وتصلح للعنوان حاجة ثانية.. كأن يكون (دين إسحاق) – مثلاً – أو (دين الإنقاذ).. وكلا العنوانين هذين سبق لي أن استخدمتهما للحديث عن فهمٍ للدين…غريب جداً.. فهم ظل سائداً لثلاثين عاماً… وكل عام يزداد سوءاً.. وبلغ من سوئه هذا – مؤخراً – أن استطيب حتى القتل… من بعد مطايب الدنيا.. وبلغ إسحاق من الجرأة حد أن أباح قتل المسلمين.. وذلك في سياق نقاش بمباني الجريدة… كان شهوداً عليه زملاؤنا بقسم الحسابات.. أو بعبارة أدق : أباح قتل الثائرين ضد الإنقاذ.. وحين جادلته بأنهم ليسوا بكفار – ولا مشركين – جاء جوابه متسقاً مع فهمه هذا.. وخلاصته – حسب فهمي – أن الدين عنده يعني دين الإنقاذ.. فالإنقاذ هذه تمثل المشروع الديني في بلادنا… وهو في مقام الحارس الأمين له.. فمن أبى – كلا المشروع وحارسه – فهو مشكوكٌ في دينه.. بل هو إلى الشيوعية أقرب، إن لم يكن شيوعياً – كافراً ملحداً نجساً – بالفعل.. ويكفي أن تقرأ مقالاته هذه الأيام… منذ سقوط الإنقاذ.. فكل الثائرين… وهيئاتهم… ورموز ثورتهم… وأعضاء حكومتهم، شيوعيون.. أو يتحكم في بعضهم الشيوعيون… لا فرق، ديناً.. ولا يخلو مقالٌ واحد له من هذا الفهم العجيب، كله عنده شيوعي في شيوعي.. ونظامه الذي يحرسه يكره الشيوعية أيضاً… مثله.. ويحب – بعنف معاكس – شعارات الدين جداً، وأشهرها ( ما لدنيا قد عملنا).. ولكنه – عملياً – يفعل كل ما هو ضد الشعارات هذه.. يفسد… ويسرق… ويقهر… ويكذب…ويقتل، ثم ويعمل – بكل طاقته – لهذه الدنيا.. كلهم عملوا لها… عدا قلة نادرة شذت عن هذه القاعدة.. فمنهم من اعتزل… ومنهم من عارض… ومنهم من واصل، ولكن على مضض.. ثم منهم من قضى نحبه في حرب الجنوب.. ويوم الأول من أمس شهد مصادفة أثارت انتباهي… وحيرتي… و…. ضحكي.. فأحد (إخوان) مصر كان يتحدث عن الأحداث هناك، هذه الأيام.. يتحدث إلى (فرنسية 24) من مقر إقامته بتركيا، ويُسأل عن تجربتهم في الحكم.. وحين يشير إلى قصر مدتها يُباغت بسؤال آخر… ذي صلة.. سؤال عن تجربة (إخوانهم) في السودان، وقد كانت (مدتها) ثلاثين عاماً… بحالها.. ولم يكن حصادها إلا هشيماً… ذرته رياح الثورة.. فإذا بالضيف يصيح مستنكراً (لا…لا ، إخوان السودان دول حاجة تانية خالص).. وفي اليوم ذاته كان الناس يتداولون صورة هنا لـ(أخ) منهم.. صورة تناقض تماماً ما يدعو إليه من تمسك بقيم الدين… وبعد عن مباهج الدنيا.. بل ويكاد من يستمع إليه أن يبكي لبكائه… وهو يعظ.. فقد كان يبدو في قمة التمتع بمباهج الدنيا هذه وهو مستلقٍ عند حافة مسبح سرايته.. ولعله يستلهم ما يستمطر به دموع البسطاء من هذا المنظر البهيج.. والمشروع الذي أُوكلت إليه مهمة إنشائه – من مال الشعب – تمخض عن لا شيء.. فليس فيه الآن – بعد سنوات من الإشراف – سوى (حفرة).. ولكن هذه الحفرة – في دين إسحاق والإنقاذ – تصلح لأن تُرمى فيها حكومة الثورة.. بما أنها لا تدين بدينهم الغريب – والعجيب – هذا.. والذي هو بالفعل (حاجة تانية خالص)… كما وصف الأخ المصري إخوان إسحاق.. بل (وتانية أوي) !!.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة