|
مريــــم...
|
عند الرصيف و حذائها شبه المهتريء موعد ثابت للتلاقي يوميا، لا أحد يعلم من أين تأتي (مريم) فهي هكذا تظهر في نفس الموعد يومياً بنفس الهيئة و ذات الشكل. عم حسن - صاحب كشك السجائر- يسكب عليها عطفه و ما تبقى من قوت بناته...
يقال أنها بلا أهل.. يقال أيضاً أنها بلا مأوى .. بعض العجائز يطلقن عليها (فتنة البحر) فهي مختلفة الجمال، تبدو أنيقة برغم لباسها الممزق الذي لا ترتدي غيره منذ سنوات، تمتلك رقبة بيضاء طويلة، صدراً متسعاً و ذراعين طويلين، جسدها الممشوق المتناسق محل انبهار الجميع، لم يستطع أحد تقدير عمرها، البعض يقول أنها ابنة عشرين لكن عجائز الحي يؤكدن رؤيتهن لها منذ أكثر من خمسين عاماً!!!
ذات مرة و بينما هي جالسة أمام الكشك الصغير تتناول طعامها قال لها عم حسن: تعرفين يا مريم ليت لي ولداً كان سترك... و بحركة عفوية مفاجئة أخذت في جذب ذيل ثوبها إلى الأسفل كي يخفي ما ظهر من سيقانها، فتبسم و ربت على كتفها.
كان الرجل يعلم جيداً أن كثرة الأسئلة تزعجها و تجعلها تغضب و تهرب لذلك لم يقترف معها خطيئة السؤال أبداً، و عندما يسأله أهل الحي عنها يجيب بنفس ردها فقط إيماءة و ابتسامة تكشف عن الأسنان...
الساعة تقترب من الرابعة عصراً و مريم بخطوتها المتميزة تدق عنق الشارع متوجهة إلى كُشك عم حسن فتجده مغلقاً على غير العادة!!! وقفت أمام الكشك حائرة، و بعد طول تفكير قررت الجلوس و الانتظار، ولكن لملم النهار فلوله و رحل، فرحلت هي معه بعد طول يأس ومرارة انتظار.
مر أسبوع كامل و هي تأتي لذات المكان غارقة في الحزن تنتظره ولكن... اقترب منها أحد المارة قائلاً: عم حسن ذهب إلى هناك... (وأشار بسبابته نحو السماء)
لم يلمحها أحد منذ ذاك اليوم...
يُقال أنها غادرت إلى حي آخر... وأقسم البعض أنه شاهدها بالقرب من القطار... يقال أيضاً أنها رحلت حيث عم حسن. أما عجائز الحي فيقلن بأنها رافقت قريناتها من جنيات البحر... بينما يرفض الصغار هذه الأقاويل و يقولون أنهم شاهدوها قرب البحر تستحم و بينما هي هكذا نبتت لها أجنحة وطارت فوق السحاب...
|
|
|
|
|
|