|
|
 اعتقادات شعبية في السودان حول "الكرامات" - "النديهة"
|
اعتقادات شعبية في السودان حول "الكرامات"
"النديهة" نداء المحتاج إلى المساعدة
الخرطوم - “الخليج”:
ظاهرة تبجيل الأولياء في السودان ترتبط إلى جانب الطقوس والممارسات بضرب من التعبير الشفاهي يأخذ أشكالا مختلفة فقد كانت هذه الظاهرة ومازالت تمثل واقعا فكريا وعاطفيا، انتج شكلاً من الابداع تمثل في فن المدائح والتراتيل الدينية وأدب المناقب والكتابات في الرد على المخالفين والمنكرين وأيضا القص الشعبي الذي يدور حول كرامات الأولياء وما ينسب إليهم من الأعمال الخارقة. وتحتل هذه القصص والحكايات أو الأساطير مكانة متميزة في التراث القصصي في السودان.
والولي في المفهوم الشعبي هو شخص “حيا كان أو ميتا” قد حباه الله بنعمة القرب منه بحكم ما يتمتع به من علم ديني وخلق وورع وزهد وسلطان روحي وكرامات وباعتقاد جمهرة المريدين أن مخالفة الولي قد تعود عليهم وعلى أطفالهم باللعنة.
أما الحكايات أو القصص في الثقافة الإسلامية في السودان فهي عبارة عن قصص نثرية قصيرة يتم تداولها شفاهة وتنتقل من جيل إلى جيل، وهي تدور حول ما يأتيه الأولياء من كرامات أو أمور خارقة للعادة. ومن أهم ما يميز هذه القصص هو الاعتقاد في صحة أحداثها، باعتبارها واقعية.
ويرى الباحث في الفلكلور عباس الحاج أن المحور الذي تدور حوله الحكايات هو الكرامة، أما القصة نفسها فعادة ما تكون صيغة قصيرة لوصف مبسط لحدث ما في حياة الولي ،وبذلك فإن الولي هو الشخصية الأساسية والبطل أما الشخصيات الأخرى في القصة فهي إما ممن يعتقدون في الولي فيتطلعون إلى عونه ومساعدته فيتحقق لهم ذلك، أو أنهم معارضون فتتم من خلال أحداث القصة هزيمتهم وإزاحتهم من مسرح الحدث. وتبدأ القصة في العادة بحدوث نزاع أو محنة أو كارثة أو أية مشكلة جماعية أو فردية أو بنشوء حاجة إلى مساعدة في ظرف من الظروف وهنا تتم “الاستعانة” بالولي اما مباشرة أو بنداء، وهو ما يعرف “النديهة”، وتتم حبكة القصة بالتفاعل الفوري للولي مع الحدث وإنقاذ الموقف ببركته أو قواه فوق الطبيعية حسب الاعتقاد الشعبي .
حكايات المناسبات: يشير الدكتور شرف الدين الأمين إلى أن الدراسة الحقلية توضح أن رواية حكايات كرامات الأولياء تتم في مناسبات متنوعة في حياة الناس، إلى الدرجة التي صعب معها تخيل أي مناسبة اجتماعية لا تخلو من تبادلها. كذلك ان روايتها لا تتقيد أو ترتبط بزمان أو مكان بعينه كما هو الحال مع بعض ضروب القصص الشعبي الأخرى كالأحجية التي تجيء روايتها للأطفال ليلا. إلا أن هناك مناسبات بعينها تعتبر أنسب لها. ومن تلك المناسبات التي تجمع المريدين في مكان إقامة شيخهم أو زاويته، خاصة عقب صلاة المغرب ،ففي هذا التجمع يتبادل الناس الحديث عن الحياة اليومية من خلال شعورهم بالأخوة، كذلك يتبادلون المعلومات الخاصة بشيخهم وفي ثنايا ذلك يتبادلون رواية الحكايات المنسوبة إليه. وتجيء رواية الحكايات في المناسبات المرتبطة بالممارسات الصوفية والتي تأخذ الصفة المهرجانية كالليلية والمولد والحولية.
وقد أشارت الدراسات إلى أنه في جمهورية مصر العربية يكون الولي في الاحتفالات هو الموضوع الرئيسي للحديث، ومن شفاه الذين يعرفونه جيدا والذين يرتبطون به برباط وثيق، ويسمع بقية الناس عن كراماته وتعاليمه.
ومن المناسبات الدينية الأخرى لتبادل الحكايات موسم الحكم الذي تسبقه وتليه تجمعات تشكل خلالها المدائح الشعبية والقصص الديني خلال تجمع الناس في الساحات والمنازل لتناول إفطار رمضان. ومن هذه المناسبات أيضا التجمعات التي تسبق أو تلي الصلوات في الزوايا والمساجد، بالإضافة إلى أن هذه الحكايات تروى في كثير من المناسبات الاجتماعية الخاصة في بيوت الأفراح والأتراح
الرواة: لا يوجد رواة حكايات كرامات الأولياء محترفون كما يحدث في بقية قصص الشعبي الأخرى، كما لا يوجد مفهوم عن راو للأساطير على أساس إلهامه الفني. كما يرى محمد المصطفى الباحث في الفلكلور، حيث يقول إنه عموما يمكن لأي شخص أن يكون ناشرا للخرافات، طالما أنه يزعم بأنه يحكي الحقيقة ومع ذلك فهناك مفهوم الراوي الجيد فيما يتصل بعنايته ومقدرته على التوثيق.
والذين يقومون بنشر الحكايات في الغالب هم من كبار السن، كذلك فإن أغلب الرواة يرتبطون بالمعلومات التي أدلوا بها، لأنهم عادة تكون صلتهم وثيقة بالولي أو الشيخ الذي تدور حوله الحكايات فهم اما أقرباؤه أو جيرانه الذين وهبوا أنفسهم لخدمته ويقيمون معه بصورة دائمة ويرافقونه في أسفاره .
ومع أن النساء يشتركن في نشر الحكايات إلا أنه يعتقد بأن روايتهن عادة تكون أقل دقة ومعقولية.
وهذا المفهوم مرتبط بصورة المرأة ووضعها الاجتماعي. فتعتبر النساء أقل جدية ومعرفة من الرجال خاصة عندما يكون الأمر متعلقا بالدين ومادامت الكرامات في نظر المجتمع هي شيء جاد وحقيقي فإن هذا لا يتفق مع ما عرف عن النساء من ميل نحو التنسيق والمبالغة وهو أسلوب يتماشى مع القصص الخيالي الذي عرفن بحكايته خاصة أحاجي الأطفال. وقد أشار الباحثون إلى أنه في مجال القصص الشعبي النثري يتفاعل الحضور مع الراوي.وقد اعتبر الباحثون أن التفاعل بين الراوي والمستمعين أكثر فعالية في عملية إبداع الأساطير.
وعادة يبدأ الراوي بعبارة يوضح فيها مصدر حكايته كأنما يقول: “سمعت من والدنا الشيخ فلان بن فلان من أهالي الحلة الفلانية من فلان نجل الشيخ فلان” وبعد هذه المقدمة تأخذ القصة شكلا دراميا وتجيء زاخرة بالحوار أو تأتي في شكل بيان مقتضب .أما نهايات القصص فتتباين فعدد من الرواة مثلا كان ينهي روايته بالتعبير الموجز “هذه كانت كرامة للشيخ فلان” أو “هذا شيء معروف” أو “هذه شاهدها ناس كثيرون”.
وظائف الحكايات: غالبا ما تكون لحكايات كرامات الأولياء دور في إبراز ريادتهم في المجتمع وقيادتهم الروحية له حيث يقدمون خدمات متنوعة للمجتمع عموما فهم بحكم سلطتهم يتوسطون في حل النزاعات الاجتماعية التي تحدث بين الناس، كما ان بركتهم بوسعها أن تدفع ضرر القوى الشريرة عن حياة الناس أو الاتيان بكرامة تخلص شخصا في حالة يأس، حسب الاعتقادات الشعبية.
ومعظم هذه الوظائف تدور حول رفض المعارضين أو المنكرين للكرامة ومقدرة الولي أو الشيخ على الإتيان بها للنجدة في حالات الضيق والخطر أو التنافس بين الأولياء في المقدرات ودرجات الوصول في المعرفة الصوفية ما يعرف ب “الغاريات” وأيضا شفاء المرض واسترداد الثروة الضائعة أو المسروقة.
http://www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=85329
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست