|
جدتى
|
عندما احتطب الزمان شباب جدتى ,وامتصت نضارتها الاعوام ,خرجت الى الشارع سافرة , وحدقت فى الدنيا لاول مرة بعينيها الاثنتين , فراعها عالم لم تر الا نصفه الهرم , النصف الذى اوثقته للحكمة , وخاضت به فى مستنقعات الصبر . عندما قطفت الشيخوخة ازهار جدتى , ونثرت فى حدائقها الرماد , انتظرت موتها طويلا , تربصت له فى الليل بالصلاة , وفى الفجر بالدعاء , حتى توهمت انه نسيها , فانحدرت رابية العمر من جهتها الثانية نحو مهدها السحيق , وعادت طفلة ذابلة العينين , تعض ذيل الحياة باسنانها الباقية ... ومن تحت كومة الرماد طارت عصافير شعرها السوداء وحجبت الخريف , كان يمكنها ان تحبو نحو شبابها الجديد , غير ان الموت تذكرها ونتف ريش لسانها فى يوم اصم , فحدقت فيه غير آسفة , ونفخت فى وجهه روحها الساخنة , وغادرتنا الى لابد .. العجوز التى جذرت اقدامنا فى التراب , وحلقت بخيالنا الطرى على اجنحة الحكايات .. الطفلة التى فقدت الذاكرة وسرقت من احفادها الالعاب .. ارقدى بسلام ..
(هذه الكتابة كانت فى يوم وفاة حبوبة عائشة بت الفكى حمد التى عاشت 46 واربعين عاما بعد رحيل والدى ولم يساعدها احد للوقوف ولم تصلى جالسة , كانت اسطورتى التى تعلمت منها ان حب الحياة يعنى ان تصمد ..وقد صمدت 106 سنة ..)
|
|
|
|
|
|