|
الاهرام:المصالح المائية المصرية مع السودان علي ضوء استمرار وحدته أو انقسامه
|
ملفات الأهرام 42961 السنة 127-العدد 2004 يوليو 31 14 من جمادى الآخرة 1425 هـ السبت
المصالح المائية المصرية مع السودان علي ضوء استمرار وحدته أو انقسامه بقلم: أحمد السيد النجار بالرغم من أن نهاية الحرب الأهلية السودانية بعد سلسلة الاتفاقات الخاصة بتقاسم السلطة والثروة قد فتحت الباب نظريا أمام تنفيذ مشروعات تطوير الإيرادات المائية لنهر النيل والتي يعتبر جنوب السودان هو المسرح الأساسي لها إلا أنها فتحت الباب أيضا أمام الاحتمالات المختلفة لمستقبل وحدة السودان فإما أن تثمر الفترة الانتقالية عن استمرار وحدة السودان أو تفضي إلي فراق الجنوب عن الشمال لا قدر الله وفي الحالتين سوف تكون هناك انعكاسات مهمة علي العلاقات المائية بين مصر والسودان الموحد أو المنقسم خاصة أن مصر بنت علاقاتها ورتبت مصالحها الاستراتيجية وفي القلب منها المصالح المائية علي أساس وحدة السودان وهو ما يتطلب تطوير استراتيجية مرنة تتعامل مع واقع الوحدة أو الانقسام الذي يختاره أبناء السودان بشماله وجنوبه بشكل يتوافق مع الحق المشروع للشعوب في تقرير مصيرها وهذا ما يدعونا إلي استطلاع الخيارات المائية لمصر والتوجهات الضرورية للسياسة الخارجية المصرية وبالذات في مجال المياه في حالة انقسام السودان.
وقبل استطلاع هذه الخيارات لابد من الإشارة إلي طبيعة العلاقات المائية بين مصر والسودان باعتبارها الأساس الذي يمكن أن تبني عليه أي استراتيجية مائية لمصر في حالة اختيار أبناء السودان في الجنوب والشمال لأسوأ الخيارات وهو الانفصال. ويمكن تلخيص ملامح العلاقة المائية بين مصر والسودان النقاط التالية:- 1ـ يتلقي السودان نحو114.7 مليار متر مكعب من المياه من خارج أراضيه منها25.2 مليار متر مكعب من المنابع الاستوائية مقاسة عند بلدة نيمولي علي الحدود السودانية-الأوغندية ونحو15.1 مليار متر مكعب من بحر الغزال. ومن المنابع الإثيوبية يتلقي السودان نحو50 مليار متر مكعب من النيل الأزرق عند دخوله الحدود السودانية ونحو13.4 مليار متر مكعب من نهر البارو الذي يعد الرافد الرئيسي لنهر السوباط ونحو11 مليار متر مكعب من نهر عطبرة. ويضاف إلي هذه الموارد المائية القادمة من الخارج نحو12.5 مليار متر مكعب تدفقات مائية من داخل السودان نفسه. ويفقد من المياه القادمة من الخارج والمتدفقة من الداخل نحو17.5 مليار متر مكعب في مستنقعات بحر الجبل ونحو4 مليارات متر مكعب في مستنقعات مشار ونحو14.6 مليار متر مكعب في مستنقعات بحر الغزال ونحو7 مليارات تفقد بالبخر بين الخرطوم والسد العالي ليبقي نحو84 مليار متر مكعب يتم تخزينها في بحيرة ناصر ويفقد منها نحو10 مليارات متر مكعب بالبخر من هذه البحيرة العملاقة ليتبقي نحو74 مليار متر مكعب تحصل مصر علي55.5 مليار متر مكعب منها ويحصل السودان علي18.5 مليار متر مكعب منها أي أكثر من حجم المياه التي تدفقت إلي نهر النيل من داخل السودان وهذا يعني أن السودان ليس مصدرا للمياه التي تحصل عليها مصر بل هو معبر لهذه المياه التي تتدفق إلي مصر من خلال نهر النيل والتي مصدرها هو الهضبتين الاستوائية والإثيوبية بل إن السودان نفسه يحصل علي حصة من المياه القادمة من الهضبتان المذكورتين وبالتالي فإن السودان في موقع مشابه لذلك الذي تحتله مصر في العلاقة مع باقي دول حوض النهر. وهذا المعبر في حالة وحدة الدولة السودانية آمن بفعل الاتفاقيات الموقعة في السابق مع دولة قائمة ومستمرة وبفعل الجوار الجغرافي المباشر والمصالح المائية المشتركة. وحتي في حالة انقسام السودان فإن جنوب السودان الذي يعد هو الآخر معبرا للمياه إلي شمال السودان وإلي مصر والذي يعاني من تخمة مائية سواء من المياه المتدفقة إليه من أوغندا أو إثيوبيا أو من مياه الأمطار التي تسقط عليه مباشرة لمدة تزيد علي ستة أشهر في العام ليس أمامه حصريا لتوظيف موارده المائية سوي الاتفاق مع مصر ومع شمال السودان لإقامة مشروعات مائية وزراعية وصناعية مشتركة يوظف من خلالها موارده المائية لتحقيق مصالحه علما بأن المشروعات الأساسية لتطوير الإيرادات المائية لنهر النيل من خلال إنقاذ ما يتبدد في مناطق المستنقعات هي مشروعات موقعها جنوب السودان في مناطق مستنقعات بحر الجبل وبحر الغزال ومستنقعات مشار. وحتي في حالة توصل مصر لاتفاق مع أوغندا وباقي دول المجري الأعلي للنيل لإقامة مشروعات مائية لزيادة الإيرادات المائية لنهر النيل ولحصول مصر علي حصة منها فإن هذه المشروعات لابد وأن يستتبعها عقد اتفاقات مع السودان بجنوبه وشماله كمجري أوسط لنهر النيل وذلك لتنفيذ المشروعات والأعمال الضرورية لتمرير المياه الإضافية القادمة لمصر من أعالي النيل.
2 ـ تميزت العلاقة المائية بين مصر والسودان بأنها علاقة تعاونية عميقة سواء تجسدت في مشروعات بناء السدود التي تم تنفيذها قبل الاستقلال أو بعده أو تجسدت في اتفاقية عام1929 والتي تم تطويرها في اتفاقية عام1959 والاتفاقيتان تقومان علي تقاسم الدولتين للمياه التي تتدفق إليهما تاريخيا من المنابع الاستوائية والإثيوبية لنهر النيل وهذه العلاقة التعاونية لابد أن تستمر لتأمين إمدادات المياه من نهر موسمي الإيراد ومتقلب في حجم إيراده من عام لآخر بصورة شديدة التطرف. وقد بلغ أقصي إيراد مسجل للنيل عند أسوان نحو151 مليار متر مكعب عام1878 ـ1879 علما بأن متوسط إيراد النيل عند أسوان هو84 مليار متر مكعب سنويا. وبلغ الإيراد السنوي للنيل عند أسوان نحو107,189,111,112,114,119,119 مليارات متر مكعب في أعوام1988,1964,1917,1916,1896,1895,1894 علي الترتيب. وبالمقابل بلغ الإيراد نحو60,70,57,69,66,46 مليار متر مكعب في أعوام1987,1986,1984,1983,1940,1913 علي الترتيب.
3 ـ تعتمد الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية في مصر بصورة كاملة وفي السودان بدرجة كبيرة علي ما يتدفق إليهما من مياه من المنابع الاستوائية والإثيوبية لنهر النيل وبالتالي فإن الدولتين ليس لديهما ترف الاستغناء عن قطرة واحدة من حصتيهما في مياه النيل ومن ثم فإن الموقف المشترك للدولتين هو أن أي مسعي لدول حوض النيل بشأن اقتسام مياهه يجب أن ينصب علي تطوير الموارد المائية التي تتبدد فعليا واقتسامها علي أسس عادلة دون المساس بأي قطرة من الحصتين الراهنتين لهما.
وبناء علي كل ما أوردناه آنفا فإن هناك عددا من التوجهات التي ينبغي للسياسة المصرية تجاه السودان أن تعمل علي أساسها لتأسيس مصالح عامة ومائية مشتركة مبنية علي أسس عادلة مع جنوب السودان وشماله في حالة انفصالهما. ويمكن تركيز هذه التوجهات فيما يلي: أـ تحتاج كل من مصر والسودان بجنوبه وشماله إلي تطوير علاقات بينية قوية للغاية لبناء تعاون شعبي ورسمي بين مصر من جهة وجنوب وشمال السودان من جهة أخري في مجالات المياه والزراعة والغذاء والتعليم والصحة والصناعة والثقافة والأديان والفنون بالإضافة إلي المجال العسكري. ولابد لمصر أن تستمر في منح الميزات التي تمنحها لمواطني السودان الشقيق في مجال التعليم والعمل والإقامة والدخول لمصر إلي مواطني جنوب وشمال السودان علي قدم المساواة إذا اختاروا الانقسام. ويمكن الدعوة بشكل جاد وبتحرك فعال لإقامة سوق مشتركة شاملة بين مصر وجنوب وشمال السودان. ويمكن من الآن أن يتم التحرك لبناء هذه السوق مع السودان الموحد لمصلحة شعبه في الجنوب والشمال ولمصلحة الشعب المصري أيضا ويمكن مد هذا التوجه ليشمل كل دول حوض النيل المرتبطة بأخوة مائية أبدية.
ب ـ هناك ضرورة لأن تعمل مصر بالتعاون مع جنوب السودان وشماله متحدين أو منفصلين علي تطوير بنية أساسية تربط بين الجميع كأساس لتطوير حركة نقل السلع والبشر بين جنوب السودان وشماله وبين مصر سواء من خلال خطوط للسكك الحديدية المرتبطة بموانيء بحرية ونهرية أو من خلال خطوط نهرية متتابعة.
ج ـ لابد من المبادرة بإعادة صياغة مشروعات إنقاذ المياه التي تتبدد في المستنقعات في جنوب السودان والتي تعد الطريق الرئيس لتطوير الإيرادات المائية لنهر النيل علي أساس احتمالات حدوث الانفصال إذا حدث. وفي كل الأحوال فإن تلك المشروعات وعلي رأسها مشروع جونجلي تحتاج لإعادة صياغة بحيث يكون أحد أهدافها الرئيسة هو تعظيم فائدة المجتمع المحلي في جنوب السودان حتي يكون هذا الجنوب بتكويناته الاجتماعية وبالقوي السياسية الفاعلة فيه معنيا بنجاح هذه المشروعات وبحمايتها بشكل مستمر.
د. يجب علي مصر أن تعمل بجدية لترشيد استهلاك المياه في مجال الزراعة بشكل صارم عبر استخدام أساليب الري الأكثر توفيرا للمياه كلما كان ذلك ممكنا وفي هذا الصدد لابد من إلزام كل المزارعين الذين يزرعون أشجار الفاكهة في الأراضي القديمة أن يستخدموا أسلوب الري بالتنقيط ولابد أيضا من إلزام كل المزارعين في الأراضي الجديدة وبخاصة متوسطي وكبار المالكين الذين يملكون20 فدانا فأكثر باستخدام الري بالتنقيط لزراعات الفاكهة والخضر والري بالرش الليلي للمحاصيل التقليدية لأن هذا الترشيد سيرفع فعالية استخدام المياه في مجال الزراعة في مصر وسيقوي موقف مصر المائي ويجعلها أكثر منعة وأقل تأثرا بأي اضطرابات في دول المجري الأعلي أو المجري الأوسط لنهر النيل وبالتحديد بما سيحدث في السودان واحتمالات استمراره موحدا أو انقسامه في المستقبل
|
|
|
|
|
|