|
هل هي المرة الاولى ؟
|
هذه هي النسخة العربية -وقد اجري عليها الكاتب قليلا من التعديل والاضافة - التي قدمت في الورشة الخاصة بدارفور التي اقامتها الجالية السودانية بولاية فيكتوريا (ملبورن -استراليا)في التاسع من يوليو 2004 النص : حول انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور هل هي المرة الأولى؟
ظلت المسوغات البديهية التي ما فتئت تقدمها حكومات الخرطوم المتعاقبة , مدنية كانت أم عسكرية للدول العربية الإسلامية لاستجلاب دعمها المادي , العسكري , السياسي والأيديولوجي , الذي يعينها على ارتكاب حروب الإبادة الجماعية في جنوب السودان , هي أن العروبة والإسلام في السودان (قنطرة العالم العربي الإسلامي إلى أفريقيا ) مواجهين بخطر دائم . وهو خطر يتمثل إما في التغلغل التبشير المسيحي الغربي أو في الزحف الشيوعي أو في الالتفاف الصهيوني أو في كل ذلك مجتمعا , ليس لتحجيم الإسلام فحسب , وانما لأفرقة السودان أيضا. لكأنما أفريقية السودان هذه سوف تأتى من خارج أفريقيا. وكأنما اية محاولة للتأكيد على حقوق وجدان , ثقافة وهوية مجموعات عرقية أفريقية محضة هو جريمة يتعين أن تواجه بالإبادة الجماعية . ظلت الحال هكذا في حروب الجنوب . إما ألان , في دار فور , المسلمة دون منافسة وثنية أو يهودية أو مسيحية أو الحاد , ذات الدور التاريخي الملموس في دعم الثقافة العربية الإسلامية , منذ سلطنة الفور , مرورا بالثورة المهدية ودولتها , و ليس انتهاء بالرصيد الانتخابي الحصرى لحزب الأمة ("وريث" المهدية) , ترى ماذا سيكون مبرر حكومة الخرطوم الحالية للعالم العربي الإسلامي ؟ هل سيكون : العروبة , حسب , هي التي في خطر ؟ أن حكومة الخرطوم لم تقل ذلك ( على الأقل ليس مباشرة) , لسبب لا يمت للحياء بصلة , وانما قالت إن وحدة السودان (كأنما هو " موحد " , واقعيا ) هي التي في خطر بسبب من مؤامرات تقف خلفها , كما هي العادة , قوى أجنبية أو دول في الجوار أو الاثنتين معا" . قالت الخرطوم ذلك لان دار فور ليست هي الأولى . والأرجح , إذا ظلت هذه الحال "العريقة" هكذا, ألا تكون الأخيرة . وان كانت المحاولات , ذات الوسائل الضاربة في التنوع والدهاء , لا الحكمة , من قبل سلطات الخرطوم المتعاقبة , لإقصاء الجنوب السوداني من الوجدان والعقل الشماليين , تتمتع بحظ وافر من النجاح , و إذا كان انخراط أعداد كبيرة من أبناء جبال النوبة (جنوب أتردفان) والأنقسنا (جنوب النيل الأزرق) - و غالبيتهم مسلمون – في صفوف الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان قد جعل منهم " مجرد عملاء " , وليس شركاء غبن موضوعي , فأن بزوغ تمرد مسلح في دار فور يأتي في المرتبة الثالثة , استنادا إلى " تقدير " الخرطوم , بعد التمردات المسلحة , على ضمورها , التي فجرها " مؤتمر البجا " – وأبناؤه جميعا مسلمون – ثم " الأسود الحرة " , وهو تنظيم سياسي قوامه أبناء من قبيلة الرشايدة , التي هي ليست مسلمة فحسب , وانما هي الكيان ألا ثنى الوحيد ذو الدم العربي الصرف في السودان . وهى تمردات تمت مواجهتها بقذف الطائرات , و غير الطائرات , بالملاحقة , الاعتقال , التعذيب و التشريد . –علاوة على ما لا يندرج في "تقدير" لأسباب نتركها لفطنة القارئ , ا لا وهو جنوب السودان – "مختبر" الأهوال والفظائع , الكمية و الكيفية – الذي دأبت سلطات الخرطوم على "إعادة اعماره وتطويره" , منذ تأسيسه قبل ما يقارب الأربعين عاما , "حتى يتناسب مع المنجزات الحربية العصرية و الحديثة" , حيث تكوين المليشيات الموالية , التقتيل , حرق القرى , الاغتصاب , الاسترقاق و التشريد تعد "مهاما طبيعية وسائغة", مما شكل بالإضافة إلى ما حدث في جبال النوبة والانقسنا, "تراثا ملهما" تم استدعاؤه " بنجاح وفاعلية في عدد من المناطق كجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان " هلم جرا" – ( مثلا : من الذي كون مليشيات المراحيل ؟ و فى عهد من تمت مذبحة الضعين ؟) .
. دار فور , إذن , ليست هي المنطقة السودانية الأولى فيما يتصل بانتهاكات حقوق الإنسان . كما أن ما يحدث فيها الآن من انتهاكات لم يحدث للمرة الأولى . ذلك أن انتهاكات حقوق الإنسان فيها (وفى غيرها طبعا") ظلت تمارس باستمرار من قبل سلطات الخرطوم المتعاقبة منذ الاستقلال . على أن الجديد هذه المرة هو اختلاف في الدرجة (والنوع , ربما ؟ ) . الجديد هو هذا الاغتصاب الجماعي , هذا التقتيل الجماعي , هذا الحرق الجماعي وهذا التنزيح الجماعي . ما يحدث الآن من انتهاكات في دار فور له جذور تمتد إلى جميع الأنظمة التي توالت على الحكم ( تداولته ؟) في الخرطوم , مدنية كانت أم عسكرية , وهى كلها أنظمة مركزية , وان كان بعضها يزعم اللامركزية . الأنظمة العسكرية كانت عسكرية دون مواربة , صريحة وواضحة . و الصفتان الأخيرتان ليستا ناجمتين عن الصدق و الشفافية وانما عن رعونة وغباء معهودين . بيد أن الأنظمة المدنية لم تكن مدنية. كانت , للدقة , شبه مدنية . كانت كذلك لأنها ظلت ( وستظل ؟) تتريا زيا مدنيا فيما طرائق التفكير و بعض أساليب الإدارة تنتمي للكاكى . لذلك كانت هي الأكثر خطورة على إنسان دار فور ( و إنسان غيرها بالتأكيد ) من الأنظمة العسكرية , ليس بسبب أن الأخيرة كانت هي الأكثر رأفة , وانما لان الأنظمة شبه المدنية كانت هي الأكثر مخاتلة و التفافا" . وهى – لهذا بالضبط- كانت تيسر على الأنظمة العسكرية أداء " مهامها " بهذا الشكل المباشر , الواضح والمشهود . يا طالما تغنينا بأنه كانت لدينا أنظمة "مدنية ديمقراطية" . لم تكن مدنية لأسباب أشرنا إلى بعضها . كما أنها لم تكن , بالنتيجة , ديمقراطية . كانت "ديمقراطية" كمراوغة دستورية و مماحكة نظرية واجفة من مكابدات الشرائط الجذرية و العضوية للحداثة . لهذا كانت تنتقى بحذر بالغ بعض أعراض التحديث و ليس الأسس الجسورة لتفجر الحداثة وعنفوانها , سيرورتها و منعطفاتها . ما أبعد المدنية و الديمقراطية عن الطائفية و المبايعة . أ لهذا كان شعار " الانتخاب الحر المباشر " أكذوبة؟ لم يكن الانتخاب حرا ولا مباشرا . فالانتخاب الحر يكون حرا حين يمارسه – كاختيار – فرد يتميز بتحرر العقل والإرادة من قيود الطاعة القطيعية . والانتخاب المباشر يكون مباشرا عندما يتوجه - من بين خيارات – إلى فرد كذاك , لا ذلك المأمور من قبل زعيم الطائفة أو القبيلة – أو الاثنتين معا – ب"منح" الصوت لصالح فلان أو علان . و الذى حدث أن كل ما من شأنه أن يصنع و يستديم هذا النموذج الأخير هو ما فعله – على سبيل المثال – زعماء – بالأحرى أئمة – " حزب الأمة " بإنسان دار فور في تاريخ السودان المعاصر وليس الحديث. لهذا كان إغفال إنشاء البنيات الأساسية , المدنية , الحديثة (فعلا) , المتنوعة , المتوازية , والمتواشجة في آن , مقصودا على نحو منهجي . حيث أن إرساء بنيات كهذه سوف يثمر جسدا مليئا بالطاقة , الحيوية و الطلاقة وعقلا مفعما بالتحرر , المغامرة والإبداع . وهذا بالذات ما كان يجب تجنبه . أين هي, إذن , مؤسسات التنمية , الاقتصادية , الاجتماعية , الثقافية , التعليمية , العلمية , الصحية, السياسية , الحديثة في دار فور ؟ منذ زهاء خمسين عاما – هي عمر الدولة السودانية المعاصرة , وليس الحديثة – وإنسان دار فور محروم من حقوق كهذه . بل على العكس , مدفوع به على الدوام , بالنتيجة , إلى الهامش . أن تكون السلطة و طرائق الإدارة مركزية يعنى أن تنهض . على (تتقوى و تغتني من) تهميش "الآخرين" . وان تفعل السلطة ذلك , فان المعنى الواضح , البسيط (وغير البسيط أيضا) لهذا هو أنها تنتهك حقوقهم . ما يحدث في دار فور , إذن , انما هو تتويج لانتهاكات مديدة , عديدة , متوازية, و متعالقة في نفس الوقت .. ما يحدث الآن في دار فور سبق أن حدث – بدرجات تقل أو تكثر – في جنوب السودان , جبال النوبة , الانقسنا وشرق السودان . ( هل من داع لذكر " الشمالية " والخرطوم؟) . وهذا من شأنه أن يؤكد بأن الصراع الجاري في دار فور الآن إنما هو شكل من أشكال إعلان وتحرك وعي اجتماعي ضد (وقد تكشف لها زيف "وكلائها" ) ضد هيمنة المركز , بكل ما تحمله من معاني اعادة الترتيب الاجتماعي – الاقتصادي – السياسي – الثقافي الجذري وان اتخذ الصراع شكلا للصراع العرقي . ذلك أن ابناء دارفور الذين حملوا السلاح لم يحملوه ضد الهيمنة العرقية للجانجويد . فالجانجويد _وهم المهمشون ايضا – استخدموا لكي يبدو الصراع بهذا المظهر العرقي . الشئ الذي يريح المركز وانصاره داخل وخارج السودان . فألاصلاح العرقي , ولو مؤقتا , اقل تكلفة بالنسبة الي المركز من اعدة الترتيب الجذري الذي ذاك . هل ثمة ,مثلا , شبهة للتصفية العرقية في مناطق البجة والرشايدة .؟ ما يحدث في دار فور الآن إنما هو انفجار ضغينة موضوعية تتعلق بتاريخ طويل من التوزيع غير العادل للثروات القومية , بالاستبعاد الاجتماعي –الثقافي – السياسي , بضرورة رد الاعتبار لتمثلات التاريخ والهوية . تلك حقوق ما فتئ التاريخ والواقع يلوحان لنا بأنها أبجديات . تلك حقوق ما أكثر ما ذكرنا العالم بأنها بداهات. غير أن المطالبة بألابجديات والبداهات تستأهل في عرف السلطة في الخرطوم , الاغتصاب ,الإعدام,حرق القرى والتشريد أما آن لنا أن نفعل شيئا ابعد من المناشدة ؟ عادل القصاص ملبورن - استراليا
|
|
|
|
|
|