تشكل الثقافة وعاء جامعا لكل امة و انعكاسا لحضارتها’ و تتنوع تعريفاتها من مجتمع لاخر و من عصر لاخر’ و حاول البعض سابقا تقسيم الاجناس بحسب الثقافة الى راقية و اقل رقيا او انحطاطا’ و برزت في ذلك نزاعات و حروب و اشتباكات عقدية و فكرية لا تزال اثارها متواصلة الي اليوم. و لعل الحرب العالمية الثانية كانت حرب ثقافة في المقام الاول لابراز سمو العنصر الاري على باقي الشعوب’ و التي ظن بعضهم انها ما خلقت الا لتقوم على خدمتهم’ و يبرهن على ذلك مقولة الفوهرر ادولف هتلر قبل انتحاره:(لقد كان بامكاني ان ابيد جميع اليهود في العالم ’ و لكني ابدت نصفهم فقط’ ليعلم العالم من النصف الباقي انني كنت على حق). بل ان الجاحظ عمرو بن بحر قد اسبغ الثقافة على الحيوانات في الكلاب و الحمير و الغربان’ و خلد ذلك في كتابه الحيوان’ و اعتبر ان بعض الحيوانات كالقرود مثلا ’ تسمو في بعض تعاملاتها حتى على بعض البشر ’ و ذلك لكونها ذات ثقافة اعمق.
و ضربت واقعنا الان موجة جديدة و هي ثقافة اهل المال و الاعمال’ و من يسبحون في بحر السوق الحر و هو بحر لا ساحل له و لا رقيب و لا حسيب’ و كانت الفرصة لهؤلاء المغامرين ان يقتنصوا و يصطادوا ما لذ و طاب’ معتمدين على ظهور الاخرين و دماء البسطاء و الصفقات المشبوهة و العقود الضاربة. و اغرقوا المجتمع بانواع جديدة من الثقافة الاستهلاكية في الملبس و المشرب و الماكل و الترفيه’ وزادت بذلك الاسعار و التضخم و انهيار الجنيه امام العملات الاجنبية’ و دخول الناس في ضغوط اقتصادية و اجتماعية كثيفة اثرت على الفرد و الجماعة’ و ابرزت انواع و انماط جديدة من التفسخ و الجرائم و الظواهر الدخيلة على المجتمع’ قبل ان ياتيه هؤلاء العسس. و نرى اثار هذا التنابز و التنافر الفكري و الثقافي في كل مظاهر الحياة’ في دواوين الحكومة و في االشارع العام و في البيوت و المؤسسات و المصالح و الشركات الخاصة, و في الاسواق و المواصلات و المواقف و الاستادات و في كل مكان و منحى. حيث يكثر الشجار و المشاجرات و المشاحنات’ و يضيع ادب الحوار’ و كما تدنى مستوى الاخلاق و الذوق العام و كثر الغش و الاحتيال و الفساد و الرشوة و المحسوبية’ ووقع الناس في السرقة و الحرام و المخدرات’ و تغلبت المصلحة الخاصة على العامة و ضاعت هيبة الدولة و اصبح كل فرد يفكر في نفسه فقط’ و يدوس بنعله على كل شئ في سبيل ذلك’ في اصدق تعبير للوصولية و الميكافيلية و التى ارادها لنا الامير.
و حار البعض في تحديد موقفهم و اتجاهاتهم و ظهرهنا التطرف كرد فعل طبيعي للرفض و الجهجهة الفكرية و ووجه نيرانه للجميع و بدون استثناء و لا يزال.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة