التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 01:40 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-04-2004, 02:12 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد

    بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات- المقال الخامس (1-2)

    د. منصور خالد

    التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة

    في هذا المقال والمقالين التاليين نتناول موضوعات ثلاثة ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببعضها البعض في الحالة السودانية: الديمقراطية، الدستور، الدين والسياسة. وفي مُجملها تندرج هذه الموضوعات في باب التحول الديمقراطي، الموضوع الذي يستحوذ بعد موضوع السلام على اهتمام واسع، ولعله يسبقه في هرم الاهتمامات عند البعض. الموضوعات الثلاثة فجرت خصومات فكرية طاحنة، بل حرباً أهلية سياسية دمدمت على الوطن حتى كادت أن تهلكه. ولئن يتحول الخلاف السياسي إلى حرب فإن هذا يعني أن الاقتراب من معالجة هذه القضايا كان اقتراباً خاطئاً، ولو يكن كذلك لكان السودان إلى العافية أقرب.
    بروتوكولات السلام اقتربت من هذه القضايا اقتراباً سليماً عند ما ذهبت مباشرة إلى جذور الأزمة، ونأى الطرفان، بقدر ما استطاعا، عن النظر إليها عبر عدسة أيديولوجية مُشَوِهة. هذا الاقتراب جعلهما يدركان أن حل النزاع السوداني بصورة عادلة ومستدامة لن يتحقق إلا بإيجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ويستبدل الحرب، ليس فقط بالسلام، بل كذلك بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واحترام الحقوق الأساسية، الإنسانية والسياسية لكل شعب السودان (ديباجة بروتوكول مشاكوس). التحول الديمقراطي الذي لا يصطحب هذه المعاني، أو يحقق هذه الأهداف لن يقود إلى سلام بالمعنى الذي تمناه بروتوكول مشاكوس، وهو السلام الوحيد الذي قد تتوفر له فرص الديمومة. لهذا يصبح الافتراض أن التحول الديمقراطي هو استعادة الديمقراطية على صورتها التي ألفناها، خطأً كبيراً، لا سيما ونحن نعرف جميعاً أن تلك الديمقراطية لم تحقق سلاماً، بل لم تكن حتى قادرة على حماية نفسها. مقتل تلك الديمقراطية، فيما نزعم، هو تغليبها الوجه الشكلي الإجرائي procedural على الوجه الجوهري substantive للديمقراطية. وكلما قرأت الروايات الرومانسية التي يصف فيها المحللون السياسيون، خاصة من ينتمي منهم للأحزاب، تاريخنا السياسي منذ الاستقلال تبادر إلى ذهني أنهم يصفون أرض الميعاد، لا بلداً نعرفها. نخطئ في حق أنفسنا خطأً لا يغتفر إن واظبنا على أسطرة التاريخ لأنها كادت تجعلنا نصدق أن لسنا فقط أمة الأمجاد والماضي العريق، وإنما أيضاً أمة القدر الساطع. وأحسب أن خمسين عاماً من الاحتراب بين الأخ وأخيه، ومن الإهدار الشنيع للموارد، ومن الملايين من القتلى والمشردين، ومن الاستحقار الخفي والمعلن من الآخرين، كافية لفتح بصائرنا على أن ثمة خطأ ما يستوجب التوقف عنده، والكف عن التباهي بديمقراطيات موءودة إستعدناها ثلاث مرات ولما تزل ريمة على قديمة.
    الديمقراطية كنظام للحكم، مثل كل الأنظمة، ظاهرة عارضة في التاريخ ونتاج للجهد البشري لتطوير كل وجوه الحياة بما فيها الحكم. وفي سعي الإنسان لابتداع نظام للحكم يضمن له الأمن والاستقرار، كما يحمي حقه في الوجود والحرية كحق مقدس، برزت الديمقراطية كنوع من الحكم تُستمد فيه السلطة من الشعب ويمارسها إما مباشرة، أو عبر ممثليه المنتخبين انتخاباً حراً. بهذا المعنى شاع تعبير ابراهام لنكولن في وصف الديمقراطية: حكم الشعب بواسطة الشعب ولأجل الشعب. مع ذلك، لحق بالديمقراطية تعهير شنيع عندما اختطفتها كل الأنظمة، حتى الشمولية منها، وابتدعت لها أوصافاً ما أنزل الله بها من سلطان مثل الديمقراطية الموجهة (سوكارنو)، المركزية الديمقراطية (الأنظمة اللينينية)، الديمقراطية الاجتماعية عبر تحالف قوى الشعب العاملة (الميثاق الناصري وتابعه السوداني)، ثم أخيراً ديمقراطية التوالي التي افتعل لها صانعها نسباً في القرآن الكريم وكأن ليس في الكتاب أيضاً ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع، كما فيه ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض. كل هذه الديمقراطيات المزعومة سقطت بتآكل رأسمالها المعنوي لأن فكرتها المحورية هي احتكار الحقيقة ونفي الآخر المغاير. وحمداً لله، من قبل ومن بعد، أن آمنا جميعاً بفضيلة الديمقراطية الليبرالية.
    الديمقراطية إذن، هي فكرة أو نظام يتداخل فيه القانون مع السياسة والأخلاق، لهذا لا يجوز اختزالها في مقوماتها الشكلية والإجرائية مثل تعدد الأحزاب، الانتخابات، الفصل بين السلطات، الحريات المدنية، التعاقب السلمي المنتظم للحاكم... الخ. لو كان هذا هو الحال لما استقرت الديمقراطية في الكثير من دول العالم، خاصة في الدول التي لحقت بها نقمة (أو مَنَ الله عليها بنعمة) التعدد والتنوع. فالتعدد والتنوع، نعمة من نعم الله الكبرى إن أُحِسنت إدارته، وشر مستطير لو تُرك لذرائع الفتن. والديمقراطية، بلا جدل، تعني حكم الأغلبية، ولكن ليس صحيحاً البتة أن حكم الأغلبية يقود، ضرورة، إلى إهدار حقوق الأقلية. فمبادئ الديمقراطية تحض على احترام الحقوق الأساسية للأغلبية والأقلية على السواء بالقدر الذي يُمَكِن الأقلية أن تصبح أغلبية أن توفرت الظروف الموضوعية لذلك. الكلمة المفتاحية هنا هي الموضوعية، بمعني أن حرمان أي مواطن أو مجموعة من المواطنين من ممارسة حقوقهم لأسباب ذاتية مثل العِرق أو النوع (وهي الأسباب التي لا يد لهم في صنعها) يهدم الديمقراطية من أساسها، ويفقد الحكم الديمقراطي شرعيته المعنوية. وللأستاذ جورج طرابيشي رأي في هذا الموضوع استحببناه. قال في كتيبه الصغير في ثقافة الديمقراطية: اختزال الديمقراطية إلى مجرد اجرائيات من شأنه أن يقتل بذرتها في مهدها، فالثقافة الديمقراطية هي شرط تخصيب التربة وشرط النماء. ويمضي متحدثاً عن مفهومي الأغلبية والأقلية يقول: الأغلبيات فيها الأفقي المتحول، وفيها العمودي الثابت... ما هو عمودي في المجتمع هو كل ماله صلة بالهوية سواء تجلت هذه الهوية بالدين أو الطائفة أو الاثنية أو القبيلة. أما ما هو أفقي فذاك ما هو عابر لتلك الكيانات الثابتة والدائمة وما يمكن أن يتمثل بمؤسسات المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية (بالمعنى الحديث للكلمة) أو النقابات. وفي اللحظة التي عكفت فيها على إعداد هذه المقالات استرعى اهتمامي حدث يبين خطورة التداعيات الناجمة من النظرة الضيقة لما أسماه طرابيشي العمودي الثابت في الهوية. ذلك هو توصية لجنة القانون والدستور في الكنيست الإسرائيلي بشأن طبيعة الدولة تمهيداً لتضمينها في مشروع دستور دولة إسرائيل. وكما هو معروف ليس لإسرائيل دستور مكتوب، ومن بين أسباب عجزها عن وضع ذلك الدستور إصرار غلاة المتطرفين اليهود على إعلان إسرائيل دولة يهودية، الأمر الذي ظل يرفضه العلمانيون في حزب العمل. النص يقول إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، ولعل الذي أثار اهتمامي بوجه خاص اعتراض النائب البرلماني العربي عزمي بشارة على ذلك النص ووصفه له بالغوغائية لما فيه من تناقض. وكبديل للنص اقترح بشاره ما يلي: إسرائيل دولة لكل مواطنيها.
    مفهوم الشرعية نفسه يحوطه الكثير من اللبس، خاصة في التعبير العربي. فللشرعية وجهان، وجه إجرائي والثاني جوهري، يعبر عنهما في اللغات غير العربية بمفردتين مختلفتين. فالشرعية بمعنى legality تشير إلى قيام النظام على قواعد قانونية (دستورية) متفق عليها مسبقاً، ومتى ما توفرت تلك القواعد اكتسب النظام شرعيته. مثال ذلك أن يحكم النظام وفق دستور متفق عليه، وأن يصل إلى الحكم عبر أسلوب مقنن ومتفق عليه أيضاً مثل الانتخابات. المعنى الثاني legitimacy يشير إلى شرعية أخلاقية لا تُستمَد من الدستور أو القانون فحسب، وإنما أيضاً من الالتزام بقيم إنسانية، سياسية واجتماعية اتسمت بالعالمية، أو بقواعد سلوكية أجمع عليها الناس. من ذلك احترام حقوق الإنسان بمعناها الواسع، سيادة حكم القانون، التزام قواعد الحكم الصالح good governance ومنها الصدق والشفافية. فعندما يقول المحللون السياسيون في بريطانيا اليوم أن توني بلير فقد شرعيته فإن هذا لا يعني مطلقاً فقدانه الشرعية بالمعنى الإجرائي legality وإنما بالمعنى الأخلاقي legitimacy لأنه قاد بلاده لحرب لم تكن في حاجة لخوضها، ولم يكن صادقاً، في تقدير شعبه، في تبريره تلك الحرب حتى ألصق به بعضهم تهمة المخادعة وتزييف الحقائق.
    الفشل التاريخي للديمقراطية في السودان كان بسبب اختزالها في المعنى الإجرائي، دون أدنى اعتبار للجانب الجوهري أو المعنوي الأخلاقي. فقد ظن ديمقراطيو السودان أنه ما أن وصل الواحد منهم إلى سدة الحكم عبر الانتخابات ووفق نظرية الحشاش يملأ شبكته أُضفيت عليه شرعية لا تنزع ولسان حاله يقول: كيف أنزع قميصاً ألبسنيه الشعب. لا يهمه كثيراً إن عجز عن حسم قضايا البناء الوطني (والتي هي في حالة السودان قضايا وجود) رغم أن المزية الكبرى للديمقراطية هي ما توفره من ميكانيزمات لحل الصراعات سلمياً. ولا يهمه أن تجاوز أحكام اللعبة بخرق الدستور، بوجه أو آخر، رغم أن الالتزام بهذه الأحكام هو وحده الذي يعين على ترسيخ الديمقراطية واستدامتها. وقلما يفكر الحاكم الديمقراطي في أن مثل هذه الانتهاكات الجوهرية للنظام الديمقراطي تخدش مشروعيته، وتمهد الطريق للانقلابات أو للتمرد عليه. وإن كان الانقلاب العسكري خروجاً على الشرعية فإن التمرد إنكار لها.
    مع تواتر التجارب مازال الديمقراطيون ينكفون أنَفة أو استكباراً عن الوعي بالدرس المستفاد من هذه اللعبة السخيفة (حكم مدني ـ انقلاب ـ حكم مدني ـ انقلاب). لم يفعلوا ذلك حتى دَبَرياً (أي بعد فوات الأوان)، رغم معاينتهم للجماهير التي انتخبتهم تستقبل بعض الانقلابات العسكرية برضى أو استكانة. الانقلابات العسكرية، بلا أدنى شك، تمثل خروجاً عن الشرعية، ولكن ألا يشي رضى الناس بها، أو استكانتهم لها، باهتزاز تلك الشرعية؟ فالجيوش تستولي على الحكم بحد السيف، إلا أن قدرتها على السيطرة على الحكم رهينة أبداً بحد أدنى من قبول الناس لها. هذه الظاهرة في السودان كادت أن تحوله إلى مسرح للامعقول إذ أن نفس الجماهير التي تستقبل الحاكم العسكري بالرضا ـ حتى وان كان سلبياً ـ تودعه بعد فترة باللعنات، ولأهل السودان في هذا تجارب. فالجماهير التي ودعت حكومة عبود بأكثر الهتافات بذاءة: إلى الثكنات يا ......، هي نفسها التي استقبلت عبود في سوق الخرطوم بـ ضيعناك يا عبود، وضعنا معاك يا عبود. والجماهير التي خرجت بنقاباتها العمالية والمهنية تهتف لنميري في الثاني من يونيو 1969 بالروح بالدم نفديك يا نميري هي نفس الجماهير التي خرجت بعد أقل من عقد من الزمان تهتف الأحزاب ولا العذاب وجميع هذه الانقلابات تستهل بيانها رقم (1) بشيئين: إنهاء الحرب ورفع المعاناة عن الجماهير مما يدل على أن الانقلابيين يعرفون جيداً المدخل لقلوب الجماهير.
    سبب آخر أدى لانهاك الديمقراطية داخلياً هو عدم الالتزام بأحكام اللعبة الديمقراطية. ولا يقود الخروج على أحكام اللعبة إلا إلى رد فعل مماثل موازٍ له في الحجم ومضاد في الاتجاه. لا يستطيع أحد أن ينكر، مثلاً، أن هناك علاقة سببيه بين حل الحزب الشيوعي ومعاضدة ذلك الحزب لانقلاب مايو. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك صلة مباشرة بين استقالة رئيس القضاء بابكر عوض الله احتجاجاً على موقف الحكومة (حكومة محجوب) ومجلس السيادة من الهيئة القضائية عقب الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا تدين فيه قانونياً طرد النواب الشيوعيين، وبين قبول ذلك الرجل الذي قضى عمره كله في رحاب الديمقراطية والعدالة رئيساً لأول برلمان ثم رئيساً للقضاء، أن يصبح نائباً للرئيس في حكم انقلابي.
    مشاكل السودان أعمق كثيراً من أن تحل عبر الديمقراطية الإجرائية، أو عبر المغامرات العسكرية، أو عبر الشمولية ودعاواها الفارغة لتحقيق الوحدة الوطنية والتناغم الاجتماعي قسراً. وستظل الديمقراطية، رغم كل معايبها، هي الخيار الأمثل لأنها، على خلاف كل الأنظمة، تتيح الفرصة للبحث الدائم عن خيارات أفضل وللتطور والتعديل. على أن ذلك يستدعي ابتداءً إدراك ما هو المطلوب لتحقيق حكم مستقر؟ وما هي الخيارات المتوفرة لتحقيق الاستقرار؟ ثم ما هي التجارب التي يمكن لنا الاستهداء بها؟ وعبر تاريخنا السياسي منذ الاستقلال، بل منذ الحكم الذاتي، كنا نعرف جيداً ما هو المطلوب، وكانت الخيارات مطروحة أمامنا إلا أنا ظللنا نتجاهلها، وفي بعض الأحيان نتمنى زوال العوامل wishing away التي قادت إليها. كما لم يكن العلاج عسيراً اذ كانت أمامنا تجارب عديدة يمكن الاهتداء بها أو استلهامها.
    بروتوكولات نيفاشا هي المحاولة الأولى لمخاطبة جذور المشكل السوداني مباشرة، لهذا فهي تمهد الطريق لديمقراطية مستدامة بصورة غير مسبوقة. وقد كان التجمع الوطني الديمقراطي أميناً وشجاعاً عند ما قرر في الاجتماع الأخير لهيئة قيادته 14-22 يوليو 2004 أن بروتوكولات السلام الموقعة بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية ... توفر أساساً لإعادة هيكلة البناء الوطني الواحد على أسس جديدة تختلف عن الأسس القائمة منذ فجر الاستقلال. أسس تراعي الاستجابة الواسعة لمتطلبات الإقليم في الحكم اللامركزي، والمشاركة في السلطة والتنمية. كما لم يُجافِ زعيم الحركة الشعبية الحقيقة قيد انملة عندما قال عقب توقيع بروتوكول اقتسام السلطة في 26/5/2004: يستحيل أن يبقى السودان كما كان بعد هذا الاتفاق Sudan shall never be the same again ما أراد قوله هو أن التحول الذي سينجم عن هذا الاتفاق ليس تحولاً نمطياً، لا في نظام الحكم، ولا في توزيع الثورة، ولا في مقومات الوحدة.
    فما هي معالم هذا التحول غير النمطي الذي استعصى علينا منذ الاستقلال؟ وما هي تجاربنا في الماضي في تلك التحولات النمطية؟
    على رأس التحولات، تلك المتعلقة بنظام الحكم، خاصة وقد طَالَ التغييرُ كل السودان، ولم يقتصر على الجنوب. ونستذكر أن الخلاف، بالنسبة للجنوب ومكانه في نظام الحكم، يعود إلى مشارف الاستقلال، وعلى وجه التحديد إلى يوم 12/12/1955 عندما تقدم بنجامين لوكي باقتراحه حول الفيدرالية لاجتماع مشترك لممثلين من مجلس النواب والشيوخ من كل الأحزاب. لا نطمع في الغوص في جدل فقهي حول الفيدرالية، بل سنذهب، كما ذهبت البروتوكولات، للحديث عن حكم لا مركزي، أي حكم يتم فيه اقتسام دستوري للسلطة بين حكومة مركزية (قومية) تبسط سلطانها على امتداد الوطن، وحكومات أخرى تمارس السلطة في أقاليم معينة من ذلك الوطن في استقلال autonomy دون جَور على السلطات المحتجزة للمركز، ودون تَعَدٍ من جانب المركز على السلطات المقررة للحكومة المعينة. بهذا المعنى تهدف اللامركزية إلى تحقيق هدفين، الأول هو ضمان سلامة وحدة الوطن، وفي ذات الوقت صيانة استقلالية الوحدات المكونة له، أو بعبارة أخرى إقامة وحدة غير قابلة للتخريب ووحدات غير قابلة للإئتلاف indestructible union of indestructible units . والفيدرالية، إن شئت أن تسميها هكذا، هي محاولة لتوحيد الوطن، إما بضم كيانات مستقلة قائمة لتصبح دولة (اتحاد الولايات الثلاث عشر التي تكونت منها الولايات المتحدة الأمريكية عند إنشائها، أو يوغسلافيا على عهد تيتو)، أو بالحفاظ على وحدة وطن قائم بتمكين كل وحدة من الوحدات المكونة له من الحفاظ على خصائصها وإدارة نفسها. الهدف الثاني من اللامركزية أو الفيدرالية هو التدني بسلطة اتخاذ القرار السياسي والإداري إلى مستويات اقرب للمواطن بحيث يكون القرار أكثر تعبيراً عن رغائبه ومطامحه واحتياجاته. وفي كلا الحالين لا تتحقق اللامركزية على وجهها الصحيح إلا في ظل نظام ديمقراطي وحكم تمثيلي.
    بعد كل محاولات الهروب من المشكل منذ الاستقلال، أو التعامل معه بالتي هي أخشن (عهد عبود) ساد العقل، وكانت أولى المحاولات الحكيمة لمعالجة مشكلة الجنوب هي تلك التي قامت بها حكومة الأستاذ سر الختم الخليفة في أكتوبر 1964 تلك المحاولة الرائدة والجادة لم يُقَدر لها النجاح كما أبنا في مقال سابق، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ توجيهات مؤتمر المائدة المستديرة وقرارات لجنة ألاثني عشر. وعقب فترة أكتوبر الانتقالية بدأت الديمقراطية الثانية أولى محاولاتها لإقامة نظام لا مركزي أخذ شكله النهائي في مشروع دستور 1968 ذلك المشروع اقترح نظاماً لا مركزياً للحكم يرتكز على مديريات السودان التسع (ست منها في الشمال هي الشمالية، الخرطوم، كسلا، الجزيرة، كردفان، دارفور وثلاث في الجنوب هي أعالي النيل، بحر الغزال، الاستوائية)، كما أوصى بإنشاء مجلس تشريعي لكل إقليم ينتخب انتخاباً مباشراً، ومجلس تنفيذي يرأسه محافظ يعين مركزياً. وحسب المشروع يباشر المجلسان السلطات التالية: الإدارة المحلية، التعليم حتى المستوى الثانوي مع الالتزام بالسياسات القومية، الصحة العامة، الصناعات المحلية، الطرق المحلية، تطوير اللغات المحلية، على أن تحتجز أية مهمة أخرى لم ينص عليها صراحة للحكومة المركزية.
    في ذلك المشروع كانت هناك ثلاث مثالب: الأولى هي أن السلطات التي مُنحت للإقاليم لم تتجاوز كثيراً تلك التي كان يمارسها مديرو المديريات في الماضي. والثانية هي إغراقها لقضية الجنوب بطابعها المميز في نظام حكم لا يُداني حتى الفيدرالية التي طالب بها بنجامين لوكي في 1955، ناهيك عن تلك التي دعا لها في مؤتمر المائدة المستديرة وليام دينق (والد كبير مفاوضي الحركة في نيفاشا، نيهال دينق نيهال). هذه الحقيقة لا يبدل منها في كثير أو قليل التحوط الذي تضمنته المادة 179 من مشروع الدستور، التي تبيح لأي إقليمين أو أكثر التوحد. هذا النص قد يمكن الجنوبيين من توحيد المديريات الثلاث في إقليم واحد ولكنه لا يعالج قضية السلطات، وتلك هي المثلبة الثالثة.
    جاء من بَعد نظامُ مايو ليتبنى مقترحات لجنة ألاثني عشر ويطورها لتصبح أساساً لقانون الحكم الذاتي الإقليمي 1972 وعلى خلاف مشروع دستور 1968 اعترف قانون الحكم الذاتي بخصوصية الجنوب، وأقر اعتباره إقليماً واحداً، وحدد له واجبات تستقل بها أجهزته الحاكمة تشمل الزراعة، الصناعة، الصحة، التعليم حتى المستوى الثانوي، التجارة الداخلية، صحة الحيوان، حماية البيئة، السياحة، الإدارة والحكم المحلي. اعتُبر قانون الحكم الذاتي الإقليمي أيضاً قانوناً أساسياًorganic law لا يُعَدل إلا بقرار يتخذه مجلس الشعب القومي بأغلبية ثلاثة أرباع أعضائه وموافقة ثلثي الناخبين في الجنوب في استفتاء عام.
    هذا النوع من القوانين يسمي في الفقه الدستوري الفرنسي القوانين المكملة للدستور، وقد ضمن النص على ذلك في المادة الثامنة من الدستور الدائم لعام 1983، رغم ذلك، وبعد عشر سنوات عم فيها السلام أرجاء القطر وبخاصة الجنوب، أصدر الرئيس نميري أمراً جمهورياً في عام 1983 قَسَم فيه الإقليم إلى ثلاثة أقاليم جُعل لكل واحد منها مجلس تشريعي، ومجلس تنفيذي، وحاكم، وعاصمة. قرار نميري كان خرقاً للاتفاقية على ثلاثة وجوه: الوجه الأول هو خرق عدد من بنود الاتفاقية مثل المادة 303 (تعريفات) والمادة 4 من الاتفاقية وكلاهما تُعَرِفان الجنوب كوحدة متكاملة، والمادة 34 التي تحدد عاصمة واحدة للإقليم (جوبا) تكون مقراً للسلطتين التشريعية والتنفيذية، والوجه الثاني والأهم هو عدم إتباع نميري للقواعد التي حددتها الاتفاقية، بل حددها الدستور، لتعديل نصوصها. أما الوجه الثالث والخطير أيضاً هو منح الرئيس نفسه الحق في تعيين 10% من أعضاء مجلس الشعب، بالإضافة إلى خمسة أعضاء آخرين يختارهم القائد العام لتمثيل القوات المسلحة، وكان ذلك خرقاً فاضحاً للمادة الثامنة من الاتفاقية التي تنص على انتخاب أعضاء مجلس الشعب الإقليمي انتخاباً حراً مباشراً بواسطة المواطنين المقيمين بالإقليم. وتعبير المواطن المقيم يشمل الجنوبي والشمالي على السواء.



    تنويه مهم

    لضرورات فنية قمنا بتقسيم المقالات الخمسة المتبقية للدكتور منصور خالد حول بروتوكولات السلام إلى (10) حلقات بواقع إثنتين للمقال الواحد. وفي ما يلي الحلقة الأولى من المقال الخامس:-

    الراي العام
                  

08-04-2004, 02:50 AM

aymen
<aaymen
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 708

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    Dear Ahmed

    Would you please make a link to the previous four articles in this series

    Thanks

    aymen
                  

08-04-2004, 03:21 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد (Re: ahmed haneen)
                  

08-05-2004, 05:21 AM

aymen
<aaymen
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 708

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    Thank Ahmed,
    I was looking for all the articles. I found all, but not no. 3 in yazoolYazool`s post.. Do you have it ?
                  

08-05-2004, 11:21 AM

Adil Osman
<aAdil Osman
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 10208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد (Re: ahmed haneen)
                  

08-05-2004, 12:35 PM

aymen
<aaymen
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 708

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد (Re: Adil Osman)

    Dear Adil Osman,

    No, that is not what I was looking for. However, I found it in one of links you provided in the other post..
    Thanks alot for your help..

    aymen bushra
                  

08-05-2004, 12:09 PM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    اليكم الجزء الثاني من المقال

    بروتوكولات نيفاشا ... البدايات والمآلات- المقال الخامس (2-2)

    د. منصور خالد

    التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة



    فيما يتعلق بتطبيق النظام المايوي للامركزية في بقية أجزاء القطر فقد أشرنا في مقال سابق إلى قانون الحكم الإقليمي 1980 الذي قُسِم السودان الشمالي بموجبه إلى خمسة أقاليم: الشرقي ويشمل مديريتي كسلا والبحر الأحمر، والشمالي ويشمل مديريات النيل الأزرق، النيل الأبيض، الجزيرة، كردفان ويشمل شمال وجنوب كردفان، دارفور ويشمل شمال وجنوب دارفور. وبموجب ذلك القانون أصبح لكل إقليم برلمان (مجلس شعب إقليمي) وحاكم يُعينه رئيس الجمهورية، ومجلس تنفيذي يضم عدداً من الوزراء كما خُصصت للمجلس وحكام الإقاليم واجبات لا تختلف كثيراً عن تلك التي جاءت في مشروع دستور 1968 وقد حظر ذلك القانون على السلطات الإقليمية تناول موضوعات بعينها هي الدفاع، الأمن القومي، العلاقات الخارجية، المراجعة العامة، الجنسية والجوازات والهجرة، القضاء والنيابة العامة، الاتصالات والنقل العابر، موارد المياه العابرة، شبكة الكهرباء القومية، العملة والنقد، تجارة الصادر والوارد، الموارد الطبيعية والثروات بباطن الأرض، تخطيط التعليم.
    وبسقوط نظام مايو تبنت قوى الانتفاضة في ميثاقها ثلاث قضايا ذات صلة بنظام الحكم والدستور هي تمثيل القوى الحديثة في مؤسسات الحكم، الجنوب، الحكم المركزي. ولكن حين أورد الميثاق في بنده الأول نصاً صريحاً حول الموضوع الأول هو مراعاة تمثيل القوى الحديثة في المؤسسات الدستورية عن طريق تنظيماتها الديمقراطية، اكتفى بالنسبة لقضية الحكم اللامركزي بإشارة في البند السابع من الميثاق نصها: تأكيد مبدأ الحكم اللامركزي وتقويمه على أسس ديمقراطية سليمة. أما قضية الجنوب فقد جاءت الإشارة إليها في البند الثالث من الميثاق كما يلي: حل قضية الجنوب في إطار حكم ذاتي إقليمي يقوم على أسس ديمقراطية. وتكشف الطريقة التي صيغ بها الميثاق وتدرجت به القضايا التي تناولها، فيما نقدر، عن مكان هذه القضايا في هرم الاهتمامات. كما توحي الإشارة المتكررة للديمقراطية مثلما ورد في الإشارة للحكم الذاتي الإقليمي (يقوم على أسس ديمقراطية)، وللحكم اللامركزي (تقويمه على أسس ديمقراطية) أن هناك ثمة ظناً أن هذه المؤسسات ستفي بالغرض متى ما استُردت الديمقراطية بصورتها القديمة. الأمر العُجاب هو أنه رغم ما قال به الميثاق عن محو آثار مايو لم يُقَصر دستور الديمقراطية الثالثة الذي صدر في 6/10/1985 في اقتفاء آثار مايو، فالنصان اللذان وردا حول الموضوعين هما إعادة تدوير للقوانين المايوية. مثلاً تقول المادة 16 (1): تُدار الأقاليم الخمسة الشمالية كما تُدار العاصمة القومية على أساس الحكم اللامركزي وفقاً لاحكام القانون. وفي عام 1985 أصدر الدكتور الجزولي دفع الله رئيس الوزراء، وبحسبانه أيضاً الوزير المسئول عن الحكم المحلي قراراً بتعديل القانون المايوي بما يتمشى مع الديمقراطية، ولربما لم يسعفه الوقت لتحقيق ذلك. وعقب الفترة الانتقالية عين رئيس الوزراء الصادق المهدي بموجب نفس قانون الحكم المحلي المايوي الذي لم تمسسه يد التعديل لجاناً إدارية لتتولى سلطات المجالس، وحسب تقديرنا المتواضع، لا يمنح ذلك القانون حقاً لأي سلطة لاختيار اللجان بل ينص على الانتخاب.
    أما المادة 16 (2) حول الحكم الإقليمي فقد نصت على أن يقوم نظام الحكم الذاتي الإقليمي في الإقليم الجنوبي على أساس السودان الموحد وفقاً لقانون الحكم الذاتي للإقليم للمديريات الجنوبية لسنة 1972 أو أي تعديلات يجيزها ثلثا أعضاء المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء في اجتماع مشترك على أن يخضع أي تعديل للاستفتاء المشار إليه في قانون الحكم الذاتي للإقليم الجنوبي متى ما كان ذلك ممكناً. ورغم الاحتراس الأخير يُعتبر القرار عوداً إلى اتفاق 1972 قبل أن يمسخه نميري. نقطة الضعف القاتلة في تبني قانون الحكم الذاتي الإقليمي كانت هي تجاهله لموقف الذين حملوا السلاح في الجنوب ضد نميري، وبوجه خاص ضد اتفاق أديس أبابا بسبب التداعيات التي ترتبت على خرقه. ولا شك في أن الإدراك للموقف الجديد حول قضية الجنوب هو الذي دفع أهم قاعدة لحكومة الانتفاضة (التجمع الحزبي والنقابي) للاتفاق مع الحركة في كوكادام (24 مارس 196 على قيام مؤتمر دستوري للتداول في عدد من الموضوعات وعلى رأسها: مسألة القوميات، المسألة الدينية، الحقوق الأساسية للإنسان، نظام الحكم، التنمية غير المتوازنة، المسألة الثقافية، الموارد الطبيعية. هذه الأجندة تلخص نفس القضايا التي ظلت معلقة دون حل منذ الاستقلال وعجزت كل الحلول المهدئة عن التخفيف منها بعد أن أصبح الداء يجري في الدم.
    ثم استولت الجبهة القومية الإسلامية على الحكم وعقب استيلائها وقع حدثان مهمان: الأول هو مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، والثاني إصدار حكومة الإنقاذ لدستور .1998 إقبال التجمع على قضية نظام الحكم كان جريئاً، وكما قلنا ربما أرادت فصائله أن تُصلح مجتمعه ما ارتكبته فرادى من أخطاء. قدم التجمع للقرار حول نظام الحكم بما يلي:
    × بما أن تواصل الحرب خلق قدراً كبيراً من عدم الثقة بين أبناء الوطن الواحد
    × وبما أن الهيمنة المركزية على أقاليم السودان المختلفة أدت إلى تكريس التخلف في هذه الأقاليم وتهميش بعضها
    × وبما أن التجمع الوطني الديمقراطي، ممثلاً لأهل السودان في الجنوب والشمال والشرق والغرب، قد عقد العزم على إزالة كل المظالم الموروثة والقضاء على أسباب الحرب وتهيئة الظروف الملائمة لخلق سودان جديد ينعم فيه كل مواطن بالأمن والسلام والرفاهية في ظل وحدة حقيقية مستمدة من الارادة الحرة لشعبنا
    ولم تكن الطبقة السياسية السودانية منذ ديسمبر 1955، وفي مارس 1965، وأكتوبر 1968، وسبتمبر 1983، وابريل 1985، تجهل بما أن، وبما أن، وبما أن. تجاهل هذه البما أنات في الماضي هو الذي أوردنا موارد الهلاك. وعلى أي يحمد للتجمع إقراره في النهاية بالحقيقة، وإقدامه على اقتراح اقتسام للسلطة بين الحكومة المركزية والكيانات الشمالية، وبينها وبين الكيان الجنوبي بصورة تجاوزت الوضع القائم، وذلك الذي اقتُرح في مشروع دستور 1968، بل وفي اتفاق أديس أبابا.
    أما دستور 1998 الذي أصدرته حكومة الإنقاذ فقد كان، من جانب، نقلة بالنسبة لولايات الشمال لما تبعه من توسع في إنشائها بحجة تقليص الظل الإداري. فأقاليم الشمال الخمسة أصبحت 16 ولاية هي: البحر الأحمر، الجزيرة، جنوب دارفور، جنوب كردفان، الخرطوم، سنار، شمال دارفور، شمال كردفان، الشمالية، غرب دار فور، غرب كردفان، القضارف، كسلا، نهر النيل، النيل الأبيض، النيل الأزرق. كما تحولت مديريات الجنوب الثلاث إلى 10 ولايات هي أعالي النيل، بحر الجبل، البحيرات، جونقلي، شرق الاستوائية، شمال بحر الغزال، غرب الاستوائية، غرب بحر الغزال، واراب، الوحدة. كعب أخيل بالنسبة لتلك اللامركزية هو أنها، تماما كاللامركزية في نظام مايو، قد استحدثت في ظل نظام شمولي.
    من الجانب الآخر أغرق دستور 1998 القضايا في حشو لفظي لا نور عليه. فالمادة الثانية من الدستور تقول السودان جمهورية اتحادية تُحكم في سلطانها الأعلى على أساس النظام الاتحادي الذي يرسمه الدستور مركزاً قومياً وأطرا ولائية وتدار في قاعدتها بالحكم المحلي. وحول الوحدة الوطنية نصت المادة السادسة على: الوطن توحده روح الولاء تصافياً بين أهله كافة وتعاوناً على اقتسام السلطات والثروات القومية بعدالة دون مظلمة، وتعمل الدولة والمجتمع على توطيد روح الوفاق والوحدة الوطنية بين السودانيين جميعاً إتقاءً لعصبيات الملل الدينية والحزبية والطائفية وقضاء على النعرات العنصرية. وعندما نأتي للتفصيل حول ما أسماه الدستور الأطر الولائية، خاصة فيما يتعلق بالسلطات، نجد أنها لا تتجاوز تلك التي جاء بها قانون الحكم الإقليمي 1980: حكم الولاية وحسن إدارتها، الموارد المالية الولائية، التجارة والتموين، الأراضي والموارد الطبيعية الولائية، المياه والطاقة غير العابرة، الطرق ووسائل النقل الولائية، تسجيل المواليد والوفيات ووثائق الزواج، الشئون التبشيرية والخيرية. حدد دستور 1998 أيضاً طريقة معقدة لاختيار الولاة : كلية انتخابية ترشح لمنصب الوالي تتكون من أعضاء المجلس الوطني وأعضاء مجلس الولاية ورؤساء المحليات، وتختار الكلية ستة أشخاص ليختار منهم رئيس الجمهورية ثلاثة يقدمون للانتخابات. وقد امتدت سلطات المركز حتى لاختيار الوزراء الولائيين، فهؤلاء يعينهم الوالي بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
    في كل هذه التجارب ظلت الخرطوم هي التي تهيمن على صنع القرار، حتى في ظل النظام الحالي، رغم نعت نظام الحكم اللامركزي بالاتحادية (الفيدرالية)، والفيدرالية كلمة ذات دلالات ومعان معروفة، كما تنبثق عنها سلطات يعرفها القاصي والداني. هذه السلطات تشمل السلطة التشريعية القائمة على الانتخاب الحر المباشر، والسلطة التنفيذية (الحاكم) التي يختارها الشعب أيضاً انتخاباً حراً، والسلطة القضائية في كل الأمور ذات الطابع الولائي، والسلطة على الأموال جلباً وجبياً وانفاقاً. ولعل أضعف الحلقات في كل هذه الأنظمة منذ مشروع دستور 1968، إلى قوانين الحكم الإقليمي في عهد مايو، والنظام الذي تلاه وتقفي أثره رغم الحديث المكرور عن دمقرطة اللامركزية، وأخيراً دستور 1998، هي حرمان الولايات من السلطة على الأموال. وكما قال، بحق، الدكتور فيصل عبد الرحمن على طه المال هو عصب اللامركزية. فاللامركزية لا تنشأ بمجرد إصدار القوانين وخلق الأجهزة وتحديد المهام وإنما بالاستقلال المالي. وبالطبع لا يتوقع أحد أن تباشر الوحدات اللامركزية المهام المنوطة بها بمواردها الذاتية، ولكن الاعتماد الكلي على الحكومة المركزية يجردها من الاستقلال وينفي عنها صفة اللامركزية (السودانيون والبحث عن حل لأزمة الحكم، مركز عبد الكريم ميرغني). ولعل الذي أطلع على تطور النظام الفيدرالي في الولايات المتحدة يدرك أن الذي ثَبَت اقدام ذلك النظام في سنيه الأولى، أكثر من نصوص الدستور والأفكار النيرة في أوراق الفيدراليين Federalist Papers، هو قرار وزير المالية الاسكندر هاملتون بتولي الحكومة الفيدرالية كل الأعباء المالية للولايات الثلاث عشر بما فيها الديون. حقيقة الأمر أجلاها المحافظ مختار الطيب في خطاب له إبان عهد مايو، قال إن الذي يحول دون تطور وانطلاق الحكم اللامركزي في السودان هو الترسانات المسلحة القابعة عند شاطئ النيل بالخرطوم. ويذهب بي الظن إلى أن أكبر تلك الترسانات التي كانت تؤرق بال المحافظ وزارة عتيدة تسمى يوماً وزارة المالية، ويوماً آخر وزارة الخزانة، ويوماً ثالثاً وزارة المالية والتخطيط والاقتصاد والخزانة.
    بروتوكول نيفاشا لم يضف جديداً إلى القديم بل قلبه رأساً على عقب حتى يحقق أولاً وحدة طوعية قائمة على الرضا، وثانياً لا مركزية حقيقية مبنية على التراضي. وتنص المبادئ التي ارتكز عليها البروتوكول حول اقتسام السلطة على ما يلي :
    × الاعتراف بان السيادة مناطةvested بالأمة، وبضرورة ممارسة الحكم الذاتي autonomy من جانب حكومة جنوب السودان وحكومات كل الولايات عبر القطر.
    × الاعتراف بالحاجة لمعايير قومية وولائية تؤكد الوحدة، وتعبر عن التنوع.
    × العمل على رفاهية الشعب وحماية حقوقه الإنسانية وحرياته الأساسية.
    × ضرورة تضمين جنوب السودان في كل مستويات الحكم والمؤسسات القومية تعبيراً عن وحدة الوطن.
    × السعي وراء حكم صالح يلتزم الشفافية والمحاسبة والديمقراطية وسيادة حكم القانون في كل مستويات الحكم لكيما يتحقق سلام دائم.
    × اعترافاً بالحاجة لتقنيين هذه الترتيبات (أي إكسابها الشرعية) تُجرى انتخابات عادلة على كل مستويات الحكم، وتوفر الحرية للتعددية الحزبية.
    × ضرورة الترابط بين كل مستويات الحكم مع تخويل سلطات واسعة للجنوب، والولايات، والحكم المحلي.
    × الالتزام من جانب كل مستوى من مستويات الحكم باحترام استقلال بعضها عن بعض، والتعاون فيما بينها بدلاً من التنافس، وعدم تعدي البعض على سلطات البعض الآخر، وعدم افتراض اية سلطات لا يمنحها الدستور، والتنسيق والتفاعل فيما بينها، والتسوية السلمية للنزاعات.
    على ضوء هذه المبادئ أقر البروتوكول ثلاثة مستويات للحكم: قومي، جنوبي، وولائي. على المستوي القومي تتكون أجهزة الحكم من هيئة تشريعية من مجلسين (برلمان يُنتخب أعضاؤه انتخاباً حراً مباشراً ومجلس أعلى للولايات يضم عضوين عن كل ولاية بصرف النظر عن حجم الولاية). هذا هو النمط المرعي في بعض الدول الفيدرالية مثل الولايات المتحدة الأمريكية حيث يضم مجلس النواب أعضاء يمثلون دوائر جغرافية يُحدد عددها حسب نسبة السكان مما يعني أن بعض الولايات قد تحظى بعدد أكبر من النواب باعتبار تعداد سكانها. اما مجلس الشيوخ فيضم عضوين من كل ولاية بصرف النظر عن عدد سكان الولاية، وفي هذا تستوي ولاية حافلة بالسكان مثل تكساس أو كاليفورنيا مع ولاية صغيرة مثل ميريلاند أو فيرمونت. ويقوم المجلسان سوياً بالتشريع، على أن الغرفة العليا المستحدثة على النظام السوداني (مجلس الولايات) سيكون واجبها الأساس هو حماية حقوق الولايات (الشمالية والجنوبية معاً) من أي تغول من جانب السلطة المركزية. لهذا ينص البروتوكول على أن أي قانون أو إجراء يؤثر على مصالح الولايات لا يجاز إلا بأغلبية 66% من أعضاء مجلس الولايات، وفيما عدا ذلك تجاز التشريعات بأغلبية بسيطة.
    أما السلطة التنفيذية على المستوى القومي فتتكون مما يسمى مؤسسة الرئاسة (رئيس، نائب أول، نائب) وتكون القرارات فيها جماعية بين الرئيس ونائبه الأول في قضايا محددة مثل إعلان حالة الطوارئ، وإعلان الحرب، واستدعاء أو حل البرلمان، التعيينات للوظائف المطلوب إقرارها من الرئاسة بموجب اتفاقية السلام. هذه الوظائف ستحدد في الاجتماع المرتقب للتداول بين الطرفين حول آليات تنفيذ الاتفاق. والى أن تتم الانتخابات يتولى الرئيس الحالي رئاسة الجمهورية ويكون قائداً أعلى للقوات المسلحة، في حين يصبح رئيس الحركة الشعبية رئيساً للجنوب، ونائباً أول للرئيس، وقائداً للجيش الشعبي. ووضع البروتوكول القواعد اللازم إتباعها في حالة تخلي، أو تعرض الرئيس ونائبه لطارئ في الفترة السابقة للانتخابات، كما حدد الإجراءات الواجب إتباعها بعد الانتخابات.
    أسمى البروتوكول الحكومة القومية حكومة الوحدة الوطنية، ونص على أن تكون رمزاً للوحدة الوطنية وتعكس تنوع البلاد وحاجتها للمشاركة العريضة في الحكم، كما ألزم تلك الحكومة باحترام اتفاق السلام على أن يكون طرفا الاتفاق ممثلين في الحكومة بشكل كاف. وبوجه خاص أشار الاتفاق إلى مسئولية حكومة الوحدة الوطنية عن وضع سياسات عادلة للقبول في الجامعات والمعاهد العليا وتحقيق تساوي الفرص، والتوزيع العادل والشفاف للموارد التي ستوفر للتنمية. إلى جانب ذلك وجه البروتوكول أن يتم توزيع المناصب الوزارية بكل أشكالها، بما في ذلك الوزارات السيادية القومية، والخدمة العامة القومية، خاصة في المستويات العليا والوسيطة، على وجه عادل وتمثيل أهل السودان تمثيلاً منصفاً. ولتحقيق هذا الغرض نبه إلى ضرورة مراجعة عدم التوازن الراهن في الخدمة العامة مع الاهتمام بالتدريب والتأهيل وعدم التمييز في الاختيار للوظائف على أساس الدين أو العرق أو الإقليم أو النوع أو المعتقد السياسي، والالتزام بالانحياز القصدي affirmative action . وكي لا يترك البروتوكول الأمر لأي جنوح في الاجتهاد، نص على أن يصبح ما لا يقل عن 20 % من شاغلي الوظائف العليا أو الوسيطة في الخدمة العامة (بما في ذلك وكلاء الوزارات) من الأشخاص المؤهلين من جنوب السودان خلال السنوات الثلاث الأولى، على أن يرتفع العدد إلى 25% خلال خمس سنوات. والهــــــــدف النهائي، كما حدد البروتوكول، هو أن تضم الخدمة العامة القومية ما بين 20 إلى 30 % من أبناء الجنوب حسب ما سيتمخض عنه الإحصاء السكاني المرتقب.
    الموضوع الآخر المهم الذي أغُفل في كل تجارب اللامركزية (من مشروع 1968 إلى دستور انتفاضة أبريل 1985) هو قضية العاصمة القومية. يقول البروتوكول إن العاصمة القومية، لكيما تصبح رمزاً للوحدة الوطنية لابد أن تعكس تنوع السودان في إدارتها. ولا شك في أن اللامركزية الراديكالية التي ستتم نتيجة لتطبيق بروتوكول اقتسام السلطة ستجعل من الصراع حول اقتسام السلطة المركزية، بالمفهوم القديم لتلك السلطة، عراكاً في غير معترك. أدهشتني بالغ الدهشة التعليقات التي تصور تقليص الترسانات المسلحة في الخرطوم بأنه تمزيق للسودان، ليس فقط لأن الخرطوم لن تُمسح من الخارطة السياسية بل ستصبح عاصمة إدارية مثل اتاوا، أو كانبرا، أو نيودلهي، وإنما أيضاً لما فيه من وصائية غريبة. فما الذي يغضب أي سوداني منصف من أهل الشمال في أن يملك أهل كردفان، أو أهل دنقلا، أو أهل سنار أمر نفسهم، يحكمون أنفسهم بأنفسهم، ويدبرون أمورهم، ويجبون وينفقون أموالهم على الوجه الذي يريدون لا على الوجه الذي يريده موظفو الخرطوم.
    المستويان الآخران للحكم هما مستوى الجنوب ومستوى الولايات وتندرج في المستوى الأخير المناطق التي درجنا على تسميتها خلال التفاوض المناطق المهمشة، وعلى وجه التحديد مناطق جبال النوبة، وجنوب النيل الأزرق، ابيي. في تجارب الأمم هناك وسائل عديدة لاقتسام وحصر السلطات في الأنظمة اللامركزية. فكندا مثلاً تحدد سلطات الولايات حصراً على أن يؤول ما تبقى من السلطات للسلطة المركزية. كما يمنح الدستور الكندي السلطة المركزية الحق في رفض (فيتو) أو إيقاف أي تشريع ولائي في حالات الطوارئ حسب تقدير تلك السلطة. أما الهند فُيفَصل دستورها السلطات في قوائم ثلاث تتضمن سلطات الاتحاد، سلطات الولايات، السلطات المتطابقة concurrent . في السودان تقفت بروتوكولات نايفاشا، بقصد أو بدون قصد لا يهم، النموذج الهندي.
