كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 05:13 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-11-2005, 01:51 PM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل




    أول التجديد قتل القديم بحثا
    أمين الخولي
    إنه لشرف لي لو تعلمون عظيم أن تقرر مؤسسة ابن رشد منحي جائزتها هذا العام، وبذلك تمنحني وساما علي درجة عالية من الأهمية من زاويتين:
    الزاوية الأولي أن تقرن اسمي باسم فيلسوف الشرق والغرب ابن رشد العظيم الذي اخترق فكره ظلمات القرون الوسطي فأضاءها، والذي أتشرف منذ سنوات باعتلاء كرسي أكاديمي يحمل اسمه بجامعة الإنسانيات بمدينة أوترخت بهولندا.
    أما الزاوية الثانية للأهمية التي يمثلها وسام هذه الجائزة فهو مسح العار الذي لحق بقيمة الحرية _حرية الفكر وحرية البحث العلمي وحرية العقيدة­ في عالمنا العربي والإسلامي منذ سنوات عشر مضت.
    والآن من فوق هذا المنبر الحر، منبر مؤسسة ابن رشد، أتحدث إليكم لأشرككم في بعض همومي البحثية، التي هي هموم أسئلتنا المعاصرة، وهي أسئلة ليست وليدة هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها، بل هي الأسئلة التي شغل بها رواد النهضة في العالمين العربي والإسلامي منذ بداية القرن التاسع عشر. وهي الأسئلة التي صاغها الإعلان عن هذه الجائزة بدقة لافتة:
    هل يتوافق الفكر الإسلامي مع الحداثة؟ هل تسمح أصول الدين أن يعيش العربي المسلم في دولة عربية حديثة تتميز بصفات الحضارة بما فيها محورية الإنسان المواطن في المجتمع، حرية الرأي والمساواة بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين؟ هل يتعارض الإسلام مع أنظمة الحكم الحديثة القائمة علي الديمقراطية وتناوب الحكم والتعددية؟
    وهي أسئلة نابعة من محاولة التواصل مع الآخر تواصلا إيجابيا فعالا، الآخر الأوروبي الغربي الذي ظهر في أفق وعينا مسلحا بكل أنماط القوة، قوة السلاح وإرادة السيطرة من جهة، وقوة العلم والعقلانية وقيم التطور والحداثة في الوقت نفسه. هذا هو السياق الذي حدد لأسلافنا أفق استجاباتهم، وهو سياق ملتبس يمثل فيه الأخر مصدرا للتحدي، كما هو مصدر للإلهام معا.
    في هذا السياق الملتبس يمكن فهم الخطاب الإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهو الخطاب الذي يمثله بصفة خاصة كل من جمال الدين الأفغاني (1839­1897) ومحمد عبده (1845­1905). لا ينبغي أن يدهشنا في هذا الخطاب امتزاج السياسي بالفكري، وانشغال الفكري بضغوط التحدي الأوروبي سلبا وإيجابا، ويجب أن نركز اهتمامنا علي محاولة ذلك الخطاب فتح الطريق للنهوض بكافة السبل والطرائق، انطلاقا من التسليم بحقيقة التخلف والركود التي كان يعانيها الواقع الإسلامي.
    كان فشل تجربة التنظيمات العثمانية، وإخفاق محاولات الإصلاح السياسي المفروضة بقوة السلطة أو بالضغط الأوروبي، أحد الدروس الهامة التي كان علي خطاب النهضة أن يتعامل معها، وكان السؤال: من أين يبدأ الإصلاح؟ ومن الذي يحدد شروطه وملامحه وأولوياته؟ وهل يبدأ الإصلاح سياسيا أم يبدأ ثقافيا وفكريا؟ وما دور الدين عموما، والإسلام علي وجه الخصوص، في مشروع الإصلاح.
    يمكن وصف خطاب الأفغاني من حيث منحاه الإصلاحي الشامل من جهة، ومن حيث قدرته علي محاورة الأخر ولو من باب السجال، من جهة أخري، بأنه خطاب تقدمي. هو كذلك من حيث إنه خطاب يسعي لتأكيد قيم الحرية والمساواة والعدل، ويريد استنهاض الشعوب لاسترداد مجدها والسيطرة علي مصيرها. أما من حيث الوسيلة التي يسعي بها إلي استنهاض الأمة، وسيلة العودة إلي الجذور والأصول الصافية، فهو خطاب سلفي. ولكن شتان بين سلفية النهوض والتجديد والتقدم وبين سلفية تقليد الأسلاف واتباع خطواتهم حذوك النعل بالنعل.
    لم يكن الخطاب الإصلاحي للشيخ محمد عبده مختلفا في منطلقاته العامة عن خطاب الأفغاني وإن اختلف معه في التفاصيل الدقيقة، ونحن نعلم تأثير الأفغاني العميق في عبده، وهو تأثير أكثر من تأثيره في كل من أثر فيهم خلال سنوات إقامته في مصر. لقد استطاع عبده أن يحول أطروحات الأفغاني العامة إلي خطة عمل فكري ثقافي شاملة. فمحاولات الأفغاني لإعادة فتح أبواب الاجتهاد في الفكر الإسلامي أتت أكلها علي يد عبده سواء منها ما يتصل بالمساواة بين المسلم وغير المسلم، أو بالمساواة بين الرجل والمرأة. أقام عبده هذه المساواة علي أسس التأويل العقلاني للنصوص الأساسية. أما مفهوم العدل الاجتماعي، الذي جعل الأفغاني يفيض في اشتراكية الإسلام ويقارن بينها وبين اشتراكية الغرب _فيما يورده عنه أحمد أمين، فقد أسسه عبده علي أساس تأويلي مكين في تفسيره الذي تناولنا كثيرا من جوانبه في كتاباتنا.
    ومثله مثل الأفغاني انخرط عبده في الدفاع عن الإسلام ضد منتقديه من مفكري الغرب وكتابه. وردوده علي المسيو جابريل هانوتو السياسي والمؤرخ الفرنسي (1853­1944)، فيما ذهب إليه من اتهام الإسلام بأنه علة تخلف المسلمين، يمكن للقارئ الرجوع إليها في كتابه الهام الإسلام بين العلم والمدنية. وما قلناه عن الأفغاني وعن طبيعة خطابه الإصلاحي يمكن أن يقال عن خطاب عبده، إنه خطاب تقدمي من حيث توجهاته ومقاصده، سلفي من حيث أدواته ووسائله. والتمييز الذي طرحناه بين سلفية تقدمية وأخري تقليدية تمييز ينطبق علي خطاب عبده قدر انطباقه علي خطاب الأفغاني.
    لكن حالة التعايش بين التقدمية والسلفية، التي لازمت خطاب الإصلاح الديني لم تدم طويلا لأسباب لا يتسع المجال هنا للإفاضة في شرحها. نشير فقط إلي ما نعتبره واحدا من أهم هذه الأسباب، وهو طبيعة العلاقة الملتبسة بالآخر الأوروبي، وهي علاقة فرضت علي خطاب الإصلاح أن يكون سجاليا حينا واعتذاريا في أغلب الأحوال. مدفوعا بحنين عارم للدفاع عن الإسلام ضد منتقديه من الغربيين كان لا بد لخطاب الإصلاح الديني أن يفصل بين الإسلام بقيمة ومبادئه السامية من جهة، وبين المسلمين المتخلفين من جهة أخري. وفي هذا الفصل تم تمجيد الماضي مقارنة بالحاضر المزري المهين: ومن ثم تم تأسيس مرجعية الماضي العقلاني الحضاري، أو بعبارة أخري تم تأسيس الماضي بوصفه يوتوبيا، يمكن العودة إليها، وبالتقليد يمكن تحقيقها في الحاضر.
    غني عن البيان أن الملمح الأساسي لمشروع الإصلاح، الملمح التحرري التقدمي المرتبط بقضايا الإصلاح السياسي والفكري واللغوي، وتأكيد قيم المساواة والحرية والعدل، والتحرر من التقاليد والأوهام .. الخ ينتمي إلي قناعة المصلحين بأهمية قيم الحضارة الأوروبية، تلك القيم التي صنعت التقدم والقوة، أو باختصار بأهمية الإفادة والتعلم من أوروبا المعلم، لا المعتدي أو المحتل.

    ***

    لا يتسع المجال الآن للخوض في تحليل العوامل والظروف التي أدت إلي التراجع العام الذي تمثل في سيادة السلفية التقليدية التي نجحت في تقليص تقدمية الخطاب السلفي النهضوي. ولكن الذي يهمنا هنا هو أن نشير إلي أن عاملا من عوامل السقوط والتردي العام علي جميع المستويات وفي كل المجالات هو غياب نقاش علمي حول قضايا الفكر الديني، سواء من منظور التاريخ أم من منظور الواقع الراهن.
    لم تتوقف محاولات تجديد الخطاب الديني منذ بدايات عصر النهضة العربي حتي الآن، لكنها رغم كل إنجازاتها المعروفة لم تمارس فعاليتها النقدية للأسس التي توقف النقاش حولها منذ القرن الثالث الهجري. منذ القرن الثالث الهجري (عصر الخليفة العباسي المتوكل) توقف النقاش حول أهم مشكلة من مشكلات الخطاب الديني، ولا أقول أهم مشكلات علم الكلام، تلك هي إشكالية تعريف الكلام الإلهي وعلاقته بالذات الإلهية، وهي المشكلة التي عرفت باسم مشكلة خلق القرآن وما ارتبط بها من محنة واضطهاد طال كل الأطراف التي ساهمت في النقاش. في عصر المتوكل تم حسم الأمر بقرار سياسي علي أساسه تم تحديد العقائد الصحيحة وتمييزها عن العقائد الباطلة: وعلي هذا الأساس اعتبرت عقيدة خلق القرآن، التي دافع عنها المعتزلة عقيدة باطلة: بل اعتبرت بدعة وهرطقة، وصارت عقيدة القرآن الأزلي القديم هي العقيدة الصحيحة. ولا شك أن هذا القرار السياسي الخطير يمثل نقطة البداية في ما يسمي إغلاق باب الاجتهاد، لأنه كان بمثابة مصادرة تامة لأي نقاش فكري في شئون الدين والعقائد.
    حاول الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد _المحاولة الوحيدة في العصر الحديث لصياغة لاهوت إسلامي عصري_ أن يفتح النقاش حول قضية الوحي وكلام الله: فاختار في الطبعة الأولي للرسالة أن ينحاز لموقف المعتزلة كما انحاز لموقفهم في قضية العدل الإلهي وخلق الأفعال، لكنه سرعان ما غير موقفه في الطبعة الثانية من الكتاب، وربما قام بذلك رشيد رضا رفيق الإمام وتلميذه، لينحاز لموقف الأشاعرة، وهو الموقف الذي يميز في الكلام الإلهي بين الصفة القديمة الأزلية للكلام الإلهي وبين القرآن المتلو المحكي بأصواتنا البشرية، وهذا هو المخلوق لا غيره.
    منذ هذا التردد في موقف الشيخ محمد عبده، أو في تأويل رشيد رضا لعبده، ظلت محاولات التجديد تدور في فلك اللاهوت الأشعري، ورويدا رويدا غاب هذا التمييز الأشعري بين جانبي الكلام الإلهي لحساب الموقف الحنبلي الذي يصر علي صفة واحدة بلا تمييز، هي أن كلام الله أزلي قديم وصفة من صفات ذاته الأزلية القديمة.
    في هذا السياق يمكن أن نشير إلي بعض المحاولات الجريئة، التي حاولت اختراق حجاب الصمت بطرق مختلفة دون أن يقارب هذا الاختراق الجريء تخوم السؤال المحبط والمكبوت منذ القرن الثالث الهجري.
    في سياق القضاء علي الإمبراطورية العثمانية وتقسيم تركة الرجل المريض بين الطامعين الأوروبيين خضع العالم الإسلامي كله تقريبا للسيطرة الاستعمارية، الأمر الذي أفضي بالتدريج إلي سقوط معادلة مشروع الإصلاح القائم علي ازدواجية القبول والرفض، علي اختيار حداثة الحاضر والتحمس لقيمها، ولكن بشرط بنائها علي أسس من التراث. في سقوط المعادلة كان قد تم تكريس سلطة التراث بطريقة لا تقبل التراجع، لكن كان قد تم بالمثل استزراع بعض قيم الحداثة بطريقة لا تقبل التراجع كذلك. من هنا سنجد أن العقود الأولي من القرن العشرين قد شهدت بدايات حالة الاحتقان والتوتر بين طرفي المعادلة، وهو احتقان أدي إلي ميلاد تيارين لم يكفا أبدا عن التصادم حتي اليوم: تيار الإصلاح الليبرالي والتيار السلفي التقليدي.
    يمكن أن ندرج في ممثلي التيار الليبرالي قاسم أمين (1863­190، الذي كرس كل نشاطه الفكري، بالإضافة إلي نشاطه الوظيفي كرجل قانون وصل إلي درجة مستشار في محكمة الاستئناف، لقضية النهضة، خاصة قضية تحرير المرأة من قيد التقاليد البالية التي تقف ضد تعليمها وتسجنها في البيت وتتعامل معها بوصفها متاعا للرجل لا كائنا إنسانيا مساويا له في الحقوق والواجبات.
    ورغم انتماء قاسم أمين زمانيا لعصر كل من الأفغاني وعبده فإن منطلقه الفكري لتحقيق التمدن علي الطريقة الإسلامية لا يقوم علي الجمع بين تقدمية الأهداف وسلفية الوسائل. إن مناقشته لقضايا الزواج والطلاق والتعليم والمساواة والحقوق والواجبات .. الخ لا تقوم علي الاستناد إلي مرجعية التراث بشكل انتقائي، كما هو الحال عند عبده، بل تقوم علي نمط من العقلانية لا تحتقر التراث ولا تستهين به، لكنها لا تتخذ منه مرجعية مطلقة. وبعبارة أخري يمكن القول إن تقدمية قاسم أمين لا تتسم بالسلفية التي لاحظناها عند الرواد.
    وإذا كان قاسم أمين لم يتعرض لأي شكل من أشكال الاضطهاد باستثناء بعض التعليقات والاعتداءات اللفظية، فإن منصور فهمي الذي حاز درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون علي أطروحته أحوال المرأة في الإسلام
    La Condition de la Femme dans la Tradition de L_Islam
    عام 1913 لاقي حرمانا من حق التوظف نتيجة الهجوم الذي شنه عليه التقليديون.
    لكن ما عاناه منصور فهمي من حرمان من حقه الوظيفي بعد عودته من بعثته لا يقاس بمدي المعاناة التي سيعاني منها من جاءوا بعده. ولم يكن الاضطهاد بدعوي معادة الدين موجها فقط ضد دعاة العصرية من الليبراليين، بل كان يوجه بنفس الدرجة من القسوة والصرامة ضد أبناء الأزهر الذين يقفزون فوق أسوار التقليد والإجماع متأثرين دون شك بدعوة الحرية الفكرية التي أطلقها كل من الأفغاني وعبده في أفق الفكر الديني.
    واحد من هؤلاء هو محمد أبو زيد مؤلف مجموعة من الكتب، بينها كتاب في التفسير بعنوان الهداية والعرفان تمت مصادرته وقت صدوره.غ4ف وجريمة محمد أبو زيد التي أدت إلي محاكمته سنة 1917 أنه قال إن إن آدم ليس نبيا ولا رسول بنص قطعي وإنما نبوته ورسالته ظنيتان: فكان هذا مبررا ليرفع بعض الناس شأنه للقضاء طالبين التفريق بينه وبين زوجته بتهمة الردة، واستجابت المحكمة الابتدائية للأحوال الشخصية بمدينة دمنهور وحكمت بالتفريق بين المدعي عليه وزوجته. ولكن محكمة الاستئناف بمدينة الإسكندرية حكمت برفض الدعوي ونقض الحكم ضد محمد أبو زيد يوم أول ديسمبر 1918.غ5ف
    بين المحاكمتين اللتين تعرض لهما محمد أبو زيد وقعت محاكمة أخري لشيخ أزهري هو الشيخ علي عبد الرازق (1888­1966) بسبب كتابه الإسلام وأصول الحكم الصادر عام 1925 في سياق الجدل السياسي والفكري الذي شغل العالم الإسلامي كله بعد قرار إلغاء الخلافة الذي أصدره الكماليون في تركيا. انتهت المحاكمة لا بفصل الشيخ فقط من وظيفته في سلك القضاء الشرعي ­كان قاضيا بمحكمة مدينة المنصورة­ بل بسحب شهادة العالِمِية منه. لا نريد أن نقدم هنا قراءة تفصيلية للكتاب، فهذا أمر تناولناه مرارا في أكثر من دراسة.
    نفس الأزمة ستتكرر بعد سنة واحدة مع طه حسين (1889­1973) ابن الأزهر الذي فر من تقليديته وانسداد آفاق حرية الفكر والنقاش فيه إلي الجامعة الجديدة _الجامعة المصرية­ التي فتحت أمام طه حسين أبوابا من المعرفة والعلم لم تنغلق، إذ سرعان ما أوفدته في بعثة لاستكمال دراسته في فرنسا، ويعود في عام 1919 حاملا درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية. فتحت له الدراسة في فرنسا، كما فتحت لمنصور فهمي من قبل، أبواب التعرف علي مناهج الدرس الاجتماعي، سرعان ما وجدت مجالات لتطبيقها لا في دراساته الأدبية فحسب بل في كتاباته في التاريخ الإسلامي كذلك. كانت جريمة طه حسين أنه أراد أن يؤصل منهج الشك في البحث العلمي متأثرا في ذلك بديكارت. وحين أراد أن يدرس الشعر الجاهلي مزج بين منج الشك الديكارتي وإنجازات علماء الحديث النبوي في نقد المرويات.

    ***

    تكررت نفس الاتهامات والمحاكمات ومصادرة الكتب ­بعد طه حسين­ مع كثيرين، لا في مصر وحدها بل في أقطار أخري من الوطن العربي كما حدث لالطاهر حداد التونسي (1899­1935) بعد صدور كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع (1929): فهاجت أقلام المحرضين ضده فسبوه ولعنوه من فوق منابر المساجد، وألفوا الكتب في سبه وشتمه، لعل أشهر هذه الكتب هو كتاب الحِدَاد علي امرأة الحَدَّاد، وهو عنوان كاف في دلالته علي غرض السب والإهانة. وقد أثر هذا كله في حالته المعنوية والنفسية فمات كمدا وهو في ريعان الشباب. جدير بالذكر أن أفكار الحداد، التي ناله بسببها ما ناله، كانت هي الأفكار الملهمة لمجلة الأحوال الشخصية التونسية التي صدرت في تونس عام 1957 فحققت للمرأة التونسية مكاسب غير مسبوقة.

    ***

    نذكر هنا أيضا كتاب محمد احمد خلف الله الفن القصصي في القرآن الكريم، والذي كان في الأصل رسالة جامعية للحصول علي درجة الدكتوراه، ولكن جامعة القاهرة رفضتها عام 1948، وحولت صاحبها إلي عمل إداري. ويصدق القول كذلك علي كتاب خالد محمد خالد من هنا نبدأ (1950) الذي تمت مصادرته بأمر من النيابة العامة، استنادا إلي كتاب صاحب الفضيلة رئيس لجنة الفتوي بالجامع الأزهر المؤرخ في أول مايو سنة 1950. وقد قررت النيابة العامة ­التي سبق لها أن برأت طه حسين­إدانة المؤلف والكتاب بعبارات لا تقل قسوة ورجعية وتزمتا عن عبارات تقرير الأزهر.
    كانت هذه المحاكمات والمصادرات تعبيرا عن حالة التوتر والاحتقان التي صارت ملموسة واضحة بين تياري الليبرالية والسلفية. إنها أزمة الصراع بين الحداثة والمحافظة بين السعي للتطور والتقدم وبين الحرص علي الثبات والتقليد.
    في هذا السياق يتميز فكر أمين الخولي (1895­1966) صاحب نظرية التفسير الأدبي للقرآن الكريم ومؤسس مدرسة التفسير الأدبي في جامعة القاهرة بسمة خاصة، تتمثل في قدرته علي اختراق إشكالية العلاقة بين الوحي والتاريخ بطريقة واقعية تاريخية لافتة. من منظور التفسير الأدبي يميز الخولي في موقف القرآن من كل القضايا بين بعدين: الواقعية والمثالية، وهو يشرحها مبينا بلغة بسيطة ما يمكن أن ندركه من علاقة توتر جدلي بين الوحي بوصفه تنزيلا سماويا مثاليا، وبين التاريخ بمعناه الاجتماعي والإنساني، بوصفه مجال تجلي الوحي. في هذا البعد التاريخي يبرز البعد الواقعي للوحي، ولكنه لا يحجب بعده المثالي ولا يخفيه. ومن جهة أخري لا يزعم الشيخ أن مثالية الوحي تطمس بعده التاريخي، إنما تكمن المشكلة في منهج التفسير ونهج التأويل: أي كيف نصوغ منهجا يكشف عن البعدين معا ويستخلص المغزي الحقيقي لهذا التوتر الجدلي بينهما. ليس إلا المنهج الأدبي في التفسير إجابة لهذا السؤال.
    إن النتائج التي توصل الخولي إليها بمنهجه الأدبي في التفسير لا تدل علي كفاءة المنهج فقط، بل تشير إلي قدرته الفذة علي الكشف عن مستويات من الدلالة تجعل القرآن حقا صالحا لكل زمان ومكان، لا بما يقول ويفصح، بل بما يشير ويومئ. يفصح القرآن عن واقع تاريخي، هو واقع العرب ومستوي إدراكهم بحسب ثقافتهم في القرن السابع، لكنه يشير ويومئ إلي مرام بعيدة ترقي إلي المثال. إن محاولات جذب القرآن للتأويلات المذهبية، بما في ذلك التفسير العلمي الذي ينقده الخولي أشد النقد، هو جذب للمثالي إلي أرض الواقعي، بينما الواقعي في القرآن هو المؤدي إلي المثال. بعبارة أخري فإن محاولات التأويل المذهبي، أو التأويل الإيديولوجي، أيا كانت، تقلب المعادلة، وتدمر البنية، وتفسد المعاني والدلالات معا.
    لكن منهج الخولي الرصين لم يجد من يواصل تطويره وتطبيقة، خاصة بعد أن نال تلميذه _محمد احمد خلف الله­ ما ناله كما سبق أن قلنا. وإذا كان منهج الخولي الرافض للتأويلات الإيديولوجية، مهما كان حسن النية وحسن القصد المتوفرين، لم يجد من يطوره، فإن محاولات محمود محمد طه في السودان، ومحمد شحرور في سوريا فضلا عن جهود جمال البنا وخليل عبد الكريم في مصر، لم تنجح في التحرر من إيديولوجيات تضع الغاية مبررا للمنهج الذرائعي.

    ***

    في كل محاولات التجديد تلك ربما يجب استثناء حسن حنفي الذي أعاد وأفاض في الحديث عن الوحي بوصفه علاقة جدلية بين الإلهي والإنساني، بين الأرض والسماء، بين المجدرَك والمتعالي ... الخ. وربما يمكن أيضا استثناء المفكر الباكستاني فضل الرحمن الذي أكد دور محمد الإيجابي في عملية الوحي قائلا إنه لم يكن مجرد ساعي بريد. لكن أيا من حسن حنفي أو فضل الرحمن لم يتجاوز هذه الملاحظات العابرة: فقد انشغل حسن حنفي، وما يزال مشغولا، بالتجديد في علوم التراث، وإنجازاته في هذا المجال تتفاعل مع إنجازات محمد عابد الجابري طيب تيزيني وغيرهما من الفلاسفة. أما فضل الرحمن فقد انشغل بدوره في قضية التحديث، ومارس علي المستوي التطبيقي إجراءات جديرة بالتنويه، لكن السؤال الأساسي، سؤال كلام الله ظل غائبا.
    ما أهمية هذا السؤال؟ إن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون تجديدا ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية _القرآن والسنة­ ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية التي استقرت في الفكر الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري. دون استعادة السؤال المغيب والمحبط والمكبوت سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص لا لفهم النصوص في ذاتها.
    لقد استعرضنا بعض نماذج للقراءات التحديثية ولاحظنا ما تنطوي عليه من مخاطر استعادة المعني التقليدي من براثن المعاني الحداثية. يحدث ذلك طول الوقت، وبوتائر منتظمة: لأننا جميعا ننطلق من نفس المفهوم، مفهوم القرآن كلام الله الأزلي القديم، وصفة ذاته الأزلية القديمة، وهو نفس التعريف الذي يسوغ أسلمة المعرفة وأسلمة العلوم بالقدر الذي يسوغ العنف والقتل والتكفير باسم الله.
    إذا كان كلام الله هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فاللغة العربية قشرة علي معانية كما يقرر الغزالي _الأشعري­في جواهر القرآن، وبما هي قشرة فإن علوم اللغة والبلاغة والأسلوب والدلالة هي علوم مهمتها إزالة القشور للبحث عن الدرر والجواهر الكامنة: أي كل أنواع العلوم، ما كان وما هو كائن وما سوف يكون.
    ولأن كلام الله _القرآن­ هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فهو أيضا يتضمن الحداثة بكل قيمها ومفاهيمها وفلسفاتها كاملة بنفس القدر الذي يبرر به القتل والتكفير والإقصاء والاستبعاد بلا زيادة ولا نقصان. إذا كان الأمر كذلك: أي إذا كان القرآن بما هو كلام الله الأزلي القديم يحتمل كل أنماط المعاني والدلالات، الحديث والقديم، الأصولي والليبرالي، التنزيه والتشبيه ... الخ، فأي المعاني ينتصر ويسود ويقهر المعاني الأخري ويحبسها في سجن الهرطقة والردة والكفر أو الأصولية والتطرف والإرهاب؟ إن المعني الذي ينتصر دائما ويسود ويقهر هو من يدعيه القوي، صاحب السلطة والجاه والسلطان، الذي قد يكون حداثيا فيقهر أصحاب المعاني غير الحداثية، وقد يكون سلفيا فيقهر الحداثيين.
    يتحول الصراع السياسي الاجتماعي إلي صراع معني، ويبدو الأمر أننا نتقاتل حول الدين؟ والسبب أن نظام حياتنا السياسي هو الذي يحتاج أولا إلي التجديد، نحتاج إلي الحرية: لأنها شرط أولي لممارسة التفكير، الذي هو بدوره أداة التجديد والتغيير. نحتاج للديمقراطية، وجوهرها الحرية الفردية، لا مجرد إجراء الانتخابات، وتغيير الوجوه. في مناخ ديمقراطي يحمي حرية الفرد وحقه في الاختيار، يمكن الحديث عن حرية البحث العلمي والدرس الأكاديمي في حقول المعرفة كافة، وفي حقل الدراسات الدينية بصفة خاصة. ولعله من الممكن حينئذ الحديث عن إمكانية وجود مؤسسات أكاديمية لدراسة الأديان، لا لمجرد تعليم الأديان كما هو الحال في العالم الإسلامي كله. إن البحث في الأديان، تاريخها، بناؤها، لا هوتها، مناهج التفسير وطرائق التأويل، بنية مؤسساتها، الفرق بين الإيمان والعقائد أو الدوجما ... الخ، أمر يختلف اختلافا جوهريا عن مؤسسات تعليم الأديان، حيث لا مجال إلا لتعليم العقائد الصحيحة من منظور المؤسسة والتمييز بينها وبين العقائد الباطلة، من منظور المؤسسة كذلك. وحين تنشأ مؤسسات البحث في الأديان، يمكن تأسيس علم الأديان المقارن، وهو علم غائب من مؤسسات تعليم الأديان. في هذه الحالة، ومع تحقق بعض تلك الشروط، يمكن إثارة الأسئلة، وفتح باب النقاش الحر في كل القضايا المكبوته والمحبطة، لا المسكوت عنها فقط. يمكن أن يصبح اللا مفكر فيه، بتعبير محمد أركون موضوعا للنقاش.
    في ظل مناخ يتوفر فيه الحد الأدني من الحريات الفردية، ومن حرية البحث والنقاش، يمكن للأسئلة التالية أن تثار. وتلك أسئلة لا يمكن بدون فتحها للنقاش أن يكون هناك أي احتمال لتجديد الخطاب الديني، هذا إلا إذ اعتبرنا أن الخطاب هو الخطبة، وأن الأمر هو تعبئة الأفكار القديمة في لغة جديدة، كما هو الحال في الجدل الصاخب الدائر الآن هنا وهناك حول تجديد الخطاب الديني.

    ***

    السؤال الأول والجوهري: ما معني أن القرآن كلام الله؟ ليس السؤال هو ما إذا كان كلام الله قديما أزليا أم محدثا مخلوقا، فذلك كان سؤال القرون الأولي من تاريخ الإسلام استجابة للسؤال المسيحي حول تناقض القرآن في فهمه للمسيح، بجمعه بين كونه كلمة الله وروح منه من جهة، وبين كونه إنسانا مخلوقا من جهة أخري. في محاولة المفكرين المسلمين الأوائل حماية الإسلام من التشابه مع المسيحية كان لابد أن يؤكدوا مفهوم كلمة الله المخلوقة عن طريق تطبيقها علي القرآن. سؤالنا الآن ليس عن هذا ولا غايتنا مثل غاية القدماء ولا سياقنا سياقهم. سياقنا هو الدرس العلمي والفهم الموضوعي. وهذا السؤال تتفرع عنه أسئلة كثيرة عن طبيعة الوحي وكيفيته، وما إذا كان تواصلا باللغة أم تواصلا بالإيحاء والإلهام. القرآن نفسه يتحدث عن الوحي بوصفه اتصالا غير لغوي، وهذا ما حلله كثير من الباحثين دون أن يتجاوزوا الخط الأحمر المفروض من القراءات التراثية لقوله تعالي: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. تقسم القراءات التراثية للآية الطرق التي يتواصل الله من خلالها مع البشر إلي ثلاثة أنماط: النمط الأول هو الإلهام، كما في كلام الله لأم موسي، والنمط الثاني هو كلامه مع موسي من وراء حجاب الجبل أو النار (وهو كلام إشكالي سيقوم المعتزلة بتأويله بأن الله خلق كلاما سمعه موسي، وهو تأويل قائم علي محاولة حماية الوحدة الإلهية _التوحيد­ من احتمال أي تشابه بين الله والبشر)، والنمط الثالث هو نمط الوحي في الإسلام، وهو عن طريق الرسول الوسيط _جبريل­ إلي محمد. وتري القراءة التراثية أن التواصل بين جبريل ومحمد كان تواصلا لغويا، أي أن جبريل تحدث إلي محمد بالعربية، وهو تفسير تتأبي عليه الآية، التي تنص علي أن الرسول يوحي إلي البشر بما يشاء الله: ومعني ذلك أن الاتصال بين جبريل ومحمد كان اتصالا غير لغوي، كان بالوحي أي الإلهام.
    يعزز هذه القراءة من جانبنا المرويات الكثيرة التي تنسب إلي الرسول، والتي يحكي فيها أن الوحي كان يأتيه أحيانا مثل صلصلة الجرس وأحيانا مثل طنين النحل، ولا يمكن أن يكون هذا الوصف دالا علي تواصل لغوي بالمعني المعتاد.
    يتفرع عن المشكل السابق فتح باب النقاش عن معني التنجيم ودلالته. ما معني أن القرآن لم يوحي الله به إلي محمد دفعة واحدة، بل نزل مفرقا حسب الأحوال والملابسات؟ وهذا السؤال يتفرع عنه سؤال آخر: هل القرآن نص واحد، أم كثرة من النصوص، لكل نص منها سياقه الخاص؟ وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فإن السؤال التالي يصبح: لماذا حين جمع القرآن في مصحف، لم ترتب النصوص حسب ترتيب نزولها، ورتبت ترتيبا آخر لم تدرس دلالته بعد. وهذا السؤال لا يعني التشكيك في القرآن، بقدر ما يفتح النقاش بحثا عن حكمة الترتيب الحالي، سواء كان الترتيب إلهيا (توقيفيا)، كما يقول الكثيرون، أو بشريا (توفيقيا) كما يذهب البعض.

    ***

    والسؤال عن الترتيب يفتح المجال للسؤال عن عملية الجمع والتدوين في المصحف، كيف بدأت وكيف تطورت، من مجرد رسم في المصحف العثماني بلا إعجام (تنقيط) وبلا حركات (تشكيل أواخر الكلمات لبيان موقعها الإعرابي) وبلا أي فواصل أو علامات وقف، إلي أن استوي مصحفا مقروءا بعد ذلك بفترة طويلة؟. وهذا الاستواء الأخير ما علاقته بالقراءات التي كانت بلا عدد حتي جاء ابن مجاهد وقرر أن القراءات المعتمدة (السنة) سبعة فقط، وذلك بعد استواء المصحف المضبوط بفترة طويلة. ومع ذلك فتاريخ القراءات يكشف أن محاولات ابن مجاهد وغيره لم توقف سيل القراءات، فتم إضافة ثلاث إلي السبع فصارت عشرا، ثم صارت أربعة عشرة قراءة (سبع سنة وسبع جائزة)، ومع ذلك فإن ابن جني يتصدي في كتابه المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة) فيجد للقراءات الشاذة مكانا، وهذا معناه أن تعدد القراءات متجاوزة الأربعة عشرة ظل أمر ملحوظا في الواقع.
    في هذا السياق لا يصح علما وإيمانا تجاهل الصحائف الباقية من مصاحف مختلفة، والتي تم العثور عليها بالمصادفة في سقف أحد مساجد صنعاء باليمن بعد سقوط السقف بفعل الأمطار في 1972، وهي صحائف مكتوبة بالخط الحجازي، ولعلها من بقايا المصاحف التي أمر عثمان بحرقها. هذه الصحائف لا تتضمن قرآنا غير القرآن الذي نعرفه، لكن رسمها قد يقترح قراءات أخري غير القراءات التي في المصحف الحالي.
    ولا يصح كذلك تجاهل التحدي الذي طرحه باحث ألماني مجهول الهوية: لأنه نشر كتابه باسم مستعار.وهو يري أن القرآن في الأساس مأخوذ من كتاب أصلي _أم الكتاب­ مسيحي باللغة الآرامية الشرقية، السريانية، وأن كثيرا من المعضلات اللغوية والأساليب الغامضة في القرآن، والتي حيرت المفسرين المسلمين، كما حيرت المترجمين الأوروبيين للقرآن، يمكن العثور علي حلول ناجعة لها بالعودة إلي اللغة السريانية.
    إلا يستحق هذا الكتاب الترجمة من أجل أن ننخرط نحن العلماء والباحثين المسلمين في النقاش الجاري الآن حول كتابنا المقدس، وذلك بدلا من الانعزال الذي مارسناه، وما زلنا نمارسه، عن العالم منذ ترددنا في ترجمة كتاب نولدكه عن تاريخ القرآن في أوائل القرن الماضي: فاتسعت الفجوة بيننا وبين الدراسات التي يقوم بها غيرنا! وحين قام بالترجمة جورج تامر مع مجموعة من المترجمين الأكفاء، وطبع الكتاب في بيروت بدعم مالي من إحدي المؤسسات الألمانية، اتهم الكتاب بإثارة النعرات الطائفية، وتمت مصادرته. وهو أمر مخجل في كل زمان، وهو عار أن يحدث في القرن الحادي والعشرين.
    علينا أن نقبل التحدي بدلا من سلوك النعامة الذي نصر عليه، كلما اتصل الأمر بالدراسات الدينية وفق مناهج غير تلك التي تعودنا عليها من قرون. علينا الاختيار بين التقليد الأعمي لما وجدنا عليه آباءنا، وبين الاندماج في العصر بالتعرف علي مناهج الدرس والتحاور مع معاصرينا بصرف النظر عن مخالفتهم لنا في الملة، كما قال ابن رشد.
    أين يمكن أن تقودنا كل هذه الأسئلة، إذا لم يتغلب علينا ضعف الإيمان فنرفض مجرد النقاش وفحص الوقائع، ونصر علي أن نجمد عقولنا؟ من المؤكد أنها لن تلغي القرآن، لا ولن تهدم الدين، ولن تزعزع اليقين، بل ستفتح لنا مجالا للفهم يري تجلي الإلهي في البشري، وانكشاف كلمة الله علي لسان الإنسان. والتحقيق التاريخي سيمكننا من استعادة السياق الغائب، فندرك فحوي كلام الله ودلالته، ونميز بين التاريخي والأزلي. سنكتشف مثلا أن كل الحدود العقابية من قطع يد السارق وجلد الزاني والزانية، والعين بالعين والسن بالسن ... الخ أنها قيم سابقة علي القرآن. يمكن أن ندرك أن الأزلي في القرآن هو تحقيق العدل بالعقاب، أما شكل العقاب فهو التاريخي، وسندرك أننا لا يصح أن ننحاز للتاريخي علي حساب الأزلي.
    إذا كان العدل هو الأساس، سنفهم أن الأمر بالقتل _قتل المشركين وغير المشركين­ هو التاريخي، بدليل أن المسلمين لم يقتلوا المشركين قتلا جماعيا في أي بلد دخلوه. بل لم يقتل النبي مشركي مكة حين فتحها.
    إذا أدركنا ذلك سندرك معني تاريخية النص بأنها لا تعني الزمانية، وسندرك معني أنه منْتَج ثقافي في نشأته، لكنه صار منْتِجا لثقافة جديدة في التاريخ. لكن إنتاجية النص للثقافة لم تتم إلا بالفهم الذي أنتجه المسلمون وفق آفاق مواقعهم الفكرية. وإذ نفهم ذلك سنستطيع أن نتفهم أن تلك الثقافة، التي أنتجها المسلمون ثقافة زمانية، نستطيع أن نحللها ونفهمها فهما نقديا، سواء تجلت في علوم الفقه أو التفسير أو الحديث، أو الفلسفة، أو علم الكلام أو التصوف، أو في علوم اللغة والأدب ... الخ.
    في هذه الحالة سنمتلك تراثنا ونبني عليه من خلال طرح أسئلتنا نحن، بدل أن يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.


    نقلا عن اخبار الادب المصرية العدد648 الاحد12ديسمبر2005




























    (عدل بواسطة مطر قادم on 12-11-2005, 01:59 PM)
    (عدل بواسطة مطر قادم on 12-11-2005, 02:05 PM)

                  

12-12-2005, 06:58 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37000

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: مطر قادم)

    شكرا يا اخ مطر قادم لهذا النقل الايجابي والتحية للدكتور نصر حامد ابوزيد الذى شردته بلاده...وهو افضل من يفك شفرة ابن عربي في القرن العشرين والحادي والعشرين ايضا واخر كتاب له هكذا تكلم ابن عربي يعتبر تحفة فكرية فريدة ورؤيةمعاصرة لابن عربي الذى نحن في امس الحاجة لها الان
    انظر كيف يكرم المفكرين في الغرب ويكرم المفلسين في الشرق لتعرف الفرق بيننا وبينهم
                  

12-12-2005, 07:39 PM

عبد الغفار عبد الله المهدى


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: adil amin)

    فوق
                  

12-12-2005, 09:45 PM

برير اسماعيل يوسف
<aبرير اسماعيل يوسف
تاريخ التسجيل: 06-03-2004
مجموع المشاركات: 4445

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: عبد الغفار عبد الله المهدى)

    Quote: في هذه الحالة سنمتلك تراثنا ونبني عليه من خلال طرح أسئلتنا نحن، بدل أن يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.



    التحية و التقدير لمطرنا القادم ... و التحية و التقدير (كمان) لنصر حامد أبو زيد ...(المقاتل) بالكلمة و المنتصر بها علي قوي الظلام و قوي الهوس الديني طال الزمن أم قصر.
                  

12-13-2005, 06:30 PM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: adil amin)

    الاخ عادل امين
    كل التحايا
    شكرا على المرور والتعليق الجميل واسعدتنى الظروف بالاطلاع على كتاب هكذا تحدث بن عربى وهو سفر قيم جدير بالقراءة المتانية وتعقدت على بعض جوانبه ولكنى اكرر العودة اليه دائما وتحياتنا لتراث.
                  

12-13-2005, 09:42 PM

برير اسماعيل يوسف
<aبرير اسماعيل يوسف
تاريخ التسجيل: 06-03-2004
مجموع المشاركات: 4445

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: مطر قادم)

    فوق
                  

12-15-2005, 06:39 AM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: برير اسماعيل يوسف)

    الاخ برير اسماعيل يوسف
    ولتعميم الفائدة جهودك فى رفع البوست مشكور ا عليها وكل الامنيات
                  

12-14-2005, 07:21 AM

برير اسماعيل يوسف
<aبرير اسماعيل يوسف
تاريخ التسجيل: 06-03-2004
مجموع المشاركات: 4445

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: مطر قادم)

    ***
                  

12-14-2005, 07:58 AM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: برير اسماعيل يوسف)

    الاخ برير اسماعيل يوسف
    شكرا على الرفع المتكرر لهذا البوست,وحاولت اقتباس جزءا منه لتضمينه فى سياق تعليقى هذا ووجدت الجزء المهم وهو كل الموضوع بلا حزف او اختيار وانك عرفت ذلك فرفعته كله
    كساك الله حلة الوعى والمعرفة وامتنانى وتحياتى.
                  

12-14-2005, 07:45 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: مطر قادم)

    سلام جميعا
    الاخ مطر قادم

    شكرا جزيلا على هذا المقال الرفيع
                  

12-14-2005, 06:31 PM

برير اسماعيل يوسف
<aبرير اسماعيل يوسف
تاريخ التسجيل: 06-03-2004
مجموع المشاركات: 4445

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: Amjad ibrahim)

    فوق
                  

12-15-2005, 06:10 AM

مطر قادم
<aمطر قادم
تاريخ التسجيل: 01-08-2005
مجموع المشاركات: 3879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كلمة نصر أبو زيد أثناء تسلمه جائزة ابن رشد:نحومنهج اسلامى جديد للتأويل (Re: Amjad ibrahim)

    الاخ امجد ابراهيم
    كل التحايا
    شكرا على التعليق والمرور,
    Quote: هذا المقال الرفيع

    ان رايته كذلك فتطابقت رؤيتنا بانه جدير بالنشر وجدير بالاطلاع وكل الامنيات
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de