|
|
 بــــائعة الشــــاي
|
مقدمة
في صباح يوم جميل..من ايام وطني الحبيب..
ضغط السائق علي مكابح السيارة العتيقة (الهايلكس) محدثاً خشخشة وصرير تسبب في إلتفات الكثير من المارة والداخلين الي (سوق شمبات المركزي) ، تحمل السيارة قرابة الطن من محصول (الشنيف) أو البصل الأخضر ذو الأوراق الخضراء المتهدلة علي جنبات العربة التي تئن من حمولتها
نزلت عند بوابة السوق لأدفع رسوم دخول عربة محملة بالخضروات..كان مبلغاً ضئيلاً ، لكن (حاج الأمين) دائم التذمر من دفع المبالغ لصالح الحكومة...توجهت الي السائق ، اعطيته الإيصال ، ودلفت العربة تتمايل وتئن..لكنها أصيلة.
------------------------------------
بعد أن دفعت رسوم الدخول للسوق ، توجهت الي طاولات الباعة المتجولين ، كم أحب أن أمازحهم وأحادثهم وأخوض معهم في خصوصياتهم وأشيائهم. كم هم بسطاء ، حياتهم بسيطة تبعد وتنأي أميالاً عن التعقيد والهموم المتجذرة عن السياسة وحكم الساسة ، جل ما يعرفونه هو : أن الريس هو (فلان الفلاني) وان الحياة (غالية نار) والسكر ارتفع سعره والشاي كذلك..يدهشنى (عبد الكريم) بائع الماء حين يسترسل في الحديث ويقول لي
يازول ، الحمد لله ، قعدت طفشت ، ما فارقة معانا ، عايشين
أقول له وانا أمسك كوب الماء البارد الذي أعطاني إياه
لكن يا عم (عبدالكريم) انت كبرت و(باغة) الموية دي تقيلة عليك
تزن (صفيحة الماء ) التي يحملها ويسوح بها في هحير الشمس ، قرابة العشر كيلو ..يضعها أرضاً حين يتعب..ويحملها مرة أخري بأيديه المتشنجة العروق..يئن حين يرفعها وأيضاً حين يضعها..مسكين لقد هاجر ولده الي بلاد المهجر ليعدل الحال..ولكن الحال ما زال كما هو..أذكره حين يذكر لي إبنه الوحيد (سيد) ، كانت مقلتاه تمتلئان بالدموع ويظل يشيح عني وجهه لكيلا أري تأثره
أمازحع قليلاًًُ..وأدخل يدي في جيبي لأعطيه ثمن كوب الماء ، لكنه يختفي مني في زحمة السوق غير آبه بنداءاته له..تركته وذهبت في حال سبيلي وبما أنني أعلم أنه يحترمني ويعزني جداً ، لكنني لا أحبذ فيه كرمه هذا ، ولكنني سأقابله عند الإنتهاء من بيع المحصول
تجولت في الطاولات المعروضة وسلمت علي البائعين ، كل تلو الآخر..فاجأني التاجر (الحبر) بالسلام..(كيف حالك يا باشمهندس) الليلة زاير واللا غاير؟
قلت له
جيت جايب خدار من البلد
خلاص دور وتعال لي في الدكان
حاضر
أردت أن أبتاع علبة (برنجي) من الطبلية المحببة لدي..يملكها صديقي (الكردفاني) ذهبت اليه وبعد السلام ناولني العلبة..دفعت له وبعد إصرار شديد قبل مني ثمنها ، هكذا دائما نحن السودانيين ، لا تربطنا المصالح..بل يربطنا الدم والهوية..نقدر الصداقة ونزيح المال جانباًُ ولا يجد طريقاً للدخول بيننا..
فتحت (علبة البرنجي) وأخرجت سيجارة وتناولت علبة الكبريت من (الكردفاني) وانا أمسك السيجارة بيدي اليمنى واتحدث مع الكردفاني ، وقع بصري علي شيئ هزني وأدهشني لدرجة أنني أدخلت السيجارة في فمي (بالقلبة) وأنا أحدق وأطيل النظر..ولم أفق من دهشتي إلا علي ضحكة رنانة جميلة صافية من (بائعة الشاي)..شعرت بالإرتباك وظللت أنظر وأنظر وأنا احاول فاشلاً إشعال عود الثقاب ..كلما أشعله وأشعل السيجارة..لا أري أي دخان يتخلل الي صدري..لأنني أشعلها من ناحيتها الأخري..
إحترت وأنا أرتبك وتساءلت عن ما يضحك خذخ الفتاة الجميلة..؟ ربما أكون في منظر غير لائق؟..ماذا؟
تنبهت الي وضعي..وكم شعرت بالحرج عندما اكتشفت بأنها عرفت بتأثير جمالها فيني..
فتاة في مقتبل العمر..ربما ما بين التاسعة عشر والعشرون عاماً..بشرتها بيضاء..شعرها أسود كالح..يبين فرعها المتناسق وتكورها المثير يكاد يخترق أثوابها..تجلس علي 0البمبر) البلاستيكي وفي يدها (هبابة) تحاول إشعال النار من تحت إبريق الشاي..وفي رجلها (خلخال) وفي معصمها الأيسر تستريح (غويشة) من الذهب الخالص ، تكاد لا تميزها ، لإنسجامها اللوني التجريدي مع لون بشرتها الجميل...البسمة علي شفاهها الرقيقة تختصر المسافة من (قري الي شمبات) لتجعلها أميالا من العودة المحببة الي النفس ومسافة (الشوق) ورغبة اللقاء
ينزلق خمارها الحريري من علي رأسها الملئ بـ(الديس) كاشفة عن لون شعرها الذي يلمع سواده ويبين طوله حين تلتفت يمنة ويسرة..ترتدي (دكتور شول) لونه (بيج)يخفي أصابعها اللينة
كانت تضحك علي بلاهة هذا المعجب الذي يدخن سيجارة البرنجي بالجانب الآخر..عندما أفقت من كل هذا الإندهاش الجميل ، إبتسمت لها وكأني أعتذر ..أتبعت ذلك بإيماءة إعتذار عن بلاهتى..ردتني بإبتسامة أضاعت عقلي وتهت من لحظتها في عيونها العسلية الرايقة
أحتاج الي كوب من الشاي..لكنني لأن أقوي علي طلبه منها ولا أستطيع الجلوس قربها أبداً..لأن جمالها جذبنى وأصبحت أفكر فيها بطريقتي..ليست كبائعة شاي ، ولكن كإنسانة..جميلة..رائعة ، وأحس أنني أسئ إليها إن جلست بقربها أحتسي كوب الشاي ببلاهة ونشوة وأنا أنظر الي ساقيها اممتلئين..لا لن أفعل كما يفعل الآخرون..ثم أنني طالب بالجامعة ولا أحضر كثيراً الي السوق ..لكني أرغب في محادثتها..طللت أتردد كثيرا علي السوق..وكل مرة أنظر اليها وأرقبها من بعيد واحياناً..أمر من حولها وألقي عليها التحية ، لاحظت نظراتها الثاقبة الذكية تلاحقني وترقبني وتفحصني وتقلبني وتفتش كوامني وتستفذ فحولتي ، سألت عنها فقيل لي
إنها ، (سامية)..فتاة أبوها كان يعمل في القوات المسلحة برتبة (صول) لكنه أحيل الي التقاعد..ومن فرط حبه للعمل ، مات مأسوفاً عليه قهراً..لم تجد سامية حلاً لإعالة أخوتها السبعة وأمها المريضة سوي بيع الشاي ، قيل لي أيضاً إنها تدرس بالجامعة في الفترات المسائية ..وانها فتاة ملتزمة بالرغم من جمالها الطاغي وتأثيرها..وقد عرض عليها الكثيرين من تجار السوق أن يتزوجوها ويريحوها من هذا العناء ، لكنها تظل ترفض متججة بأنها صاحبة رسالة في هذه الحياة ولها فلسفتها الخاصة في الحياة ، تريد أن تثبت للناس ولنفسها بأنها قادرة علي خوض التجربة وتربية أخوتها السبعة من كدها وعرقها..وأنها شريفة لا يستطيع أن يمسها شخص بسوء..يحترمها كل من في السوق ، ويحموها من كل شخص يطمع فيها..تعجبت من هذا الكلام عن (سامية) بائعة الشاي..وظللت أتردد علي السوق مراراً ، لكنني لم أستطع يوما واحد أن أقترب من مكانها..لخوفي من عيناها ونظرتها القوية المليئة بالأشياء والأشياء..كنت اهابها..لا أدري لماذا..وكانت تحب أن تراني وتلقي الي بالتحية ..لكنني لم أشرب الشاي عندها أبداً بالرغم من رغبتي الأكيدة برؤية عيناها عن قرب.