    وفي هذا الإطار تعتبر السلطات التي مُنِحت للجنوب، بجانب تلك التي مُنِحت للولايات، هي الأولى من نوعها منذ الاستقلال. ففي البدء سيكون للجنوب، كما للولايات، دستورها الخاص شريطة أن لا يتعارض ذلك الدستور مع اتفاقيات السلام أو الدستور القومي. وفي إطار الدساتير الولائية تصبح شعوب الأقاليم أو الولايات هي مصدر السلطة (انتخاب البرلمان، انتخاب رئيس الإقليم أو الولاية)، كما ستكون لها الولاية التامة على الأمن الداخلي (الأمن داخل الولاية بما في ذلك الإشراف على الشرطة)، الخدمة العامة الولائية، القضاء والإدارة العدلية على مستوى الولاية، الزراعة، الصحة، الصناعة، التعليم حتى المرحلة الثانوية، الموارد الطبيعية (الغابات والمراعي)، الطرق الولائية، تخطيط المدن داخل الولاية، إقامة وصيانة المطارات المحلية (الفرعية)، تطوير الثقافات واللغات المحلية، إدارة الأراضي، التجارة، حماية البيئة، فرض الضرائب، الاستدانة بضمانة الولاية ووفق الضوابط التي يضعها البنك المركزي. منح هذه السلطات للجنوب أو الولايات يقلص من سلطات المركز إلى حد كبير بحيث يقتصر دوره على الواجبات ذات الطابع السيادي، ووضع السياسات العامة، والتنسيق بين الولايات. من ذلك الدفاع والأمن القومي، الشرطة القومية والتحقيقات الجنائية بموجب القوانين القومية أو الدولية (الانتربول)، الخدمة العامة القومية، العلاقات الخارجية والمعاهدات الدولية، الهجرة والجنسية، البنك المركزي والنقد والديون القومية، الطيران المدني (سلطة متطابقة في حالة الجنوب)، النقل البحري، الموازين والمكائيل والتواريخ، الارصاد الجوي، الملكية الفكرية وبراءات الاختراع، الإحصاء القومي، المراجعة العامة، الميزانية والضرائب القومية والجمارك، الاتصالات (سلطة متطابقة في حالة الجنوب)، الشبكة القومية للكهرباء، الطرق القومية والعابرة، التعليم العالي والبحث العلمي، مياه النيل والاتفاقات الدولية بشأنها، المحكمة الدستورية للحسم في كل القضايا المتعلقة بدستورية القوانين أياً كان منشؤها، وفي حماية وصيانة حقوق الإنسان، وفي الفصل في النزاعات بين مستويات السلطة المختلفة، تنظيم المهن القانونية والمهن الأخرى، القضاء في مستوى النقض والإبرام في القضايا التي تقع تحت طائلة القوانين الاتحادية (المحكمة القومية العليا).
    كثيرون يظنون أن اتفاقيات نيفاشا تمهد للانفصال أكثر مما تمهد للوحدة لأنها تمنح الجنوب سلطات واسعة، وجيشاً خاصاً به، ونظاماً مصرفياً يختلف عن النظام السائد في الشمال، ونصيباً من عائد الثروة البترولية يُغري الجنوبيين بالقول: هل من مزيد. ولكن أهل هذه الظنون لا يتساءلون لماذا ظل مفاوضو الحركة يفاوضون على مدى عامين بعد ماشاكوس حول أمور لا تعني الجنوب في شيء: الإصرار على إعلان لحقوق الإنسان Bill of Rights لكل أهل السودان، التمثيل العادل للجنوب في كل مستويات الحكم القومي وبتفصيل يدعو للإملال، الإصرار على الاستجابة لمطالب أهل الجبال وجنوب النيل الأزرق ثم الدعوة لتطبيق النظام الذي أتفق عليه لإدارة تلك المناطق على كل الولايات الشمالية. هذا هو الوجه الآخر للقضية الذي لا يتدبره أهل الظنون، لهذا كثيراً ما تساءلت إن كانت الظنون تعبيراً عن الخوف من انفصال الجنوب، أو استكثاراً للثمن الذي ندفعه لتحقيق وحدة السودان التي نحبها حباً جماً.
    هذا الثمن الذي يدفعه الشمال للوحدة والسلام ليس مقتطعاً من حقوق مشروعة للشمال حتى نسميه تنازلات، وإنما هو رد لحقوق مشروعة للجنوب حُجبت منه منذ الاستقلال ويستحقها بحكم ثقله السكاني. فمنذا الذي يملك صادقاً أن يدعي أن الجنوبي غير مؤهل لأي موقع وزاري غير الأشغال والنقل الميكانيكي والثروة الحيوانية وأضيف لها أخيراً الطيران المدني، وهي وزارة لا يزيد عدد العاملين فيها عن 5% من موظفي مطار اوهارا بشيكاغو؟ ومنذا الذي يملك صادقاً أن ينكر حق الجنوب الذي يمثل سكانه قرابة ثلث سكان السودان وتبلغ مساحته ثلث مساحة القطر في أن يتوافق حجم وجود أبنائه وبناته في الخدمة العامة مع وزنه في التركيبة السكانية للسودان؟ ومنذا الذي لا يرى وجه الغبن في حرمان الجنوبيين منذ الاستقلال وحتى اليوم من تولي منصب الوكيل في أية وزارة، والمدير العام في أية مؤسسة عامة حتى يرى في الحديث عن تقدير النِسَب في الوظائف العامة تفصيلا لا معنى له؟ هذه التفصيلات يا صحاب هي الرد على السؤال السخيف الذي ما فتئنا نردده: الجنوبيين دايرين شنو؟ الرد على ذلك السؤال بعد اتفاقيات السلام هو بعربي جوبا: ياهو دي!
    هذا التحول الديمقراطي آتٍ آتٍ وفي تجارب الأمم هناك طرائق عدة للتحول من الأنظمة الشمولية للديمقراطية.
    فالتحول قد يتم من داخل النظام كما فعل الجنرال عبد السلام أبوبكر في نيجيريا عقب رحيل ساني أباشا، أو عبر الانتفاضة الشعبية كما وقع في الفلبين، أو عبر التفاوض كما علمتنا تجربة جنوب أفريقيا. ومن حسن حظ السودان أن يكون على رأس المفاوضين الذين نهدوا للدفاع عن حقوق الجنوب سياسي جنوبي ما ضلت بصيرته يوماً عن الطابع القومي لمشكل الجنوب، وما كف يوماً عن القول إنه يريد سوداناً موحداً على أسس يتراضى عليها أهل السودان حتى لا يحس أي سوداني أنه هضيم حق.
    ولئن آتى الله، من الجانب الآخر، حاكماً شمالياً الحكمة (والحكمة من منائح الله) كي يدرك أن للسلام والوحدة ثمناً مستحق الدفع، ثم يحمل أهله على ذلك وبعضهم يصرخ ويرفس بقدميهKicking and Crying فذلك أيضاً أمر يُغتبط له. يتبقى لنا من بعد أن ندرك أن عافية الوليد الجديد وقدرته على أن ينمو ويفرهد هي مسئوليتنا جميعاً

    هذا هو اللنك يا ايمن

    http://www.rayaam.net/articles/article26.htm
                  

08-05-2004, 12:38 PM

aymen
<aaymen
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 708

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحول الديمقراطي ... الوهم والحقيقة / د. منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    Thanks Ahmed

    I found what I was looking for with the help of Adil Osman

    Thanks

    aymen bushra
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de