لمحـــات انســـانيــة وســـط دخــان احــداث الشغـــب المأســـاوية..

Quote: أسسها عبد الرحمن مختار في 1961م العدد رقم: 4375 2005-08-09 حاطب ليل مشاهد من فيلم النكسة البوني * كباشي موسى صادف يوم الاثنين الدامي وهو في أحد الأحياء الطرفية في العاصمة، وأثناء هروبه من إحدى المناطق الملتهبة أوقعه حظه في مجموعة غاضبة أخرى من ابناء الولايات الجنوبية، ولما وجدوه مطرفاً امسكوه وذهبوا به الى منزل يقطنون فيه عوضاً عن الاجهاز عليه في الشارع. وهنالك وجد اختاً لهم ترغي وتزبد وتتوعد «العرب» بالويل والثبور والانتقام لمقتل الزعيم، فتأكد له دون شك انه يعيش في آخر لحظاته، وقد اكد له ممسكوه ذلك، فوقعت عين المرأة على رجليه، اذ لحظت انه يرتدي فردة حذاء واحدة، فسألته ضاحكة عن حذائه الآخر، فرد عليها بأنه فقده أثناء الجري، فسأله أحد الرجال الممسكين به عن بلدته فاجابه بأنه من اللعوتة، فقام باختباره ليتأكد من صدق كلامه، لان الرجل كان على معرفة باللعوتة، فلما تأكد له صدق كلامه اخذ «يرطن» مع زملائه فارخوا قبضتهم عليه، وقال لكباشي انهم جاءوا الى اللعوتة مع مقاول يعمل لسوداتل وكانوا يحفرون للكوابل، وان اهالي القرية كانوا يقدمون لهم الأكل والشرب، لانهم كانوا يحفرون امام المنازل «ناس كويسين» فاكراماً لهم سيطلقون سراحه ولن ينفذوا فيه حكم الاعدام. وبالفعل لم يكتفوا باطلاق سراحه بل قاموا باخراجه من منطقة الخطر واعطوه فردة حذاء مختلفة عن الفردة التي كان ينتعلها، فلبسها حامداً شاكراً. * مشهد ثانٍ مقارب لمشهد كباشي، اذ أحاطت مجموعة من شباب الصحافة جنوب الخرطوم بأحد الجنوبيين في أمسية ذات الاثنين الدامي، وقررت المجموعة أن تضربه بالعصي ضربة رجل واحد، ولكن بلسان عربي مبين سألهم لماذا يضربونه؟ فقالوا لأن الجنوبيين اعتدوا على الشماليين في الصباح وقتلوهم، فقال لهم إنه لم يكن من أولئك المعتدين، فلم يذهب داخل الخرطوم في الصباح، وانه لا يحب السياسة ولا يتكلم في السياسة، فقالوا ان الذين تم الاعتداء عليهم من الشماليين أبرياء ولا دخل لهم بالسياسة، فقال لهم طالما أن الذين ماتوا من الشماليين أبرياء وانا الآن بريء سوف أموت، من الذي سيبقى في هذه البلاد؟ ولماذا يذهب الأبرياء ويبقى «ناس بتاع سياسة» وهنا تدخل أحد الحضور وقال لهم يا جماعة ده جنوبي فاهم كلامه معقول.. وحرام تأذوه، فاطلقوا سراحه، بل طلبوا منه ان يبقى معهم لأن هنالك خطورة على حياته. * مشهد ثالث حدث لي شخصياً فعندما خرجت يوم الاثنين الدامي من الخرطوم «بالجلالة» وتعرضت لأكثر من هجمة، وقد كنت قريباً من الهجوم على شركة «دال» بشارع مدني الخرطوم، وبعد أن تجاوزت مستشفى سوبا وشعرت بالأمان، وجدت أحد أبناء الجنوب واقفاً على الشارع يؤشر للحافلات، فوقفت عنده ودعوته للركوب معي فركب، بعد تردد اذ كان قاطعا العشم في أية عربية خاصة. وقد كان ذاهباً من منطقة سوبا الى الباقير، فوجدته خالي الذهن لا يعلم بما حدث ولا بما يجري في الخرطوم، فالرجل لا يملك راديو ولا تلفزيون ولا يعرف كيف يتعامل معهما، فقلت ان جون قرنق قد مات، فلم يصدق كلامي واعتبره «هزاراً»، وكان متأكداً لدرجة اليقين أن جون قرنق لن يموت الآن، ولا فيما بعد، وأصدقكم القول إنني كففت عن محاولة إقناعه بموت الدكتور جون قرنق، بل على العكس قلت له إنني أمازحه فقط، وذلك خوفاً من أن تتلبسه حالة هستيرية، فيحدث ما لا تحمد عقباه. وأصدقكم القول إنه عندما وصل ونزل، حمدت الله في سري على السلامة «وقمت صوف». كسرة: في الثلاثة مشاهد دروس وعبر يمكن الاستفادة منها وليس الهدف منها تقليب المواجع.. ولنا عودة إن شاء الله لاحقاً.

Quote: فقال لهم طالما أن الذين ماتوا من الشماليين أبرياء وانا الآن بريء سوف أموت، من الذي سيبقى في هذه البلاد؟ ولماذا يذهب الأبرياء ويبقى «ناس بتاع سياسة» وهنا تدخل أحد الحضور وقال لهم يا جماعة ده جنوبي فاهم كلامه معقول.. وحرام تأذوه، فاطلقوا سراحه، بل طلبوا منه ان يبقى معهم لأن هنالك خطورة على حياته.