إذا كان الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الإعلام الإنتقالي قد قصد بتصريحاته الأولى المتعلِّقة بأولوياته في مجال الإصلاح الإعلامي والتي كان مفادها أنه لم يأتي (ليُقصي) أحداً ، أو يُقيل هذا أو ذاك من منصبه ، بل جاء ليجعل الجميع في خدمة الرؤية الديموقراطية الكُلية لإدارة الدولة عبر ما يضطلع به الإعلام في هذا الإطار ، نقول له يا سعادة الوزير دعنا نختلف معك منذ البداية ، فقولك هذا يعودُ بنا إلى براثن ومغبات (المثالية الغاشمة) التي طالما أودت بالكثير من آمالنا وتطلعاتنا إلى غياهب المجهول وفي مقدمتها ديموقراطية أبريل 86 التي كانت مثالية و(تسامُح) الدولة تجاه (تآمرية) بعض مؤسساتها الإعلامية سبباً رئيسياً في إنجاز إنقلاب 89 المشئوم ، فالشاهد في أمر الكوادر الإعلامية التي تسلَّلت خِلسةً عبر الأُطر التمكينية والإستنفاعية لعهد الإنقاذ البائد وسيطَّرت عبر الإستقواء بعلاقاتها المشبوهة مع أهل السلطة وبإستعدادها الفطري للإسترزاق بإسم العمل الإعلامي على مُجمل مفاصل المؤسسة الإعلامية بشقيها العام والخاص ، لم يُعد يصلُح معظم مُنتسبيها للتعبير عن شعارات الثورة المجيدة ومطالبها ولا عن منظومة المباديء المهنية والثقافية والإخلاقية لنظام ديموقراطي يقوم على إحترام الرأي الآخر والإنحياز المُطلق للمصلحة العامة وعدم قداسة المناصب والأشخاص.
بعضُ هؤلاء أستاذنا فيصل ، لن يستطيعوا أن يكونوا جزءاً من تروس آلتك التي تريد أن تنتج بها رؤيتك الخاصة بحرية الإعلام وتعزيز دوره في بناء التنمية عبر دعم برنامج النظام الديموقراطي الوليد ، لأنهم ببساطة لايؤمنون بتلك الرؤية ، فضلاً عن كونهم غير مؤهلين لذلك وغير متخصصين في إدارة وممارسة مثل هذا النوع من الإعلام ، هم تدَّربوا على ممارسة ما يمارسون خارج إطار المهنية الإعلامية التي إتفق حولها الجميع ، لا يستطيعون أن يقوموا بمحو كل تجاربهم وخبراتهم التي تجاوزت ثلاثون عاماً في مجال إستصغار شأن المواطن ورفع شأن الحاكم ومُداراة فسادهِ ودعم جبروته وتسلُّطه ، لا يفقهون شيئاً عن دور الإعلام الريادي في تنمية القناعات الجمعية بالسلام والتنمية والحرية والمساواة وقداسة سيادة القانون ، بعضُ هؤلاء سيدي الوزير لا يستحقون تنصيبهم على سُدة قيادة السُلطة الرابعة ببساطة لأن فاقد الشيء لا يُعطيه .
أستاذنا فيصل محمد صالح ، رغم إحترامنا لشخصك وتاريخك المُضيء بالنضال وقدراتك وبُعد نظرك ، لكن لم نعُد في فُسحةٍ من أمرنا لنجامل من جديد في هذا الشعب الذي دفع أثماناً غالية ولم يرى ذرةً مما إشترى منذ الإستقلال وإلى يومنا هذا وقد كان لتواطؤ من أداروا الإعلام وقتها القدح المُعلَّى في فداحة خسائره الماثلة ، المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة وخصوصاً المرئية والمسموعة ، لا مجال للحديث عن تقويمها وإعادة تأهيلها للمساهمة في تحقيق شعارات الثورة والوقوف خلف دولة السلام والقانون والمؤسسات ، دون إتخاذ قرارات حاسمة و(موجعة) تمِسُ الشخوص الذين دخلوها قسراً و(تمكيناً) من أشباه الإعلاميين وأنصاف الموهوبين على المستويين الإداري والفني .. بغير ذلك لن يوضع كل شيء في مكانه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
هيثم الفضل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست