صَعقنِى التصريح الذى أدلى به البارحة الهادى إدريس رئيس الجبهة الثورية السودانية(أ)، لمَّا أكَّد حضورهم إلى جوبا حاضرة الشقيقة جنوب السودان لجولة مفاوضات مع حكومة السودان الإنتقالية، لكنَّه أضاف أنهم لن يبدأوا المفاوضات مباشرة بل سيبحثون أمور إجرائية منها مكان التفاوض! والموضوعات. . مكان التفاوض جوبا فكيف تبحثونه مرَّة أخرى؟ وأكد لى هذا التصريح الهمس الذى سمعته فى جوبا الأسبوعين الأخيرين من سبتمبر الماضى. أكَّد لى رفاق هناك أن أحد أو بعض قادة "الحركات" التى تشكل الجبهة الثورية يرفضون التفاوض فى جوبا، يرفضون جنوب السودان كدولة مقر لمفاوضاتهم مع حكومة السودان. ذلك "القائد" أو القادة إن كانوا أكثر من واحد يريدون للمفاوضات أن تكون فى أحدى دول الخليج، يريدون إمارة أبوظبى. وحُجَّتهم كما نُقلت لى: أنَّ أميرَ تلك الأمارة وعد ذلك القائد بمساعدات مالية تعينهم على إقامة مشروعات تنمية فى دارفور إذا هو إستطاع إقناع رفاقه لرفض دولة جنوب السودان وإختاروا أبوظبى مقراً للتفاوض بين الجبهة الثورية وحكومة السودان. أنظر الجحُود، وهدر الكرامة الإنسانية وبيع الشرف الثورى فى سوق النخاسة السياسية، . والقائد الذى إعترض على جنوب السودان مقراً لمفاوضات السلام السودانية/ السودانية لا يفهم معنى الرمزية والوفاء بعد لأنه تخلَّى عن شرفه الثورى، وتحرَّر من رقابة أجهزة حركته، وتبنَّى خطاً براغماتياً إستثمارياً(الكاش يقلل النقاش). وعندما تلقَّى وعود أمارات النفط والمال الدولارى سَالَ لُعَابه، فتنكَّر للماضى القريب وكيف أن جنوب السودان قبل وبعد الإنفصال وقفت معه وآوته ونصرته، فإرتكز فيها وأدخل جيشه أراضيها، وإنطلق منها ونفَّذ عمليات عسكرية مؤثرة فى عمق دارفور فتت بها أوصال النظام البائد وأكسبت حركته ميزات وأرض وسمعة، . القائد الذى يقف الآن حجر عثرة ويرفض جوبا مقراً للتفاوض بين الجبهة الثورية وحكومة السودان هو أول رئيس حركة غادر الخرطوم وتخلى عن موقعه فى القصر الجمهورى وجاء إلى جوبا فى سبتمبر 2010م وخلق أزمة خانقة بين جوبا والخرطوم، ولم يعدْ إلى الخرطوم حتى اليوم. وتحملت حكومة إقليم جنوب السودان وِزر هذا القائد والدمار الذى سببه لها، وتعثر ثُمَّ انهيار اتفاق السلام الشامل وحكومة الوحدة الوطنية، وانتهى الأمر بإنفصال جنوب السودان فى دولة مستقلة. . لم يشكو الرفاق فى جنوب السودان الضرر الذى سببه لهم رئيس تلك الحركة، بل أنزلوه ضيفاً عزيزاً هو ومساعديه وجيشه. وأكرموه بنفس مزاياه فى حكومة الوحدة الوطنية وأكثر، ولكن لمَّا جاء الدور ليكشف عن معدنه وقف كالسيف يناهض ضيافة جوبا لمفاوضات السلام السودانية لأن قلبه مع المال الظبيانى، "ومن تعلَّم طعم الملح لحس الحجر"، . والسودان، شمال وجنوب، دولة أفريقية عريقة ضاربة بجذورها فى أفريقيا آلاف السنين ولهم آلياتهم فى حلِّ نزاعاتهم، وها هو إبن قرنها الأفريقى البار الفخيم أبى أحمد رئيس وزراء أثيوبيا قد نال جائزة نوبل للسلام 2019م يوم الجمعة الماضى، فهل يستطيع هذا القائد المعلق قلبه بأبى ظبى أن يحدث المنبر غداً الإثنين فى جلسة الإفتتاح المحضورة أفريقيا بميزات أبى ظبى على جوبا حيث يريد أن ينقل المنبر؟ هذا عدا مال النفظ المبهول طبعاً، وهل بالمال وحده يحيا الثورى؟. . لو كان الأمر متعلق بعمولات سمسرة فى أرواح الشهداء ودموع الثكالى وأنين اليتامى فليعلم هذا السمسار: فى زمن الدول العميقة والحكومات القميقة والحركات الغريقة من يبيع نفسه بمال العمالة لا يؤتمن ولا يؤخذ برأيه لأن عابر كما يقول أهل القانون Obiter Dictum Overruled ومن لم يجعل الله له نوراً ما له من نور، . وما علاقة أبوظبى بالسودان جنوب وشمال يا هذا؟ ولو إقترح أديس أببا لأحرجنا، ومقترح أبوظبى كمنبر لهذا القائد يجب أن يرفض مبدئياً، ولا تناقش فى منبر جوبا غداً. والهادى إدريس القادم الجديد الفرحان برئاسة مجموعته، نقول له: عيب عليك يا هذا أن تصرح بهذا التصريح السخيف، بأن الجبهة الثورية (أ) بصدد مناقشة المقر بالمفاضلة بين جوبا وأبوظبى، تبَّاً لكم يا هؤلاء. . إنكم تمرِّغون أنف نضال عظيم قُدِّم فيه الشهداء أرتالاً، إنكم تسيئون للجبل الشامخ الذى يرقد فى جوبا، إنكم تؤلمون الأيقونة جون قرنق الذى ما قصَّر معكم فكراً وتدريباً وتأهيلا ودعماً لوجستياً لتكونوا أبطالاً مثله، واليوم تبدلون مرقده الطاهر جوبا بأبى ظبى، ومن تعلَّم طعم الملح لحس الحجر، . إنَّ الثورى الذى يغيير مثابته عميل، والثورى الذى يتنكر لرفاقه وأساتذته خائن، والثورى الذى يبيع كرامته وشرفه بمال أمارات البترول مرتزق. والسودانى الذى يبدل جوبا بأمارة أبى ظبى ليحل فيها غريباً، ما حُر، . ومن يفاخر بأنَّ تيرموميتر القبول والرفض عنده (المُلاح الحِلُو) يبيع أىِّ شئ، . وفى الختام: نذكِّر قادة الحركات المسلحة الذين هم الآن فى جوبا (فندق برميدس) أن دولة جنوب السودان هذه قد ضحت من أجلكم عندما كانت بعد وَليدٌ خديج يتربص بها حكومة الكيزان فى الخرطوم، وأنها عانت من أجلكم ولم تتردد أبداً فى إيواءِكم ودعمكم وإسنادكم والتضحية بمصالحها من أجلكم، والآن تقلِبُونَ لها ظَهرِ المِجَنّ، وتريدون التغريد بعيد نحو مدن الملح وأمارات النفط. و"إن لم تستح فأصنع ما شئت"، . إقتراح عملى جدَّاً: المنبر جوبا، وهذا كلام مُنتهى.. والعايز يفاوض فى أبى ظبى الباب يفوِّت جَمَل، يمشى يتفاوض هناك مع حكومة السودان ويمثلها الجنرال حميتى، والطيور على أشكالها تقع.. رُفِعت الأقلام وجفَّت الصُحف، . سؤال أخير: . بتاريخ 11 سبتمبر 2019م وقعت الجبهة الثورية (أ) "إعلان جوبا لإجراءات بناء الثقة والتمهيد للتفاوض" مع الجنرال محمد حمدان حميتى عضو مجلس السيادة الحالى ممثلاً لحكومة السودان، السؤال: لماذا لم يوقِّع رئيس الجبهة الثورية الجديد الهادى إدريس نيابة عن الجبهة كما وقَّع جنرال حميتى نيابة عن حكومة السودان وإنتهى الأمر؟، لماذا وجدنا الوثيقة موقعة من كل من هَبَّ ودبَّ من رؤساء حركات الفكة المكونة للجبهة وهم بعددِ الحَصَى؟ كان أمراً فى غاية الفوضى والسَخف، وأفقد الورقة قيمتها وجعلها كصحن حِسَاء عبث به أطفال، كمية من التوقيعات القبيحة والمتداخلة وخاصة الـInitial Signatures التى تُمهَر بها كلِّ صفحات الورقة. . أشعر أن قادة الحركات الذين ينهضون بأمرنا غير مؤهلين أخلاقياً، وضعاف إدارياً، ويفتقرون إلى قيم الثورى ووفاءه لقضيته ورفاقه وشعبه. وبالمحصلة إن هؤلاء القادة لا يمثلونى ولا يمثلون الشهداء الذين عرفناهم، ناهيك عن النازحين واللاجئين وضحايا الحرب، فإلى الجحيم كل من سيطر على المُقوَد وأساء القيادة، ومن رَهنَ إرادته لأمراء النفط لا خير فيه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد العزيز عثمان سام
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست