افكار عجزت عنها قاعات باريس الفخمة ومصانع يوركشير ، تنادى بالحق الانسانى فى ان يعيش المرء من دون عقد عنصرية .