|
|
 د.الطيب زين العابدين يتساءل: أيـن قسمة الشمال؟
|
أيـن قسمة الشمال؟
د. الطيب زين العابدين
حينما وقعت الحكومة اتفاقية المناطق الثلاث مع الحركة الشعبية فى 26 مايو 2004 أعلنت بالصوت العالى أن وضع منطقتى جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق سيكون نموذجاً يطبق على بقية ولايات السودان الشمالى. وبما أن الدستور الانتقالى هو الوثيقة القانونية التى ستحكم ترتيبات الفترة الانتقالية، كان ينبغى أن ينصّ على معاملة الولايات الشمالية مثل ولايتى جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. ولكن هذا لم يحدث تماماً. لقد أعطى الدستور الانتقالى ولايات الشمال صلاحيات تنفيذية وتشريعية (45 نقطة تضمنها الجدول ج ) مثل ما أعطت اتفاقية السلام للولايتين المذكورتين، وكذلك كيفية انتخاب الوالى والمجلس التشريعى وحق الوالى فى تعيين وزرائه. ولكن لا تتمتع بقية الولايات بحق المشاورة الشعبية التى يمكن أن تؤدى الى تعديل فى سلطات الولاية أو حدودها مثل ولايتى جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق؛ ولا تنشأ فيها لجنة مستقلة لتصحيح أى اجراء يقع فى حقها؛ ولا يملك المجلس التشريعى فى بقية الولايات حق اعتماد سلطات الولاية كما نص عليها الدستور الانتقالى والدخول فى مفاوضات مع الحكومة القومية لتعديل ما يحتاج الى تعديل؛ ولا يمنح الدستور الولايات الشمالية حق تكوين مفوضيات للأراضى لها كل سلطات مفوضية الأراضى القومية على مستوى الولاية مثل ما فعل لجنوب السودان وللمناطق الثلاث. وهذا مثال على أن ما يوصف بأنه جهاز قومى هو فى الحقيقة جهاز لشمال السودان فقط ومع ذلك تمثل فيه الأقاليم الأخرى التى انفردت بأجهزة مختصة بها! وقضية ملكية الأراضى والتصرف فيها ستكون من المشكلات الكبرى فى المرحلة القادمة خاصة وأن الاتفاق حولها فيما يخص الجنوب لم يتم بعد. وأعطت الاتفاقية تمثيلاً متوازناً للشريكين فى الجهاز التشريعى والتنفيذى بالولايتين «55%» للمؤتمر الوطنى، و«45%» للحركة الشعبية، مما يتيح المجال للقوى المحلية خارج الحزب الحاكم أن يكون لها تأثيرها المقدر فى تسيير شؤون الولاية خاصة اذا أخذنا فى الاعتبار قوة العصبية المحلية فى هاتين الولايتين التى قد تجذب بعض عناصر الحزب الحاكم الى جانبها فى التصويت على القضايا التى تهم الولاية، ولكن الحزب الحاكم انفرد فى بقية الولايات بتمثيل يصل الى نسبة «70%» من المجلس التشريعى والجهاز التنفيذى وتكرم على الحركة الشعبية بنسبة «10%» فى كل ولاية شمالية مقابل أن يأخذ لنفسه مثل ذلك فى الجنوب. ألا ينطبق عليهما مقولة عطاء من لا يملك لمن لا يستحق! ثم ان الولايتين الصغيرتين لهما حق التمثيل المناسب فى المؤسسات القومية (تقرأ السلطة التنفيذية والقضائية والمفوضيات) بحيث لا تقل عن نسبة حجم سكانهما. وليس هنالك ولاية شمالية واحدة أعطيت مثل هذا التمثيل ولو كان حجمها أضعاف حجم الولايتين، ولكنى لا أشك فى أن دارفور وشرق السودان سينتزعان ذلك الحق عنوة واقتداراً! ولا يستطيع الحزب الحاكم أن يعبث بتمثيل الولايتين كما يشتهى لأن لهما مدافع قوى فى قلب السلطة الجديدة، وسيسرى عليهما ضرورة أخذ موافقة النائب الأول لأى تعيين دستورى يخص الولايتين.
أما اذا جئنا الى ملف اقتسام الثروة فنجد أن الدستور الانتقالى قد منح نسبة «2%» من عائد البترول لكل ولاية منتجة وهى نفس النسبة التى نصت عليها اتفاقية السلام للولايتين. وتأتى المفارقة الكبيرة فى تخصيص الاعتمادات للمناطق المتأثرة بالحرب والأقل نمواً فقد خصصت الاتفاقية «75%» من موارد الصندوق القومى للمناطق المتأثرة بالحرب خاصة ولايتى جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق (الجنوب له صندوق خاص به تحت ادارة حكومة الجنوب) بينما يخصص الباقى «25%» لبقية المناطق الأقل نمواً فى الشمال. قسمة ضيزى! ومع ذلك وفوق مخصصات الميزانية العادية «يخصص رئيس الجمهورية مبلغاً من المال لكل ولاية من الولايتين» ولا تنال بقية ولايات الشمال هذه المكرمة الرئاسية.
يعنى هذا أن ولايات الشمال لم تعامل معاملة ولايتى جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق كما أعلنت الحكومة سابقاً، وبما أن حكومة الانقاذ لم تعرف بالكرم فى صرف ميزانية الدولة على الخدمات الأساسية وعلى المناطق المتخلفة (حوالى 70% من ميزانية الدولة تذهب للقوات النظامية). فان على ولايات الشمال أن تستعد لمعركة سياسية ضارية لتأخذ حقوقها كاملة غير منقوصة، وتبدأ المعركة بترشيح الولاية للعناصر المخلصة الأمينة الجريئة لمقاعد المجلس التشريعى والمجلس الوطنى والجهاز التنفيذى، وأن ترفض بقوة العناصر المدجنة التى تبحث عن مصالحها الذاتية بارضاء الحكام والتزلف لهم. ولا بأس من تكتل أبناء الولاية بمختلف مشاربهم السياسية للدفاع عن حقوق الولاية وتنميتها، وفترة ما قبل الانتخابات هى المحك فى فرز العناصر القوية المخلصة التى تستطيع أن تحقق مكاسب لمناطقها ومن ثم تكون جديرة بتمثيلها الانتخابى فى الفترة التالية. ورغم معرفة الحزب الحاكم لهذه الحقيقة الأولية الا أن ضغوط المؤسسات المتنفذة والمترهلة قد تغلب عليه فيستجيب لها على حساب تنمية المناطق الفقيرة المتخلفة. وبما أن الدستور الانتقالى يسمح للولايات أن تتفق على آليات أو ترتيبات للتنسيق والتعاون فيما بينها، فان ولايات الشمال تستطيع أن تعوض تفتيتها الى «15» ولاية بالاستفادة من هذه المادة لتنسق وتتعاون معاً لاستخلاص حقوقها المهضومة فى الاتفاقية والدستور، ولا يضيع حق وراءه مطالب جسور!
*نقلا عن جريدة الصحافة
|
|
 
|
|
|
|
صباح احمد
abdelfattah mohammed
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست