الزمان 17 يناير 1996 .. أحد الصباحات الكئيبة والمملوءة حُزناً .. كانت عادة والدي عليه الرحمة أن يفتح ( الراديو ) بصوتٍ عالي للإستماع لنشرة اخبار السادسة والنصف صباحاً كعادة معظم السودانين من الذين شبوا في زمان سطوة الإذاعة وصوت ( هُنا أمدرمان ) .. ولعل أُذني لم تهتم بأخبار المُذيع وهو يتلوا نشرة الأخبار إلا عندما أتاها وهي تتغافل الأستماع نعيِ مُصطفي سيد أحمد .. ( توفي بالدوحة العاصمة القطرية الأستاذ الفنان مُصطفي سيد أحمد بعد صراعِ طويل مع المرض وقد أسلم الروح لبارئها فجر اليوم .. ) .. جاءني هذا الخبر كحُلم وأنا لا أزال تحت الغِطاء والدنيا شتاء .. نعم كان مصطفي مريضاً بالفشل الكلوي ( المُزمن ) كان الكل يعلم هذا ويتابع حالته الصحية علي أمل أن يتم شفاءه وتجري له عملية لزرع الكلي .. وبرُغم تدهور الحالة الصحية له لفترات متقطعة إلا أن تخيل أن يغادر باكراً لم يكن ضمن أجندة العقل الجمعي لكل معجبيه وعشاقه .. كانوا يمنون أنفسهم برؤيته مجدداً يصدح من مسرح المكتبة القبطية أو المسرح القومي أو القاعة أو في قعدات اصدقائه أو بيوت الأفراح .. نزلت دمعات ساخنات وأنا من تحت الغطاء وترحمت عليه .. لكن اكاد أتذكر تفاصيل ذلك اليوم .. عندما إلتقيت ليلاً بمنزل لاصدقائي وكان الكل حزيناً أذكر أنني ذكرت لحظات تلقي الخبر للصديق الدكتور ( هُشام عمر النور ) وكان معظم الناس قد عرفوه بذات الطريقة من ( الراديو ) فقال لي ( هُشام ) ما براك ( كُلنا أخدنا لينا بكية من تحت البطانية ) .. اكاد أجزم أن معظم أبناء جيلنا قد وعوا وتشكل عميق وجدانهم من أغنيات وصوت مصطفي سيدأحمد في المدارس الثانوية والجامعات .. لذلك كانت رابطة معجبي مصطفي سيد أحمد معظمها من هذه الشريحة .. كان مصطفي رمزاً يتسلل من بين أغنياته وكلماتها العاشقين والثوريين معاً ! .. كان غناؤه نفساً للمقاومة وضد الإستبداد .. ولذلك حاربه وبشدة كهنوت وعاهات الإنقاذ .. حتي خرج تحت بند البحث عن العلاج ولكنه كان مقاوماً ومعارضاً شرساً للنظام وجلاديه .. علي المستوي الشخصي يرتبط عندي غناء مصطفي بفترة من أخصب فترات حياتي ونحن نتلمّس الوعي ونحاول ان نكون في مسار التغيير منذ زمانٍ باكر من عُمر النظام الهالك الباطش .. ولا شك أنني واحد من كثيرين جداً نتشارك تلك الوجدانيات .. وإن كان هنالك من هُم اكثر تبتلاً في محراب العشق والتيه بهذا الأسطورة ! .. يفتقدك الجميع أستاذ مُصطفي سيد أحمد .. فقد ذهب أخيراً من سرقوا حريتنا فأسترديناها منهم بثورة كنت أنت أحد من عملوا لها وحفروا عميقاً في مسارها .. فليرحمك الله .. وصٓحِي الموت سلام .. ما يغشٓاك شر ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة