يقول المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز في محاضرة بعنوان " الإصلاح و النهضة" أن هناك خلاف في استخدام المصطلحين في كل من أوروبا و الوطن العربي، و قال أن النهضة نجحت في أوروبا لآن هناك علاقة بين الفكرة و الانتاج المعرفي و المجتمع، حيث هناك حاملا بين الذين ينتجون المعرفة و الفكر و المجتمع، و الحامل هو الذي يعطي الفاعلية للمعرفة و الفكرة و تنزيلها علي الأرض. بينما في الوطن العربي يغيب هذا الحامل و يصبح هناك هوة كبيرة بين المفكر و المنتج للمعرفة و المجتمع. و في السودان يغيب المفكر، بسبب هذا الغياب، استعاضت عنه القوى السياسية بالشعارات التي لا تحتوى علي دراسة للظاهرة المراد بحثها، لأن الشعار كما ذكرت سابقا الهدف منه ملأ لفراغ، و نصبح الفروق هنا معرفية. قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، في حديثه في احتفال ثورة ديسمبر بعيدها الأول" إن إرساء الديمقراطية يتطلب المحافظة على التوافق السياسي واستمرار الشراكة مع العسكر خلال الفترة الانتقالية. ويُحكم السودان الآن من قبل حكومة انتقالية مشتركة بين قادة الجيش ومدنيين، توصل إليها بعد اتفاق سياسي بين قوى إعلان الحرية والتغيير وقادة الجيش، بناء عليه توافقوا على وثيقة دستورية شُكل بها مؤسسات الحُكم " يحاول حمدوك أن يذكر الجميع أن هناك مساومة سياسية قد حدثت مع العسكر، و هذه المساومة ستظل مستمرة طوال الفترة الانتقالية." و هذا الذي كنت قد كررته في عدد من المقالات، أن المساومة سوف تحكم الفترة الانتقالية، و أي طاريء يستدعي حوارا بين الجانبين لابد أن تحكمه هذه المساومة التي لا فكاك منها، و أي محاولة للخروج منها يعني تعرض الفترة الانتقالية للفشل. لآن المساومة فرضها توازن القوة، الأمر الذي سوف يحرص عليه الجانبان. لكن تعتقد بعض القيادات السياسية أن ممارسة الضغط من خلال تحريك الشارع أو إصدار شعارات جديدة لممارسة بعض المضايقات سوف تجعل الجانب الآخر يقدم تنازلات تضعف موقفه، و هذا عدم فهم لمسألة توازن القوة في المجتمع، و يحول الصراع بين الجانبين إلي الضرب تحت الحزام، و الحركة السياسية هي المطالبة أمام المجتمع أن تهيء ظروف نجاح الفترة الانتقالية، و لا تدخل في صراع يعرضها للخطر. و الحركة السياسية هي تعلم أن الوعي الجماهيري يكتمل عندما ينتقل العمل السياسي من النضال السلبي في التعبئة و الحشد الذي أدى إلي إسقاط النظام، إلي العمل الإيجابي من أجل البناء و عملية التحول الديمقراطي، و التي تبدأ بتفكيك البناءات القديمة لمستويات الحكم منذ الاستقلال حتى الآن و خاصة الإنقاذ، و التي كانت سببا في فشل مشروع النهضة، التي تحتاج إلي تقييم و مراجعة من خلال منهج نقدي، إلي جانب الشروع في مؤسسات جديدة برؤى جديدة تستطيع مواجهة التحديات، و بناء الإنسان المؤهل القادر علي إعمال العقل في تجاوز العقبات، و تقديم المبادرات في جميع الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية بأفق معرفي. و في عملية البناء الوطني تخرج الشعارات من صلب الفكرة المطروحة، و تصبح ذات أفق أستراتيجي، و ليس الهدف منها ملأ الفراغات السياسية، التي كانت قد عجزت القوى السياسية في تقديم فرضياتها. أن نجاح الفترة الانتقالية يعتمد علي التناغم الذي يتم بين القطبين المدني و العسكري، أن المساومة السياسية التي تمت بين الجانبين يجب أن تستمر بشكل إيجابي، و إذا كانت هناك قوى لها رآي مخالف أو معارض، يجب عليها أن تؤجله لحين تأسيس القواعد التي تشيد عليها نشاط و فاعلية الفترة الانتقالية، و النزول بعملية التفكير و المبادرات إلي القاعدة الاجتماعية لكي يدور الحوار المجتمعي المطلوب، باعتبار أن النهضة و التنمية و كل مسميات عملية تقدم المجتمعات تحتاج إلي وعي جماهيري، إلي جانب عملية الإصلاح في التعليم و الإدارة و النجاح في إصلاح هياكل الاقتصاد، الذي يساعد علي تغيير في الثقافة السالبة السائدة في المجتمع و إنتاج ثقافة جديدة تعبر عن التحول السياسي الديمقراطي في البلاد. و أن التكتل لحماية مكتسبات الجماهير و السير بطريق الثورة نحو التحديث و الإصلاح يتطلب التكتل الإيجابي القائم علي روح التعاون و التكاتف و الحوار، و يذكرني ذلك بقول لغرامشي عن أهمية التحالف السياسي، الذي يسميه " الكتلة الإيجابية في المجتمع" حيث يقول " عندما تفكر القوى السياسية في مسألة التغيير، حيث يصبح " كتلة" يواجه بها المجتمع التحديات التي تواجه عملية التغيير و الإصلاح." و المطلوب الآن أن يتحول التحالف إلي قوى إيجابية تبحث عن التوافق الوطني، و فتح حوارات مجتمعية متعددة في العديد من القضايا، باعتبار أن البناء يحتاج لمؤهلات مؤسسة علي المعرفة و الفكر الذي يقود عملية التحول في البلاد. و نسأل الله حسن البصيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة