|
|
 بعيداً عن الفكر .. لا حاجة للتفكير
|
عزيزي المفكر..
- التفكير –في نظر عدد من أشهر المفكرين- هو "التقصّي المدروس للخبرة من أجل غرض ما". ويقصد بذلك الغرض الفهم، أو اتخاذ القرار، أو التخطيط، أو حل المشكلات، أو الحكم على الأشياء، أو القيام بعمل ما، أو الإحساس بالبهجة، أو الخيال الجامح، أو الانغماس في أحلام اليقضة إلى آخر ذلك من الأمثلة.
- إننا كبشر نفكر، والفكر فلسفة قائمة بحد ذاتها، لها مدارسها ومدرسوها، ولها أتباعها ومدمنوها. فنحن عندما نفكر، يأخذنا تفكيرنا دائما إلى طريق محدد أو ضيق الحدود، تتحكم فيه مجموعة من العوامل، النابعة من البيئة والمجتمع والمبادئ التي نشأنا عليها أو آمنا بها عن قناعة. لكن الفكر إن ابتعد عن الجوهر وانتقل إلى القشور، تحول من مهمته الإيجابية إلى السلبية، فالفكر يدعم الاجتهاد، والتروي، والبحث والتقصي الدائم عن الحقيقة، والحقيقة هذه كثيراً ما تكون غائبة، في زمن اهتوى الإشاعة والجدل، ووسط آذان انطربت للقيل والقال، وكثرة السؤال. إثر ذلك، فإن كثيراً من ممارسات الفكر، تنتهي إلى التفكير فيما لا يفيد، إن لم يكن ضاراً إلى أبعد الحدود. فالفكر هو الأساس الذي يبنى عليه التفكير، والأساس الخارب، لا ينطق إلا خراباًَ.
- كلنا نسعى لتغيير أمورنا الحياتية من الشتات إلى الاستقرار الجميل، وكلنا يحلم بالنجاح الدائم بعد الفشل وإن لم يكن دائماً، والرضا الدائم عن النفس والآخرين- حتى وإن لم يشتك منا الآخرون-. وكلنا أسير لنرجسية الـ "أنا" إلا من شذ عن القاعدة، والشاذ مهمل بأي حال.
عزيزي المفكر..
- بعيدا عن الفكر البناء حول شخصيتك وأسلوب حياتك، وبعيداً عن الاعتماد على البحث عن الحلول بموضوعية، ومواجهة جوانب النقص وتفاديها بكل مصداقية وصراحة..
.. لا حاجة للتفكير في عيوب الآخرين والبحث عنها وازدرائها أو التشهير بها. ولا حاجة للاعتقاد بأنك تستحق الاحترام الذي لم تجده هنا أو هناك.
- بعيداً عن الفكر المرتكز على طموحات المستقبل، والنظرة المتفائلة للغد، وبعيداً عن وضع الخطط الكفيلة بإيصالك إلى أحلامك ومشروعاتك القادمة..
.. لا حاجة للتفكير في ما حدث أمس ولم يعجبك، حتى وإن كنت ضحية له، وحتى وإن كانت اللعبة في يد غيرك. فالأدعى أن تكون لعبة الغد في يد الأقدار، والأقدار لا يعلمها إلا الله عز وجل.
- وعلى النقيض تماماً.. فإن البعد عن الفكر حول أهمية نقد الذات، ومحاسبة النفس ومعالجتها بالنظر إلى أخطاء الماضي.. يفضي إلى السير نحو مستقبل مظلم، يكاد المرء فيه أن يفقد الرؤية والإدراك. وعندها، تضيع فرص النجاح عند أول اختبار، وأمام أول مفاجأة غير محسوبة.
إذا عزيزي المفكر، أرجو أن تقرر قبل أن تفكر، كيف يمكن أن تفكر، وبأي اتجاه، ولأي سبب. حينها فقط، ستعرف أن التفكير أسهل من تتعمق فيه طويلاً، وأن الحاجة إليه لا تقل عن الرغبة فيه. باختصار، علينا أن نفكر بالطريقة التي سنفكر بها، ونقررها ونعتمدها أولاً، قبل أن ننطلق حول تفاصيل ما حولنا ومن حولنا. لا شك أن تغيير ما بالنفس يجب أن يدعمه التفكير الواعي، النابع من الفكر السليم، الذي لا يمكن أن يستقيم إلا باستقامة المفاهيم والرغبات، ولا يمكن أن يقودك إلى النجاح إلا إذا كان قائماً على رجاحة العقل وصفاء القلب، متسلحاً بالمعرفة والثقافة المتنوعة البعيدة عن التعصب والأهواء.
الكاتب
فارس آخر العصور
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست