رغم قداسة مبدأ الثورة على الباطل بإسم الحق وتطلُّعنا إليها منذ وقتٍ ليس قريب ، وإحتفائنا بإنتصارها وإعتدال مسيرتها في رحلة التغيير إلى الأفضل ولو ببطءٍ ربما كانت أسبابهُ الحذر والرغبة في عدم الوقوع مرةً أخرى في (مطبات) الماضي المظلم لدولة الإنقاذ البغيضة ، إلا أن التطرُّف والمبالغة إذا شاب شيء خلَّف فيه مذمةً ونقصان ، فالحماس السائد الآن والمدعوم بالروح الشبابية الوثَّابة والمتطلعة إلى صناعة واقع سوداني جديد على كافة الأصعدة ، بالتأكيد يُشكِّل اللبنات الأساسية لبناء السودان الجديد بكل ما ننشدهُ فيه من قيَّم وأخلاقيات ومباديء تأتي في مقدمتها الحرية والعدالة والمساواة وتمكين دولة المؤسسات والقانون ، يقودني للحديث عن(الحماس الثوري) الزائد أو المتطرِّف في التعبير عن آرائنا وإنطباعاتنا تجاه القضايا العامة سواء أن كانت سياسية أو غير ذلك ، ما حدث من ردة فعل شعبية تلقائية تجاه إلقاء السلطات المصرية القبض على الشاب السوداني وليد بتهمة الإرهاب والمشاركة في المظاهرات الشعبية الأخيرة التي حدثت بمصر الشقيقة ، والتي إنتهت وقائعها بوقفات ومواكب إحتجاجية أمام السفارة المصرية بالخرطوم ، وللحقيقة علينا في البداية أن نحتفي بتلك الروح (الإنتمائية) العالية التي سادت بين أفراد الشعب السوداني بعد ثورته المجيدة والتي تجسَّدت منذ أيام إعتصام القيادة العظيم إخاءاً وتعاطفاً وتكافلاً ووحدةً وطنية لم نرى لها مثيلاً منذ بزوغ فجر الإستقلال ، غير أن أمر المعتقل السوداني وليد هو موضوع ذو صِبغة رسمية ولا يمكن أن يُحل عبر الضغوط السياسية والشعبية ، لأنه ببساطة ليس شأناً سياسياً وإن بدا كذلك عبر مجريات الأحداث ، فلا المظاهرات ولا الإحتجاجات ولا حتى التدخلات الرسمية بدءاً من سفارتنا بمصر أو وزارة الخارجية أو رئاسة الوزراء بقادرة على إيجاد حل لموضوع تطرحهُ السلطات المصرية من منطق (القانون) الداخلي لسيادتها الوطنية فهو من وجهة نظر المنظومة الأمنية المصرية (متهم) ولا يمكن عبر أيي حِراك سياسي أو جماهيري أو رسمي تغيير هذه الصِفة ، كل ما يمكن المطالبة به في الوقت الراهن أن تتأكَّد سفارتنا والجهات المعنية أن إبننا وليد يتمتَّع بكافة حقوقه الدستورية والقانونية المتعارف عليها وأن تقدم السلطات المصرية كافة البراهين التي تؤيِّد إدانته ، وإذا لم تتوفَّر عليها إطلاق سراحهُ دون قيدٍ أو شرط ، بعض الحماس الثوري المُفرط في أحيانٍ كثيرة قد يُعوِّق الحلول ويزيد الأمور تعقيداً.
ومن أوجُه التطرُّف (الثوري) السائد هذه الأيام في الشارع السوداني ، ما يواجههُ منسوبي القوات النظامية في كافة التخصصات وفي مقدمتهم رجال الشرطة والمرور من تعُنُّت وإحتجاجات وإتهام بالتعالي على الآخرين ، فقد لا حظت كثيراً نوعاً (العدائية) الناعمة أو الخفية في تعامل المواطنين معهم وهم يؤدون واجباتهم السامية والضرورية تجاه الوطن والمواطن ، وقد شاهدت بعض المواطنين يحتجون على تقديم مركبات الشرطة في حال الإزدحام وإعتبارهم ذلك نوعاً من المحسوبية وهم على ما يبدو يجهلون أن القانون يفرض ذلك لإعتبارات مُتعلِّقة بمهامهم التي قد يرتبط التباطوء في الوصول إلى مواقعها إلى الإرتباك الأمني أو وقوع الجريمة المُفضية إلى إزهاق الأرواح أو فقدان الممتلكات العامة والخاصة ، المنطق والقانون يفرض علينا أن يكون لمركبات القوات النظامية وكذلك سيارات الأسعاف والمطافيء وأفرادها العاملين عليها (إعتبارات) خاصة تعطيهم الأولوية في التحرك والوصول ، ولا مجال للجدل في ذلك وإن كنا نتمنى أن يُعطي القانون هذه الإعتبارات الخاصة لجهات أخرى تمتاز مهامها بحاجيات إنسانية مُلحة كالأطباء والمعلمين ومُجمل الذين يعملون في القطاع الصحي.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة