|
هل كتب الله على السودان أن يظل يغني للحزن القديم-
|
الحزن القديم ..!! -عثمان ميرغني
وعاد الترابي كرة أخرى الى حزنه القديم .. في ليلته السياسية الأولى مساء أمس في ميدان المولد بالخرطوم .. في حشد كبير ملفت للانتباه و ترتيب ضعيف جعل الاستماع والمتابعة مشقة ونصباً على نقيض ماكان الحال عليه في ليلة الحزب الشيوعي الأولى قبل حوالى أسبوع التي كانت أشبه بحفل موسيقي أنيق من فرط الترتيب والإعداد الحسن..
وكان الترابي في مؤتمره الصحفي الأحد الماضي وعد بقلب صفحة الماضي لينظر إلى المستقبل.. لكنه والمتحدث قبله .. ما غادرا الماضي وأحزانه شبرا واحدا .. بل بدا الترابي وكأنه نسى تماما التاريخ .. أو على الأقل تناساه .. هل يمكن لأحد أن يصدق أن الترابي بكامل لياقته ليلة أمس كان ينتقد الحكومة الحالية بقوله كيف تستخدم القوة لإجبار الآخرين على مشيئة سياسية لم يرتضوها .. و يقصد حرب الجنوب ثم حرب دارفور.. ونسى تماما أن حرب الجنوب ما سجلت في كل تاريخها ما شهدته الفترة من 1990 - 1999 التي بالتحديد كانت في كنفه وتحت وصايته المباشرة .. ونسى الترابي كل الحشد المعنوي الذي جيش به مئات الآلاف من الشباب المتطوعين الذين حاربوا واستشهدوا في الجنوب بفضل الحفز المعنوي الكبير الذي ظلت الحكومة - وعلى رأسها الترابي - تضخه طوال التسعينات ..
الحشود الضخمة التي جاءت الى ميدان المولد - خاصة غير عضوية الشعبي - كانوا يريدون سبر غور الجديد الذي سيستهل به الشعبي حملته السياسية .. لكنهم فوجئوا بترانيم قديمة أكدت أن الجرح الذي أصاب الشعبي وزعيمه من الحكومة لم ولن يندمل وستظل الخصومة ثأرات و انتصار للذات ..
أخطاء الحكومة الحاليه لا تحتاج الى بطل لكشفها .. لكن المصيبة الكبرى أن الترابي ما عدد في ندوته امس إلا تلك التي ماكانت أبدا انتاج ما بعد بيان الرابع من رمضان .. فكل ما ذكره منها هو بالضبط إما حدث بالكامل قبل خروج الترابي من الحكومة او ظل ساريا بعده لكن بنفس النهج وبذات الرجال الذي ترعرعوا وشبوا ونالوا وظائفهم وارتكبوا أخطاءهم تحت رعايته وفي أوج سيطرته على دولاب العمل التنفيذي والسياسي في البلاد ..
لو تمسك الترابي وحزبه بالمنهج الذي مارسوه عملا وفعلا في ليلتهم السياسية أمس فإن الملعب السياسي موعود بمزيد من الركل والضرب والخصومة غير البناءة التي تجعل حصائد الجهد الحزبي ليس أكثر من ألسنة طويلة تعرف جيدا كيف تسلي الجمهور بمترادفات لفظية ومفارقات طريفة لكنها لا تقدم خيرا ولا تدفع ضررا ..
ربما لم يعد الترابي قادرا على تناسي جرحه الكبير وخيبة أمله في رفقته ومن تربى فينا وليدا .. لكن أليس في الحزب الشعبي رجل رشيد ؟؟ أليس في الحزب رجل قادر على ضبط بصيرته إلى ما ينفع البلاد كلها و تناسي الجراح وكتم الألم والكاظمين الغيظ .. ألا يستطيع رجل ما أن يجاهر بنقض مثل هذا المسلك ..!!.. الترابي في حاجة ماسة لمعارضة ديموقراطية داخل حزبه .. معارضة قادرة على النظر في عيني الشيخ بلا انكسار ..
هل كتب الله على السودان أن يظل يغني للحزن القديم ..؟؟
|
|
|
|
|
|