مدينة النهر الميتة (2)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 10:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-29-2005, 06:02 AM

حامد بدوي بشير
<aحامد بدوي بشير
تاريخ التسجيل: 07-04-2005
مجموع المشاركات: 3669

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مدينة النهر الميتة (2)


    (2)


    وقعت الواقعة وحلت الكارثة. أصابت المصيبة الناس في جويكِرَّة أجمعين. من لم يفقد قريباً فقد صديقا ومن لم تترمل فقدت أخاً أو أبناً أو أباً. غشى الغم المدينة. النساء ثكلى والأطفال أيتام والرجال ينتحبون في أزقة المدينة المظلمة.

    ذهلت البلدة إذ وعت حجم الكارثة في اليوم الثالث فكفت عن البكاء. كان الأمر أجل من مقدرة الناس على التحمل فوجمت المدينة في اليوم الثالث. ونزل بها صمت حزين وتام. قالوا كأنما الصمت نزل على جويكِرَّة من السحاب أو جاءها مع الهواء. صمت الناس والحيوان. صمتت الحياة في جويكِرَّة. صمتت الغابة حول المدينة، والنهر صمت والريح. كانت الطيور تعود مع مغيب الشمس إلى أوكارها فوق أشجار المدينة دون ضجيج والضفادع على ضفة النهر تتعاشر دون مقدمات لحنية. سكنت أصوات صراصير الليل وعافت ذكور الحمام أن تهدل حول أناثها، وعاف الناس الكلام. فقد فقدت الكلمات معانيها أو انفصلت عنها. فجأة لم تعد الأصوات تدل على شئ فانقطعت. انفصمت الرابطة السحرية بين الأصوات وبين المعانى فلم يعد الكلام كائناً. ولأن الكلام هو أساس إجتماع الناس، فقد صار القوم يتحاشون مقابلة بعضهم بعضاً ولزم كل فرد داره لا يبرحها. حدث ذلك في اليوم الثاث للكارثة.

    قالوا أنه لم يمض وقت طويل على هذه الحالة المستحيلة، حتى بدأ الناس يغادرون البلدة وحداً بعد الآخر وأسرة إثر أسرة. لا، لم يجتمع أهل جويكِرَّة كعادتهم للتشاور حول أمر الخروج. لم يقل أحد للآخر ما أزمع عليه. ومع ذلك فقد كان قرار الخروج جماعيا.

    قالوا أن الناس قد خرجوا من مدينتهم، كما يخرج الناس يوم النشور، فرادى. خرج الأطفال متعلقين بأذيال أثواب أمهاتهم الذاهلات. وخرج الرجال لا يلتفتون إلى الخلف. قالوا أن الرجل كان يتعرف على أولاده وسط الجموع الذاهلة بعد أيام من الخروج. وغادر الناس مدينتهم دون أن يأخذ أحد منهم منها شيئاً. ترك التجار دكاكينهم مشرعة الأبواب والبضائع على الأرفف. تركوا جوالات المحاصيل مجمَّعة على رصيف الشحن عند شاطئ النهر. ترك الأهالي بيوتهم مشرعة الأبواب وأواني الطبخ على النار. تركوا البهائم هائمة في الطرقات. ترك موظفوا الدولة مكاتبهم تتقافز فوقها الجرذان. تركوا الأوراق فوق الأدراج.

    رحلوا جميعاً في الصمت والذهول ولم يتخلف عند أطلال المدينة سوى حكيم. لم يعرف أحد كيف عاد ومتى عاد, فقط رأوه هائماً بينهم في أزقة المدينة. تسللوا وتركوه يغرق في الصمت والذهول وحيداً. حكيم لم تخرج من بين شفتيه كلمة واحدة منذ عاد إلى الحياة. وبسبب هذا الصمت لم يعرف إنسان على ظهر الأرض حقيقة ما جرى داخل المخزن الحديدي في تلك الليلة الرهيبة. فحكيم هو الوحيد الذي شهد ما جرى، وحكيم منذ أن أفاق من غيبوبة الموت ورأى رفاقه يجرفون إلى حفرة كبيرة ويهال عليهم التراب، لم ينطق بحرف ولم يخرج من حدود المدينة المهجورة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de