|
قضية أبيي السودانية.. مسلسل التناقضات/الصادق المهدى
|
Quote: قضية أبيي السودانية.. مسلسل التناقضات
في كتابي الصادر في مايو الماضي بعنوان «اتفاقيات السلام ومشروع الدستور 2005م في الميزان» قلت: «فجوة الثقة بين طرفي التفاوض كانت واسعة، فهما يمثلان طرفي النقيض الفكري في السياسة السودانية. كان الحوار بينهما في الغالب عقيما. فجوة الثقة هذه أضرت بالمصلحة الوطنية في أمرين: الأول هو أن وصول الحوار لطريق مسدود في كثير من القضايا أوجب تدخل الوسطاء برأي ثالث قبله الطرفان، لكنه يحمل بذرة تناقض داخله. هذه الحقيقة تركت حوالي عشرين بندا من بنود الاتفاقية رمادي المعنى، قابلا لأكثر من تفسير. أما الثاني: فهو إيجاد دور كبير للأسرة الدولية في مراقبة ومتابعة وإنقاذ الاتفاقية». قضية أبيي إحدى هذه البنود حمالة الأوجه. اتسمت معالجة قضية أبيي بسلبيات دامغة بالتناقض، والتعسف، والتجاوز وعدم التوازن.
أولا: وقع الطرفان المفاوضان على بروتوكول أبيي في 26/ 5/ 2004م وخلاصته: أن الرئاسة «الرئيس ونائباه» سوف تعين مفوضية حدود أبيي، لكي تحدد وترسم على الطبيعة عموديات الدينكا ـ القبيلة الكبيرة في جنوب السودان ـ التسع التي ضمت لمديرية كردفان «الشمالية»، بعد أن كانت تابعة لمديرية بحر الغزال «الجنوبية» في عام 1905م، وجاء في البروتوكول أن المفوضية سوف تشمل ـ ضمن آخرين ـ ممثلين لأهل المنطقة والإدارة المحلية وخبراء. ثم وقع الطرفان على ملحق لهذا البروتوكول في 17/12/2004م متناقض في بعض تفاصيله مع البروتوكول وخلاصته: أن المفوضية سوف تتكون من 5 أعضاء تعينهم الحكومة السودانية و5 أعضاء تعينهم الحركة الشعبية و5 أعضاء خبراء ممثلين لأمريكا وبريطانيا و3 من دول الإيقاد. على أن يفوض الأمر للخبراء الخمسة إذا عجز الطرفان عن الوصول لاتفاق. التناقض هنا في ثلاثة أمور: التخلي عن مشاركة أهل المنطقة وإدارتها الأهلية والاكتفاء بتعيينات حزبي التفاوض ـ التخلي عن تفويض الأمر للمفوضية ليقرره الخبراء إذا عجز الحزبان عن الوصول لاتفاق ـ وأخيرا فإن البروتوكول أمهل المفوضية عامين بينما الملحق أوجب حسم الأمر في شهرين.
ثانيا: الصفة التي اختير بموجبها الخبراء الخمسة هي أنهم محايدون بين الحكومة والحركة. إنه حياد مزعوم، فالولايات المتحدة تعتبر النظام السوداني مجرم حرب وما برحت مؤسساتها الدستورية تمطره بوابل الإدانات، فالولايات المتحدة هي التي أدانته بالإبادة الجماعية في دارفور مما أوجب التحقيق الدولي ثم القرار رقم 1593. والكنغرس الأمريكي هو الذي أصدر قانون سلام السودان التجريمي في نوفمبر 2002 واستمر يجدده سنويا ويؤيده الرئيس الأمريكي. وأصدر بعد ذلك قانون السلام الشامل في السودان في أكتوبر 2004.
أما وسطاء الإيقاد فقد ظهر عدم حيادهم بين الطرفين في مشروع ناكورو، الذي قدمه باسمهم الجنرال سيمبويو في 6/ 8/ 2003، والذي قبلته الحركة الشعبية أساسا للتفاوض ورفضه النظام السوداني. نعم إن التحكيم ينبغي أن يوكل لمحايدين ولكن افتراض الحياد في هذه الحالة محض تعسف.
ثالثا: الخبراء الأجانب تجاوزوا صلاحياتهم بصورة منكرة، وبيان ذلك:
أ. كان المطلوب منهم أن يرسموا حدود عموديات الدينكا التسع التي ضمت لكردفان عام 1905م. قالوا إنهم لم يعثروا على وثائق حاسمة لتحديد موقعها، ولم يقفوا عند هذا الاستنتاج بل تجاوزوا مهمتهم لتناول قضايا أخرى.
ب. قالوا إن المسيرية «القبيلة العربية الشمالية التي تسكن جنوب غرب كردفان» قبيلة مترحلة ولا يمكن ضبط حدود ديارها. إذا صح هذا المقياس فلا ديار للقبائل البدوية في السودان.
ج. وحكموا على أن الإداريين البريطانيين في السودان كانوا واهمين لأنهم اعتبروا بحر العرب هو الحد الفاصل بين مديريتي كردفان وبحر الغزال. ولكن الحد في نظرهم يقع شمال بحر العرب في منطقة «الرقبة الزرقاء»، لذلك قرر الخبراء أن الحد يقع في مناطق شمال بحر العرب لم تكن أصلا محل نزاع مثل كليك، والهجليج، ونجاما.
رابعا: مثلما أن هناك عدم توازن في حياد الخبراء بين طرفي النزاع، فإن هناك عدم توازن في أهمية أبيي بالنسبة لطرفي التفاوض الذين تركت لهما القضية، وتم إبعاد أهل المنطقة نهائيا عن شأن منطقتهم. بالنسبة للحركة الشعبية فإن عددا مؤثرا من قياداتها من منطقة أبيي مثل دينق ألور، وإدوارد لينو، وغيرهما. ولا يوجد في الجانب الحكومي قيادي من المسيرية من منطقة أبيي. كذلك، وبينما حقل هجليج من أكبر حقول إنتاج البترول، فإن من عيوب بروتوكول تقاسم الثروة أنه وزع عائد بترول الجنوب وسكت عن بترول الشمال. فإذا كان حقل هجليج شماليا، سقط نصيب الحركة الشعبية فيه.!
لقد بح صوتنا ونحن نشير إلى أننا مع قبولنا لوساطة الإيقاد وشركاء الإيقاد نعتقد أنها وساطة غير متوازنة. افترضنا وسائل مختلفة لتحقيق ذلك التوازن لإشراك دول أخرى عربية وأفريقية وآسيوية، تحقيقا للتوازن ولكن عدم التوازن لم يعالج.
لقد أعطي الخبراء تفويضا مطلقا، وهو تفويض تجاوز به المفاوضون صلاحياتهم وتجاوز بموجبه الخبراء مهمتهم.
ينبغي أن يدرك طرفا التفاوض أن ما أعطياه من تفويض للخبراء وما أقدما عليه من تجاوز لأهل المنطقة ظلم، وأن قضية أبيي صارت مشحونة بعوامل تجعل حسمها الآن بالتراضي مستحيلا. ولذلك فعليهما:
أولا: صرف النظر عن فتوى الخبراء.
ثانيا: ترك الأمر الواقع كما هو إلى أن تجري انتخابات حرة تأتي بالممثلين الحقيقيين للمنطقة. فأهل المنطقة المنتخبون هم أولى ببحث خلافاتهم، فإن عجزوا عن الاتفاق فهم الذين يلجأون للتحكيم بواسطة هيئة محايدة بين طرفي النزاع في أبيي، لا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.
والى ذلك فمع كل يوم تشرق فيه شمس جديدة، يتضح أن ما اتفق عليه طرفا التفاوض ضروري، ولكنه ليس كافيا، وأنه ملزم لهما دون سواهما، وأن السلام العادل الشامل لا يحققه إلا المؤتمر الدستوري أو الملتقى الجامع، وهو وحده الذي يحسم قضايا الخلاف على حدود 1956م حسما قاطعا، لأن هذه قضايا تهم أهل السودان لا حزبا التفاوض وحدهما. التعليــقــــات الطـيـب بـشـير الطـيـب US، US، 14/08/2005 مع تقديري لسـمو الإمام الصادق المهدي على المقال شديد التميز إلا أني أتسـاءل لماذا تجاهلت الحكومات المتعاقبة على السودان ، و التي ترأس أكثرها ، إنشاء مراكز دراسات و بحوث إستراتيجية تسـهم بشكل علمي في توفير بيانات و معلومات دقيقة و بحوث أقرب للحيدة الأكاديمية منها إلى أوراق المؤتمرات السياسية ؟ سـر عتابنا لسـمو الإمام الصادق المهدي هو أنه يختلف عن العسكر و سائر الساسـة السودانيين بتميزه الأكاديمي. الحسن فاروق الحسن، SA، 14/08/2005 السؤال الملح فى هذا السياق هو لماذا يفصل فى مثل هذه القضايا الحاسمة فى حياة الشعوب، قضايا التكوين والإنتماء والبقاء والزوال في مفاصل هامة من تطورها بواسطة أنظمة شمولية ثبت عدم كفاءتها فى مجرد الإدارة اليومية لشئون البلاد، ونظرتها الأحادية التى لا تتسع إلا لوجهة نظر متعسفة تجاه المسائل القومية، تتجاهل خصائص مكونات تلك القومية بل وتحتقرها وهي لا تمثل حتى بمعيار آخر انتخابات إلا أقل من 20 في المائة من القوى السياسية الموجودة في الساحة السياسية؟ هذا لا يعفي الأطراف السياسية الأخرى من المساءلة، فقد تركوا الحبل على الغارب لهذ النظام ليسرح ويمرح ويفعل ما يشاء دون معارضة تذكر وتصدي واعي لخطط وبرامج النظام في إعادة صياغة الإنسان السوداني. عبد الله البحيراوي، SA، 14/08/2005 موضوع أبيي يعد واحداً من معضلات الحوار ما بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الحاكم أو قل الحكومة بالأمر الواقع وكذا واحداً من البنود التي بها خلل بيّن شابة التقصير بالنظر لما قد يترتب عليه من نتائج تنعكس على مجمل عملية السلام في السودان عموما. ولا أحسب أن أحفاد الناظر بابو نمر أو السلطان دينق مجوك بما لديهم من إرث ضارب في التاريخ من التعايش وحلحلة خلافاتهم كانوا سيفشلون في حل معضلة أبيي لو تُرك لهم الأمر وهنا قصدت أبناء المنطقتين دونما أدنى تدخلات سياسية من أي جهة كانت. وحتى من وجد من الجانبين لطرفي التفاوض عند طرح موضوع أبيي كان الالتزام الحزبي طاغيا على حقائق الأرض والتاريخ وبالتالي لم يصلوا لأبعد من ذلك. الأمين الزبير علي، SA، 14/08/2005 أتفق مع السيد الصادق في شيء واحد هو جهل وسطاء السلام بالشأن السوداني وأقصد بذلك الجغرافي لأن الشأن السياسي أصبح مكشوف الخفايا للقاصي والداني. ولكن أعيب على ساستنا وخاصة السيد الصادق المهدي تعاملهم ببيت الشعر القائل : عين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا يا سيدي الكريم هذا العبث الجغرافي والتجاوزات والتداخلات ليست وليدة اليوم أو الانقاذ فمناطق الغرب والجنوب وحتى الشرق وكثير من مناطق الشمال تعاني إهمالا جغرفيا كبيرا فضلا عن أنواع الاهمال الاخرى التي قد لا يسمح المجال لذكرها ولكن محور حديثنا مسألة المسح الجغرافي وتداخل حدود المديريات المزمنة التي كانت تنذر بالانفجار في اي حين منذ عشرات السنين، ولكن نظرا لانشغال الناس بهموم أخرى وإهمال الحكومات سوفت الأمور، وحتى ان كانت هناك ثغرات في قضية ابيي ففي اعتقادي بتحالف قوى المعارضة الجنوبية الأخير وخاصة الدينكا والتفاهم حول نائب الرئيس كير سيتجاوز كل تلك الثغرات وكل النقاط التي تبدو غير واضحة المعالم. ولا أعتقد أن الوسطاء سيكونون أكثر علما وادراكا بواقعنا وشأننا الداخلي.
|
|
|
|
|
|
|