صاحب البستان

الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-15-2025, 03:40 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-01-2004, 08:25 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صاحب البستان



    كانت في مخيلتي دائما، صورة الرجل الذي يمشي في الصحراء الشاسعة، حافي القدمين دليلا على التيه، وعلى فقدان الدليل .. راجعت هذه الصورة في خواطري الثقيلة وأنا أبدو بنفس المظهر الآن .. في عمق الصحراء .. حافي القدمين.

    كنت قد خرجت من قريتي، دون نية عودة .. خرجت منها هاربا و طالبا .. هاربا منها إذ سئمتها .. سئمت فيها حياتي .. وسئمت الأليم من ذكرياتي .. وطالبا حلما .. حلما عزيزا راودني، و صاحبني في تقلبي يمنة و يسرة .. إذ أني ابن القرية .. كنت أحلم بمدينة .. ليست كالمدن.

    رغم كل ما يشير إلى أن تلك المدينة إنما هي غزل أحلامي .. إلا أنني خرجت أطلبها .. وبدل أن أسأل نفسي، (لماذا الخروج في طلب الاحلام؟)، أخذت أسألها، ( و لم لا؟ .. وما الذي بقي لي هنا كي أبقى أحرسه؟) .. وقد أغناني عجزي عن إجابة ذلك السؤال عن الإلتفات إلى الآخر .. فخرجت لا ألوي على شيء.

    ثم تواصلت بي السبل .. وأصبحت أنزل كل ليلة في منزلة .. وأرتحل مع طلوع شمس اليوم المقبل .. ولم يحل لي المقام في بلدة أو مدينة .. أو ساحل أو واد .. أو قمة أو سفح .. أو بر أو بحر .. حتى ألفت الترحال وألفني .. وأجدت صنعة الوحدة كما يجيد العامل الماهر حرفته .. فأصبحت أستأنس بها و تستأنس بي .. ولا أقدر على فراقها سوى لفترات تقصر.

    و بمرور الزمن أصبح ذلك نهج جديد لحياتي .. وهدف في ذاته .. فأصبحت أرتحل لان حياتي الترحال .. وأصبحت أحيانا أنسى ما خرجت من أجله .. وأظن أني خرجت لكي أخرج .. ولكي أعيش مرتحلا حاملا متاعي على ظهري حتى أضعه عند قبري .. وبينا أنا في ذلك التيه .. وفقدان الدليل ذاك ... إنتبهت لنفسي .. في حالة غريبة من الجوع والعطش والتعب .. وأنا أمشي في عمق الصحراء .. حافي القدمين.

    مكثت على هذه الحال ثلاثة أيام .. ليلها كنهارها ... بلا زاد و لا مأوى .. حتى أصبحت أمشي ولا أدري كيف مازلت أمشي .. و كأني فقدت السيطرة على أعضائي .. و أمسكت هي بزمام أمرها تقودني معها إلى حيث لا أعرف ..

    و أنا على هذا الحال، أبصرت من بعيد، بستانا عظيما .. سوره من زجاج يلمع مع إنعكاس ضوء الشمس .. وقد كان يقف عند بوابة البستان شيخ، داكن اللون، أبيض اللباس .. صبوح الوجه .. ظل واقفا ينتظرني بهدوء وأنا أقترب .. حتى إذا أصبحت أمامه، إستقبلني وهو يفتح ذراعيه ويحتضنني و يقول بابتسامة حنون (حللت أهلا و نزلت سهلا) .. رددت عليه وانا في مزيج من الجوع والدهشة والهزال (أنا جائع) .. فقال (لدينا طعام) وأخذني إلى داخل البستان .. وأخذ يهبني من ثماره ثمرة ثمرة .. آكلها بنهمة .. وأترقب التالية ... وأنا سائر خلفه.

    أدهشني دنو ثمار البستان ليد ذلك الشيخ .. فقد كان بقطف الثمار مباشرة من أشجارها .. و يقطف الثمرة بكل سهولة ويسر ويناولنيها .. وأحسست وكأن تلك الثمار تتسابق إلى يده .. و كلها تعرفه .. و هو يعرفها .. وحين أتناول الثمرة أحس أنها ما تزال (حية تسعى) بنبض قوي وملحوظ داخل جسدي .. بدا لي و كأن كل شجرة في ذلك البستان تعرف هذا الشيخ .. ولها معه قصة تطول .. وكأن كل وريقة وكل فرع، وكل جذع في ذلك البستان هي امتداد له .. تسكن مع سكناته .. وتتحرك مع حركاته، بنسق غريب .. كل ذلك لاحظته وأحسست به وأنا في جوعي ذاك ... آخذ الثمرة من يده وألتهمها كما لو اني لم آكل منذ سنين.

    سألته بامتنان (ما اسمك سيدي؟).
    أجاب (نادني صاحب البستان).
    قلت وأنا أنظر في عينيه .. بنفس الإمتنان (صاحب البستان أنت).
    تبسم تلك الإبتسامة الحنون .. وقال لي (ما اسمك؟)
    قلت: (بُعَيْد)
    ثم هممت أن أحاول شرح الإسم و مناسبته ظنا مني أن الشيخ لا بد وأن يكون قد تعجب من الإسم الذي من المؤكد أنه لم يسمع بمثله من قبل .. ولكنه فاجأني بقوله المستطرد المبتسم (ولكن ها أنت تقترب).
    صمت بعدها عن مواصلة كلامي وتهيأت للإستماع .. فقال لي وتلك الإبتسامة الحنون لا تفارقه (دعني الآن أخبرك القليل عن ما طعمت من ثمار هذا البستان).
    و أخذ يحدثني عن كل ثمرة بتفصيل غير ممل وغير منهك .. بسرد جميل أخاذ .. حدثني عن أنواع تلك الثمار وأسمائها .. وتصنيفاتها .. وكيفية زراعة ومتابعة كل منها .. ونوعية التربة الأفضل لكل منها .. بل أيضا حدثني عن محتويات كل ثمرة من فيتامينات وفوائد غذائية ... بصفة دقيقة و علمية .. وأنا قد فغرت فاهي من عجب ما أسمع .. حتى إذا به يضحك ضحكة خفيفة مداعبة لمنظري .. أخجلتني بعض الشيء .. ثم أعقبها بقوله، (حتى تعرف ماذا أكلت).

    قضينا بعضا من ذلك النهار في ذلك الأنس الساحر .. على أرض البستان الخضراء .. وانفرجت دواخلي لصاحب البستان .. فأخذت أحدثه عن رحلتي وحلمي وما لقيته في الطريق حتى وصلت إلى بستانه ... وأخذت أحدثه في لهفة واستمتاع عن تلك المدينة الجميلة الشامخة التي خرجت من أجلها .. وهو يستمع .. ثم ساد الصمت لبرهة .. قطعه هو بقوله (تلك مدينة كذا).
    بالطبع أخذت بعضا من الوقت أستجمع دهشتي .. لأقول له: (هل هناك مدينة حقيقية بهذا الشكل؟)
    رد علي (نعم .. وهذا البستان من ضواحيها)
    قلت له: ( إذا فانا قد وصلت ؟) .. لم يكن هذا هو أكثر أمر حيرني .. ولكن دهشتي وعجبي لم يعطياني براح إختيار السؤال .. فكان أن فلت مني هذا.
    أجاب بعد ضحكة لطيفة توحي أنه أدرك موقفي ذاك .. ثم قال: (ليس بعد .. و لكن اطمئن .. سأدلك على طريقها)

    في تلك الأثناء بدأت أحاول إقناع نفسي بأن موعد الإستيقاظ من تلك النومة قد حان .. فالأمر أصبح صعب الإدراك عندي كحادث من حوادث الواقع .. ولكن لم تجد محاولات إيقاظي ... ولم يمض وقت طويل .. حتى انتصب الشيخ، قائما من جلسته .. وقال لي: (هيا إلى العمل الآن).
    قلت (أي عمل؟)
    قال لي: (ها أنت قد أكلت و تنعمت بظل هذا البستان .. والآن حان موعد رد الجميل له)

    ثم نظر إلي فترة .. وهو ينتظر أن يسري التعجب في خاطري ويأخذ مفعوله .. ثم قال لي: (هذا البستان يحتاج إلى يدك .. حتى يبقى مثمرا مخضرا كما تراه الآن .. وحتى يلبي حاجات القادمين إلى المدينة من أمثالك) .. ثم ابتسم في وجهي برهة ... وقال: (لعلك كنت تظن أنك الوحيد الذي قام بمثل رحلة البحث هذه .. لعلك كنت تظن أن لا أحد غيرك خرج باحثا من قبل عن وجود له في مدينة الأحلام .. هذه المدينة قد داعبت أحلام الكثيرين قبلك .. و قد سبقوك إلى هذا البستان .. فتزودوا منه لطريقهم .. وبعد ذلك شمروا للإبقاء على نضارته و جماله كما وجدوه .. والآن دورك قد حان).

    قلت له: (وكيف سأصل للمدينة إن كنت سأبقى هنا في هذا البستان لأعمل؟) .. وقد أحسست بالخجل مباشرة بعد ذلك السؤال . فها أنذا أحاجج بكل بجاحة بعد أن كنت قبل قليل ضعيفا ومحتاجا ..

    ولكن صاحب البستان كان حليما.. فأجاب بنفس الإبتسامة .. قال: ( أين رأيت أنت تلك المدينة؟)...قلت: (في حلمي) .. فقال: ( و من أخبرك بوجودها حقيقة؟) .. فقلت متعجبا: (أنت!!) .. قال: (حسنا .. أنا أخبرتك بوجود هذه المدينة على أرض الواقع .. وأنا أخبرتك أني سأدلك على طريقها .. أو لم أفعل؟) . قلت له: (نعم .. و لكن) .. وجدت نفسي لا أملك كلمة لكي أُلْحِقُهَا بتلك الـ (لكن) وهو ينظر لي بكل هدوء .. فصمت للمرة الثانية مكللا بالخجل أمام حلمه و هدوئه .. و أصبحت أنتظر تعقيبه .. فقال بعد لحظة صمت: (ما الذي ترجوه وتتمنى أن تجده في المدينة؟) .. لم أكن أملك إجابة جاهزة لهذا السؤال .. فأصبحت أجمع الكلام بسرعة .. محاولا الإجابة إجابة مفيدة ( السعادة .. و .. والطمأنينة .. و المجتمع الطيب الذي يحتضنني ... و .. وكل هذا) .. نظر إلى وجهي بتأمل أربكني بعض الشيء .. ثم قال (هل تظن أنك سوف تواصل مشوارك نحو المدينة سيرا على قدميك هاتين فتصل إليها .. وتجد عند دخولها السعادة والطمأنينة هكذا بخطوة واحدة ؟ .. ثم ما الذي يجعلك تظن أنك حقيق بالإنتماء لتلك المدينة؟) .. وأردف قائلا: (من حسن حظك أنك وجدت هذا البستان في طريقك .. وإلا لكنت ظللت هائما في تلك الصحراء إلى أن تلاقي حتفك دون أن تجد أثرا لما خرجت في طلبه).

    هذه المرة كان معلوما وبديهيا أن أبدو مضحكا .. فاغرا فاهي .. وغارقا في بحر من الألغاز .. ومتعجبا من المحتوى الزاجر في كلام صاحب البستان .. حتى بدأت أحس أنه إنما يداعبني بذاك الكلام ، وسرعان ما سيقول لي أنه يمزح .. ولكن قسمات وجهه لم تدل على شيء من ذاك .. فحاولت الإنصات أكثر .. علني أفك رموز هذا اللغز ..

    هنا عاد الشيخ إلى الكلام فقال: ( هذا البستان طرف من المدينة .. وهو منها .. فإن رأيته فأنت عمليا قد رأيت المدينة .. و لكنك لم ترها بعد .. باعتبار أنك لم تر المدينة بعينها بعد)
    قلت: ( لماذا؟) .. قال: (لأنها ما زالت في حلمك .. فأنت تراها هناك فقط) .. قلت: (هي إذا ليست موجودة؟) .. قال: ( هي موجودة .. أو لم ترحل تاركا قريتك طالبا لها ؟) .. قلت (ولكنها كانت أحلام و ليس لها صلة بأرض الواقع !) .. قال: (إن من الأحلام ما هو أقرب لأرض الواقع مما تظن) ..
    قلت: ( ما معنى هذا؟) .. قال: ( لقد رأى هذه المدينة أناس قبلك في أحلامهم .. ومنهم من رأى من تفاصيلها ما لم تره أنت .. فالإجماع على أنها موجودة موجود .. و لكنها تنتظر الإكتشاف) ..

    قلت: ( ولكنك قلت أن هذا البستان في ضواحيها !) .. قال: ( نعم .. هي موجودة .. وتنتظر الإكتشاف) .. قلت: ( كيف !! ) .. قال: ( انظر معي .. إن المدينة التي أنت باحث عنها حدودها أوسع بكثير مما تظن أنت ... و جغرافيتها ليست كالجغرافيا الإقليمية التي يتحدثون عنها في المدارس .. سأعطيك مثالا .. أنت تستطيع أن ترى مثلا خرطوم الفيل فقط .. ثم تبني بعقلك صورة الفيل كاملة .. رغم أنك لم ترى بعيني رأسك غير خرطومه فقط .. ولكن هذا كل ما تحتاج لتعريف هذا الكائن في موسوعتك الداخلية).

    أعجبني المثال جدا .. . فقلت له محاولا أن أجعله يأخذ في شرح كلامه أكثر: ( ولكنك لن تستطيع معرفة الفيل بخرطومه إن لم تكن قد رأيته كاملا مسبقا ) ..
    قال بابتسامة: ( تماما) .. ثم أردف: (كما أنك تستطيع أن تعرف الفيل بخرطومه إذا كنت قد شاهدت صورة فوتوغرافية للفيل من قبل .. أو وصفه لك مصدر موثوق وصفا واضحا .. إذ ليس ضروريا أن تكون قد رأيت الفيل رأي العين من قبل حتى تستطيع تمييزه ) ..
    قلت: ( صحيح ) .. ثم أردفت قائلا: (إذا كيف تفسر لي أنني أرى المدينة حال رؤيتي البستان ؟) ...
    قال: ( لقد أخبرتك بداية أنها موجودة .. و لم أجعل وجودها مرتبطا برؤيتك لها في حلمك .. بل إني جعلت حلمك مرتبطا بوجودها) ..

    أعجبني كلامه ذاك .. وبدأت أدرك أنه كان يعني كل كلمة قالها .. ثم واصل كلامه قائلا: (إن أمر هذه المدينة كأمر كنز قديم .. وضع صاحبه خريطته منذ زمن بعيد .. وقصها إلى قصاصات .. ووزع هذه القصاصات على أرجاء الأرض .. فالتقط بعض تلك القصاصات بعض الناس .. ثم هاموا بذلك الكنز .. وانتشر خبرهم وخبر الكنز المفقود .. فأصبح الخبر يتناقل بين شعوب الارض .. وترسم صورته الحكايات والاساطير .. فأصبح طرفا من الخيال وطرفا من الحقيقة .. ولكن المهم أن وجود الكنز قد سبق كل ذلك .. وقد كان هو بداية كل ذلك)..

    أخذني كلامه في فضاءات أخرى .. ولم أعد متأكدا من أي حقيقة كنت أجزم بها قبل ذلك .. ولكني رغم ذلك لم أتحسر على تلك الخسارة .. خسارة المفاهيم التي كانت سائدة في مخيلتي .. وبدأت أحس أني مقبل على فرح كبير .. لا أدري لماذا .. كما أحسست أن علاقتي بصاحب البستان قد بدأت للتو ... وستستمر إلى مدى لم أحسب له حسابا .. أحسست أنه يرسل حولي قيودا غير مرئية عبر حديثه الذهبي .. ليبقيني في البستان .. وكأنه مشفق علي من أن أخرج للصحراء ثانية وأعود للحالة التي وجدني عليها في البداية.

    كانت ظواهر تلك الرحمة بي بادية في عينيه .. لهذا وجدت نفسي أسكن إليه رويدا رويدا .. وقد عاد بي إلى النقطة التي بدأ منها ذلك الحوار .. فقال: (العمل في هذا البستان سيجعلك تعرف قيمته وعلاقته بالمدينة .. وستزرع فيه شجرتك و تعتني بها حتى تثمر وهي حاملة لإسمك .. وسيأتي أناس مثلك جائعون فيطعموا منها .. و يحمدوا لك ذلك .. أولا تحب ذلك؟) .. قلت: ( بلى) .. قال: (أو لا يجلب لك ذلك السعادة؟) .. قلت: (بلى) .. و قد تكاثرت حينها الأسئلة والإستفهامات في رأسي مرة أخرى .. ولكني آثرت أن لا أسأل.

    قمت من مكاني .. وأنا أنوي التجربة .. وأستطيبها .. وأصبحت غير مبال كثيرا لأمر مواصلة البحث عن المدينة .. ربما لأنني إستطبت البقاء في البستان وكسلت عن أن أتركه إلى الرمضاء خارجه .. كما أني وللمرة الاولى منذ بداية رحلتي أجد من يحدثني عن المدينة التي خرجت من أجلها حديث من يعرفها .. لم يكن بوسعي بطبيعة الحال أن أجزم أن صاحب البستان فعلا يعرف تلك المدينة .. و لكن كل قسمة من قسمات وجهه وكل حركة من حركات جسده تدل على أنه صادق في ما يقول و يفعل .. ورغم أن الأمر برمته جرى في زمن قصير تم فيه إقناعي بسهولة ويسر .. بصورة غريبة وعجيبة علي لم آلفها من قبل .. إلا أني مجددا تذكرت أنني منذ دخولي بستان العجائب هذا وأنا أخسر مفاهيمي وتصلباتي القديمة دفعات دفعات .. الواحدة تلو الأخرى .. حتى تلك الثمار التي تذوقتها .. لم أطعم ما يشابهها في حياتي .. شكلا أو طعما

    أردت أن أسأله أسئلة كثيرة .. و أنا في طريقي إلى بدء العمل على أية حال .. قلت له: (وأين الذين جاؤوا قبلي ؟ .. أين ذهبوا؟) .. قال بابتسامة (سترى منهم حال البدء بالعمل) .. فقلت له (هل من ملبس معين أحتاجه يناسب هذا العمل؟ ) .. قال لي: ( ملبسك هذا مناسب جدا ) .. قلت له: ( و أين العدة التي سأعمل بها) .. قال: ( سأسلمها لك .. حال نصل لمكان شجرتك) .. وحين وصلنا لموقع الشجرة .. سلمني العدة .. وبدأت بمحاولة الحفر فورا .. والحماس يملؤني .. كما أني كانت عندي رغبة غريبة حمقاء في أن أري صاحب البستان قوتي الجسدية متفاخرا بعنفوان شبابي .. فإذا بي أجر أذيال الخيبة والهزيمة من أول ثلاث ضربات !! .. فوقفت ملتقطا أنفاسي وأنا متعجب .. فالعدة كانت ثقيلة علي بشكل لم أتوقعه .. ورأيت صاحب البستان يضحك من منظري ضحكة مداعبة .. وأخاله قد أدرك ما دار بخاطري .. و قال لي: ( ستتعود على العمل رويدا رويدا .. فلا تستعجل).

    كانت هذه أول مرة منذ فترة طويلة أمارس فيها نشاطا غير الترحال .. لهذا إحمرت كفتاي بسرعة وتخدشتا .. منذرتان بجروح من ذلك النوع الذي يصيب حديثي العهد بالحفر .. ولكن عنفواني أبى علي التشكي وإظهار ضعفي أمام صاحب البستان .. ولم أحسب حسابا في تلك اللحظات أنه قد رأى من المتحامقين في أول أمرهم قبلي الكثير بحكم خبرته الطويلة .. وواصلت الحفر و أنا أنكر آلامي.

    و بينا أنا في هذا الحال .. إذا به يقول لي: ( أراك بخير)
    قلت له بتعجب: ( إلى أين أنت ذاهب؟؟).
    قال ( ذاهب لمشوار مهم).
    قلت له بلهفة: (مشوار داخل البستان أم خارجه ؟)
    رد علي مداعبا مبتسما (سأوصل بعض الثمار إلى المدينة )

    منذ ذلك اليوم .. وأنا أقطن قريبا من شجيرتي .. أسهر عليها .. وأنتظر .. وأحلم باليوم الذي أتذوق فيه ثمارها .. ويتذوق منها غيري .. وكدت أن أستبدل حلم المدينة بهذا الحلم .. وأنا بين العمل والإنتظار .. والصبر ونفاد الصبر .. والحيلة وقلة الحيلة .. أتنزه أحيانا في أرجاء البستان الشاسعة .. وأتأمل فيها .. و أسمع صدى صاحب البستان عندما يلفح النسيم وريقات الأشجار .. يهمس بعبارات مفعمة بالأمل .. وأعجب من أين يأتي الصدى؟.. و أعجب أين ذهب صاحب البستان؟



    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 03-03-2004, 03:43 AM)
    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 03-07-2004, 09:06 AM)









                  

03-01-2004, 02:28 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 51663

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Yaho_Zato)

    Quote: منذ ذلك اليوم .. وأنا أقطن قريبا من شجيرتي .. أسهر عليها .. وأنتظر .. وأحلم باليوم الذي أتذوق فيه ثمارها .. ويتذوق منها غيري ..



    الله يديك العافية وينور عليك زي ما نورت علينا..
                  

03-01-2004, 10:32 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Yasir Elsharif)

    كثير الشكر لك أستاذي ياسر

    و الله يديك العافية إنت .. و ينور عليك زي ما نورت علينا ..
                  

03-03-2004, 02:43 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 51663

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Yaho_Zato)

    up
                  

03-03-2004, 03:55 AM

Ehab Eltayeb
<aEhab Eltayeb
تاريخ التسجيل: 11-25-2003
مجموع المشاركات: 2850

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Yaho_Zato)

    Quote: رغم كل ما يشير إلى أن تلك المدينة إنما هي غزل أحلامي .. إلا أنني خرجت أطلبها

    الاخ قصي:
    احلامك اعلامك..
    هنيئا لك البستان وبمدن الاحلام المستحيلة..
    والي الامام...
                  

03-03-2004, 05:04 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Ehab Eltayeb)

    عزيزي إيهاب

    جزيل الشكر لك

    و إنما هي الأحلام التي تبقينا هائمين .. فلا إستقرار معها .. و لا عيش بدونها
                  

03-07-2004, 09:13 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Yaho_Zato)

    صديقي مهند شاعر واعد .. قرأ القصة فلخصها برؤاه في قصيدة .. و أهداها إلي و قال لي(هي ملك لك) .. فقلت له (بما أنك ملكتنيها .. فسأنشرها .. و لكن باسمك) .. فها هي ذي


    و إذا بالحلم راودني مفيقا

    أإنه البستان أم أني أحيد؟

    لا لا انا مفيق و بصري حديد

    و إذا بصوت يعلو يزيد

    و اذا صاحبه شيخ بسمرته يفيض

    و جنته كتمر عفا عليها الجريد

    فبادرني باهلا يا بعيد

    ووجمت كيف يعرفني الرشيد؟

    لكن فمي لم ينطق بغير ماء

    ماء ماءا اريد

    فسقاني الشيخ بيد تقول

    الا ليت الشباب يعود

    و شعر لونه كقطن بلادي

    ألا ليت قطن بلادي يزيد

    و لمحت عينه وي كانه

    لما في عقلي يصيد

    فقلت من أنت قال انا

    صاحب الذي به من القطن المزيد

    بستان حينما كان شعري

    كشعرك كنت برؤياه اشيد

    و كنت مثلك يا بعيد عطشا

    فسقاني شيخ لكلامي يصيد

    و انت مثلي يوما ستاتي

    و تسقي شابا يقول اني بعيد



    شعر مهند معاوية كرار
                  

03-07-2004, 09:22 AM

سارة منصور


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Yaho_Zato)

    منذ ذلك اليوم .. وأنا أقطن قريبا من شجيرتي .. أسهر عليها .. وأنتظر .. وأحلم باليوم الذي أتذوق فيه ثمارها .. ويتذوق منها غيري ..))
    الاخ العزيز قصي .. هذه اجمل عبارات قراتها منذ دخولي البورد .واتمني من الله ان
    تتذوق ثمار زرعك و تسعد بما انجزت ويعوضك الله خيرا علي سهر الليالي .
    ولك مني كل الاحترام.
                  

03-07-2004, 08:07 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: سارة منصور)

    شكرا لك يا سارة .. و ليس لي إلا أن أقول (آمين)
                  

03-07-2004, 08:28 PM

Tabaldina
<aTabaldina
تاريخ التسجيل: 02-12-2002
مجموع المشاركات: 11844

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Yaho_Zato)

    ..
    .
    وأعجب كيف عبرت هذا البستان
    دون ان اقطف ثمره منه ..

    سلمت يا قصي .. رائع


    تحياتى
    اعود
                  

03-08-2004, 00:39 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب البستان (Re: Tabaldina)

    سلمت أنت أيضا يا أستاذ تبلدينا .. شكرا لك
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de