ربما يجد البعض العذر للحكومة الانتقالية في السودان إن فشلت في ملف الاقتصاد وهذا ما تبدو إرهاصاته حاليا؛ لكن قطعا لن تجد من يعذرها وهي تدشن حملة منظمة ضد الحريات فتلكم قضايا مبدئية لا تتطلب مالا أو عونا خارجيا، بل هي العمود الفقري لشعار الثورة التي أحدثت التغيير في ابريل الماضي وهو (حرية، سلام، عدالة). وقد وقعت الصحافة، التي تعرف مجازا بالسلطة الرابعة ضحية هجمة شرسة في اطار تحركات غير قانونية اتخذتها حكومة عبد الله حمدوك لحظر وإغلاق النقابات العمالية بالقوة، بما في ذلك الاتحاد العام للصحفيين السودانيين. وكان هناك رد فعل سريع للاتحاد الدولي للصحفيين حيث أدان بشدة هذا الاجراء وقال في بيان له يمكن وصفه بالحاد جاء فيه:"أن الحركة النقابية العالمية غاضبة وتطالب السلطات السودانية بالتصرف وفقًا للمعايير الدولية ووقف الحرمان التعسفي لحقوق الإنسان والحل غير القانوني للجمعيات المهنية". وقال الأمين العام للاتحاد الدولي، أنتوني بيلانجر: "هذا القرار ينتهك القانون الدولي، ومحاولة فاضحة من قبل السلطات للسيطرة على الحركة النقابية والجمعيات المهنية لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بها" ولعل من مظاهر التعسف التي تتعارض تماما مع أجواء الحرية المفترضة احتلال مكاتب اتحاد الصحفيين من قبل قوة عسكرية. وجاءت هذه الخطوة بعد أشهر فقط من احتجاز رئيس الاتحاد لعدة أيام. وبالضرورة يتعارض هذا الاجراء مع قانون الجمعيات المهنية، وحرية تكوين الجمعيات والاتفاقيات الدولية لحقوق العمل والنقابات العمالية، ويعتبر تدخلاً صارخًا من السلطة التنفيذية الانتقالية. ومن المعلوم أن هذا القرار غير القانوني قد صدر عن لجنة حكومية غير محايدة، وينتمي عدد من أعضائها إلى تنظيمات سياسية وحزبية، وهذا يدخل النقابات والاتحادات في أتون التحيز السياسي، ولذلك عواقب خطيرة على القطاعات المهنية والمنظمات والنقابات العمالية. كذلك يدور حاليا جدل كثيف حول قانون تفكيك النظام السابق والعزل السياسي الذي أصدرته الحكومة الانتقالية؛ إذ أن جوهر الانتقاد أن القانون يستهدف المؤسسة الحزبية (المؤتمر الوطني الحزب الحاكم سابقا) في حين أن القانون العام يمكن أن يقتص من منسوبي الحزب كأفراد في حال ثبوت تورطهم في قضايا جنائية، بينما العقاب السياسي متروك لصندوق الانتخابات وبهذا تتم كفالة حرية ممارسة العمل السياسي لجميع المواطنين على حد السواء ويضمن الناس تجنب الانتقام والاقضاء وكسر هذه الدائرة الجهنمية. وربما نتج عن هذه الاجراءات تحركات سياسية في مواجهة حكومة حمدوك وتمثل ذلك فيما سمي بمسيرة الزحف الأخضر حيث توجهت حشود جماهيرية نحو القصر الجمهوري مطالبة بما اسمته بتصحيح مسار الثورة وتحقيق قيم الحرية والعدالة. ويعتقد البعض أن أنصار حزب المؤتمر الوطني وراء تلك التظاهرات وهي الاكبر من نوعها في مواجهة الحكومة الانتقالية. وذهب البعض إلى أن المشاركين فيها مثلوا تيارا عريضا تجاوز حزب المؤتمر الوطني المحلول. وفيما افتخر المؤيدون للحكومة الانتقالية بأن التظاهرات لم تعترض بالغاز المسيل للدموع وهراوات الشرطة أو تواجه بالرصاص كما كان يحدث في السابق تمسكا بحق حرية التظاهر ضمن الاجواء الجديدة؛ قال مناوئوهم أن هناك مذكرة رفعتها قوى الحرية والتغيير التي تمثلها الحكومة الانتقالية عبر رئيس مجلس الوزراء لمجلس السيادة لمنع قيام تلك المسيرة دون أن تجد الاستجابة، بيد أن الجيش أكد عبر بيان أصدره على قوميته وأنه يقف على مسافة واحدة من كل المكونات السياسية في البلاد. واتهم الطرف الآخر أيضا وزير العدل بأنه طلب قبل يومين من انطلاقة المسيرة من هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات التصدي والتعامل بحزم مع تلك المسيرة على الرغم من مطالب الحرية والتغيير كانت على الدوام أن تكون صلاحية جهاز الأمن فقط جمع وتحليل المعلومات. قطعا ليس من مصلحة السودان أن تفشل الحكومة الانتقالية الحالية فهي ينتظر منها أن تكون الطريق المعبد لإرساء حكومة المدنية الديمقراطية وهو النظام الأمثل لأنه يقوم على المواطنة بمعنى أن يتساوى الناس في الحقوق بعيدا عن الدين أو اللون وإذا تعارضت الحقوق يحتكم لرأي الاغلبية والأغلبية نفسها لا تعني فرض ما هو مخالف لدين الاقلية وهذا ما كان ساريا في دستور 2005 الذي شاركت في وضعه واجازته الحركة الشعبية قبل انفصال جنوب البلاد. وربما أكدت مسيرة الزحف الأخضر على ضرورة تحقيق معادلة العمل السياسي كما أوضحت أن هناك طرفا آخر يملك كذلك مفاتيح تحريك الشارع السياسي. فجاء الوقت الذي يتفق فيه الفرقاء في اليمين واليسار على العيش سويا في اطار دولة ديمقراطية. وهناك رشد سياسي بدأ يظهر لدى بعض القيادات السياسية مثال ذلك تأكيدات نائب رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال ياسر عرمان بأنه لا أحد يستطيع اجتثاث الإسلاميين من المجتمع، فيما دعاهم إلى مراجعة برنامجهم ومشروعهم القديم، وعرمان سياسي يصنف من ألد أعداء التيار الإسلامي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة