محمد علي الأتاسي *** الـثـقــافـة تُـقـتـل عـلـى يـد الـظـلامـيـة والـنـفـط

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 05:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-24-2003, 09:22 AM

اميري باراكا

تاريخ التسجيل: 08-27-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمد علي الأتاسي *** الـثـقــافـة تُـقـتـل عـلـى يـد الـظـلامـيـة والـنـفـط

    الـقــاهـرة تـمـنـع "الـخـطـاب والـتــأويـل" لـنـصـر حـامـد أبـو زيـد

    الـثـقــافـة تُـقـتـل عـلـى يـد الـظـلامـيـة والـنـفـط

    مـحـمـد عـلـي الاتـاسـي



    لم يكن يكفي الثقافة العربية عار إبعاد نصر حامد أبو زيد عن التدريس في الجامعة المصرية وإصدار حكم قضائي بتكفيره وتفريقه عن زوجته ابتهال يونس في منتصف التسعينات من القرن المنصرم، ولا ان يبقى الاستاذ الجامعي منذ ذلك التاريخ منفياً في جامعات هولندا، وان يستمر غياب كتبه عن رفوف مكتبة جامعة القاهرة وان تعجز اي جامعة عربية عن استقباله عضواً في كادرها التدريسي او محاضراً على مدرّجاتها. لا. لم يكف هذا العار كله للنيل من نصر حامد أبو زيد، الانسان والمفكر، فخرجوا علينا في نهاية الشهر المنصرم بقرار جديد أصدره "مجمع البحوث الاسلامية"، وهو أعلى سلطة في الازهر، يقضي بمنع تداول كتاب "الخطاب والتأويل" لأبو زيد في مصر ومصادرة ما وُزّع من نسخه في الاسواق.



    نشرت مجلة "المصور" المصرية بتاريخ 27/11/2003 ان "مجمع البحوث الاسلامية" اجتمع في رئاسة مفتي الازهر الشيخ محمد سيد طنطاوي وناقش تقريراً عن الكتاب وضعه عضو المجمع محمد عمارة، وأصدر قراراً جاء فيه ان أبو زيد "طعن في ثابتين من ثوابت العقيدة الاسلامية، وهما التوحيد وحفظ القرآن الكريم، الامر الذي يمنع تداوله لطعنه في صحيح العقيدة الاسلامية".

    وقال عضو المجمع عبد المعطي البيومي والمعيّن في مجلس الشعب المصري لجريدة "الحياة" (27/11/2003) ان الازهر "لا يصادر حرية الفكر او الابداع، وإنما يحمي ثوابت المجتمع من أي انحرافات فكرية تهدد عقيدة المجتمع وثقافته". وطالب السلطات بـ"تنفيذ كل التوصيات التي يصدرها المجمع في شأن مصادرة الكتب التي فيها انحرافات فكرية وذلك حماية لشبابنا من الافكار الدخيلة"، في اشارة منه الى كون توصيات المجمع والازهر في منع تداول الكتب لا تدخل حيز التنفيذ من دون حكم قضائي صادر عن المحاكم المصرية.

    المضحك المبكي في هذا الخبر الذي تناقلته وكالات الانباء وأفردت له مجلة "المصور" المصرية وجريدة "الحياة" اللندنية مكان الصدارة، انه يتجاهل ليس فقط سؤال نصر حامد أبو زيد عن رأيه في قرار منع تداول الكتاب، لكنه يتجاهل ايضاً، وهنا الطامة الكبرى، مضمون الكتاب والموضوعات التي احتوتها دفتاه. فكتاب "الخطاب والتأويل" الصادر في العام 2000 عن "المركز الثقافي العربي" (بيروت - الدار البيضاء) يخص الدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الاسلامية وكاتب التقرير - الفضيحة بمساحة واسعة من النقد. فهو يكرّس فصلاً كاملاً تحت عنوان "موقف عمارة من علي عبد الرازق، غلبة الايديولوجي على المعرفي"، مخصصاً للنقد اللاذع والعميق لتهويمات الدكتور محمد عمارة الفكرية في موقفه المتذبذب والمتبدل 180 درجة من كتاب علي عبد الرازق، "الاسلام واصول الحكم". كما ان أبو زيد يخصص جزءاً اساسياً من مقدمة كتابه هذا لتحليل الاسلوب الخطابي الاستعراضي المتوشح بعباءة الدين والذي يلجأ اليه محمد عمارة في البرامج التلفزيونية. ويروي أبو زيد كيف كان هو أحد شهوده في برنامج "الاتجاه المعاكس" على قناة "الجزيرة" القطرية والذي جمعه الى عمارة بتاريخ 31 كانون الاول .1996 يضاف الى هذا كله ان الجزء الثاني من الفصل المكرس لفكر زكي نجيب محمود في الكتاب يخصصه أبو زيد للرد على تجنيات محمد عمارة على زكي نجيب محمود وهو يحمل العنوان الفرعي الآتي: "مات الرجل وبدأت محاكمته".

    وقبل الخوض في تفاصيل هذا الكتاب الذي جرّ على صاحبه، ظلماً وبهتاناً، تهمة الطعن بـ"ثابتين من ثوابت العقيدة الاسلامية، هما التوحيد وحفظ القرآن الكريم"، بحسب ما جاء في قرار الأزهر، يجدر التوقف ملياً امام العبرة في أن يكون محمد عمارة هو رأس حربة المؤسسة الازهرية في هذه المعركة - الفضيحة.



    الوشاية

    الدكتور محمد عمارة ليس بالشيخ المعمم، وهو ينتمي الى تلك الفئة من الباحثين في الفكر الاسلامي الذين بدأوا حياتهم بالترويج لما يسمّونه "اليسار الاسلامي" وبتحقيق بعض الكتب النهضوية، قبل ان ينتقل الى الموقع النقيض ويصبح من أشد المعادين لفكر النهضة التنويري ومن أهم المطالبين بعودة دولة الخلافة الاسلامية. محمد عمارة لا ينتمي اذاً الى فئة رجال الدين، ويجمعه مع نصر حامد أبو زيد، مع حفظ المنزلة والمكانة، الانتماء الى حقل الدراسات الاسلامية. وكان يمكن الرجل ان يحتكم الى القلم والكلمة في صراع الافكار الذي جمعه منذ زمن طويل مع نصر حامد أبو زيد، لكنه فضّل أن يقتص من زميله الاستاذ الجامعي الذي شرّح افكاره وبيّن سقطاته، من طريق اللجوء الى سلطة المؤسسة الدينية وجرّ الازهر وشيخه الى محكمة تفتيش جديدة أريد لها أن تنال من أحد أهمّ رموز الفكر التنويري في الدراسات الاسلامية. والسبب ليس لأنه "طعن في ثابتين من ثوابت العقيدة الاسلامية" كما يدعون، ولكن لكونه طعن في الامانة العلمية للدكتور محمد عمارة، وبيّن بالدلائل والشواهد النصية المستقاة من كتابات عمارة، انعدام الصدقية ومقدار التحريف في الاقتباسات التي لجأ اليها عمارة في هجومه على كل من الشيخ علي عبد الرازق وزكي نجيب محمود.

    نحن امام حالة مفجعة من الانهيار الفكري والاخلاقي. استاذ جامعي يسوق زميلاً له الى محكمة تفتيش أزهرية تدينه بطعن "صحيح العقيدة الاسلامية"، هذا في وقت لم يقم أبو زيد بشيء آخر الا كشف الاكاذيب التي تحتويها كتابات محمد عمارة. واذا وضعنا جانباً السؤال المركزي المتعلق بأحقية الازهر ومجمع البحوث الاسلامية في تقرير اي من الكتب يحتوي "انحرافات فكرية"، وتالياً يجب منعه "حماية لشبابنا من الافكار الدخيلة"، على ما يذهب اليه العضو الآخر في المجمع الدكتور عبد المعطي بيومي، فإن السؤال كيف يقبل الازهر وشيخه ان يكون كاتب التقرير في حق كتاب "الخطاب والتأويل"، هو نفسه، بأفكاره وشطحاته، موضوع الكتاب المدان؟ وأي صدقية يمكن أن يحملها مثل هذا التقرير عندما يكون كاتبه هو الخصم والحكم في الوقت نفسه؟

    لقد سبق للاستاذ الجامعي عبد الصبور شاهين في معركته الدنيوية البحتة لمنع ترقي نصر حامد أبو زيد، عدوه الفكري اللدود وزميله في الجامعة، الى رتبة استاذ، ان لجأ الى الاسلوب نفسه متهماً ابحاث أبو زيد بالخروج على ثوابت الدين والعقيدة. والجميع يعرف كيف انتهت هذه المعركة ليس فقط بتجميد ترقي أبو زيد في الجامعة وتكفير مجلسها له، ولكن ايضاً بانتقال المعركة من الجامعة الى المحاكم المصرية التي حكمت عليه بالردة وبالتفريق عن زوجته.

    اليوم، وبعد سبع سنوات من هذه الفضيحة، نحن امام حالة مشابهة، يلجأ فيها استاذ جامعي هو محمد عمارة الى تصفية حسابات شخصية ودنيوية مع زميله أبو زيد من خلال إقحام أعلى مؤسسة دينية في مصر في هذه المعركة الدنيوية بامتياز. وفي هذا ليس فقط اساءة الى المكانة الدينية والروحية للازهر وشيخه ومجمع بحوثه، ولكن فيه ايضاً تبيان واضح لحجم الرهانات الشخصية والمؤسساتية والاجتماعية التي تتلبس بعباءة الدين في سبيل تحقيق رهانات دنيوية بحتة.



    الكتاب المدان

    لا يمكن فصل معركة الازهر الجديدة مع كتاب "الخطاب والتأويل"، عن سياق معركة منع أبو زيد من التدريس في الجامعة والتي بدأت في آذار من العام 1993 وانتهى اول فصولها بقرار أصدرته محكمة الاحوال الشخصية القاهرية في 14 حزيران 1995 بردة أبو زيد وبتفريقه عن زوجته، وأيدته محكمة النقض في 5 آب .1996

    المعركة اذاً لم تنتهِ فصولها بعد. اما الكتاب المدان فإن أبو زيد كتب معظم فصوله في زمن الاغتراب، بعد تموز ،1995 وأقلها كتب قبل ذلك، ولكن دائماً في سياق "حرب التكفير" التي بدأت ضده من داخل الجامعة. وبرغم النبرة السجالية التي تسود بعض مقاطع الكتاب، فإن أبو زيد خصص معظم فصول كتابه لعلم "تحليل الخطاب" نظرياً وتطبيقياً، مبيّناً من خلال امثلة ملموسة كيف تتبادل الخطابات التأثير والتأثر بعضها مع البعض الآخر. ويحدث ذلك "مهما تباعدت منطلقاتها الفكرية وتناقضت آلياتها التعبيرية والاسلوبية، ومهما اختلف نسقها السردي بين الوعظية الانشائية في جانب والتوتر المعرفي في جانب آخر" ("الخطاب والتأويل"، ص5).

    تتحرك فصول القسم الاول من الكتاب والذي يحمل عنوان "المثقف العربي والسلطة" بين الخطاب التراثي وخطاب التنوير، وتعقد مقارنات ثرية بين نقيضين هما ابن رشد والغزالي، وتبيّن علاقات التناص والتأثير والتأثر المتبادل بين خطابَي هذين المفكرين. يعالج أبو زيد في هذا الجزء من الكتاب الخطاب التنويري لزكي نجيب محمود ويبيّن كيف تأثرت ادواته التعبيرية وجهازه المفاهيمي ومقاربته التحليليلة بأدوات خصومه وآلياتهم، ويعرج أبو زيد على المحاكمة التي أجراها محمد عمارة لفكر زكي نجيب محمود ويبيّن كيف أن همّ عمارة الاول كان اغتيال زكي نجيب محمود فكرياً بإخراجه من دائرة الاسلام متوخياً في ذلك اللغة الاتهامية بعيداً عن أي دقة علمية. يقول أبو زيد في هذا السياق: "هناك فارق بين النقد والاختلاف وبين الادانة، ونزع صفة الاسلام عن المفكر لأنه ينتج فكراً لا يتطابق مع ما نؤمن به من افكار. لقد حاول الكاتب (عمارة) ان ينقد الوضعية المنطقية (لدى زكي نجيب محمود) لكن نقده لها هو النقد العامي المبتذل، وليس النقد العلمي" (مرجع سابق، ص86). والمفجع أن أبو زيد كتب في هذا الفصل سطوراً كان يجدر بها أن تكون الرد القاطع على كل من يتهمه بالطعن بثابت التوحيد من العقيدة الاسلامية، ولكنهم لا يقرأون او أنهم لا يريدون أن يقرأوا. يقول أبو زيد: "حين نقول اختلاف العقائد، فإنما المقصود اختلاف التصورات حول العقيدة. عقيدة التوحيد مثلاً كثرت التصورات حولها بين الفرق" (مرجع سابق، ص86). ويضيف أبو زيد الآتي: "اول شروط الحوار: التخلي عن تصور امتلاك الحقيقة، والاستئثار بالحديث عن الاسلام، فكلنا مسلمون بداهة، وإسلامنا هو الاصل الذي لا يحتاج لبرهان" (مرجع سابق، ص87).

    في الفصل الثالث يعرض أبو زيد لسعي عمارة الى "تلويث خطاب النهضة" في إنقلابه من اطار خطاب للاندماج في نمط خطاب آخر يعلن فيه توبته من الاحتفالية التي تعامل بها في الماضي مع كتاب علي عبد الرازق، "الاسلام واصول الحكم"، ويحاول جاهداً "أن يبرّئ علي عبد الرازق من جريمة تأليف الكتاب ليلصقها - على طريقة شارلوك هولمز وأغاثا كريستي - بطه حسين". ان وصف أبو زيد لمنهج عمارة مع كتاب عبد الرازق بالاسلوب البوليسي ليس فيه شيء من المبالغة او التجني. فأبو زيد يبيّن بالأدلة القطعية مقدار الاكاذيب والالاعيب التي لجأ اليها محمد عمارة في مسعاه لإثبات براءة علي عبد الرازق من الكتاب ونسبته الى طه حسين. ونكتفي بايراد احد الأمثلة الفاقعة التي يقدمها ابو زيد دليلاً على نقص الامانة الفكرية لمحمد عمارة في تناوله المزعوم لردة علي عبد الرازق عن كتاب "الاسلام وأصول الحكم". فمحمد عمارة في محاولته العابثة لتقويل علي عبد الرازق ما لم يقله، يجتزئ من نص المحاضرة التي القاها الشيخ عبد الرازق في الجامعة الاميركية في القاهرة في آذار 1932 العبارة الآتية: "الحكم بغير ما انزل الله كفر صريح في القرآن". لكن، وبالعودة الى نص المحاضرة ينكشف كما يبين ابو زيد، تدليس عمارة وهو "التدليس الذي يفضح سوء القصد والنية المبيتة لتلويث سمعة الشيخ وكتابه" (مرجع سابق، ص 95). فعبد الرازق يحاول في محاضرة "الدين وأثره في حضارة مصر الحديثة" ان يستعرض مظاهر التغير والتطور في الحياة المصرية وخصوصا بعد احتكاكها بالحضارة الاوروبية الحديثة. وفي هذا السياق ترد العبارة السابقة لوصف ما كانت عليه الحال في مصر قبل لقائها الاخير بالغرب. يقول الشيخ عبد الرازق: "جرت مصر منذ العصور الاولى على ان يكون الحكم فيها شرعيا، يرجع الى احكام الاسلام والاوضاع الاسلامية، وكان المصريون يفزعون من ان يحتكموا الى غير قوانين الاسلام، لأن الحكم بغير ما انزل الله كفر صريح في القرآن. ولكن القوانين قد اصبحت في مصر تؤخذ احيانا من قوانين اوروبا، ولا يرى المصريون حرجا في ان يحتكموا اليها، ولا ان يخضعوا لها أوافقت الفقه الاسلامي ام لم توافقه. ومن قبل ذلك استطاع الخديوي اسماعيل باشا ان يضرب على المصريين قانون نابوليون شريعة لازمة ويأخذهم بأحكامها اخذاً. وما كان ذلك كله الا خضوعها لما اسلفنا من حكم الظروف الاجتماعية والتطورات التي نشأت مع الحضارة الجديدة والجيل الجديد".

    يبين ابو زيد في هذا الفصل وبأمثلة لا يتسع المجال لذكرها مجتمعة، مقدار الهزل الاكاديمي وانعدام الصدقية العلمية في تناول محمد عمارة لفكر علي عبد الرازق وكتابه "الاسلام واصول الحكم". وبدلاً من ان تكون براهين ابو زيد حجة تقام على صدقية محمد عمارة الفكرية، قام هذا الاخير بتوريط الازهر في معركة ارادها هو تصفية لحسابات شخصية تتلطى تحت عباءة الدين، في حين ارادها ابو زيد معركة فكرية تخدم الحقيقة وتمنع الانتهازيين من استخدام الدين لمآربهم الشخصية.

    في العودة الى فصول الكتاب المدان بحثا عن اي دليل يثبت ما ذهب اليه الازهر من طعن ابو زيد في ثوابت العقيدة الاسلامية، لا يجد القارئ الا فكرا عقلانيا يحاول من داخل دائرة الاسلام ان يطرح الاسئلة الصعبة المسكوت عنها في الخطاب الاسلامي التراثي والمعاصر. ففي الفصل الرابع يبين ابو زيد "الترضيات الضمنية" التي يلجأ اليها محمد اركون حفاظا على موقع خطابه داخل الثقافة والفكر الاسلامي.

    اما القسم الثاني من الكتاب فمخصص بأكمله لدراسة كيف ان معظم تيارات الفكر العربي لا تزال مسجونة داخل النفق المظلم نفسه الذي حصر سؤال "النهضة" في بعد "الدين" وحده. وينتهي هذا الفصل بحوار شيق وموسع اجراه الناشر مع ابو زيد يتناول فيه نشأته ودخوله الجامعة والمفكرين الذين اثروا في تكوين وعيه متحدثا باسهاب عن محنته بعدما اضطر لمغادرة مصر وعن المعالم الجديدة في مشروعه الفكري.



    حتى انت يا بروتوس

    تسعة اعوام مضت على بداية محنة ابتهال يونس ونصر حامد ابو زيد، وشبح الرجل وفكره لا يزالان يقلقان الفكر الظلامي ويقضان مضاجعه. تسعة اعوام والثقافة العربية لا تزال عاجزة عن اعادة نصر حامد ابو زيد الى عالمه العربي.

    كنت اظن لمدة طويلة ان موقف السلطة السياسية الملتبس وتقاعس المثقفين العرب وعجزهم عن التضامن الفعلي والمؤثر مع ابو زيد من اهم الاسباب التي تسمح لهذا الوضع - الفاجعة بالاستمرار. لكن الصدفة قادتني وانا اعدّ هذا المقال الى مقابلة كان اجراها قبل شهور معاذ الخطيب مع الباحث اللبناني رضوان السيد اثناء انعقاد مؤتمر الجنادرية تحت رعاية الاسرة المالكة في العربية السعودية ونشرها موقع "الملتقى الفكري للابداع" على الانترنت. ما قاله الباحث رضوان السيد الذي يدّعي التنوير في هذه المقابلة في حق نصر حامد ابو زيد يبين لي ان اكثر الطعنات ايلاماً في ظهر الاستاذ المصري لم تأته من الاسلاميين، بل من مدّعي الانفتاح والتضامن الصوري معه. هذا في وقت لا يتركون مناسبة من دون ان ينالوا منه بسهامهم المسمومة، محاولين بكل الوسائل النأي بأنفسهم عنه وخصوصا عندما تكون علاقتهم مع الثقافة النفطية هي على المحك. يقول رضوان السيد عن نصر حامد ابو زيد الآتي مقارنا اياه بمحمد شحرور: "مسكين، انه رجل طيب باحث عن الشهرة فوقع في هذه الاخطاء الفظيعة فصار يشبه شحرور، ولكن من دون ان يقصد، شحرور قاصد، شحرور يعرف ان ما يفعله اجرام وتخريب للدين، يفعل ذلك بوعي، اما نصر فقاده الى ذلك الجدال وحب الشهرة، وهو عنده ثقافة ماركسية سطحية، وشحرور يعرف الماركسية اكثر بكثير مما يعرفه نصر حامد ابو زيد فهو [اي نصر] في الاصل ناقد ادبي، يعرف العربية جيدا، ويعرف ان هذه - وإن كانت قراءة تاريخية للنص - لا توصل الى النتائج التي يصل [هو] اليها، واكثر طفولية من قراءته للقرآن: قراءته لنص الشافعي، فالنتائج التي يصل اليها مضحكة! فهو ماركسواني سطحي لأنه رجل طيب اشتبك مع الاسلاميين جماعة شركات الاموال مطلع التسعينات وهو يساري، فكتب مقالة طويلة في نقد الخطاب الديني، نشرتها له انا، فتنبهوا اليه، وكان كتب "مفهوم النص" - وهو كتاب ليس جيدا، وكتب اشياء اخرى تتعلق بالنص الوسيط، حتى دراسته عن الامام الشافعي لم ينتبه اليها احد، ولما هاجم علنا خطاب سيد قطب والقرضاوي وغيرهما، تنبهوا اليه فاعادوا قراءة كتبه السابقة فأدى به الامر الى ان يصبح مثل سلمان رشدي مطاردا. هو رجل طيب لا يمكن حسبانه لا على امثال شحرور ولا على امثال اركون، ثم ان دراساته ليست دراسات محترمة، من حيث قيمتها في فقه القرآن، او في فهم القرآن".

    لقد سبق لرضوان السيد ان دافع بشكل ملتبس قبل سنوات عن قضية ابو زيد عندما كان هذا الاخير ضيف برنامج "حوار العمر" في تلفزيون الـL.B.C. ولكن، عندما يكون رضوان السيد في حضرة القائمين على مهرجان الجنادرية لا يجد شيئا آخر سوى هذه العبارات المتحاملة ليصف بها من دفع افدح الاثمان في سبيل حرية الكلمة وعقلانية الفكر.

    لا. ليس نصر حامد ابو زيد بالمسكين، ولا حتى رضوان السيد. المسكين هو هذه الثقافة العربية التي لا تزال تُقتل كل يوم على مذبح ثقافة النفط








                  

12-25-2003, 00:20 AM

Dr.Elnour Hamad
<aDr.Elnour Hamad
تاريخ التسجيل: 03-19-2003
مجموع المشاركات: 634

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد علي الأتاسي *** الـثـقــافـة تُـقـتـل عـلـى يـد الـظـلامـيـة والـن (Re: اميري باراكا)

    شكرا أميري على إشراكنا في الإطلاع على هذا المقال الهام.

    لن يتغير الأزهر ابدا، فهو مؤسسة قد قامت، حين قامت، على نسق مؤسسات الكهنوت الغربية. فهو ليس مؤسسة أسلامية، كما يشيع هو، وكما تواضع الناس أن يروه. فالإسلام لم يعرف طائفة رجال الدين، المتخصصين في الدين، والمؤسسات الدينية، إلا في عهود انحطاطه، وهي عهود قد بدأت في وقت مبكر جدا من عمر الدعوة الإسلامية. ولعل ظاهرة رجال الدين، وظاهرة المؤسسات الدينية، كالأزهر، وما شابهه تمثل تجسيدا للنذارة النبوية التي ورد فيها: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا، بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب، لدخلتموه. قالوا: أأليهود والنصارى؟ قال: فمن؟؟)). فالكهنوت ظاهرة يهوديمسيحية، وقد نقلها عنهم المسلمون حين عجزوا عن فهم جوهر دينيهم القائم على المسؤولية الفردية. لا حق لأحد في تكفير أحد قط. فلا سبيل البتة لتكفير من قال (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) مهما اختلف رأيه. غير أن الكهنوت الإسلامي المتمثل في الأزهر، وفي ظاهرة رجال الدين، وهي ظاهرة دخيلة على الإسلام، كما تقدم، قد مرد على تكفير المخالفين لرأي السلطة، بل وعلى إباحة دمائهم.


    حين بدأت الفتنة الكبرى، وعلا أمر الدنيا في الصدور، وضعف أمر الدين، انحاز الفقهاء إلى بلاط السلاطين، وفر المتصوفة بجلودهم إلى المغارات والكهوف. وهذا الوضع قائم اليوم، كما كان بالأمس، على اختلاف طفيف. فاليوم يهرب المفكرون التنويريون، إلى اقطار العالم الحر، هربا من التكفير، وتطليق الزوجات!! تماما كما هرب من قبل المتصوفة من حواضر الخلافة الإسلامية التي تسلح فيها الفقهاء بالنص الديني، والتفسير المحرف له، من أجل حماية سلطة وثروة الحكام. فطفقوا يكفرون كل من تشتم منه رائحة الرغبة في زعزعة الثوابت القائمة. والأستاذ محمود محمدطه، الذي صمد أمام واحد من أذرع هذا الإرهاب الكهنوتي، التي امتدت إلى السودان، دفع حياته ثمنا لإختياره البقاء، في بلده.

    محمد عمارة واحد من المثقفين الذين باعوا دينهم بالدنيا، وآثروا أن يعزفوا النغمة السائدة التي ترضي أهل السلطان، ومؤسسات السلطان، كالمؤسسة الأزهرية، القروسطية، والمؤسسة السعودية القابضة. وقد أخذ العالم العربي في التراجع عن مفاهيم التنوير، منذ أن بدأت الثروة النفطية في الظهور في الجزيرة العربية. ففي العقود الثلاث الأخيرة، اصبحت السعودية هي المالك الأكبر للمؤسسات الثقافية. أقامت السعودية أكبر الصحف، والمجلات انتشارا في العالم العربي، واختارت لذلك لندن. ومن ثم، بدأ الظل ينسحب من المؤسسات الصحفية العتيدة كالأهرام، وأخبار اليوم، والنهار، حتى غدت صحفا محلية، واقل من محلية. ثم أعقب السعوديوين ذلك، بشراء جريدة الحياة التي أسسها كامل مروة. كما أنشأوا قناة إم بي سي، وأعقبوا ذلك بشراء تلفزيون إل بي سي اللبناني، مؤخرا. ولبنان الذي كان متنفسا للكتاب العرب، عرف الآن (السنسرة) على عهود الحريري المدعوم سعوديا، والمتجنس سعوديا. ووسط هذا الزحف لإمتلاك أهم منافذ التاثير الإعلامي، جرى شراء كثير من أبرز الكتاب العرب الذين أصبح لهم حضور سنوي مدفوع الأجر، في مهرجان الجنادرية السنوي. ولكن، وهل أفاد مهرجان المربد صداما في شيء، حين وقعت الواقعة؟

    باختصار، كل كلمة لا ترضي السعوديين، لا مجال لها لكي ترى النور بشكل موسع. لقد تم إحكام القبضة على العقل العربسلامي بسلطة البترودولار. النشر والتوزيع، والإعلان الذي لا تقوم صحافة لا تعتمد عليه، كلها أصبحت في أيدي السعوديين، نتيجة لتخطيط محكم. ومن بشائر الخروج على سلطة السعوديين المطلقة على حقلي النشر والإعلام، ظهور قناة الجزيرة، التي ضاق بها السعوديون، وغيرهم من الأسر المالكة الخليجية. ولسوف ينكسر هذا الطوق السعودي رويدا رويدا، حتى يصبح، بإذن الله، اثرا بعد عين.

    القصة طويلة أخي، أميري. غير أن ذلك لن يفيد النظام السعودي في شيء. نعم، سوف يستغرق الخروج من هذا النفق الطويل زمناطويلا. ولكن الخروج منه حتمي، في تقديري.
    ولي عودة إلى هذا الخيط الهام.
                  

12-25-2003, 11:00 AM

اميري باراكا

تاريخ التسجيل: 08-27-2003
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمد علي الأتاسي *** الـثـقــافـة تُـقـتـل عـلـى يـد الـظـلامـيـة والـن (Re: Dr.Elnour Hamad)

    د. النور حمد تحية طيبة ،

    وكل سنة وانت طيب

    الشكر كل الشكر على هذه المساهمة الجميلة ،

    قي الحقيقة موضوع الأزهر كما أسلفت موضوع شائك ، وما يحدث الآن هو امتداد لما حدث من قبل للدكتور طه حسين حين اتهم بالعلمانية ،، وما حدث من قبل للدكتور صادق جلال العظم ، وغيرهم من اصحاب الرأي والمدافعين بالقلم ،

    كم كنت أود لو أستطيع أن أنشر مداخلة فيصل دراج حول طه حسين ، ولكن هو الوقت الذي لا نملكه ،،
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de