الشمس كانت حارقة .. والهجير كان يلفح الأديم .. وتلك النفوس تململت كثيراُ وتضايقت جداُ من تلك الوقفة الطويلة !! .. والحالة بالمختصر المفيد كانت تماثل الويلات يوم القيامة .. ثم فجأة كان الانفراج العجيب .. حيث حضر في عمق ذلك الميدان الفسيح رتل من تلك ( البكاسي ) المجانية .. كانت بمثابة أطواق النجاة التي تمثل جديد الآمال في الحياة .. تلك السيارات الجميلة في أشكالها .. والظريفة بألوانها البيضاء .. فتراكض الناس نحوها للركوب في تنافس شديد .. وفي دقائق قليلة امتلأت تلك ( البكاسي ) بالركاب .. وكان أغلب الركاب من هؤلاء الشباب الذين تمكنوا وفازوا على الكبار والعجائز والنساء وصغار الطلاب بالركض والمدافسة .. ثم فجأة تقدم شاب نحو تلك الجموع ووقف بجانب ( البكاسي ) وبدأ يخاطب الركاب قائلاُ : ( أنزلوا فوراُ من هذه البكاسي !،، ولا تركبوا فيها إطلاقاُ !،، كيف تسمحون لأنفسكم أن تبيعوا دماء الشهداء الذين قتلوا بكيد أصحاب هذه البكاسي ؟؟؟ ) .. وحينها قامت القيامة في قمرات الركاب .. حيث تهجم عليه جميع الركاب بطريقة ملفتة وغاضة للغاية .. والبعض ردد عبارة : ( يا زول أنت عوير ؟؟،، وكيف تريد منا أن نصل لديارنا ؟؟؟؟ ) .. كما هاجمه آخرون بعبارة : ( إنتو لا ترحموا الناس !! ولا تخلوا الرحمة تنزل على الناس !! ) .. والبعض الآخر ردد عبارة : ( متى ذلك الخلاص من تلك الشعارات الجوفاء الفارغة التي لا توفر خبزاُ للجائعين في هذه البلاد ؟؟ ولا توفر وسائل مواصلات للغلابة من الناس ؟؟.. ولا توحي بأن هنالك جديد المظاهر من النعم في ساحة السودان بعد الانتفاضة ؟؟ ) .. والبعض الآخر أضاف قائلاُ : ( هؤلاء الشهداء هم في حدقات عيوننا وسوف نترحم عليهم بالقدر المستطاع ،، وقد ضحوا من أجل راحتنا ،، ولم يطلبوا منا أن نموت بعدهم بغباء الأغبياء وبهبالة المهابيل من الناس !!. ) .. ثم تحركت تلك ( البكاسي ) إلى وجهاتها دون أن يتدخل أو يكترث أحد من السائقين فيها لتلك الحوارات !.. وكأن هؤلاء السائقين يحافظون على تنفيذ أجندة وتعاليم دقيقة معينة لا تقبل الأخذ والرد والخروج !
وذلك السؤال المحير قد أصبح جدلاُ في مجالس وتجمعات الناس .. فهنالك من يرى أن الضرورة تجبر الناس على مجارة الأحوال لمرارة وقسوة الظروف .. وذلك رغم تلك الشعارات التي تريد أن تجاري المواقف والمبادئ .. وكما يقال في الأمثال : ( الغريق قد يمسك القشة الطافية على أمل الحياة !! ).. وهنالك آخرون يرون جازماُ بأن التجربة الجديدة برمتها فاشلة ثم فاشلة ثم فاشلة !.. وتلك المواقف التي تجاري حالات التشاؤم أو تجاري حالات التفاؤل بين الناس هي طبيعية للغاية في المجتمعات .. ولا تمثل ذلك الحكم النهائي على مرحلة سياسية مازالت في بداية الطريق .. وحتى تتبدل تلك الأحوال وتلك الظروف إلى الأفضل فإن والناس سوف تقول وسوف تقول وسوف تقول .. ولن تسكت إطلاقاُ حتى ترحل تلك الكوابيس .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة