|
دعوة للتسكع في أفكاري
|
من لي بوفاء يكون في حجم الدنيا ليستعصي على شماتة الشامتين و»قوالب « الكائدين ، ويواجههم بعناد الأوفياء الذين يكون النصر حليفهم في النهاية بحسن نيتهم العميقة الصافية التي تتكسر عليها جميع أنواع الخبث والمكر . ستجد هذا الوفاء ، بكل كبريائه وعنفوانه وبهائه ؛ بكل ثقله وخفته ، حاضرا في القلوب الكبيرة التي لا ياتيها »الدغل« بين ثناياها ، وفي النفوس العزيزة التي تلفظ القبح وترفض المسخ في أي موقع كان وفي أي مكان ، لأن الوفي يبقى متشبثا بوفائه ولو وضعوا الشمس على يمينه والقمر على يساره على أن يْحوّل قلبه إلى »جوطية« ترتع فيها جميع أشكال البضائع الفاسدة التي تْرد إلى أهليها ، وهم يعضون على أصابعهم من الندم ، ويقولون : » بضاعتنا رْدّت إلينا «. أشفق كثيرا على نفسي ، وعلى نفس من أْعز وأحب ، حين أرى إنسانا وقد ارتضى أن يجعل من نفسه بضاعة تلوكها الأيدي قبل أن تعجنها الألسن بما انحط وفسُد من سوء الكلام الذي يترك أخاديد وجروحا غائرة ، من الصعب أن تندمل ، في النفس البشرية . لكن هذا الإشفاق قد يتحول ، في لحظة ، إلى احتقار لذاك الإنسان الذي يهوى الانحدار إلى درك التفاهة ومستنقع القذارة ، بل تراه يقبل اليد التي تدفعه لهذا السقوط ، ويعضها ــ وكم هي نقية تلك اليد التي تمتد إليه في محاولة لإنقاذه من برك الوحل الغارق فيه حتى الأذنين . هي دعوة أوجهها عبر هذا القلب الذي لم يتبقى منه إلا مساحة صغيرة لم تصبها سهام الغدر ولا سيوف الخنوع ولا منجنيق النكران ... هي مساحة صغيرة في نظر البعض ولكنها في نظر صاحبها تكفي لكل من يحكم العقل قبل القلب ..
|
|
|
|
|
|