يتبع
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بــــائعة الشــــاي (Re: wad gindeel)
|
إشراقة
أهلا بك يا اختي
وأشكرك علي المداخلة ، بائعات الشاي نتاج طبيعي لصروف الحياة القاهرة وزحمة المدينة ، الهجرة من الريف الي المدينة بعد نقص الخدمات فيه والمفاجأة الغير متوقعة بنقص الخدمات في المدينة وشح الوظائف.
من كان يعتقد بان المراة السودانية يصل بها الحال الي تلك المواصيل؟.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بــــائعة الشــــاي (Re: wad gindeel)
|
العزيز ود قنديل
والله ليك وحشة وطويلا لم ارك هنا
حقيقة سردك اكثر من رائع ومشوق وجننتنا بى ساميه ياخى
بعيدا عن النظرة للمرأة واللت والعجن والجندرة
يبدو ان الشاى اصبح مربحا جدا جدا والا لما استطاعت سامية لبس غويشة ذهب صافى عيار 21 قيراط
فمعلوم ان لبس الذهب يأتى فى المرحلة الثانية بعد الضروريات ولذا كان حكمى ان الشغلانة اصبحت ذات مردود عالى ..
اقول ذلك بكل براءة لاننى لم اعاصر عهد ستات الشاى فى العاصمة بالذات بل شاهدته فى بعض اصقاع السودان البعيدة وكان ظاهرة غريبة جدا بالنسبة لى ..
لك التحية ولسامية كذلك .. الجمال مسحور ...
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بــــائعة الشــــاي (Re: قرشـــو)
|
شكرا ماما سعاد على قبولك مشاركتي....
قال لي المحسي حينما كان بالقاهرة ....
تعرفي أكثر زول أنا فاقدوا هنا منو؟؟ ( خالتي ليلى).....
و كانت خالتي ليلى هي احدى بائعات الشاي بالجامعة و كانت أما لنا جميعا..
لقد افتقدها حين كان هناك لأنه شعر أن كل شئ يثمن بالمال حتى الابتسامة. وخالتي ليلى لم تكن تثمن ما بيننا وبينها بالمال.... فيها أنحني اجلالا لكل امرأة سودانية مكافحة منهن أمي التي أسعدها الحظ قليلا لأنها صادفت قدرا من التعليم في زمن التعليم المجاني واستطاعت ايجاد مهنة أخرى ما عادت تسد الرمق في عهدنا هذا.
سأقص عليكم حادثة حدثت لي قبل ثلاثة أعوام حين كنت مع صديقة لي وزميل لنا في زيارة لصديقة أخرى في أبروف وبعد نهاية الزيارة أغرانا منظر الشاطئ وشجرة وارفة الظلال على الجلوس على بنابر متحلقين حول شابة لشرب الشاي.... وبينما نحن نستعيد ذكريات المدرسة الثانوية فاذا بمن يتدخل لتعكير صفو ذلك الجو... انه شرطي النظام العام من نقطة بسط الأمن الشامل المقابلة لموقع الفتاة.... وبالطبع دارت مشاجرة كلامية حادة لأن الشرطي الهمام يعتقد أن هذه المقاعد مخصصة للرجال فقط وأن وجودنا هنا فعل فاضح.... مع ملاحظة أننا كنا زبائنها الوحيدين في ذلك الوقت.... وسألته حينها ما الذي يجعل جلوس فتيات لشرب كوب من الشاي أمام واحدة من بنات جنسهن فعلا فاضحا وفي الهواء الطلق... وبعد المشادة تم اطلاق سراحنا بعد أخذ عناويننا وتهديدنا بعدم تكرار الفعلة النكراء.... وفيما يبدو أن الذي أنقذنا هو أن الشرطي استنتج من ثقتي واصراري على موقفي( انو عندي ضهر ولا بت لوا). ورغم مرور السنوات ورغم أنني الان مثل المحسي أحن لخالتي ليلى من منفاي في بلاد الصقيع الا أنني لم أذق كوبا اخر بذلك الطعم الممزوج بنكهة نيل بلادي....
سماح...
22-7-2004
[email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بــــائعة الشــــاي (Re: Suad I. Ahmed)
|
الأستاذة سعاد،
أشرقت مساحتي بضياء حروفك الغارقة في الحنين والصدق المزدانة بالذكريات والحنين والشجن الي ربوع السودان وأهل السودان.
تساؤلك مشروع ، لماذا لا تجلس النساء كما يجلس الرجال؟..وخصوصاً كما جلستكن البريئة..وروحكن الباحثة عن اللحظات الحلوة لتكون عالقة في الذكري..ولكن طبيعة مجتمعنا الفريدة في كل الأشكال والتفسيرات تأبي (للأسف)..ربما الي حين.
لكي شكري وإمتناني علي جهدك الواضح في المشاركة الثرة في قصة (بائعة الشاي).
وكوني بالقرب.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بــــائعة الشــــاي (Re: قرشـــو)
|
قرشو
أهلا بصباحات المواني..وشوق الأرصفة
ليست جندرية مني ، ولكن حقاً كان مشهدا ينطق الصخر ، نعم إنها تجارة مربحة لكنها مكلفة..تكلف السمعة والحياء..فيها الكثير من المصعاعب والمخاطر والتضحيات ، لكنها مهنة شريفة يمكن أن تكسب منها
بائعات الشاي ذهباً..لكن ليس كما تتصور أنت..فقط سترة حال.
سلامي يا غالي.
قنديل
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
 Re: بــــائعة الشــــاي (Re: wad gindeel)
|
| Quote: بأنها صاحبة رسالة في هذه الحياة ولها فلسفتها الخاصة في الحياة ، تريد أن تثبت للناس ولنفسها بأنها قادرة علي خوض التجربة وتربية أخوتها السبعة من كدها وعرقها..وأنها شريفة لا يستطيع أن يمسها شخص بسوء..يحترمها كل من في السوق |
ويـ / تحترمها من يحترم عفة العمل وشرفه
الذين / اللائى رموا / ن عباءة التنميط
وخرجوا / ن عاريين / يات الا من اشتعال الاحلام باروحهم/ ن وتوقهن / م للعدل والإنصاف
لسامية ولبديع قولك انحني
وبانتظار البقية
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بــــائعة الشــــاي (Re: wad gindeel)
|
ود قنديل
لك التحية
سردك جميل ، وله وجوه عديدة ، وجه يعكس طيبتنا وسماحتنا وعلاقاتنا الإنسانية ، وكيف أننا في أقسى الظروف لا نرهن أنفسنا للمادة ،، ووجه يعكس صورة البنت التي تصدت للظلم وتمسكت بأنوثتها وبكرامتها ، وبذلت الجهد في عمل شريف لتعول نفسها وأسرتها ولم تهمل مستقبلها
ووجه قبيح هو وجه الظلم الذي أدى بنا إلى الفقر والبطالة والمهن الهامشية وأربك مسيرة التطور في بلادنا ،،
لك الشكر
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بــــائعة الشــــاي (Re: ودقاسم)
|
ودقاسم
أهلا بك يا صاحب الحس المرهف والقلم المسكون شجن وحنين ، لك ودي ومعزتي..وأنت تشد من ساعدي وتعطي إنطباعك بالإيجاب عن هذه القصة ..أيضا هذه مازالت مجرد محاولات ،أحاول فيها الولوج الي عالم القصة القصيرة الخلاب.
بدعمكم ونقدكم البناء ، قد اكون شيئا ما.
ما ذكرته صحيح ، لكني أعتبر دائماً وأؤمن بأن ما يصيب المرء من ضيق في الرزق ، فهو من الرزاق القوي المتين..ولو إجتمع الإنس والجن علي أن يصرونا بشئ ، فلن يقدروا. هذا البلاء والفقر كله من الله جل وعلا. وليس من أي حكومة ولا جهة بعينها.
لك كل مودتي.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بــــائعة الشــــاي (Re: wad gindeel)
|
الأعزاء القراء
كل الأسف علي إطالة المدة ما بين الجزء الأول من القصة "بائـعة الشــاي" ومابين الجزئية الأخيرة التي أقوم بإعدادها حالياً ، علها تنال رضاكم. سأرفع القصة الآن ، لمن لم يقرأ الجزء هذا وخصوصاً للمشتركين الجدد الذين هم إضافة حقيقية للمنبر. أقول لكم لدي رغبة أكيدة بمشاركتم لي هذا العمل.
| |
|
|
|
|
|
|
| |
wad gindeel
Ishraga Mustafa
قرشـــو
الجندرية
ودقاسم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست