أداوم على مشاهدة برنامج السيد فريد زكريا على السي إن إن كل صباح أحد. ووجدته خصص البرنامج اليوم للقبول في الجامعات الأمريكية بين الظن بالنباهة (meritocracy) والتنوع. ففي نوع القبول الأول امتياز معاييره مفصلة على أهل الحظوة تستبعد الكثرة محدودة الموارد. وفي البرنامج، المعنون "التحايل والفضيحة" نظر اجتماعي لا محيص منه متى طرقنا حظوظ الناس في التعليم وكل أمر آخر. وعلى أن الذي بيننا وأمريكا شاسع فلم نسلم من صراع النباهة والتنوع تمثل في حركة "لجنة بحث عدالة توزيع الفرص الجامعية 1986-1987" في جامعة لخرطوم التي قاتلت دون مطلب تكافؤ فرص دخول الجامعات. ونشر من وحيها الدكتور صديق أم بدة كتاباً عنوانه "قلم التعليم وبلم المتعلمين" لا أعرف من طرق التعليم والطبقية والجهوية مثل د. صديق أمبدة على أنه لم يخرج للبحث الطبقي من مكمن إيدلوجي مسبق كالماركسية. فوقف في الثمانيات موقفاً صلباً معروفاً ضد لجنة القبول لجامعة الخرطوم لإضفائها امتيازات لممتحني شهادة لندن نجح بها من عده إنجليز شهادة لندن نفسها في عداد الساقطين. ولم أقف أنا الماركسي المحيسير على كشف ديناميكية الطبقة في التوسل إلى مصالحها (تنجيح) بنيها وبناتها مثل ما وقفت عليه عند صديق. فرفع الغطاء عن ضروب الضغوط التي مارستها الصفوة البرجوازية على جامعة الخرطوم لتتراجع عن أعرافها وسلامة تقديراتها بالسلطات المخولة لهم كصفوة مميزة فصيحة موفورة المال والجاه. فجاء صديق بمذكرة وقع عليها مئات من رجال ونساء الطبقة لحمل جامعة الخرطوم أن "تنصف" أولادهم وبناتهم. ولم ينسوا أن يردفوا التوقيع بصفة الموقع ومقامه في مجال المال والعمال والأكاديمية.
أما أسطع ما جاء في الكتاب في نظرته الطبقية الفطرية تقريباً فتعريضه المزلزل لعقيدة "مجانية التعليم" كما جرى تطبيقها في جامعة الخرطوم. فبينما يلهج الكثيرون ب"سواسيتها" رأى صديق أنها خدمت الصفوة البرجوازية (هذا مصطلحي) بأكثر من الفئات الأخرى بعد نظر اقتصادي ممحص لرسائل جامعية وسجلات جامعة الخرطوم. فرأى من حيثيات طرأت على جامعة الخرطوم في عقود الثمانين من القرن الماضي زيادة في نسبة الطلاب من الأسر ذات الشرائح العالية في آخر الثمانينات إلى 70 في المائة من 32 في المائة. وكشف بقوة أنواع التدليس التي تمارسها هذه الصفوة لإخفاء حقيقة دخلها لتنعم بمجانية التعليم. وقد اثقلت هذه المجانية البلهاء على جامعة الخرطوم فصارت تنفق كل ما بيدها على الطلاب على حساب الجوانب الحيوية التي في أصل نشأتها. ومن الجهة الأخرى فقد نظر صديق في اشكال الغبن التنموي الجهوي (مركز وهامش) في فرص التعليم.
هذا كتاب سيقضي على الترهات التي اكتنفت خطاب التعليم عندنا لثلاثة عقود على الأقل. ومتى قرأناه بقوة انفتحت بصيرتنا على أجندة خطرة حول مستقبل التعليم في المجتمع. وتجد برنامج فريد على الرابط أدناه
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة