أعلن الاتحاد الأفريقي مفاخرا وربما مزهوّا بأنه تمكن من التوسط بنجاح بين الفرقاء السودانيين حتى تكلل الأمر بتوقيع الاتفاق الدستوري بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير. ووصف الاتحاد الاتفاق بأنه تاريخي. وقال الوسيط الأفريقي إن توقيع الاتفاق عبر عن تشبث دول أفريقيا بمبدأ حل مشاكلها بصورة مستقلة. ولعل الاتفاق السوداني المنجز والذي يشكل بداية فترة انتقالية تستمر 39 شهرا، يلقي ضوءا كثيفا على فعالية الاتحاد الأفريقي بشكل عام ودوره في حل مشكلات السودان بشكل خاص مقارنة بدور الجامعة العربية. والمفارقة الجديرة بالملاحظة أن هناك عشر دول عربية تجمع بين عضوية الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي بيد أن دورها في الاتفاق اقتصر بشكل شخصي على تعيين الوسيط - موريتاني - من قبل الاتحاد ربما بسبب الميزة المضافة المتمثلة في تحدثه باللغة العربية مما يسهل تواصله مع الفرقاء السودانيين. بل إنه رغم أن رئيس مصر هو الرئيس الدوري الحالي للاتحاد الأفريقي لكنه لم يكن حاضرا ضمن الرؤساء الأفارقة الذين حضروا مراسم توقيع الاتفاق في الخرطوم السبت الماضي 17 أغسطس الجاري. والمتابع لعلاقة الاتحاد الأفريقي بالشأن السوداني يلحظ أنه ومنذ نحو أكثر من عقدين من الزمان، أن قضايا السودان قد احيلت بالكامل إلى غرفة الانعاش الأفريقية. ولم يعد للمجموعة العربية أي مساهمة تذكر عدا مساهمة قطر في توقيع سلام دارفور في يوليو 2011 وهي مساهمة تبنتها وبادرت بها الدوحة. ورغم أنه كانت قد طرحت مبادرة مصرية ليبية مشتركة في وقت سابق إلا أنه لم يكتب لها النجاح لكونها لم تخرج من مربع إبداء حسن النوايا، إذ لم يطرح إعلان مبادئ للحل مثل المبادرة القطرية أو مبادرة دول الإيقاد الأفريقية. ونظر البعض للمبادرة الليبية المصرية المشتركة كمحاولة فاترة لرفع الحرج عن العرب بسبب تجاهلهم قضايا دولة عربية مهمة. وتعتبر مبادرة دول الإيقاد الأفريقية في عام 1994 الأساس الذي على ضوئه جرت مفاوضات السلام في كينيا حتى كللت بتوقيع اتفاقية نيفاشا 2005م، التي أدت في النهاية إلى فصل جنوب السودان في يوليو 2010 في ظل غياب للجامعة العربية. وبلغ انغماس الاتحاد الأفريقي في القضايا السودانية درجة أنه شكّل دوراً موازياً لمنظمة الأمم المتحدة، ولا تكاد تمر شهور، أو أسابيع، إلا ويحل وفد من الاتحاد الأفريقي ضيفا على الخرطوم، ليبحث مع المسؤولين مبادرات تسعى لحل أزمات البلاد. ولم يقبل السودان تدخل قوات الأمم المتحدة في دارفور إلا تحت غطاء قوات تتبع للاتحاد الأفريقي حيث نشرت قوات سلام في دارفور في إطار شراكة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تحت مسمى اليوناميد. والمفارقة المدهشة أن موقف الاتحاد الأفريقي تبدّل بشكل دراماتيكي من داعم قوي للنظام السابق برئاسة عمر البشير إلى داعم قوي لمعارضيه بعد الاطاحة به في 11 ابريل الماضي. وكانت بعثة الاتحاد الأفريقي لمراقبة انتخابات 2015 قد أعربت عن رضاها التام عن العملية الانتخابية التي أعلن فيها عن فوز البشير بالرئاسة، وفوز حزبه بالأغلبية البرلمانية المطلقة. وظلت الحكومة السودانية السابقة مَدينة بشدة لمواقف الاتحاد تجاه أزماتها وكان بقاء هذه الأزمات في أروقة الاتحاد مصدر اطمئنان لحكومة البشير. وكان للاتحاد الأفريقي موقف قوي ومشهود من المحكمة الجنائية الدولية التي ظلت تسعى لمحاكمة البشير الذي تتهمه بارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية في دارفور. وذلك على عكس مواقف الجامعة العربية التي كانت تثير قلق الخرطوم؛ ففي القمة العربية بنواكشوط 25 يوليو 2016 طالب البشير الجامعة العربية بموقف مماثل لموقف الاتحاد الأفريقي الذي كان قد اتخذ قرارا بعدم التعامل مع المحكمة، لكن موقفا كهذا لم تتخذه الجامعة. كذلك اتخذ الاتحاد الأفريقي قرارا دعا فيه الدول الأعضاء لعدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية على السودان ووجه بتكوين آلية لمتابعة تنفيذ قرار العمل على رفعها. وهذا أيضا لم يحدث من جانب الجامعة العربية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة