|
بيت سوسة..
|
اخيرا" وصلا الي البيت .
تطلعا من فوق الحائط الطيني القصير . ثم تحرك الثاني وازاح قطعة الصاج المستطيلة ، بلونهاالازرق الباهت ،عن المدخل . دخل واشار الي الاول بان يلحق به .
كان الاول مترددا" وتزعجه التوقعات .لكنه ما لبث ان ازاح الصاج بدوره ودخل .
بدا الامر بينهما فيما كانا يجلسان ضمن اصدقائهما بالمدرسة. لم يكن احدهما يعرف الاخر جيدا" . جاء ذكر تلك الامور . كل واحد منهم راح يحكي . احدهم قال انه ، ذات مرة ، اخذ احداهن الي بيت مهجور .. وانه كان خائفا" ، طيلة الوقت ، واخر يحكي كيف انه دخل بالبنت التي تعمل معهم ، في البيت ،الي الحمام .كان الاول صامتا" ، كل الوقت . وحين قال الاول انه يذهب ،كلما اراد ، الي بيت سوسة ..ندت عن الاول شهقة : ـ ( اّ.. مشيت هناك!! ) رد الثاني : ـ (كتير..) وساله الاخرين : ـ (من هي سوسة ..؟)
عندما تفرقت لمة الفطور . جّّر الاول الثاني الي ركن قصي وبأدأه : ـ (انا بسكن جنب بيت سوسة ما حصل شفتك ؟ ) رد الثاني : ـ (انا بمشي باليل ..) مرت بجوارهما بائعة ايسكريم. نادي عليها الاول واشتري منها قطعتين لكليهما . ثم.. ابتعدا بفناء المدرسة ، ولم يرجعا الا بعد ان اتفقا علي الذهاب معا".
سارا .. الثاني يتقدم علي الاول ، وقطعا المسافة مابين المدخل وشجرة الليمون الغزيرة التي تتوسط البيت . في صمت . وفجأة سمع الاول الثاني وهو يسلم . ثم راه ينحني قليلا" ويدخل تحت الشجرة . تبعه بترقب . كان المكان ، تحت الشجرة ، واسعا" .. اغصان الشجرة المتدلية عليه مرفوعة بعيدان مرتفعة قليلا" ،علي عنقريب منخفض كانت هي .. سوسة تجلس . اقترب منها ومد اليها يده بعد الثاني . رحبت بهما : ـ (اهلا"..) مبتسمة بوجهها القديم ، بتجاعيده الممسحة جيدا" بالزيت ، واشارت لهما الي مقعدين الي جوارها . وجلسا . كانت ترتدي فستانا ضيقا علي جسمها الوافر المنتفخ . باكمام قصيرة، وعند الصدر مفتوحة بعض ازراره ، وثدييها الكبيريين شبه عاريين ، وبالفستان شق ، بالجهة التي جلسا عليها، ويبين خلاله لحمها ،المترهل، السهل.. بثنياته الكثيرة .
اخذت تحرك ، بملعقة في يدها ، البصل بالحلة التي علي الموقد امامها . تحت ، عند قدمييها السمنيتين الملمعتين ، هنالك.. كانت قشور البصل والبطاطس . حركت البصل بشدة ، للحظة ، ثم اخذت صحن مليء بشرائح البطاطس ودلقته في الحلة وغطتها . ثم سألتهما : ـ ( كيف ؟) أومأ الاول برأسه ، فيما اجاب الثاني ضاحكا" : ـ (تمام )
ثم سألها عن احدهم كان اثار مشكلة امس الاول . قهقهت .. ثم قالت انه جلد كما لم يجلد قط . قالت انه ضرب ضربا" مؤلما" وكاد يموت لولا لطف الله به . قالت ايضا" انها صارت تضيق بالطلبة فالواحد منهم ما ان يشتم رائحة الخمر حتي يحسب نفسه شمسون الجبار يريد تحطيم كل شيء !
لم يسبق للاول ان جاء الي هنا من قبل وحين كان يجلس مع اولاد الحي ، هنالك امام دكان عم عبد الرحيم الاعرج ، كان كل واحد منهم يحكي كيف انه دخل الي البيت ، وماراه فيه.. والبنت التي تحدث معها .. وماجري بينهما فيما بعد...
لا كلهم كانوا يحكون الا هو كان يظل صامتا"؛ فهو لم ير البيت الا من الخارج . راي ، مرات عديدة ، عربة الشرطة وهي تقدم مسرعة وتتوقف عند الباب ويتدلي منها الشرطيين مسرعيين ويدخلون الي البيت ؛ليعودا ، بعد قليل ، وهم يدفعون رجال ونساء باتجاه العربة .ثم ما تلبث العربة ان تتحرك ، ويترك البيت ،لايام، ساكن ومطفيء . وفيما هو يتجه الي الدكان ، عادة ، كان يري عندما يمر امام البيت ، اؤلئك الرجالوهم يشقون الظلمة ، بجلاليبهم البيضاء ويدخلون الي البيت .
في احيان اخري ، وبوقت متأخر من الليل ن كان يصله ، وهو في بيتهم ، ضجيج الشجارات.. الصراخ ..والاساءات البذيئة ، ويسمع والده يهمهم : ـ اعوز بالله . فجأة شعر بخبطة علي فخذه انتبه سمع الثاني يقول له : ـ ( بتسألك؟ )
لم يقل شيئا" نظر مبتسما" اليها. كانت عيناها تبدوان مجهدتان ، حوافهما محمرة ،و بهما بريق ما غامض . وسالته مرة اخري : ـ (الشيطان دا بيقرا معاكم؟ ) ضحك الثاني ، فيما أؤمأ الاول ان : نعم . ثم اشاح بوجهه المبتسم عنهما، في بله.لينظر ، عن يمينه ، الي سريرين تالفين . احدهما بلا ارجل والاخر سيوره ممزقة . عليهما مرتبة بالية مهترئة ، قماشها مشرب بالصفرة وبه خطوط وخرائط . بالقرب من السريرين ، نظر ايضا"، الي جردل صفيح صديء ممتليء بالاوساخ تطل من اعلاه قطعة قطن ، بحجم كفة اليد ، مصبوغة بدم حائل ..
اعاد بصره لينظر اليها . وجدها تنظر اليه نوبوجهها ابتسامة لم يعرف مغزاها . نظر الي الثاني . كان هو الاخر ينظر اليه مبتسما" . لم يعرف اين يول وجهه ؟
انحني براسه علي الارض . احس بنظراتهما علي راسه . لمدة بقي هكذا ، ثم رفع وجهه ، بابتسامة محاصر ، ونظر الي صاحبه ،و.. لم يسعفه .اكتفي بان لوي شفتيه بجانب فمه .نظر اليها .. راها تهز راسها مستغربة . كان العرق ينز من كل جلده ، وقلبه يخفق بشدة ، وعلي وجهه لم تزل ..ابتسامته المضطربة . واخيرا" صاحبه اعانه وقال له : ـ (بتسرح وين انت؟) رد بصوت خافت : ـ (ما سرحت!) ونظر اليها راها ترفع الغطاء عن الحلة وتنزله .ثم تقوم واقفة وتقول وهي تزيح منضدة صغيرة عن طريقها : ـ (خايف صوتك يروح منك يا ولد ) ثم تنحني وتخرج من تحت الشجرة . يتبعانها ،من ظهرها، وهي تمضي ، من امام حيث يجلسان ، باتجاه غرفتين طينيتن ملتصقتين . احداهما مغلقة والاخري علي بابها ستار خفيف يفصلهما زقاق ضيق عن قطية ، جهة اليمين ، بابها ، بخلاف الغرفتين لا يمكنهما ، من حيث يجلسان ان يريانه . راياها عبرت وانعطفت وراء القطية . دنا الاول من الثاني وسأله : ـ (ماكلمتها) ؟ رد الثاني : ـ (اصبر شوية) ـ (اصبر..!؟ ) ـ (ايوي .. وانت ساكت كدا مالك ؟) ـ (اقول شنو ؟) ـ( قول اي حاجة ما تسكت كده)
ثم اشاح بوجهه ، كأنه ضاق . نظر اليه الاول ، ولم يستطع قول شيء . اخذفي النظر اليه حتي لاحظ انه يركز نظره في نقطة ما بين الغرفتين وفتر وجهه ببطء عن ابتسامة ..، نظر الي ... هناك .. بنهاية الزقاق ، ما بين الغرفتين والقطية . ثمة حمام .. يتدلي علي مدخله جوال خيش خفيف وقصير . كان بامكانه ان يري ، من تحت ، ساقين ، وخلال الجول ، جسد يتمايل، يمنة ويسرة ، و يرفع زراع ..، بالاعلي ،الذي بلا سقف، تمتد قناة ، تصل ما بين الجدارين وثمة ملابس كان بامكانه ان يعد من بينها جونلة حمراء .
كانا معا " ، الاول والثاني ، ينظران عندما فتح باب الغرفة المغلقة وخرج احدهم يرتدي جلباب وقدم ناحيتهما وهو يصلح من عمامته علي راسه . وعندما تقدم خطوات .. اطلت سوسة بالزقاق ونادت عليه وعندما بلغته تحدثا قليلا" ضاحكيين ثم ابتعد عنها مارا" من امامهما وهو يقول لها : ـ (خلاص بعدين..)
واتجه ناحية الباب . استدارت سوسة ومضت الي الغرفة التي خرج منها وبقيت لمدة . واراد الاول ان يقول شيء لكنه تراجع .. وفجأة سمعا احدهم يسلم .. وفي ذات اللحظة سمعا سوسة ترد وهي تقف عند باب الغرفة : ـ (اهلا" .. اهلا")
ثم راياه يقطع المسافة باتجاهها ، يرتدي باناقة جلباب ابيض وتلمع علي يده ساعة ذهبية .. وبقدمه حذاء نظيف .اقترب منها . واقتربت منه . ثم احتضنا بعضهما، بحرارة ،وكأنهما لم يتقابلا من مدة . ثم قدما معا" ، ناحية الشجرة . دنت سوسة اولا" .. وفيما هي منحنية خاطبتهما وهي تنظر للثاني : ـ (خلاص تعالوا بكرة يا اولاد ياللي ؟)
قاما وتقدما باتجاه الباب وهما يستمعان لهما : ـ (اخبارك شنو ؟) سوسة : ـ (طولت مننا !؟) ... عندما ابتعدا . الاول والثاني ، باتجاه الباب سال الاول : ـ ( دا اخوها ولا شنو ؟) رد الثاني بتهكم : ـ ( اخوها !؟) وهز كتفيه ووسع خطواته باتجاه الباب .
|
|
|
|
|
|