خارج إطار الخِطط الموضوعة وأولياتها ، وجب على حكومة حمدوك الإلتفات إلى بعض المشكلات التي ربما كانت إبان التخطيط تحتمل الإنتظار ، لكنها وعبر التجربة الواقعية بعد بداية الحكم المدني أصبحت بلا شك (عاجلة) وضرورية ، فهي من وجهة نظري (جروحٌ غائرة) ونازفة ، وقد حان إيقاف نزيفها ولو مؤقتاً رغم أنف (الأولويات) التي وثَّقتها خطة عمل الحكومة الإنتقالية لأنها في نهاية الأمر من وضع البشر وليست كتاباً إلهياً مُنزل ، من هذه القضايا كل ما يتعلَّق بمعاش الناس وضبط فوضى الأسواق وتوفير الحد الأدني من الخدمة الطبية الضرورية في المستشفيات الحكومية وفي ذات الوقت المعالجة السريعة لأسعار الدواء عبر إصدار قرار ثوري في موضوع الدولار الدوائي مُضافاً إلى ذلك الإسراع في تعيين ولاة مدنيين في الولايات السودانية المختلفة ولو مؤقتاً إلى حين إكتمال ترتيبات إتفاق السلام ، ولكن أهم ما يستحق الإلتفات إليه بعجالة في وقتنا الحالي هو قضية هذا الجمع الهائل من أطفال السودان المُشردين في شوارع العاصمة والمدن الكبرى وهم ضحايا الضائقة المعيشية التي زلزلت أركان الأسرة السودانية والحروب الجائرة التي ضربت مساحات شاسعة من أرضنا الوفية ، هؤلاء الأطفال وهم يقفون في الإشارات والمواقف والأسواق يستجدون الناس ما يسد الرمق عبر الإشتغال في أعمال هامشية وأخرى خطرة على من هم في أعمارهم أو حتى عبر إستدرار العطف بمسح زجاج المركبات ، إنما يُعلنون بمظهرهم هذا (إستمررية) وبقاء الوجه المظلم الذي خلَّفهُ العهد البائد في (صورة) الشارع السوداني الموصومة بالبؤس والفقر والمرض وإهدار الكرامة ، هم بمظهرهم ذاك يعلنون لنا بأن الثورة إنتصرت ولكن (كأن شيئاً لم يكن).
رئيس الوزراء ووزيرة الرعاية الإجتماعية ووزير التربية والتعليم مسئولون عن (معالجة) سريعة و(إسعافية) تنتشل فلذات أكباد هذا الوطن من الضياع ، هؤلاء الأطفال وحسب قواعد المنطق ومباديء العدالة والقيَّم الديموقراطية كانوا من المفترض أن يكونوا بين رصفائهم في قاعات الدرس بالمدارس ، يستعدون للإسهام في بناء هذا الوطن الذي بدأ الإنقاذيون هدمه بإهدار كرامة إنسانه ، وتعريض منبع طاقاته البشرية المتمثِّل في شريحتي الطفولة والناشئة للضرر والهدم المُمنهج ، بل وجعلوا من مأساتهم الحياتية (سلاحاً) يُهدِّد أمن المجتمع وإستقراره ومصدراً من مصادر الجريمة لا ينضب ، في هذا العهد الذي نستبشرُ فيه بسُموْ وقداسة العدالة ونرفع فيه راية كرامة الإنسان والإهتمام بحقوق الطفل ، وجب على حكومتنا الإنتقالية أن تُنشيء هيئة إسعافية مجتمعية مستقلة مهمتها إزالة كل مظاهر الهدم المجتمعي الذي أرتكبته الأنقاذ البائدة في متون المجتمع السوداني ، والبداية لا بد أن تكون من رعاية الأطفال المشردين وتخصيص ميزانية عاجلة وحواضن رسمية وطوعية (حقيقية) قادرة على إستيعاب متطلباتهم الحياتية وتأهيلهم وإدماجهم في العملية من جديد ، هذا الشعب المُعلم يستحق أن يقاوم (أعراض إحباط ما بعد الثورة) ببذلكم المزيد من الجهود في تغيير صور و(مظاهر) المشهد الإجتماعي البائس للنظام البائد ، وسوف لن (يُنقص) ذلك شيئاً من ما تبذلونهُ في بناء (المضامين).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة