|
|
 "الوازا".. موسيقا الأفراح والأحزان عند قبائل البرتا
|
وسيلة للتعبير عن أحلام السودانيين بصوت مسموع
"الوازا".. موسيقا الأفراح والأحزان عند قبائل البرتا
الخرطوم- محمد عبد الرحيم:
تتداخل الحياة في بعض مناطق السودان مكونة نسيجاً غريباً من الإيقاع الاجتماعي ويحدث في أحايين كثيرة اختراق للبيئة المشكلة الرئيسية للشخصية الاعتبارية للمجتمعات الريفية وتبرز نتيجة هذا الاختراق تفاصيل ثقافية لم تكن متوقعة ولم يخطط لوجودها في الخارطة الثقافية والاجتماعية لمجتمع الريف السوداني المتباين وهذا ما حدث بالضبط عندما حاول المختصون في علوم التاريخ والموسيقا تتبع آثار موسيقا الوازا عند قبائل البرتا التي تتخذ من مناطق جنوب النيل الأزرق وطنا صغيرا لها وبالتحديد في المنطقة قرب الحدود السودانية الأثيوبية.
والمنطقة التي تعيش فيها تلك القبيلة تعتبر منطقة وعرة صعبة التضاريس تغطيها الغابات الكثيفة وتسود فيها الأمطار أغلب فترات السنة مما يجعلها بيئة صالحة لنمو ووجود تنوع إحيائي فريد في مجال النباتات، وبرغم قسوة تلك البيئة وصعوبتها إلا أن المنتوج الثقافي لقاطني تلك المنطقة لا يتناسب في أحايين كثيرة مع شكل ومضمون تلك البيئة حتى صار البعض يطلق على ساكني تلك المناطق بعد دراسة بعض الأنماط الثقافية السائدة “بمثقفي الفطرة” استنادا إلى بساطة الثقافة السائدة وتناغمها مع إيقاع الحياة لدرجة تقتل التوتر الناشئ عن الفراغ في أغلب الأوقات.
وهنالك عناصر أخرى ساهمت في نشوء ثقافات جديدة بتلك المنطقة من بينها التواصل الثقافي والتبادل الاجتماعي والتمازج الذي يحدث بين القبائل الموجودة على الحدود.
ولم تكن “الوازا” إلا تعبيرا عن هذا الواقع كواحدة من الآلات الموسيقية ذات الأداء الجماعي لمجتمع صغير عبر عن نفسه بموسيقا حيرت علماء الموسيقا بسبب سرعة تطورها وانتشارها في زمن وجيز بين قبائل البرتا فالرحالة الذين طافوا مناطق السودان تحدثوا عن آلات موسيقية بخلاف الوازا عند البرتا كالربابة ولم يذكروا شيئا عن الوازا لكن الرواة بمناطق قبائل البرتا ما زالوا يتحدثون عن كيفية وجود أبواق الوازا ويرجعون أصولها وبداياتها إلى منطقة فرص فاقوشا وكاميلي داخل الأراضي الأثيوبية وعن طريق التبادل الثقافي بين القبائل الموجودة على الحدود انتشرت الوازا لباقي بطون وفروع قبائل البرتا حتى صارت جزءا أصيلاً من ثقافتهم والإشارة الحقيقية والمؤكدة حول الوازا سجلت بقرية قوني قرب الحدود السودانية الأثيوبية التي شهدت صناعة أول أبواق الوازا في عام 6591 وصارت فيما بعد أحد المراكز المهمة لصناعتها.
صناع الوازا:
تحتاج صناعة أدوات الوازا إلى مهارة من نوع فريد وبحكم وجودها الحديث داخل مجتمع البرتا.
ويشير علي الضو من معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية التابع لجامعة الخرطوم إلى أن صناعة آلات الوازا تتم بطرق فنية معقدة وممتدة وتصنع أبواق الوازا من نوع خاص من القرع “بخس” يطلقون عليه “اقو” وهو مخروطي الشكل وينمو بأحجام وأطوال مختلفة.
وللتأكيد على قيمة الوازا المعنوية واهتمام الأفراد بها فإن زراعة هذا القرع تتم قرب المنازل حيث تبني له “راكوبة” يتسلق عليها وينمو مستقيما ثم يحفظ عقب نضجه بالمنازل حتى يمكن استخدامه في صناعة الأبواق في العام القادم حيث تبدأ عملية صنع الوازا في فصل الشتاء والصانع الجيد يفضل (البخسة) القديمة على الجديدة لأنها أقوى وأسهل في القطع وتعطي صوتا رنانا وفي حالة تعذر وجود البخس القديمة فإن البخس الجديدة تحرق بالنار ثم تعرض لأشعة الشمس حتى تجف وبعدها يقطع الجزء الأسفل منها لإخراج ما بداخلها من لب بواسطة قطعة من السلك المقوى وذلك قبل البدء في تصنيعها.
تبدأ عملية التصنيع بوضع هذه البخس المعدة داخل بعضها البعض بدءا بالأكبر حجما إلى أن يصل الصانع إلى الفتحة التي يضعها العازف على فمه وتسمى “الاش” ويتم تثبيت هذه البخس المتلاصقة على بعضها بواسطة أعواد ثم يتم إحضار شرائح من “القنا” بطول البوق المصنع تربط بلحاء الأشجار على الجدار الخارجي للبوق حتى تكون متماسكة.
وازالو الأول:
يبدأ الصانع أولا بصناعة البوق المسمى “وازالو” البوق الأول والذي ما إن ينتهي من صنعه حتى يخضعه للتجربة وذلك بإعطائه لأحد أفراد أسرته طالبا منه الذهاب به إلى مسافة تبعد قليلا عن المنزل والعزف عليه فإذا اطمأن للصوت الصادر منه وتأكد من سلامته اعتمادا على سمعه فقط وضعه جانبا ثم شرع في صنع البوق الذي يليه حجما وطولا أما إذا كان به خلل يمكن إصلاحه فعل وإذا تعذر ذلك فإنه يقوم بإلغائه كلية ويبدأ في صنع آخر غيره أما بالنسبة للأبواق المتبقية والتي تصنع اعتمادا على البوق الأول وازالو فان تجربة صلاحيتها تتم عقب الانتهاء من صنع المجموعة الكاملة حيث يعطي الصانع تلك الأبواق لأهل القرية للعزف عليها ويبقى هو بمنزله يستمع إليهم ويدون في ذاكرته الأبواق التي لا تنسجم نغميا مع المجموعة ومن ثم يخرجها ويبدأ في إصلاحها وإعادتها مرة أخرى للمجموعة.
أوركسترا القرع:
يقول الضو إن عدد الأبواق المكونة للمجموعة الكاملة للوازا عشرة أبواق غير أنه توجد بعض الفرق التي تستخدم ثلاثة أبواق أخرى صغيرة الحجم أو بوقين وقرن ماعز فإذا تركنا الأبواق الصغيرة ونحيناها جانبا وجدنا أن الأبواق العشرة المتبقية تنقسم إلى مجموعتين بحيث تكون كل خمسة منها مجموعة وعبر التناغم والتمازج بين المجموعات الثلاث المكونة للوازا تخرج الأنغام الشجية الآسرة التي نسمعها ونستمتع بها.
وتبدأ أوركسترا الوازا عندما يحمل أحدهم على كتفه اليمنى عودا معقوفا يضرب عليه بقرن ماعز صغير لإصدار الإيقاع حسب أدائه الموسيقي وهذا النوع من الآلات حسب إفادات الضو يعرف ب”بيركوشن ايدفون” لذلك نجد أن النبر يقوى ويضعف بالتناوب بين كل عازف وآخر في المجموعة “ب” ويعود السبب في ذلك إلى أن كل بوق وهو يصدر صوتا واحدا عليه أداء هذا الصوت في زمن محدد بحيث يمكن تبادل الأداء الآلي من تكوين الخط اللحني المتكامل وأول بوق يبدأ البناء اللحني هو “بوق الصمي وازالو” لذا فإن من يعرف عليه يتوسط مجموعة العازفين حتى يتمكن من قيادة المجموعة.
أما المجموعة “ج” والتي تتكون من الأبواق الأكبر حجما فإنها تتبع خطوات أبواق المجموعة “ب” حيث أنها تؤدي ذات الأصوات ولكنها في درجة صوتية أغلظ ونلحظ ذلك حتى في تسمية بعض الأبواق مثل “اشورو، اثورو دانق” فكلمة دانق في لغة البرتا تعني الكبير فالبوق الصممي اشورو دانق التابع للمجموعة “ج” يعطي الصوت نفسه الذي يعطيه البوق الصمي اشورو التابع للمجموعة “ب” ولكن في درجة صوتية أغلظ وهي ما يطلق عليه موسيقا “اوكتاف” أي صوت الدرجة الثامنة.
اجتهادات تفسيرية:
يشير الضو إلى إن عبء الدخول في الزمن المحدد تتحمله كلية أبواق المجموعة “ب” والتي يمكنها أداء الألحان كاملة في غياب المجموعة “ج” لهذا فإن اعتقاد الطيب محمد الطيب بأن موسيقا الوازا قد بدأت بآلة واحدة ثم صعدت إلى العد ثلاثة عشر اعتقادا لا يسهل قبوله ذلك لأن الموسيقا لدى كل شعوب المعمورة بدأت صوتية تعتمد على حنجرة الإنسان فقط ثم في مرحلة لاحقة صنع الإنسان الآلة الموسيقية التي تساعده على أداء ذات الأصوات التي كان يؤديها بحنجرته بالصوت الواحد لا يخلق موسيقا إنما تخلق الموسيقا عن طريق العلاقة اللحنية بين صوتين فأكثر، فالبرتا شأنهم شأن بقية البشر يبدأون بالغناء أولا ثم استخدام الآلة الموسيقية سواء قاموا باختراعها أو اقتباسها في وقت لاحق فموسيقا البرتا الصوتية والتي لا تصحبها آلات موسيقية خماسية تشير كل الوثائق أن ظهورها بالمنطقة كان سابقاً لظهور أبواق الوازا.
ولما كان كل بوق من أبواق الوازا لا يصدر إلا صوتا واحدا فقط فإن من المرجح أن الحد الأدنى من الأبواق الذي يمكن أن يكون قد بدأ به هذا النوع من موسيقا البرتا هو خمسة أبواق وليس واحدا.
وضمن المجموعة “ج” نجد عازف البوق “اسيساغو” والذي يقوم بقيادة مجموعته ويحمل في يده اليمنى “بخسة” يطلقون عليها “اسيسا” توضع بداخلها حصى لاستخدامها في إصدار إيقاع متقاطع مع الإيقاعات التي تصدرها أرجل النساء اللاتي يربطن “كشاكيش” صنعت من السعف يطلقون عليها “تيتش” وهذا النوع من الآلات الإيقاعية يعرف ب “شيكن اديوفون”.
وإذا انتقلنا إلى أبواق المجموعة “أ” المكونة من ثلاثة أبواق صغيرة الحجم والتي توجد لدى بعض الفرق وتنعدم عند غيرها كما أسلفنا فإن الأصوات الموسيقية الصادرة عنها تختلف عن تلك التي تصدر عن المجموعتين السالفتين وأغلب الظن أن الغرض من هذه الأبواق محاولة إضافة مجموعة ثالثة تتكون من خمسة أبواق صغيرة حيث أن هنالك استحالة عملية في إضافة مجموعة أكبر حجما وإلا تعذر حملها والعزف عليها ولكن يبدو أن الصناع لم يُوفّقوا في تحديد الأصوات الحادة التي تماثل المجموعتين الأكثر منها غلظا حيث نجد أن أصوات البوق الصغيرة هذه متقاربة جدا ومن ثم صارت تستخدم لإثارة الحماس فقط وقد لاحظنا أن هذه الأبواق لا تجد اهتماما من جمهرة العازفين المقتدرين ويعهد بها في الغالب إلى الصبية أو الذين ليست لهم دراية كافية بالعزف كما لاحظنا أنها في حالات كثيرة تهمل كلية رغم وجودها.
الوازا سودانية 100%.
وفي سياق بحثنا عن أصول الوازا وتاريخ وجودها في السودان نفى الطيب محمد الطيب الباحث الشهير في التراث الشعبي واحد أهم المراجع الأثنية والفلكلورية السودانية نفيا قاطعا أن تكون الوازا وموسيقاها قد جاءت إلى السودان من أثيوبيا عبر الحدود وأشار إلى أن العكس هو الصحيح فالوازا سودانية المنشأ والإعداد والتفاصيل وفنيات التصنيع وقد اقتبستها عن قبائل البرتا القبائل الأثيوبية الموجودة على الحدود السودانية الأثيوبية والحديث عن دخول الوازا للسودان من أثيوبيا عار من الصحة كما أثبتت ذلك الوثائق المتداولة من جيل لآخر في أوساط قبائل البرتا.
ويضيف الطيب إن الحديث عن تاريخ محدد لدخول الوازا إلى السودان هو ضرب من ضروب الاجتهاد لأن الوازا إذا كانت واردة وليست أصيلة فلا يمكن لها وفي زمن وجيز أن تحتل هذه المكانة التي احتلتها بين ثقافات قبائل البرتا كما أن الفترة التي حددها بعض المؤرخين لدخول الوازا للسودان تعتبر فترة قريبة ولا يمكن وفي هذه الفترة الوجيزة التي لم تتعد نصف قرن من الزمان أن تصبح موسيقا متلازمة مع حركة المجتمع في كل بطون قبائل البرتا بدءاً من عمليات الحصاد التي تشكل الوازا جزءا مهما فيها حتى الخروج لعمليات الصيد. وتشكل آلات الوازا وموسيقاها بعدا جماليا ساحرا لدى أفراد قبائل البرتا وأصبحت سمة مميزة لهذه القبيلة تتفاخر بها بين القبائل الأخرى في المنطقة التي تتواجد فيها ولا يتخلى البرتا عن وازاهم حتى في لحظات الحزن الكبيرة ويعتبرونها أهم أداة ترفيه بين كل الأدوات المتاحة.
www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=81553
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
 Re: "الوازا".. موسيقا الأفراح والأحزان عند قبائل البرتا (Re: Elmosley)
|
الاخ الاستاذ الموصلي
تحياتي وشكرا على الزيارة والتعليق
حاولت البحث عن ملف موسيقي للوازا في الانترنيت لوضعه مع البوست لكني فشلت في الحصول عليه ، اذ توجد مجموعة من الالبومات للبيع في موقع امازون وغيره من المواقع التي تبيع البومات الموسيقى
احيي معك جهود الباحثين في هذا المجال
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: "الوازا".. موسيقا الأفراح والأحزان عند قبائل البرتا (Re: sympatico)
|
الأخ العزيز سيمباتيكو
شكرا ليك على إثراء المنبر بالمواضيع الدسمة والشهية والمفيدة والممتعة
وفعلا الوازا عبقرية إنسانية متميزة وفريدة، وكلما الناس غاصوا فيها أكتر كلما إكتشفوا إبداع جديد
والبرتا بالفعل ناس فنانين بالفطرة وصانعين للجمال
ومن هنا نرسل التحية والمحبة للمبدع عاصم الطيب، وللمطرب سيد الصوت الشجى، الجمرى، أحسن من أدى أعمال المطرب الشجى رمضان حسن، وبتطابق غريب فى عذوبة الصوت بين الإتنين
ويا ريت الباحثين فى موسيقانا السودانية الفريدة، يدرسوا كل الأنماط الموجودة فى السودان، لأنه ما أظن فى بلد بيتوفر فيهو غنى وثراء موسيقى ولحنى وإيقاعى زى السودان أبدا
ومجددا ليك الشكر الجزيل
| |
|
|
|
|
|
|
| |
Elmosley
THE RAIN
لؤى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست