الدكتور نزار غانم تحية طيبة لعلها ستكون أشق مهمة أن أنقل إلى بولا خبر رحيل إنسان له مكانة عزيزة في قلبه، وبه شوق كبير ليلتقيه. هو الآن في مكان عمله، وربما يطّلع على صفحات المنبر من هناك. لذلك سيكون أخفّ وطأة عليه أن اتصل به. أكتب الآن إليك وانا اغالب دموعاً كثيفة، وأنا التي لم ار سعيد دحي، وإنما سمعت صوته اكثر من مرة على الهاتف واسمعني بعضاً من شعره، ولا زال صوته يرن في اذني. فكيف بالله ببولا صديقه الذي يكن له الود كله؟ لك عزائي الحار ولأسرة سعيد ولأصدقائه الكثيرين بالسودان ومن بينهم أعضاء بهذا المنبر، منهم النور حمد، وبشرى الفاضل، وطلحة السيد، وعثمان عووضة.
الأخ العزيز الدكتور نزار غانم، أخلص تحياتي وعظيم إعزازي،
كم أنا عاجزٌ عن شكرك، على الرغم من فداحة النبأ ومرارته. إلا أن مرارتي وفجيعتي كان من الممكن أن تكونا أثقل وطئا، وأكثر نأياً عن قدرتي على الاحتمال، لو أنني سمعتُ بنبأ وفاة سعيد بعد مضي سنوات، كما يحدث لنا عادةً في هذه المنافي القاسية. وشكراً لك أيضاً لأنك جعلتني من أهل الوجعة، وأنا كذلك من دون شك. فقد كان سعيدٌ مني بمثابة الأخ والصديق الحق، ورفيق دروب الوعي النقدي الضرِسة الوعرة.
أكتب هذا وأنا في حالٍ من الزلزلة لا يمكن تصوُّرُها. وهي زلزلةٌ حاولت ُ وما أزال أحاول كبحها بمنطق القبول بالموت كحقيقةٍ لا مفر منها، ولا أفلح، ولن أفلح. بل وسأظل أتمنى وأُجهد نفسي في أن لا تفلح في القبول بموت سعيد، لأن مثله منذورٌ للحياة أصلاً، حتى وإن ضمت جسده طيات القبر الضنينة. وهو المعنى الجليل في ثقافاتنا الذي عبر عنه المثل الشعبي "الحي في قبره حي". وأنا أطمع في عفوك، وعفو أسرتَي سعيد الصغرى، والممتدة، عن قصور عباراتي في هذه اللحظة الفاجعة عن الوفاء بحقه عليَّ، وعلينا نحن جميعاً من أساتذتة وزملائه في والعارفين بفضله في، ساحات ومنابر حنتوب الفكرية والإبداعية، وفي غيرها من منابر حركة الاستنارة في الساحات الثقافية السودانية.
كان سعيد في حوالي السابعة عشر من عمره عندما التقيته للمرة الأولى، فكم أذهلني نبوغه المبكر الذي لم تَفُتْني ملاحظته من اول وهلة. وبعد لحظاتٍ قليلةٍ من بداية لقائنا ذاك هُيئَّ لكلينا أننا نتعارف منذ "الأزل". وأنا لا أستطيع أن أتصور الآن، ولا من قبل، أن حياتي عَرِفَت لحظاتٍ لم يكن سعيدٌ حاضراً فيها.
التقينا فيما بعد في الإمارات، بمدينة "أبو ظبي"، التي جئتها زائراً بدعوة من الصديق الشاعر حبيب الصائغ، وقضيتُ فيها أسبوعين كان أمتع ما فيهما لحظات اللقاء شبه اليومية بسعيدٍ، بعضها بالفندق وأكثرها بدراه.
وقد كان سعيدٌ بنظري، وسيظل بنظري ما حييت، أحد النماذج العالية لتصوري للمثقف المبدع الحق، على المستوى "الموضوعي"، والصديق الحق على المستوى "الشخصي".
وأكرر اعتذاري مرة أخرى عن عجز عباراتي الجرداء من البلاغة والفطنة، عن الارتفاع إلى قمة عُلُوِّهِ الشاهقة.
وأتمنى أن يكون بمقدورك أن تدلني على وسيلةٍ للاتصال بزوجته وأبنائه وأهله، لعلني أستطيع تقديم نذرٍ من العزاء المستحق لهم في فقدهم الجلل، والوفاء بقدر ضئيلٍ من أفضال سعيد السابلة على شخصي.
مع أحر تعازيَّ لك ولكل الإخوة والإخوات اليمنيين واليمنيات الذين يعرفون قدر هذا الشاعر المبدع، والمثقف الحق، الذي فقدوه وفقدته بلادهم وبلادنا جميعاً، نحن الذين نطلع إلى بناء حاضرٍ ومستقبلٍ إنساني أفضل لكل بين الإنسان.
* سأبعث إليك بعنواني، وهاتفي على بريدك الإلكتروني. وأنا لا أملك للأسف عنوان الصديق ألياس فتح الرحمن ولا رقم هاتفه الحاليين. إلا انني لن أجد صعوبةً في الحصول عليهما فيما أتصور.
الاخ نزار غانم والاخ عبد الله بولا عثرت على تلفون سفارة اليمن فى دبى.. ارجو ان يسهل ذلك سعيكم.
Name YEMEN, CONSULATE GENERAL OF THE REPUBLIC OF, - (IN DUBAI) Telephone 971(4)520213 Fax 971(4)522901 ــــــــــــــــــ
وهنا نعى جريدة البيان الاماراتية للكاتب سعيد محمد دحى عليه رحمة الله **** الخميس 11 رمضان 1421 هـ الموافق 7 ديسمبر 2000
رحيل الاديب اليمني سعيد محمد دحي
توقف قلب الاديب اليمني سعيد محمد دحي فجأة معلناً الرحيل عن عالمنا, وقد صدمت الاوساط الادبية والصحفية في دولة الامارات لهذا الغياب المفاجئ للكاتب سعيد الذي امضى ربع قرن في صحافة الامارات دون ان تفارقه الابتسامة والدعابة ودماثة الخلق.
وقام حشد من زملاء الكاتب الراحل بتشييع جثمانه حيث ووري الثرى في ابوظبي, وتحدث الكثير منهم عن مناقبه وروحه الابداعية وحماسه للعمل, فقد امضى الراحل اكثر من 25 عاماً من عمره الذي تجاوز الـ 60 عاماً متنقلاً ما بين صحف (الفجر) و(الوحدة) و(الاتحاد) الى ان استقر به المطاف في مجلة (الدفاع الخليجي) التي كان يعمل بها سكرتيراً للتحرير منذ عام 1994.
وطوال هذه الفترة لم تأخذه الصحافة العسكرية من واحة الادب والشعر وظل قلمه الغزير ينبض بالابداع شعراً ونصوصاً ادبية.
ونظراً لعمله في حقل الترجمة فقد استطاع ان ينقل للقارئ العربي نصوصاً ادبية وفكرية عن واقع الغرب وحضارته المادية, وكان الكاتب الراحل قد جاء الى أبوظبي عام 1977 قادماً من عدن ولم يتمكن من العودة للاستقرار هناك وظل يعمل في الصحافة الاماراتية الى ان فاجأه القدر المحتوم مخلفاً وراءه عائلة كريمة ورصيداً أدبياً ومعنوياً نابعاً من احترام كل من عرفوه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة