أخلاقيات الشراكة ، وبعضاً من موجبات السياسة و(الكياسة) والدبلوماسية ، سوف تجعل من العسير على الحكومة الإنتقالية في جانبها التنفيذي أن تُعلن أو تسعى بصورة (ثورية) لحسم الكثير من الملفات الخطيرة و(المُحرجة) لأطراف كثيرة ، يقع إحراجها والضغط عليها في الوقت الحالي تحت طائلة (التسرُع) والتوقيت الخاطيء والمُخاطرة بما تم تحصيلهُ من مكاسب للثورة ، فالمكوِّن العسكري داخل مجلس السيادة وممثلياته الوزارية داخل مجلس الوزراء وبإصراره على (تقاسم) رئاسة المجلس السيادي زمنياً عبر ما تم الإتفاق عليه بالوثيقة الدستورية ، يُشير بما لا يدع مجالاً للشك أن الشراكة بين المكونَّين العسكري والمدني للحكومة الإنتقالية سيظل شكلياً ولا يمكن ان يُنفُذ على نطاق الغوص في المضامين ، فحالة الصراع على نسق الحرب الباردة ستظل قائمة ولكن (بلباقة) ودبلوماسة ، أما الأسباب التي تجعل المكوِّن العسكري مُصراً على لعب دور المنافس لتوجهات قوى الحرية والتغيير وكأنه يكبح (شهواتها) نحو تحقيق الكثير من شعارات الثورة ومبادئها على أرض الواقع كما يُطالب بذلك العامة ، فهي غير معلومة وغير قابلة للتكهُن لأنها تقوم على (أسرار) وأحداث خفية على ما يبدو لا يُمكن نشرها وإعلانها على الأقل في الوقت الحاضر.
تراودني تلك الأفكار التي تم شرحها أعلاه وأنا في خضم التساؤل الذي يدفع بنفسه عبر قراءات المنطق (ما الذي يدفع بالشارع للخروج والتظاهر بعد أن إنتصرت ثورته ؟) ، خصوصاً وأن المطلب هذه المرة منطقي وبديهي وكان من المفترض أن لا يحتاج إلى كثير جُهدٍ بعد كل ما قدمهُ الشعب من عطاء وتضحيات عبر أحداث ثورته المجيدة ، ليس من المنطقي أبداً أن يظن أعداء الثورة وكابحي مسيرتها نحو التغيير أن مفهوم العدالة الناجزة وفرض سيطرة دولة القانون والمساواة وإمكانية محاسبة الذين ظلموا وإعتدوا على البلاد والعباد ، يمكن أن يتم أو أن يكون واقعاً ملموساً ومُعاشاً دون تبديل الشخوص على المستويات الوظيفية العُليا للنظام القضائي والعدلي ، وفي مقدمتهم منصبي رئيس القضاء والنائب العام ، ذلك أن أن هاتان الوظيفتان هما المُناط بهما إعادة هيكلة الهيئة القضائية وتحريرها من القبضة التمكينية للنظام البائد وهما في ذات الوقت يمثلان جهة الإختصاص في تعديل القوانين واللوائح الداخلية التي تعمل على تيسير إجراءات القبض والتحقيق والتحري والمحاكمة للمتهمين في قضايا تتعلَّق بالمساس بأمن المواطن وحقه في الحياة والأمان والحرية إبتداءاً من أول شهيد في عهد الإنقاذ وإنتهاءاً بمجزرة القيادة العامة وما سبقها وما تلاها من أحداث.
نعم بعد الثورة ستكون الكلمة الأولى والأخيرة هي كلمة الشعب الذي قدم أبناءه شهداء وجرحى ومفقدوين فداءاً لهذا الوطن ، وحق الشهداء هو حق وطني لكل مواطن سوداني شريف وسوي ، فالحق يتجاوز في هذا المقام أولياء الدم لييصبح حقاً وطنياً عاماً ولأجل هذا خرجت الجماهير لتطالب بحقها في الحصول على نظام قضائي وعدلي نزيه ومحايد وله القُدرة على محاسبة الضالعين ورد الحقوق إلى أهلها ، لن يسمح هذا الشعب لمنهج (الكياسة) التي يتَّبعه الشق المدني في حكومته الإنتقاليةأن يهزم (مُجمل) مضامين الثورة وأهدافها ، وذلك عبر إغراقها في ذات المستنقع الآسن والمُتمثِّل في نظام قضائي وعدلي مُرتهن الإرادة ومزدوج الولاء ومشكوك في نزاهته.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة